القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز

 

العالم عشية البعثة المباركة

 

في العقود الثلاثة قبل الرسالة اي من وفاة عبد المطلب وحتى البعثة فقد المجتمع المكي بعض بريقه وترك المنطقة المضيئة للرسول صلى الله عليه وآله الذي اصبح يتألق في وسط مجتمع يزداد عتمة.

فبعد وفاة عبد المطلب نشبت الفرقة في المجتمع المكي واشتد النزاع بين بني هاشم وبني امية وفقد هذا المجتمع القيادة المركزية التي كانت متمثلة بشخصية عبد المطلب، فالكثير من المهابة التي امتلكتها قريش كان مصدرها شخصية عبد المطلب. وبعد وفاته فقدت قريش الموجّه، فدبت النزاعات الفردية فتضاءلت بذلك المكانة السياسية لقريش. فاصبحت عرضة للعدوان من القبائل العربية الاخرى بعد ان كانت مهابة لا يجرأ احد على معارضتها. وحرب الفجار التي وقعت ورسول الله في عمر الشباب (خمسة عشرة عاماً) كانت الدليل على هوان قريش في اعين العرب حيث تعرضت الى هجمات متعاقبة لأربع سنوات من قبيلة هوازن.

وقد سارع احد ابناء عبد المطلب وهو الزبير الى ايقاف هذا التفكك فدعا الى نوع من التماسك بين ابناء المجتمع المكي، فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاماً فتعاقدوا وتعاهدوا بالله المنتقم ليكونن مع المظلوم حتى يؤدي اليه حقه ،وقد جاء على لسان الرسول الاكرم: لقد حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما يسرني به حمر النعم ولو دعيت الى مثله لاجبت. والى حد ما استطاع هذا الحلف ان يملأ فراغ النظام في المجتمع المكي بعد غياب القيادات التاريخية. لكن هذا الفراغ كان قائماً، فانعدمت معه السيطرة التامة على كل ابناء المجتمع، وكان لهذا الواقع آثار ايجابية على بعض اجنحة المجتمع، فقد أدى انهيار الهيمنة والسلطة المركزية الى تحرر نسبي من القيود والعادات والتقاليد التي كانت تكبل المجتمع، وبدأ الناس يفكرون بحرية، واصبح لليهود والنصارى نشاط بارز بعد ان كانوا مقيدين بقوانين اجتماعية صارمة، حيث كانوا في نظر قريش عبيداً، وكانت مساكنهم بعيدة عن بيت الله الحرام حسب التقسيم الاجتماعي.

حركة التمرد ضد الوثنية

ولقد ادى هذا التخلخل في النظام الى ظهور حركة تمرد على الوثنية قادتها مجموعة من شباب مكة في طليعتهم زيد بن عمر الذي فرّ من زوجته ومن عمه الخطاب وسافر الى الشام والعراق ثم عاد والتقى باليهودية والنصرانية لكنه لم يدخل فيها، وكان يستند الى الكعبة ويقول: اللهم لو اني اعلم اي الوجوه احب اليك لعبدتك به، ولكني لا اعلم.

وجاء عن اسماء بنت ابي بكر انها قالت: رأيت زيد بن عمرو قائماً قد أسند ظهره الى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش والله ما منكم على دين ابراهيم غيري، وكان زيد يعيب على قريش قرابينها للآلهة ويقول: الشاة خلقها الله وانزل لها الماء من السماء وانبت لها النبات وانتم تذبحوها لغير الله، وكان لزيد مواقف اصلاحية في قبال الانحراف الطاغي. فمن اعماله انه كان يأتي لمن يريد قتل ابنته فيقول له: انا اكفيك امرها ومؤونتها، ويأخذها منه، فاذا ترعرعت قال لأبيها: ان شئت دفعتها اليك وان شئت تتركها لي اكفيك مؤنتها.

ومن رواد حركة التمرد ضد الوثنية ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد الغزى، وهو ابن عم خديجة بنت خويلد رضوان الله تعالى عليها، وقد تنكّر للوثنية واخذ يدرس التوراة والانجيل واتصل بالنصارى. وقيل: انه اعتنق النصرانية ووجد في الانجيل ما يشير الى ظهور نبي الاسلام وكان اول من بشر بالنبوة عندما جاءته خديجة عليها السلام واخبرته بما شاهده وسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله في غار حراء فقال ورقة: قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده ان كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران وانه لنبي هذه الامة، قولي له ليثبت .وبعد ايام من هذا الحادث التقى ورقة بن نوفل رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يطوف في الكعبة، فسأله عما شاهده وسمعه، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله بما رأى وسمع فقال له ورقة: والذي نفسي بيده انك لنبي هذه الامة ولقد جاءك الناموس الاكبر الذي جاء لموسى. ثم اخبره بما سيلاقيه من قومه لكنه طمأنه بأنه سينصره عندما يعلنون الحرب عليه قائلاً: ولئن ادركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصراً يعلمه ثم ادنى رأسه منه فقبل يافوخه، وانصرف كل منهما الى منزله.

لكن لم يمهل القدر ورقة بن نوفل لكي يشاهد ذلك اليوم ويفي بوعده الذي قطعه لرسول الله فقد جاء اجله قبل اعلان الدعوة الاسلامية بمدة وجيزة.

ومن الاسماء التي لمعت في فترة ما قبل البعثة والتي عرفت بتنصلها عن الوثنية ودعوتها للحنيفية عبيد الله بن جحش الذي تمسك بشريعة ابراهيم عليه السلام وطال عمره حتى ظهور الاسلام فاسلم على يد رسول الله ثم هاجر الى الحبشه. وفي الحبشه ارتدّ عن الاسلام وتمسك بالنصرانية وترك زوجته ام حبيبة بنت ابي سفيان فتزوجها رسول الله اكراماً لاستقامتها ولانها كانت وحيدة بعد ارتداد زوجها عن الاسلام.

وكان عبيد الله بن جحش يقول لمن يلتقي من المسلمين: فقحنا وصأصأتم اي اهتدينا وانكم لا زلتم تبحثون عن الهدى.
وتكشف هذه التغيرات في حياة عبيد الله انه كان قلقاً مضطرباً لا يستقر عند رأي ولا يصبر على دين مثله مثل الكثير من أبناء جيل الشباب الذين تتصف حياتهم بالاضطراب الدائم والتغيّر المستمر فهم لا يبحثون عن الحقيقة الصادقة بقدرما يعبرون بانتماءاتهم المضطربة عن حالة عدم الاستقرار في حياتهم الفكرية والنفسية.

والشخصية الرابعة التي حملت راية التحنث في عصر ما قبل البعثة عثمان ابن الحويرث وهو ايضا من اقرباء خديجة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله اضطرته افكاره المعادية للوثنية بان يترك الجزيرة العربية الى بلاد الروم فتنصّر فيها فقربه ملك الروم واحسن اكرامه وقيل انه اراد اقناع ملك الروم بضرورة احتلال مكة وهدم الوثنية فيها واحلال النصرانية محلها وان يكون هو عاملاً فيها من قبل القيصر وعندما احس المكيّون بنواياه طردوه من بلادهم، فاضطر الى الالتجاء الى بلاد الغساسنة وهناك لم يكف عثمان بن الحويرث عن الحاق الاذى بالمجتمع الوثني فحث ملك الغساسنة على قطع الطريق امام تجارة مكة وما ان احس المكيون بذلك حتى سارعوا في ارسال الهدايا الى ملك الغساسنة وتآمروا على حياة خصمهم بن الحويرث فقتلوه بالسم.

ولم يذكر لنا التاريخ اسماء اخرى غير هؤلاء الاربعة الذين اعلنوا تحنثهم.
وهناك طائفة من الاحداث والوقائع نقلها لنا المؤرخون عن اشخاص استهانوا بأصنامهم كحادثة امرؤ القيس عندما استقسم بالازلام ثلاث مرات عند صنم يعظمه العرب (ذي الخصلة) وكانت تخرج عليه بالنهي عن الثأر لمقتل ابيه فغضب امرؤ القيس وجمع الاقداح وكسرها وضرب بها الصنم وسبّه وسب من يعظمه ثم غزا بني اسد فظفر بهم ولم يستقسم بعدها ابدا، لكن مثل هذه الحوادث لا ترقى لمستوى حركة التمرد التي حمل رايتها اشخاص كزيد بن عمرو وغيره ممن ذكرناهم.

مستوى حركات الاصلاح

وحتى حركة زيد لم تكن بمستوى الحركة الاصلاحية التي يعوّل عليها اصلاح الوضع المتخلف في الجزيرة العربية، إذ:
اقتصرت هذه الحركة على محاولات فردية محصورة بفرد واحد ولا تتجاوز حالة واحدة، هذا اولاً.
ثانياً: انها كانت تفتقر الى البعد الاجتماعي فهي كانت حركة فكرية لاصلاح العقيدة من الوثنية الى التوحيد ولم تكن حركة اجتماعية تتبنى اصلاح مظاهر التخلف الاخرى في المجتمع الجاهلي.

ثالثاً: ان هذه الحركة لم تجد في الجزيرة العربية مكانا لها للمقاومة الضارية التي كانت تواجهها أية حركة تنوير في المجتمع الجاهلي فاضطر هؤلاء المتحنثون ان يتركوا ارض الجزيرة العربية الى أمكنة اخرى اكثر تحرراً واكثر تنوراً من الجزيرة العربية ليجدوا فيها الحماية الكاملة وهذا مؤشر واضح على استحالة عملية الاصلاح في بيئة الجزيرة العربية لتصلب مجتمع الجزيرة على الجاهلية ومقاومته لاية صيحة اصلاحية.

لقد اراد المستشرقون ان يقللوا من حجم العمل الجبار الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وآله عند تركيزهم على وجود هذه الحركة، وكأن النبي صلى الله عليه وآله قد اخذ مبادئه من هؤلاء.

ولدحض هذه الشبهة كان لا بد من اعطاء صورة واقعية لحركة التحنث التي ظهرت قبيل الاسلام فهي لم تكن ذات قوة او تأثير على المجتمع المكي ولم تستقر هذه الحركة عند نظرية واضحة في الحياة والموت والكون فهي حركة محصورة بعدد من الافراد ولم تستطع ان تصنع واقعاً سليماً في المجتمع لافتقارها للعنصر الاجتماعي.

وخلاصة الامر ان بعض العرب عندما تعمّقوا في دراسة الديانات لمسوا تفاهة الوثنية فقاموا بنبذها فاطلقوا العنان لفطرتهم السليمة التي قادتهم الى الحنيفية الابراهيمية فأين هذه الحركة الصغيرة من ذلك السيل الذي أنهمر على رؤوس المشركين فطهرهم من رجس الوثنية والجاهلية وجعلهم قادة الامم وزعماء التاريخ؟

ان من الخبث مقايسة حركة الرسول صلى الله عليه وآله بحركة جماعة صغيرة اندثرت مع موت افرادها، بينما ظلت الرسالة الاسلامية خالدة خلود الزمن باعتبارها رسالة خير واصلاح لكل البشر على مدى الزمن وعبر المسافات الشاسعة.

الانحلال الاجتماعي في جزيرة العرب

لا يعرف التاريخ جاهلية ظلماء كتلك التي سادت المجتمع العربي قبل الاسلام.
فباستثناء بعض الخصائص الاجتماعية والثقافية التي اوجدتها حياة الصحراء او التي تعلقت ببقايا الديانات والموجات الاصلاحية التي حدثت في الجزيرة العربية، فان حياة الانسان العربي كانت حياة مشبعة بالتخلف متصفة بالانحطاط والهبوط.

تفشي الخرافة والجهل

فقد كانت الخرافة قد احتلت مواقعها في عقل الانسان في ذلك اليوم فسدت منافذ العلم والحكمة فلم يكن في الجزيرة العربية يومذاك من يعرف الكتابة والقراءة الا بعدد الاصابع وقد ادى ذلك الجهل الى انتشار الخرافات ففي ايام الجفاف وانقطاع المطر كانوا يربطون بعض الاعشاب والاغصان اليابسة الى ذيل بقرة ويشعلون فيها النار ويأخذون البقرة الى الجبل وهي طريقتهم في الاستسقاء معتقدين ان لهب النار يشبه وميض البرق وان وجود اللهب في اعالي الجبل سيسبب نزول المطر وعندما كانت تحل عليهم مصيبة كانوا يدخلون البيت من الباب الخلفي ارضاء للارواح الشريرة التي يعتقدون بانها تدأب على ايذاء الانسان بخلق المتاعب له وانها السبب ايضا في اصابة الانسان بالأمراض فكانوا يقومون بالعزائم والشعوذة لدفع الارواح الشريرة.

وكان العرب يتطيرون بحركة الطير فمتى ما اجتاز الطير من الشمال الى اليمين تفاءلوا بذلك وسموه بالسابح واذا اجتازتهم من اليمين الى الشمال تشاءموا وسموه بالبارح وعندما يموت لهم شخص كانوا يربطون على قبره بعيراً، ويتركونه لوحده دون ان يقدموا له الاكل فيجوع حتى الموت معتقدين ان ميتهم سوف يركب البعير يوم المحشر.

وفي مجتمع تتحكم فيه الجاهلية تصبح المرأة والبهيمة على حد سواء فقد كانت المرأة سلعة يتوارثها الابناء عن الاباء فيحق لهم التصرف بها كيفما شاؤوا ويتم استخدامهن في البغاء لكسب المال لأسيادهن، وخصوصاً الاسيرات منهن.

وكان يحق للرجال الاقوياء ان يقيموا ما يشاؤوا من العلاقات المحرّمة مع النساء وحتى المتزوجات وكان الرجال يجيزون لزوجاتهم ان يتصلن بالاخرين وخصوصا الاشداء من الرجال من اجل تحسين الانجاب وكان يعرف هذا العمل بـ «الاستبزاء».

وكان الرجال يجبرون الجواري على التعري والسير في الطرقات بصورة مستهجنة.
واصبح تعري المرأة امراً عادياً غير مستهجن حتى وهي تطوف حول البيت الحرام.
وكانت اذا ارادت ان تطوف ولم تجد ثوباً من الثياب الخاصة للعبادة فانها تطوف عارية واضعة يدها على فرجها وفي رواية انها كانت تنزع جميع ثيابها الا درعا مفرّجاً عليها وتطوف به. وقد طافت ضياعة بنت عامر بن صعصعة على تلك الحال وهي تنشد مخاطبة الرجال من حولها:

اليوم يبدو بعضه او كله وما بدا مــنه فلا احـله

وتُجسّد عبارات ضياعة وسلوكها الوضع السائد للمرأة في الجاهلية وضياعة ليست بالمرأة الوضيعة فهي بنت الأشراف وقد ادعى بعض المؤرخين ان رسول الله صلى الله عليه وآله اراد ان يتزوج بها فقيل له فيها كُبرة فتركها. وبالرغم من كون الرواية تثير الشك لان ضياعة كانت معروفة لدى القاصي والداني فمن غيرالممكن ان لا يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله بحالها واذا علم بحالها فمن غير الممكن ان يتقدم للزواج منها الا انها في الواقع تؤكد الواقع المزري الذي كانت تعيشه المرأة في الجاهلية.

وأد البنات

وكان من العادات التي ينتقص من قيمة الأنثي انتشار طاهرة وأد البنات فكان الاب يبقى بانتظار لحظة الولادة (فاذا بُشّر بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب)

فيمنع انتشار الخبر قبل ان يأخذها الى الصحراء ويحفر لها حفرة صغيرة فيدسها وهي حية ترفس بأيديها وارجلها وتستصرخ بعويل يذيب الصخر وفي بعض الحالات كان الزوج يجبر زوجته ان تقوم بنفسها بهذا العمل كبرياء منه وعتواً وكانت المسكينة تأخذ فلذة كبدها لتضعها تحت التراب امتثالاً لأوامر زوجها.

فأي شقاء كان اعظم من شقاء هذه الام المفجوعة. وأي قلب قاسي فارغ من الانسانية والمحبة كان يمتلكه هذا الزوج وهو لا يعبأ بمنظر الضحية ولا بمنظر الام الوالهة. لقد خلت القلوب من الشفقة والرحمة لانها كانت قلوباً مريضة بمرض الجاهلية وكانت بحاجة الى طبيب حاذق والى دواء سريع المفعول والاداء.

ولم يكن ذلك الدواء الا الايمان. الذي كان له مفعول ساحر في النفوس فمع اول جرعة من هذا الدواء كان كل شيء يستقيم في ذلك الانسان. كانت الحياة تعود الى ذلك القلب المتحجر وكانت ومضة الفكر تشع في ذلك العقل المُعطّل. وفي لحظة واحدة كان انساناً جديداً يولد في هذا العالم من تلك الكتلة المتراكمة من الرذائل والخرافة والانحطاط وهذه هي معجزة الاسلام الذي استطاع ان يصنع من الماء الآسن ماء طهوراً وأن يوجد من وسط الجاهلية الظلماء من يحمل مشعل العلم للعالم.

العالم عشية البعثة

كان العالم في القرن السادس الميلادي ينقسم الى أربعة أقسام جغرافية وهي الهند والامبراطورية الايرانية والامبراطورية البيزنطية والجزيرة العربية وكانت الدول الاخرى مصر وسوريا وغيرهما دولاًمحتلة تابعة لاحدى هذه الامبراطوريات.

ولعل هناك اجماع من المؤرخين الغربيين والشرقيين المسلمين وغير المسلمين علي ان العالم كان يعيش ظلاماً سحيقاً في القرنين الخامس والسادس الميلادي وكانت البشرية تترقب بسبب المعاناة والمظالم والتفسخ الى من ينقذها من جحيم الجاهلية والتخلف.

وقد سبق وتحدثنا عن اوضاع المجتمع الجاهلي في الجزيرة العربية وبقي ان نتحدث بايجاز عن اوضاع المجتمعات في المناطق الاخرى.

1. الهند:
● عانى المجتمع الهندي من ابشع انواع التفاوت الطبقي وكان مقسماً الى اربع طبقات لكل طبقة مكانة معينة ومركز محدد فالبراهمة طبقة الكهنة ورجال الدين لهم امتياز خاص فالبراهمي لا يُعاقب عندما يذنب لان ذنوبه مغفورة ولا تجبى منه الضرائب وليس للطبقات الاخرى الحق في مجالسة البراهمي ولا يحق لهم ان يلمسوا يد البراهمي.

● سادت في الهند في القرن السادس حالة الفوضى واصبحت ساحة للتنافس والحروب دفعت الطبقات السفلى ضريبتها الباهظة.
● حط من قدر المرأة، وكانت تباع وتشتري على مائدة القمار. وعندما يموت الزوج كانت الزوجة تبقى الى آخر عمرها بلا زوج وكانت العوائل الارستقراطية تجبر الارامل على حرق انفسهن وفاء للزوج الميت وهي عادة لا زالت باقية في الهند وتسمى بـ «ستي».

● لفترات طويلة كانت الهند محتلة وكان للمحتلين امتياز اقتصادي فهم يسنّون الضرائب الجائرة وتنقل اليهم ما تدرّه الارض من محاصيل وارباح وكان المحتلون يتقاسمون الاموال بينهم وبين طبقة البراهمة تاركين الغالبية العظمى من سكان الهند يتضوعون جوعاً ويتصببون عرقاً.

2. الامبراطورية الايرانية:
● كان الأكاسرة يمارسون الحكم بالحق الالهي معتقدين انهم مفوضون من قبل الله وكانوا يعتبرون انفسهم اعلى من مستوى الانسان فيأخذون ويسلبون ويقتلون وينكحون ماشاؤوا من النساء دون ان يمنعهم مانع وكان على الناس الاذعان لهم وتقديسهم والقيام للملوك كما يقوم العبد امام ربه للصلاة. وكانت موارد البلاد كلها ملكاً لهؤلاء الملوك حتي غالوا في اكتناز الاموال وادخار الجواهر الكنوز وعاشوا عيشة بذخ وترف ويذكر لنا التاريخ ان يزدجر عندما هرب من المدائن مع دخول العراق في الاسلام اخذ معه الف طاهٍ والف مغنٍ والف قيّم للخمور والف قيّم للبزاة هذا ما استطاع اخذه اما ما لم يستطع فهو اكثر.

● وكان الشعب يعاني من بؤس وشقاء، يرهقونهم بالعمل الشاق في الزراعة او الصناعة ويحرمونهم من الاجر ولا يستطيعون حتى سد رمقهم وستر عورتهم. وكانوا يعيشون عيشة البهائم وفي الحروب وما اكثرها بين الدولة الساسانية والدولة البيزنطية كانوا هم الوقود لها يحترقون فيها من اجل غيرهم.

● تحوّلت ايران في القرنين الخامس والسادس الى حلبة لصراع المذاهب والافكار فبالاضافة الى الزرادشتية الديانة القديمة لبلاد فارس ظهر في القرن الثالث الميلادي من جدد هذه الديانة هو مانّي وسمي مذهبه بالمانّية. حرّم ماني الزواج على اتباعه لا يقاف النسل معتقداً ان انقطاع النسل سيؤدي الى انتصار النور على الظلمة لانه سيمنع امتزاج النور بالظلمة وهو مصدر شرور العالم.

وعلى نقيض ما جاء به ماني جاء مزدك في اوائل القرن الخامس الميلادي بمذهب يدعو الى اباحة النساء والاموال وجعل الناس شركاء فيها فانتهكت الاعراض وانتشرت اللصوصية واصبح الفرد وهو لا يأمن على امواله ونسائه. فكان الاقوياء يدخلون البيوت فينهبونها ويمتلكون النساء والمزارع والاراضي التي باتت خربة مقفرة في العهد المزدكي لان الملوك الجدد لم يكن لهم عهد بالزراعة.

3. الامبراطورية الرومانية:
● اعتبر الرومان أنفسهم اصحاب رسالة وانهم على دين عيسى عليه السلام لكنهم اوغلوا ايضا في تحريف المسيحية ومزجها بالوثنية فقد اقتبس المسيحيون طقوسهم الدينية من المجتمعات الوثنية فاصبحوا يألهون ابطالهم ويصنعون التماثيل لهم و يعبدونهم معتقدين انهم حلقة وصل بين الله والانسان فهم لهذا يحملون صفة الالوهية.

فاصبحوا لا يختلفون عن جاهلية الجزيرة العربية في عبادة الاصنام مع اختلاف ضعيف، هو ان اولئك كانوا يعبدون شهداءهم وابطالهم بينما هؤلاء يعبدون هبل ويسوع.

ومن جانب آخر كانت حروب طاحنة تجري على قدم وساق بين نصارى الشام والعراق وبين نصارى مصر حول طبيعة المسيح فكان كل فريق يُكفّر الفريق الاخر.

● كان القياصرة يدعون انفسهم بأنهم آلهة وعلى الناس الاعتراف بذلك والسجود للقيصر وكانوا يستخدمون هذه الصفة في فرض الضرائب حتى اصبح الناس يفضلون ان تحكمهم حكومة اجنبية بدلاً من حكومة القياصرة.

● حاول البعض من الغربيين وحتى المتغربين من بلاد الاسلام ان يصف المجتمع البيزنطي بأنه مجتمع ديمقراطي مستدلين بوجود مجلس للشيوخ يناقش فيه قرارات القيصر لكن في الحقيقة لم يكن وجود هذا المجلس الا وجوداً صورياً فليس بمقدوره مطلقاً معارضة القيصر الذي يعتبر نفسه الهاً. وقد كان الحكم في الامبراطورية الرومانية حكماً دكتاتورياً فردياً. عانى فيه المواطن اشد المعاناة فامتهنت كرامته وبالاخص من كان في مصر وسوريا يعيش تحت سيطرة الحكم الروماني حيث كان جهده وعرقه يذهب ثمناً لبقائه في الحياة.

● انتشرت في الامبراطورية الرومانية ظاهرة الالعاب القاسية فأنشئت ساحات للالعاب الرياضية تتسع لجلوس الالاف من المتفرجين وكانت تجري فيها العاب المصارعة بين مصارعين او بين مصارع وأحد الحيوانات المفترسة وكانت تنتهي هذه الالعاب دائماً الى مشاهد مأساوية يستلذ بها المتفرجون الذين باتوا يعشقون العنف والدماء والوحشية. وهذه كانت التسلية المفضلة لأهل الروم.

عالم تائه وممزق يتطلع الى منقذ

وهكذا تكشف لنا النظرة العامة لاوضاع العالم في القرن السادس الميلادي، ان العالم كان تائهاً بين المتناقضات حائراً بين الدولتين المتصارعتين منتظراً من يستطيع انقاذه وقد مرت فترة طويلة من الزمن لم تلتق البشرية فيها أي مصلح يؤدي دوراً انسانياً وسط ذلك التراكم من السلبية. فقد كانت تمزقها الخلافات وتأكلها الحروب الطاحنة وتعصف بها رياح التخلف والجاهلية رغم التقدم النسبي الذي شهدته الدولتان الساسانية والبيزنطية لكن حتى هذا التقدم الجزئي لم يكن له نتائج مؤثرة، إذ كانت عجلات الدكتاتورية الفردية التي كانت تتحكم بمقاليد الزعامة في كلا الدولتين تسحقه، ولم يعد الاصلاح ممكنا في اجواء التحكّم والجهل وسيطرة مبدأ القوة.

فكان السبيل الوحيد لانقاذ البشرية هو ان تمتد اليد الالهية الى الارض من جديد وتبعث رسولاً جديداً وبرسالة جديدة تناسب المرحلة الزمنية.
من هنا كان ظهور الاسلام في ذلك الزمن يمثل اكثر من ضرورة لارساء قواعد جديدة لحياة الانسان تمكّنه من اعادة حياته وتضمن له السعادة في الدنيا والآخرة.

و لا بد من الاشارة هنا الى محاولات بعض المفكرين للتقليل من شأن الرسالة الاسلامية بالادعاء الواهي بان الرسالة الاسلامية جاءت لتحقيق غاية محددة وانها اتت استجابة لوضع خاص كان يعيشه العالم في نهاية القرن السادس الميلادي. فهم يحصرون القيمة العملية للرسالة بذلك الزمن المحدد.

ولكن الاسلام حمل راية وجاء لمعالجة مشكلات ذلك العهد والقرآن جاء يتحدث بلغة ذلك العصر.
اما اليوم فالبشرية تعيش عصراً اخر هو عصر العلم وعصر التقدم الفكري والتكنولوجيا فلم تعد هناك حاجة الى ذلك الدين الذي جاء قبل خمسة عشر قرناً.

ان هذه الشبهة وغيرها من الشبهات اضعف مما هي بحاجة الى رد لانها تحمل في ذاتها بذور التناقض، ولا ريب فان المؤمنين بهذه الشبهة يقرون بصورة لا واعية بان الاسلام هو رسالة كل عصر لانهم يعترفون بحقيقة الدور الذي قام به الاسلام في بداية ظهوره.

والملاحظ ان مشاكل البشرية الرئيسية التي تصدى لها الاسلام هي نفسها في كل زمان ومكان وهي مشاكل ترتبط بالعقيدة وبالعلاقات الاجتماعية و الاقتصادية وشرور مصدرها الطغيان، سواء كان طغيان الحاكم او طغيان المال.


موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه