القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

  

  

( 300 )

[ 137 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[في معنى طلحة والزبير]


     وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا [عَلَيَّ] مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً(1)، وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً [هُمْ] تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ، فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ(2) إِلاَّ قِبَلَهُمْ، وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي، مَا لَبَّسْتُ وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ، وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فِيهَا الْحَمأُ وَالْحُمَةُ(3)وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ(4)، وَإِنَّ الاَْمْرَ لَوَاضِحٌ، وَقَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ(5)، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغَبِهِ(6). وَايْمُ اللهِ لاَُفْرِطَنَّ(7) لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ(8)، لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ، وَلاَ يَعُبُّونَ(9) بَعْدَهُ فِي حَسْي(10)
!

____________
     1. النِّصْف ـ بكسر النون ـ : الانصاف.
     2. الطَّلِبة ـ بفتح الطاء وكسر اللام ـ : ما يطالب به من الثأر.
     3. المراد بالحَمَأ هنا مطلق القريب والنسيب، وهو كناية عن الزبير، فانه من قرابة النبي ابن عمته. والحُمَة ـ بضم ففتح ـ : أصلها الحية أوإبرة اللاسعة من الهوام.
     4. أغْدَفَت المرأة قناعها: أرسلته على وجهها، وأغدف الليل: أرخى سدوله. يعني: أن شبهة الطلب بدم عثمان شبهة ساترة للحق.
     5. زَاح يزيحُ زَيْحاً وزَيحاناً: بَعُدَ وذهب، كانزاح. والنصاب: الاصل. أي: قد انقلع الباطل عن مَغْرِسه.
     6. الشّغَب ـ بالفتح ـ : تهييج الشرّ.
     7. أفرطَ الحوضَ: ملاه حتى فاض، والمراد حوض المنية.
     8. ماتِحُهُ: أي نازع مائه لاسقيهم.
     9. عبّ: شرب بلا تنفّس.
     10. الحَسْيُ ـ بفتح الحاء وتكسر ـ : سهل من الارض يستنقع فيه الماء.


( 301 )



منه: [في أمر البيعة]


فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ(1) عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا.
     اللَّهُمَّ إنَّهُمَا قَطَعَاني وَظَلَمَاني، وَنَكَثَا بَيْعَتِي، وَأَلَّبَا(2) النَّاسَ عَلَيَّ; فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيَما أَمَّلاَ وَعَمِلاَ، وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا(3) قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ(4)، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ(5)، وَرَدَّا الْعَافِيَةَ.
____________
     1. العُوذ ـ بضم العين ـ : جمع عائذة وهي النِّتاج من الظباء والابل، أوكل أُنثى. والمطَافيل: جمع مُطْفِل ـ بضم الميم وكسر الفاء ـ : ذات الطفل من الانس والوحش.
     2. التألّب: الافساد.
     3. اسْتَثَبْتُهُما: من ثاب (بالثاء) إذا رجع، أي استرجعتهما. وطلبت اليهما الرجوع للبيعة.
     4. أَمام الوِقاع ـ ككتاب ـ : قبيل المواقعة بالحرب.
     5. غَمَطَ النعمة: جَحَدَها.


( 302 )

[ 138 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
يومىء فيها إلى ذكر الملاحم


     يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ.

منها:


     حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق، بَادِياً نَوَاجِذُهَا(1)، ممْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا(2)، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا.
     أَلاَ وَفِي غَد ـ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ـ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِىءِ أَعْمَالِهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ الاَْرْضُ أَفَالِيذَ(3) كَبِدِهَا، وَتُلْقي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَة
____________
     1. النواجذ: أقصى الاضراس أوالانياب. وَبُدُوّ النواجذ: كناية عن شدة الاحتدام.
     2. الاخلاف: جمع خلف ـ بالكسر ـ وهو للناقة حلمة الضرع.
     3. أفاليذ ـ جمع أفْلاذ، جمع فلذة ـ وهي القطعة من الذهب والفضة.


( 303 )


منها:


     كأَنَّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَفَحَصَ(1) بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ(2)، فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ(3)، وَفَرَشَ الاَْرْضَ بِالرُّؤُوسِ، قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ(4)، وَثَقُلَتْ فِي الاَْرْضِ وَطْأَتُهُ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ.
     وَاللهِ لِيُشَرِّدَنَّكُمْ(5) فِي أَطْرَافِ الاَْرْضِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاِّ قَلَيلٌ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، فَلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ، حَتَّى تَؤُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا(6)! فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ، وَالاْثَارَ الْبَيِّنَةَ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي(7) لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ.
____________
     1. فحص: بحث.
     2. كُوفان: الكوفة.
     3. الضّروس: الناقة السيئة الخُلُق تعضّ حالبها.
     4. فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ: انفتح فمه، وأكّد الفعل بذكر الفاعل من لفظه.
     5. ليشرّدنّكم: ليفرقنكم.
     6. عوازب أحلامها: غائبات عقولها. 7. يُسَنِّ: يسهّل.
    


( 304 )

[ 139 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في وقت الشورى


     لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ، وَصِلَةِ رَحِم، وَعَائِدَةِ كَرَم.
     فَاسْمَعُوا قَوْلي، وَعُوا مَنْطِقِي، عَسَى أَنْ تَرَوْا هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِ هذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى(1) فِيهِ السُّيُوفُ، وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لاَِهْلِ الضَّلاَلَةِ، وَشِيعَةً لاَِهْلِ الْجَهَالَةِ.

[ 140 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في النهي عن عيب الناس


     وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لاَِهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إِلَيْهمْ فِي السَّلاَمَةِ(2) أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ
____________
     1. تُنْتَضى: تُسَلّ.
     2. المصنوع اليهم: الذين أنعم الله عليهم وأحسن صنعه اليهم بالسلامة من الاثام.


( 305 )


الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيَكُوَنَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَالْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ، فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ! أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللهِ عَلَيْهِ مَنْ ذُنُوبِهِ [مِـ ]مَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ! وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْب قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ؟! فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذلِكَ الذَّنْبَ بَعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللهَ فِيَما سِوَاهُ، مِمَّا هُو أَعْظَمُ مِنْهُ، وَايْمُ اللهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ، لجُرْأتُهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ!
     يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ; فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ.

[ 141 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[في النهي عن سماع الغيبة وفي الفرق بين الحقّ والباطل]


     أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِين وَسَدَادَ طَرِيق، فَلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي، وَتُخْطِيءُ السِّهَامُ، وَيَحِيكُ الْكَلاَمُ، وَبَاطِلُ ذلِكَ يَبْورُ، وَاللهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ.
     أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ.

فسئل(عليه السلام) عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه ثمّ قال:


     الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ!


( 306 )

[ 142 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[المعروف في غير أهله]


     وَلَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ، مِنَ الْحَظِّ فِيَما أَتى إِلاَّ مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ، وَثَنَاءُ الاَْشْرَارِ، وَمَقَالَةُ الْجُهَّالِ، مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ، مَا أَجْوَدَ يَدَهُ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللهِ بَخِيلٌ!

[مواضع المعروف]

     فَمَنْ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الاَْسِيرَ وَالْعَانِيَ، وَلْيُعْطِ مَنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ(1)، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ(2) عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ; فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

____________
     1. الغارم: مَنْ عليه الديون.
     2. صَبرَ نفسه ـ بالتخفيف ـ : حَبَسها.


( 307 )

[ 143 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
في الاستسقاء


[وفيه تنبيه العباد إلى وجوب استغاثة رحمة الله إذا حبس عنهم رحمة المطر]


     أَلاَ وَإِنَّ الاَْرْضَ الَّتِي تَحْمِلُكُم، وَالسَّماءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ(1)، مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ، وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ، وَلاَ زُلْفَةً(2) إِلَيْكُمْ، وَلاَ لِخَيْر تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ، وَلكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا، وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا.
     إِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الاَْعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الَّثمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ.
     وَقَدْ جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ الاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ:
(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً)، فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!
     اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الاَْسْتَارِ وَالاَْكْنَانِ، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلْدَانِ، رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ، وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ، وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ.
     اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ(3)،
____________
     1. تُظلّكُم: تعلو فوقكم.
     2. الزّلْفة: القُرْبة.
     3. السِّنون ـ جمع سَنَة ـ : بمعنى الجدب والقحط.


( 308 )


وَلاَ تُؤَاخِذْنَا
(بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا) يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
     اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمضَايِقُ الْوَعْرَةُ(1)، وَأَجَاءَتْنَا(2) الْمَقَاحِطُ(3) الْـمُجْدِبَةُ، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ، وَتَلاَحَمَتْ(4) عَلَيْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعِبَةُ.
     اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِينَ، وَلاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ(5)، وَلاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا، وَلاَ تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا.
     اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ، وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ، وَاسْقِنَا سُقْيَا نَافِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وَتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ، نَافِعَةَ الْحَيَا(6)، كَثِيرَةَ الْـمُجْتَنَى، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ(7)، وَتُسِيلُ الْبُطْنَانَ(8)، وَتَسْتَوْرِقُ الاَْشْجَارَ(9)، وَتُرْخِصُ الاَْسْعَارَ، إِنَّكَ عَلى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ.

____________
     1. المضايق الوَعْرة ـ بالتسكين ولا يجوز التحريك ـ : الصعبة.
     2. أجاءته اليه: ألجأته.
     3. المَقاحِط: جمع مَقْحَطة، وهي السنة المُمْحِلة.
     4. تلاحمت: اتصلت.
     5. الواجِم: الذي قد اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام.
     6. الحَيَا: الخِصْب والمطر.
     7. القَيعان: جمع قاع، الارض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والاكام.
     8. البُطْنان: جمع بطن، بمعنى ما انخفض من الارض في ضيق. 9. تستورق الاشجار: تخرج ورقها.
    


( 309 )

[ 144 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[مبعث الرسل]


     بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الاِْعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ.
     أَلاَ إِنَّ اللهَ قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ(1) كَشْفَةً، لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونَ أَسْرَارِهِمْ وَمَكْنُونِ ضَماَئِرِهمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ
(أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)، فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَالْعِقَابُ بَوَاءً(2).

[فضل أهل البيت(عليهم السلام)]


     أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا، أَنْ رَفَعَنَا اللهُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ.
    
____________
     1. كشفَ الخلْقَ: علم حالهم في جميع أطوارهم.
     2. بَواء: مصدر باء فلان بفلان: أي قُتِلَ به. والعقاب: القصاص.


( 310 )


بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى، وَبِنَا يُسْتَجْلَى الْعَمَى. إِنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ قُرَيش غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِم، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ.

منها: [في أهل الضلال]


     آثَرُوا عَاجِلاً، وَأَخَّرُوا آجِلاً، وَتَرَكُوا صَافِياً، وَشَرِبُوا آجِناً(1)، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنكَرَ فَأَلِفَهُ، وَبَسِىءَ بِهِ(2) وَوَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ(3)، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ في الْهَشيمِ لاَ يَحْفِلُ(4) مَا حَرَّقَ!
     أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَالاَْبْصَارُ اللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى؟! أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ للهِِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ؟! ازْدَحَمُوا
____________
     1. الاجن: الماء المتغير اللون والطعم، واستعارة الامام للذّات الدنيا، تشبيهاً بالماء الذي لا يسوغ شربه لتغير لونه وطعمه.
     2. بَسِىء به ـ كفرح ـ : ألِفَهُ واستأنس به.
     3. خلائِقُهُ: ملكاته الراسخة في نفسه.
     4. لا يَحْفِل ـ كيضرب ـ : لا يبالي.


( 311 )


عَلَى الْحُطَامِ(1)، وَتَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ، وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ، دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا، وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا!

[ 145 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[فناء الدنيا]


     أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ(2) الْمَنَايَا، مَعَ كُلِّ جَرْعَة شَرَقٌ، وَفي كُلِّ أَكْلَة غَصَصٌ! لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلاَ يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، وَلاَ تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أَكْلِهِ إِلاَّ بَنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ، وَلاَ يَحْيَا لَهُ أَثَرٌ إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ، وَلاَ يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ(3)لَهُ جَدِيدٌ، وَلاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ، وَقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا، فَمَا بَقَاءُ فَرْع بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ!

____________
     1. ازْدَحَمُوا على الحُطام: استعار لفظ الحُطام لِمُقْتَنَيَات الدنيا، لسرعة فنائها وفسادها.
     2. تَنْتَضِل فيه: تترامى إليه.
     3. يَخْلَق: يَبْلَى.


( 312 )


منها: [في ذمّ البدعة]


     وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ، فَاتَّقُوا الْبِدَعَ، والْزَمُوا الْمَهْيَعَ(1)، إِنَّ عَوَازِمَ الاُْمُورِ(2) أَفْضَلُهَا، وَإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا.

[ 146 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
وقد استشاره عمر بن الخطاب
في الشخوص لقتال الفرس بنفسه


     إِنَّ هذَا الاَْمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلاَ خِذْلاَنُهُ بِكَثْرَة وَلاَ بِقِلَّة، وَهُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ، وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَأَمَدَّهُ، حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ، وَطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ، وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُود مِنَ اللهِ، وَاللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ.
     وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالاَْمْرِ(3) مَكَانُ النِّظَامِ(4) مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ: فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ وَذَهَبَ، ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعُ بِحَذَافِيرِهِ(5) أَبَداً. وَالْعَرَبُ الْيَومَ وَإِنْ كَانُوا قَلِيلاً، فَهُمْ كَثِيرُونَ بَالاِْسْلاَمِ، عَزِيزُونَ بَالاجْتَِماعِ!
    
____________
     1. المَهْيَعْ ـ كالمقعد ـ : الطريق الواضح.
     2. عوازم الامور: ما تقادَمَ منها، وكانت عليه ناشئة الدين. من قولهم: «ناقة عَوْزَمٌ ـ كجعفر ـ» أي: عجوز فيها بقية من شباب.
     3. القيّم بالامر: القائم به.
     4. النظام: السِّلْك ينظم فيه الخرز.
     5. بحذافيره: أي بأصله، والحذافير: جمع حِذْفار، وهو أعلى الشيء وناحيته.


( 313 )


فَكُنْ قُطْباً، وَاسْتَدِرِ الرَّحَا بِالْعَرَبِ، وَأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ، فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ(1) مِنْ هذِهِ الاَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ.
     إِنَّ الاَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا: هذا أَصْلُ الْعَرَبِ، فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ، فَيْكُونُ ذلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ، وَطَمَعِهِمْ فِيكَ.
     فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ.
     وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيَما مَضَى بِالْكَثْرَةِ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ!

[ 147 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[الغاية من البعثة]


     فَبَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الاَْوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ، بِقُرْآن قَدْ بَيَّنَهُ وَأَحْكَمَهُ، لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ، وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ. فَتَجَلَّى سُبْحَانَهُ لَهُمْ(2) فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ، بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلاَتِ(3)، وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ!

____________
     1. شَخَصْتَ: خرجت.
     2. تجلى سبحانه لهم: ظهر لهم من غير أن يرى بالبصر.
     3. المَثُلات ـ بــفتح فـضم ـ : العـقـوبـات.


( 314 )


[الزمان المقبل]


     وَإِنَّهُ سَيَأْتي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ، وَلاَ أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلاَ أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ أَنْفَقَ مِنْهُ(1) إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ فِي الْبِلاَدِ شَيءٌ أنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفَ مِنَ المُنكَرِ!
     فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ، وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ; فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذ وَأَهْلُهُ مَنْفِيَّانِ طَرِيَدانِ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيق وَاحِد لاَ يُؤْوِيهِمَا مُؤْو; فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسَا فِيهِمْ، وَمَعَهُمْ وَلَيْسَا مَعَهُمْ! لاَِنَّ الضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ الْهُدَى، وَإِنِ اجْتَمَعَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَافْتَرَقُوا عَنِ الْجَمَاعَةِ، كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اسْمُهُ، وَلاَ يَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَزَبْرَهُ(2)، وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا(3)

____________
     1. أَنْفَق منه: أروج منه.
     2. الزّبْر ـ بالفتح ـ : الكتابة.
     3. مثّلوا: نكّلوا وشنّعوا، والاسم منه: المُثْلة ـ بضم الميم ـ .


( 315 )


بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَة، وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللهِ فِرْيَةً(1)، وَجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ العُقُوبةَ السَّيِّئَةَ.
     وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ(2) الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ(3)وَالنِّقْمَةُ.

[عظة الناس]


     أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللهَ وُفِّقَ، وَمَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هُدِيَ
(لِلَّتَي هِيَ أَقْوَمُ); فَإِنَّ جَارَ اللهِ آمِنٌ، وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ، وَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ، وَسَلاَمَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ، فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الاَْجْرَبِ، وَالْبَارِي(4) مِنْ ذِي السَّقَمِ(5).
    
____________
     1. الفِرْية ـ بكسر الفاء ـ : الكذب.
     2. الموعود: هنا الموت الذي لا يقبل فيه عذر ولا تفيد بعده توبة.
     3. القارعة: الداهية المهلكة. 4. الباري: المُعَافي من المرض.
     5. السّقم: المرض والعلة.


( 316 )


وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمَيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذَي نَبَذَهُ; فَالْـتَمِسُوا ذلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، هُمْ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ.

[ 148 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في ذكر أهل البصرة]


    
     كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا يَرْجُو الاَْمْرَ لَهُ، وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ، لاَ يَمُتَّانِ(1) إِلَى اللهِ بِحَبْل، وَلاَ يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بَسَبَب(2)
.
     كُلُّ واحِد مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ(3) لِصَاحِبِهِ، وَعَمَّا قَلِيل يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ!
     وَاللهِ لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هذَا نَفْسَ هذَا، وَلَيَأْتِيَنَّ هذَا عَلَى هذَا، قَدْ قَامَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فَأَيْنَ الْـمُحْتَسِبُونَ(4)؟! قَدْ سُنَّتْ لَهُمُ
____________
     1. لا يَمُتّان: لا يمدّان. 2. السبب: الحبل.
     3. الضّبّ ـ بالفتح ويكسر ـ : الحقد، والعرب تضرب المثل بالضبّ في العقوق.
     4. المُحْتَسِبون: الذين يجاهرون حِسْبَة لله.


( 317 )


السُّنَنُ، وَقُدِّمَ لَهُمُ الْخَبَرُ، وَلِكُلِّ ضَلَّة عِلَّةٌ، وَلِكُلِّ نَاكِث شُبْهِةٌ.
     وَاللهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ(1)، يَسْمَعُ النَّاعِيَ، وَيَحْضُرُ الْبَاكِيَ، ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ!

[ 149 ]
ومن كلامه(عليه السلام)
قبل موته


     أَيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِىء لاَق بِمَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، وَالاَْجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ(2)، وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ. كَمْ أَطْرَدْتُ(3) الاَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الاَمْرِ، فَأَبَى اللهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ، هَيْهَاتَ! عِلْمٌ مَخْزُونٌ!
     أَمَّا وَصِيَّتِي: فَاللهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَمُحَمَّداً فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ، أَقِيمُوا هذَيْن الْعَمُودَيْنِ، وَأَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ، وَخَلاَكُمْ ذَمٌّ(4) مَالَمْ تَشْرُدُوا(5)، حُمِّلَ كُلُّ امْرِىء مَجْهُودَهُ، وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ، رَبٌّ رَحِيمٌ،
____________
     1. اللّدْم: الضرب على الصدر والوجه عند النياحة.
     2. مَسَاق النّفْس: هو ما تَسُوقها اليه أطوار الحياة حتى تُوافِيه.
     3. أطْرَدَ: أمر بالاخراج والطّرْد.
     4. خلاكم ذَمّ: برئتم من الذمّ.
     5. تَشرُدُوا ـ كتنصروا ـ أي: تَنْفِروا وتميلوا عن الحق.


( 318 )


وَدِينٌ قَوِيمٌ، وَإِمَامٌ عَلِيمٌ.
     أَنَا بِالاَْمْسِ صَاحِبُكُمْ، وَأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ! غَفَرَ اللهُ لي وَلَكُمْ!
     إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ(1) فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ(2) فَذَاكَ، وَإِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ(3) فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ(4) أَغْصَان، وَمَهَابِّ رِيَاح، وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَام، اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا(5)، وَعَفَا(6) في الارْضِ مَخَطُّهَا(7)
.
     وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً، وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً(8):
____________
     1. إن تَثْبُتِ الوَطْأةُ: يريد بثبات الوطأة معافاته من جراحه.
     2. المَزَلّة: محلّ الزّلَل.
     3. دَحَضَتِ القدَمُ: زلّت وزَلقت.
     4. الافْياء ـ جمع فَيْء ـ : وهو الظلّ ينسخ ضوء الشمس عن بعض الامكنة.
     5. مُتَلَفّقُها ـ بفتح الفاء ـ : مجتَمَعُها، أي ما اجتمع من الغيوم في الجو، والتلفيق: الجمع.
     6. عَفَا: اندَرَس وذهب.
     7. مَخَطّها: أثر ما خَطّتْ في الارض.
     8. جثة خلاء: خالية من الروح.


( 319 )


سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاك، وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْق لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي، وَخُفُوتُ(1) إِطْرَاقِي، وَسُكُونُ أَطْرَافِي(2)، فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لَلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِيغِ وَالْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ.
     وَدَاعِيكُم وَدَاعُ امْرِىء مُرْصِد(3) لِلتَّلاَقِي! غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي.

[ 150 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
يومي فيها إلى الملاحم


     وَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالاً ظَعْنَاً فِي مَسَالِكَ الْغَيِّ، وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ، فَلاَ تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ، وَلاَ تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِهِ الْغَدُ، فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِل بِمَا إِنْ أَدْركَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَمَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ(4) غَد!
    
____________
     1. الخُفُوت: السكون.
     2. أطرافه: يداه ورأسه ورجلاه.
     3. مُرْصِد ـ اسم فاعل من «أرصد» ـ : مُنْتَظِر.
     4. تباشيره: أوائله.


( 320 )


يَاقَوْمِ، هذَا إِبَّانُ(1) وُرُودِ كُلِّ مَوْعُود، وَدُنُوٍّ(2) مِنْ طَلْعَةِ مَا لاَ تَعْرِفُونَ، أَلاَ وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاج مُنِير، وَيَحْذُوفِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً(3)، وَيُعْتِقَ رِقّاً، وَيَصْدَعَ شَعْباً(4)، وَيَشْعَبَ صَدْعاً(5)، فِي سُتْرَة عَنِ النَّاسِ لاَ يُبْصِرُ الْقَائِفُ(6) أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ.
     ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ(7) فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ(8) تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ، وَيُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهمْ، وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ(9)
!

____________
     1. إبّان ـ بكسر فتشديد ـ : وقت.
     2. الدّنُوّ: القرب.
     3. الرِّبْق ـ بكسر فسكون ـ : حبل فيه عدة عُرَا، كل عروة رَبْقة ـ بفتح الراء ـ تُشدّ فيه البُهْم.
     4. يَصْدَع شَعْباً: يفرّق جمعاً.
     5. يَشْعَبُ صَدْعاً: يجمع متفرّقاً.
     6. القائف: الذي يعرف الاثار فيتبعها.
     7. يَشْحَذ: من شحذَ السكّين إذا حدّدها.
     8. القَيْن: الحدّاد. والنّصْل: حديدة السيف والسكين ونحوها.
     9. يُغْبَقُون ـ مبني للمجهول ـ : يُسْقَون بالمساء. والصّبُوح: ما يُشرَبُ وقت الصباح.


( 321 )


منها: [في الضلال]


     وَطَالَ الاَْمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ(1); حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الاَْجَلُ(2)، وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ، وَأَشَالُوا(3) عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ، لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللهِ بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ; حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلاَءِ، حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهمْ(4)، وَدَانُوا لِرَبِّهِمْ بَأَمْرِ وَاعِظِهِمْ; حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللهُ رَسُولَهُ(صلى الله عليه وآله)، رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الاَْعْقَابَ، وَغَالَتْهُمُ السُّبُلُ، وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلاَئِجِ(5)، وَوَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ، وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ، وَنَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهَ، فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَة، وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِب فِي غَمْرَة(6)، قَدْ مَارُوا(7) فِي الْحَيْرَةِ، وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ، عَلَى سُنَّة مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: مِنْ مُنْقَطِع إِلَى الدُّنْيَا رَاكِن، أَوْ مُفَارِق لِلدِّينِ مُبَايِن.

____________
     1. الغِيرَ ـ بكسر ففتح ـ : احداث الدهر ونوائبه.
     2. اخْلَوْلَقَ الاجَل: من قولهم «اخلولق السحاب» إذا استوى وصار خليقاً أن يمطر. والمراد أن الاجل يشرف على الانقضاء.
     3. أشَالَتِ النّاقَة ذَنَبَها: رفعته، أي رفعوا أيديهم بسيوفهم ليلحقوا حروبهم على غيرهم، أي يسعّروها عليهم.
     4. حملوا بصائرهم على أسيافهم: من ألطف أنواع التمثيل، يريد أشهروا عقيدتهم داعين اليها غيرهم.
     5. الولائج ـ جمع وليجة ـ : وهي البِطانة وخاصة الرجل من أهله وعشيرته، ويراد بها دخائل المكر والخديعة.
     6. الغَمْرة: الشدّة.
     7. مارُوا: تحركوا واضطربوا.


( 322 )

[ 151 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[يحذر من الفتن]


[الله ورسوله]


     [وَأَحْمَدُ اللهَ] وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ(1) الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ، وَالاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ(2)
.
     وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحلُّونَ الْحَرِيمَ، وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ، يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَة(3)، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةِ!

[التحذير من الفتن]


     ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَاحْذَرُوا بِوَائِقَ(4) النِّقْمَةِ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ(5)، وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ
____________
     1. الدَحْر ـ بفتح الدال ـ : الطرد، والمَدَاحرِ والمَزاجِر بها يُدْحَر ويُزْجَر.
     2. مخاتل الشيطان: مكائده.
     3. على فَتْرة: خلوّ من الشرائع الالهية لا يعرفون منها شيئاً.
     4. البوائق: جمع بائقة وهي الداهية.
     5. القَتَام ـ كسحاب ـ : الغبار. والعِشْوة ـ بالكسر وبضم وبفتح ـ : ركوب الامر على غير بيان.


( 323 )


عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا، وَظُهُورِ كَمِينِهَا، وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا، وَمَدَارِ رَحَاهَا. تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّة، وَتَؤُولُ إِلَى فَظَاعَة جَلِيَّة، شِبَابُهَا(1) كَشِبَابِ الْغُلاَمِ، وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلاَمِ(2)، يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بالْعُهُودِ! أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لاِخِرِهِمْ، وَآخِرُهُمْ مُقْتَد بأَوَّلِهِمْ، يَتَنَافَسُونَ في دُنْيا دَنِيَّة، وَيَتَكَالَبُونَ عَلى جِيفَة مُرِيحَة(3)، وَعَنْ قَلِيل يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ، وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ، فَيَتَزَايَلُونَ(4) بِالْبِغْضَاءِ، وَيَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ.
     ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ(5)، وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ(6)، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَة، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَة، وَتَخْتَلِفُ الاَهْوَاءُ عِنْدَ
____________
     1. شِبابها ـ بكسر الشين ـ : أي بداياتها في عنفوان وشدة كشباب الغلام وفتوّته.
     2. السِّلام ـ بكسر السين ـ : الحجارة الصمّ، واحدها سِلَمة ـ بكسر السين أيضاً ـ وآثارها في الابدان الرّضّ والحَطْم.
     3. اراح اللحم فهو مُريح: أنْتَنَ.
     4. يتزايلون: يتفارقون.
     5. الرَجُوف: شديدة الرجفان والاضطراب.
     6. القاصمة: الكاسرة. والزّحوف: الشديدة الزحف.


( 324 )


هُجُومِهَا، وَتَلْتَبِسُ الاْرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا(1)، مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ، وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ، يَتَكَادَمُونَ(2) فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ(3)! قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ، وَعَمِيَ وَجْهُ الاَْمْرِ، تَغِيضُ(4) فِيهَا الْحِكْمَةُ، وَتَنْطِقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ، وَتَدُقُّ(5) أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا(6)، وَتَرُضُّهُمْ(7) بِكَلْكَلِهَا(8)! يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ(9)، وَيَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ، تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ، وَتَحْلُبُ
____________
     1. نُجومها: ظهورها. وهي من نجم ينجم إذا ظهر.
     2. يتكادمون: يعضّ بعضهم بعضاً.
     3. العانة: الجماعة من حُمُر الوحش.
     4. تَغِيض ـ بالغين المعجمة ـ : تنقص وتغور.
     5. تَدُقّ: تُفَتّتُ.
     6. المِسْحَل ـ كمنبر ـ : المِبْرَد أوِ المِنْحَت. والمِسْحَل أيضاً: حَلْقة تكون في طريف شكيمة اللّجام مُدْخلة في مثلها.
     7. الرّضّ: التهشيم.
     8. الكَلْكَل: الصدر.
     9. الوُحْدان: جمع واحد، أي المتفرّدون.


( 325 )


عَبِيطَ الدِّمَاءِ(1)، وَتَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينَ(2)، وَتَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ، يَهْرُبُ مِنْهَا الاَْكْياسُ(3)، وَيُدَبِّرُهَا الاَْرْجَاسُ(4)، مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ، كَاشِفَةٌ عَنْ سَاق! تُقْطَعُ فِيهَا الاَرْحَامُ، وَيُفَارَقُ عَلَيْهَا الاِسْلاَمُ! بَرِيُّهَا سَقِيمٌ، وَظَاعِنُهَا مُقِيمٌ!

منها:


     بَيْنَ قَتِيل مَطْلُول(5)، وَخَائِف مُسْتَجِير، يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الاَيمَانِ(6) وَبِغُرُورِ الاِْيمَانِ; فَلاَ تَكُونُوا أَنْصَابَ(7) الْفِتَنِ، وَأَعْلاَمَ الْبِدَعِ، وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَةِ، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الطَّاعَةِ، وَاقْدَمُوا عَلَى اللهِ مَظْلُومِينَ، وَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ، وَاتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ وَمَهَابِطَ الْعُدْوَانِ، وَلاَ تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ(8) الْحَرَامِ، فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ(9) مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُم الْمَعْصِيَةَ، وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ.
____________
     1. عَبيط الدماء: الطريّ الخالص منها.
     2. تَثْلِمُ مَنَارَ الدين: تكسره. وأصله من «ثلم الاناءَ أوالسيف ونحوه»: كسر حرفه. ومنار الدين: أعلامه، وهم علماؤه. وثَلْمها: قتل العلماء وهدم قواعد الدين.
     3. الاكياس: جمع كيس، الحاذق العاقل.
     4. الارجاس: جمع رجس وهوالقذر والنجس، والمراد الاشرار.
     5. مَطْلُول: من «طَلَلْت دَمَه» هَدَرْته.
     6. يختلون بعقد الايمان: أي يخدعون الناس بحلف الايمان.
     7. الانْصاب: كل ما يُنْصَبُ لِيُقْصَدَ.
     8. اللُعَق: جمع لُعْقة ـ بضم اللام ـ وهي ما تأخذه في المِلْعقة.
     9. إنّكم بِعَيْنِهِ: أي إنه يراكم.


( 326 )

[ 152 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في صفات الله جل جلاله، وصفات أئمة الدين]


     الْحَمْدُ للهِِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ، وَبِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّته، وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ شَبَهَ لَهُ.
     لاَ تَسْتَلِمُهُ(1) الْمَشَاعِرُ، وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ، لاِفْتِرَاِق الصَّانِعِ وَالْمَصْنُوعِ، وَالْحَادِّ وَالْـمَحْدُودِ، وَالرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ.
     الاَْحَدُ لاَ بِتَأْوِيلِ عَدَد، وَالْخَالِقُ لاَ بِمَعْنَى حَرَكَة وَنَصَب(2)، وَالسَّمِيعُ لاَ بِأَدَاة(3)، وَالْبَصِيرُ لاَ بِتَفْرِيقِ آلَة(4)، وَالشَّاهِدُ لاَبِمُمَاسَّه، وَالْبَائِنُ(5)

____________
     1. لا تستلمه المشاعر: أي لا تصل اليه الحواس.
     2. النَصَب ـ محرّكة ـ : التعب.
     3. الاداة: الالة.
     4. تفريق الالة: تفريق الاجفان وفتح بعضها عن بعض.
     5. البائن: المنفصل عن خلقه.


( 327 )


لاَبِتَرَاخِي مَسَافَة، وَالظّاهِرُ لاَبِرُؤيَة، وَالْبَاطِنُ لاَ بِلَطَافَة.
     بَانَ مِنَ الاَْشْيَاءِ بَالْقَهْرِ لَهَا، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَبَانَتِ الاَْشْيَاءُ مِنْهُ بَالْخُضُوعِ لَهُ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ.
     مَنْ وَصَفَهُ(1) فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ، وَمَنْ قَالَ: كَيْفَ، فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ، وَمَنْ قَالَ: أَيْنَ، فَقَدْ حَيَّزَهُ. عَالِمٌ إِذْ لاَ مَعْلُومٌ، وَرَبٌّ إِذْ لاَ مَرْبُوبٌ، وَقَادِرٌ إِذْ لاَ مَقْدُورٌ.

منها: [في أئمّة الدين]


     فَقَدْ طَلَعَ طَالِعٌ، وَلَمَعَ لاَ مِعٌ، وَلاَحَ(2) لاَئِحٌ، وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ، وَاسْتَبْدَلَ اللهُ بِقَوْم قَوْماً، وَبِيَوم يَوْماً، وَانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ(3) انْتِظَارَ الْـمُجْدِبِ الْمَطَرَ.
     وَإِنَّمَا الاَئِمَّةُ قُوَّامُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ، لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ منْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ.
     إِنَّ اللهَ خَصَّكُمْ بَالاِْسْلاَمِ، وَاسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ، وَذلِكَ لاَِنَّهُ اسْمُ سَلاَمَة،
____________
     1. من وصفه: أيّ مَنْ كيفه بكيفيات المحدثين.
     2. لاح: بدا.
     3. الغِيرَ ـ بكسر ففتح ـ : صُروف الحوادث وتقلباتها.


( 328 )


وَجِمَاعُ(1) كَرَامَة، اصْطَفَى اللهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ، وَبَيَّنَ حُجَجَهُ، مِنْ ظَاهِرِ عِلْم، وَبَاطِنِ حِكَم، لاَ تَفْنَى غَرَائِبُهُ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، فِيهِ مَرَابِيعُ(2) النِّعَمِ، وَمَصَابِيحُ الظُّلَمِ، لاَ تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلاَّ بِمَفَاتِحِهِ، وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِمَصَابِحِهِ، قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ(3)، وَأَرْعَى مَرْعَاهُ، فِيهِ شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِي، وَكِفَايَةُ الْمُكْتَفِي.

[ 153 ]
ومن خطبه له(عليه السلام)
[صفة الضال]


     وَهُوَ فِي مُهْلَة مِنَ اللهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ، وَيَغْدُومَعَ الْمُذْنِبِينَ، بلاَ سَبِيل قَاصِد، وَلاَ إِمَام قَائِد.

منها: [في صفات الغافلين]


     حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ، استَقْبَلُوا مُدْبِراً، وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بَمَا أَدْرَكُوا منْ طَلِبَتِهِمْ، وَلاَ بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ.
     إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ، وَنَفْسِي، هذِهِ الْمَنْزِلَةَ، فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ
____________
     1. جِماعُ الشيء: مجتمعهُ.
     2. مَرَابيع ـ جمع مِرْباع بكسر الميم ـ : المكان ينبت نبته في أول الربيع.
     3. أحْمَى حِماه: من «أحْمى المكانَ» جعله حِمىً لا يُقْرَب، أي: أعزّ الله الاسلام ومنعه من الاعداء.


( 329 )


مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ، ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي، وَالضَّلاَلَ في الْمَغَاوِي(1)، وَلاَ يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّف فِي حَقٍّ، أَوْ تَحَرِيف في نُطْق، أَوْ تَخَوُّف مِنْ صِدْق.

[عظة الناس]


     فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ، وَاسْتَيْقِظْ مَنْ غَفْلَتِكَ، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيَما جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ(صلى الله عليه وآله) مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَلاَ مَحِيصَ عَنْهُ، وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ، وَضَعْ فَخْرَكَ، وَاحْطُطْ كِبْرَكَ، وَاذكُرْ قَبْرَكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً، فَامْهَد(2) لِقَدَمِكَ، وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ.
     فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ! وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ!
(وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير).
     إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ، أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ عَبْداً ـ وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ، وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، لاَقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَة مِنْ هذِهِ الْخِصَال لَمْ يَتُبْ مِنْهَا: أَنْ يُشْرِكَ بِالله فِيَما افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلاَكِ نَفْسِهِ، أَوْ
____________
     1. المَغَاوِي: جمع مِغْواة، وهي الشّبْهة يذهب معها الانسان إلى ما يخالف الحق.
     2. مَهَدَ ـ كمَنَعَ ـ : بَسَطَ.


( 330 )


يُقِرَّ بِأَمْر فَعَلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ(1) حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَة فِي دِينِهِ، أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ، أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ. اعْقِلْ ذلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ.
     إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا، وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا; إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ(2)، إِنَّ الْمُؤْمِنينَ مُشْفِقُونَ، إِنَّ الْمُؤْمِنينَ خَائِفُونَ.

[ 154 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[يذكر فيها فضائل أهل البيت(عليهم السلام)]


     وَنَاظِرُ قَلْبِ(3) اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ، وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ(4) وَنَجْدَهُ(5). دَاع دَعَا، وَرَاع رَعَى، فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي، وَاتَّبِعُوا الرَّاعِيَ.
     قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ، وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ، وَأَرَزَ(6) الْمُؤْمِنُونَ،
____________
     1. يستنجح: يطلب نجاح حاجته.
     2. مستكينون: خاضعون.
     3. ناظِرُ القلب: استعاره من ناظر العين: وهو النقطة السوداء منها. والمراد بصيرة القلب.
     4. الغَوْر: ما انخفض من الارض.
     5. النَجْد: ما ارتفع من الارض.
     6. أرَزَ يأرِز ـ بكسر الراء في المضارع ـ : أي انقبض وثبت. وأرَزَتِ الحية: لاذَتْ بجُحْرِها ورجعت اليه.


( 331 )


وَنَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ.
     نَحْنُ الشِّعَارُ(1) وَالاَْصْحَابُ، وَالْخَزَنَةُ وَالاَْبْوَابُ، [وَلاَ] تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً.

منها:


     فِيهِمْ كَرَائِمُ(2) الْقُرْآنِ، وَهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمنِ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا. فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ، وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الاْخِرَةِ، فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ، وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ.
     وَالنّاظِرُ بِالْقَلْبِ، الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ، يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ: أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ؟! فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَليْهِ وَقَفَ عِنْدَهُ.
     فَإِنَّ الْعَامِلَ بَغَيْرِ عِلْم كَالسَّائِرِ عَلَى غيْرِ طَرِيق، فَلاَ يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ، وَالْعَامِلُ بالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ: أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ؟!
     وَاعْلَمْ أَنِّ لِكُلِّ ظَاهِر بَاطِناً عَلى مِثَالِهِ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ، وَمَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ(صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
____________
     1. الشِّعار: ما يلي البدن من الثياب، والمراد بِطانَة النبي الكريم.
     2. الكرائم: جمع كريمة، والمراد آيات في مدحهم كريمات.


( 332 )


الْعَبْدَ وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَيُحِبُّ الْعَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ».
     فَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَمَل نَبَاتٌ، وَكُلَّ نَبَات لاَ غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ، وَالْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ، وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.

[ 155 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
يذكر فيها بديع خلقة الخفاش


[حمد الله وتنزيهه]


     الْحَمْدُ للهِِ الَّذِي انْحَسَرَتِ(1) الاَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ!
     هَوَ اللهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ، لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيد فَيَكُونَ مُشَبَّهاً، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الاَْوْهَامُ بِتَقْدِير فَيَكُونَ مُمَثَّلاً. خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيل، وَلاَ مَشُورَةِ مُشِير، وَلاَ مَعُونَةِ مُعِين، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، فَأَجَابَ وَلَمْ يُدَافِعْ، وَانْقَادَ وَلَمْ يُنَازِعْ.

[خلقة الخفاش]


     وَمِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، وَعَجَائِبِ خِلْقَتِهِ، مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فِي هذِهِ الْخَفَافِيشِ الَّتِي يَقْبِضُهَا الضِّيَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَيْء، وَيَبْسُطُهَا الظَّلاَمُ
____________
     1. انحسرت: انقطعت.


( 333 )


الْقَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ، وَكَيْفَ عَشِيَتْ(1) أَعْيُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نقُوراً تَهْتَدِي بِهِ فِي مَذَاهِبِهَا، وَتَتَّصِلُ بِعَلاَنِيَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا.
     وَرَدَعَهَا بِتَلاَْلُؤِ ضِيَائِهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي سُبُحَاتِ(2) إِشْرَاقِهَا، وَأَكَنَّهَا فِي مَكَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِى بُلَجِ ائْتِلاَقِهَا(3)، فَهِيَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بَالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا، وَجَاعِلَةُ اللَّيْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ في الْـتَِماسِ أَرْزَاقِهَا; فَلاَ يَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ(4) ظُلْمَتِهِ، وَلاَ تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِيِّ فِيهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ(5)
.
     فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا، وَبَدَتْ أَوْضَاحُ(6) نَهَارِهَا، وَدَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجَارِهَا(7)، أَطْبَقَتِ الاَْجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا(8)،
____________
     1. العَشَا ـ مقصوراً ـ : سوء البصر وضعفه.
     2. سُبُحات النور: درجاته وأطواره.
     3. الائْتِلاق: اللمعان. والبَلَج ـ بالتحريك ـ : الضوء ووضوحه.
     4. أسْدَفَ الليلُ: أظلمَ.
     5. الدُجُنّة: الظُلْمة. وغَسَقُ الدّجُنّة: شدّتها.
     6. أوضاح: جمع وَضَح ـ بالتحريك ـ وهو هنا بياض الصبح.
     7. الضِّباب ـ ككتاب جمع ضَبّ ـ : الحيوان المعروف. والوِجار ـ ككتاب ـ : الجُحْر.
     8. مآقيها: جمع مأق وهو طرف العين مما يلي الانف.


( 334 )


وَتَبَلَّغَتْ(1) بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا.
     فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً وَمَعَاشاً، وَجَعَلَ النَّهَارَ لَهَا سَكَناً وَقَرَاراً! وَجَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ، كَأَنَّهَا شَظَايَا الاْذَانِ(2)، غَيْرَ ذَوَاتِ رِيش وَلاَ قَصَب(3)، إِلاَّ أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلاَماً(4)، لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا، وَلَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلاَ.
     تَطِيرُ وَوَلَدُهَا لاَصِقٌ بِهَا لاَجِيٌ إِلَيْهَا، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ، وَيَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، لاَيُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ، وَيَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ، وَيَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ، وَمَصَالِحَ نَفْسِهِ. فَسُبْحَانَ الْبَارِىءِ لِكُلِّ شَيْء، عَلَى غَيْرِ مِثَال خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ(5)
!
    
____________
     1. تَبَلّغَتْ: اكتفت أواقتاتت.
     2. شظايا: جمع شظِيّة كعطيّة وهي الفلقة من الشيء، أي كأنها مؤلفة من شقق الاذان.
     3. القَصَبة: عمود الريشة أوأسفلها المتصل بالجناح. وقد يكون مجرداً عن الزّغَب في بعض الحيوانات مما ليس بطائر، كبعض أنواع القنفذ والفيران.
     4. أعلاماً: رسوماً ظاهرة.
     5. خلا من غيره: تقدّمه من سواه فحاذاه.


( 335 )

[ 156 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم


     فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللهِ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنْ أَطَعْتُمُوني فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّة شَدِيدَة وَمَذَاقَة مَرِيرَة.
     وَأَمَّا فُلاَنَةُ، فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ الْنِّسَاءِ، وَضِغْنٌ غَلاَ فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ(1) الْقَيْنِ(2)، وَلَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ، لَمْ تَفْعَلْ، وَلَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الاُْولَى، وَالْحِسَابُ عَلَى اللهِ.

منه: [في وصف الايمان]


     سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ، أَنْوَرُ السِّرَاجِ، فَبِالاِْيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ، وَبَالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الاِْيمَانِ، وَبِالاِْيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ، وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ، وَبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا، وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الاْخِرَةُ، وَإِنَّ الْخَلْقَ لاَ مَقْصَرَ(3) لَهُمْ عَنِ الْقِيَامَةِ، مُرْقِلِينَ(4) فِي مِضْمارِهَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى.
    
____________
     1. المِرْجَل: القِدْر. 2. القَيْن ـ بالفتح ـ : الحداد.
     3. المَقْصَر ـ كمقعد ـ : المجلس، أي لا مستقر لهم دون القيامة.
     4. مُرْقِلين: مسرعين.


( 336 )


منه: [في حال أهل القبور في القيامة]


     قَدْ شَخَصُوا(1) مِنْ مُسْتَقَرِّ الاَْجْدَاثِ(2)، وَصَارُوا إِلى مَصَائِرِ الْغَايَاتِ(3)، لِكُلِّ دَار أَهْلُهَا، لاَ يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَلاَ يُنْقَلُونَ عَنْهَا.
     وَإِنَّ الاَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنكَرِ، لَخُلُقَانَ مِنْ خُلُقِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّهُمَا لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَل، وَلاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْق.
     وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَالرِّيُّ النَّاقِعُ(4)، وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، وَالنَّجَاةُ لَلْمُتَعَلِّقِ، لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَامَ، وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ(5)، وَلاَ تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ(6)، وَوُلُوجُ السَّمْعِ(7)، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ.
    
____________
     1. شخَصُوا: ذهبوا.
     2. الاجداث: القبور.
     3. مصائر الغايات: جمع مصير، ما يصير اليه الانسان من شقاء وسعادة.
     4. نَقَعَ العطش: أزاله.
     5. يُسْتَعْتَبُ: يُطْلَبُ منه العُتْبى حتى يرضى.
     6. أخْلَقَهُ: ألبسه ثوباً خَلَقاً أي بالياً. وكثرة الرد: كثرة ترديده على الالسنة بالقراءة.
     7. وُلُوج السمع: دخول الاذان والمسامع.


( 337 )


وقام إليه(عليه السلام) رجل فقال: أخبرنا عن الفتنة، وهل سألت عنها رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فقال(عليه السلام):


     لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ، قَوْلَهُ:
(الم * أحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْركُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تَنْزِلُ بِنَا وَرَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) بَيْنَ أَظْهُرِنَا.
     فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتي أَخْبَرَكَ اللهُ بِهَا؟
     فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي».
     فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُد حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحِيزَتْ(1) عَنِّي الشَّهَادَةُ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ لِي: «أَبْشِرْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ»؟.
     فَقَالَ لي: «إِنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذَنْ»؟.
     فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيسَ هذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَلكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ البشرى وَالشُّكُرِ.
     وَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهمْ، وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِم عَلَى رَبِّهِمْ، وَيَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ، وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ، وَيَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ، وَالاَْهْوَاءِ السَّاهِيَةِ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ، وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ».
     قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذلِكَ؟ أَبِمَنْزِلَةِ رِدَّة، أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَة؟
     فَقَالَ: «بِمَنْزِلَةِ فِتْنَة».
____________
     1. حِيزَتْ: حازها الله عني فلم أنلها.


( 338 )

[ 157 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[يحثّ الناس على التقوى]


     الْحَمْدُ للهِِ الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ، وَسَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ، وَدَلِيلاً عَلَى آلاَئِهِ وَعَظَمَتِهِ.
     عِبَادَ اللهِ، إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ، لاَ يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ، وَلاَ يَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ.
     آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ، مُتَسَابِقَةٌ أُمُورُهُ(1)، مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلاَمُهُ(2)
.
     فَكَأَنَّكُمْ بَالسَّاعَةِ(3) تَحْدُوكُمْ حَدْوَالزَّاجِرِ(4) بِشَوْلِهِ(5)، فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ، وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي
____________
     1. تتسابق أمور الدهر: أي مصائبه، كأنّ كلاً منها يطلب النزول قبل الاخر، فالسابق منها مهلك، والمتأخر لا حق له في مثل أثره.
     2. الاعلام هي الرايات: كنّى بهم عن الجيوش. وتظاهر: تعاونها.
     3. الساعة: القيامة. وحَدْوُها:سَوْقها وحثّها لاهل الدنيا على المسير للوصول إليها.
     4. زاجر الابل: سائقها.
     5. الشَوْل ـ بالفتح ـ : جمع شائلة، وهي من الابل ما مضى عليها من حملها أووضعها سبعة أشهر.


( 339 )


طُغْيَانِهِ، وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّىءَ أَعْمَالِهِ، فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ، وَالنَّارُ غَايَةُ الْمُفَرِّطِينَ.
     اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ، أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْن عَزِيز، وَالْفُجُورَ دَارُ حِصْن ذَلِيل، لاَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ، وَلاَ يُحْرِزُ(1) مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ. أَلاَ وَبِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ(2) الْخَطَايَا، وَبِالْيَقِينِ تُدْرَكُ الْغَايَةُ الْقُصُوَى.
     عِبَادَ اللهِ، اللهَ اللهَ فِي أَعَزِّ الاَْنْفُسِ عَلَيْكُم، وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ; فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَوْضَحَ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ، فَشِقْوَةٌ لاَزِمَةٌ، أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ! فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ(3) لاَِيَّامِ الْبَقَاءِ. قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ، وَأُمِرْتُمْ بَالظَّعْنِ(4)، وَحُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِيرِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْب وُقُوف، لاَ يَدْرُونَ مَتَى يُؤْمَرُونَ بَالسَّيْرِ، أَلاَ فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ لِلاخِرَةِ! وَمَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيل يُسْلَبُهُ، وَتَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ(5) وَحِسَابُهُ!
    
____________
     1. لا يُحْرِزُ: لا يحفظ.
     2. الحُمَة ـ بضم ففتح ـ : في الاصل إبرة الزّنبور والعقرب ونحوها تلسع بها، والمراد هنا سطوة الخطايا على النفس.
     3. أيام الفناء: يريد أيام الدنيا.
     4. المراد «بالظّعن» المأمور به ها هنا السير إلى السعادة بالاعمال الصالحة، وهذا ما حثنا الله عليه.
     5. تَبَعَتُهُ: ما يتعلق به من حق الغير فيه.


( 340 )


عِبَادَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِمَا وَعَدَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ مَتْرَكٌ، وَلاَ فِيَما نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ.
     عِبَادَ اللهِ، احْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ فِيهِ الاَْعْمَالُ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الزِّلْزَالُ، وَتَشِيبُ فِيهِ الاَْطْفَالُ.
     اعْلَمُوا، عِبَادَ اللهِ، أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً(1) مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ، وَحُفَّاظَ صِدْق يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ، لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْل دَاج، وَلاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُورِتَاج(2)، وَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ.
     يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِمَا فِيهِ، وَيَجِيءُ الْغَدُ لاَ حِقاً بِهِ، فَكَأَنَّ كُلَّ امْرِىء مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الاَْرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ(3)، وَمَخَطَّ حُفْرَتِهِ، فَيَالَهُ مِنْ بَيْتِ وَحْدَة، وَمَنْزِلِ وَحْشَة، وَمُفْرَدِ غُرْبَة!
     وَكَأَنَّ الصَّيْحَةَ(4) قَدْ أَتَتْكُمْ، وَالسَّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْكُمْ، وَبَرَزْتُمْ لَفَصْلِ
____________
     1. الرّصَد: الرّقيب. ويريد به هنا رقيب الذمة وواعظ السر.
     2. الرّتاج ـ ككتاب ـ : الباب العظيم إذا كان مُحْكَم الغَلْق.
     3. منزل وحدته: هو القبر.
     4. المراد «بالصيحة» هنا الصيحة الثانية، بقوله تعالى:
(إن كانت إلاّ صيحةً احدةً)


( 341 )


الْقَضَاءِ، قَدْ زَاحَتْ(1) عَنْكُمُ الاَْبَاطِيلُ، وَاضْمَحَلَّتْ عَنْكُمُ الْعِلَلُ، وَاسْتَحَقَّتْ بِكُمُ الْحَقَائِقُ، وَصَدَرَتْ بِكُمُ الاُْمُورُ مَصَادِرَهَا، فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ، وَاعْتَبِرُوا بَالْغِيَرِ، وَانْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ.

[ 158 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[ينبّه فيها على فضل الرسول الاعظم، وفضل القرآن، ثم حال دولة بني أميّة]
[النبي والقرآن]


     أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَة مِنَ الاُْمَمِ(2)، وَانْتِقَاض مِنَ الْمُبْرَمِ(3)، فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ.
     ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ، وَلَنْ يَنْطِقَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: أَلاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتي، وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ.

____________
     1. زاحت: بعدت وانكشفت.
     2. الهَجْعة: المرة من الهجوع، وهو النوم ليلاً. والمراد نوم الغفلة في ظلمات الجهالة.
     3. المُبْرَم: المُحْكَم، من أبْرَمَ الحبْلَ إذا أحْكَمَ فَتْلَه. والمراد الاحكام الالهية التي أُبرمت على ألسنة الانبياء.


( 342 )


منها: [في دولة بنى أمية]


     فَعِنْدَ ذلِكَ لاَ يَبْقَى بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَر(1) إِلاَّ وَأَدْخَلَهُ الظَّلَمَةُ تَرْحَةً(2)، وَأَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً، فَيَوْمَئِذ لاَ يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّماءِ عَاذِرٌ، وَلاَ فِي الاَْرْضِ نَاصِرٌ.
     أَصْفَيْتُمْ(3) بِالاَْمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَأَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ، وَسَيَنْتَقِمُ اللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ، مَأْكَلاً بِمَأْكَل، وَمَشْرَباً بِمَشْرَب، مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ، وَمَشَارِبِ الصَّبِرِ(4)وَالْمَقِرِ(5)، وَلِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ، وَدِثَارِ السَّيْفِ(6). وَإِنَّمَا هُمْ مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَزَوَامِلُ الاْثَامِ(7)
.
     فَأُقْسِمُ، ثُمَّ أُقْسِمُ، لَتَنَخَّمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ(8)، ثُمَّ لاَ تَذُوقُهَا وَلاَ تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ(9)
!
    
____________
     1. بيت مَدَر ولا وَبَر: كناية عن أهل الحاضرة والبادية.
     2. تَرْحة: حزن.
     3. أَصْفَيْتَه الشيء: آثرته به واختصصته.
     4. الصّبِر ـ كَكَتف ـ : عُصارة شجر مرّ. 5. المَقِر ـ على وزن كَتِف ـ : السمّ.
     6. الدّثار ـ ككتاب ـ : من اللباس، أعلاه فوق الملابس; والسيف يكون أشبه بالدّثار إذا عمّت إباحة الدم بأحكام الهوى.
     7. الزّوامل: جمع زاملة، وهي ما يحمل عليها الطعام من الابل ونحوها.
     8. نَخِمَ ـ كفرح ـ : أخرج النّخامة من صدره فألقاها. والنّخامة ـ بالضمّ ـ : ما يدفعه الصدر أوالدماغ من المواد المُخاطيّة.
     9. الجديدان: الليل والنهار.


( 343 )

[ 159 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[يبيّن فيها حسن معاملته لرعيّته]


     وَلَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَأَحَطْتُ بِجُهْدِي مِنْ وَرَائِكُمْ، وَأَعْتَقْتُكُمْ مِنْ رَبَقِ(1) الذُّلِّ، وَحَلَقِ(2) الضَّيْمِ، شُكْراً مِنِّي لِلْبِرِّ الْقَلِيلِ، وَإِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ، وَشَهِدَهُ الْبَدَنُ، مِنَ الْمُنْكَرِ الْكَثِيرِ.

[ 160 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)


أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَحِكْمَةٌ، وَرِضَاهُ أَمَانٌ وَرَحْمَةٌ، يَقْضِي بِعِلْم، وَيَعْفُو بحِلْم.
     اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَتُعْطِي، وَعَلَى مَا تُعَافي وَتَبْتَلي.
     حَمْداً يَكُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَكَ، وَأَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ، وَأَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ.
     حَمْداً يَمْلاَُ مَا خَلَقْتَ، وَيَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ.
     حَمْداً لاَ يُحْجَبُ عَنْكَ، وَلاَ يُقْصَرُ دُونَكَ.
     حَمْداً لاَ يَنْقَطِعُ عَدَدُهُ، وَلاَ يَفْنَى مَدَدُهُ.
    
____________
     1. رِبَق: جمع رِبْقة وهي الحبل يُرْبق به.
     2. حَلَق: جمع حَلْقَة.


( 344 )


فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ إِلاَّ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ: حَيٌّ قَيُّومٌ، لاَ تَأْخُذُكَ سِنَةٌ(1) وَلاَ نَوْمٌ، لَمْ يَنْتَهِ إِلَيْكَ نَظَرٌ، وَلَمْ يُدْرِكْكَ بَصَرٌ، أَدْرَكْتَ الاَْبْصَارَ، وَأَحْصَيْتَ الاَْعْمَالَ، وَأَخَذْتَ
(بِالنَّواصِي وَالاَْقْدَامِ)، وَمَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ، وَنَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ، وَنَصِفُهُ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَمَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ، وَقَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ، وَانْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ، وَحَالَتْ سَوَاتِرُ الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَعْظَمُ.
     فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ، وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ، وَكَيْفَ ذَرَأْتَ(2)خَلْقَكَ، وَكَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سمَـاوَاتِكَ، وَكَيْفَ مَدَدْتَ عَلى مَوْرِ(3) الْمَاءِ أَرْضَكَ، رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِيراً(4)، وَعَقْلُهُ مَبْهُوراً(5)، وَسَمْعُهُ وَالَهِاً(6)، وَفِكْرُهُ حَائِراً.

____________
     1. السِّنة ـ بكسر السين ـ : أوائل النوم.
     2. ذَرَأتَ: خَلَقْتَ. 3. المَوْر ـ بالفتح ـ : الموج.
     4. حَسِيراً: مُتْعَباً.
     5. المَبْهُور: المغلوب ومنقطع نَفَسه من الاعياء.
     6. الواله من الوَلَهَ: وهو ذهاب الشعور.


( 345 )


منها: [كيف يكون الرجاء]


     يَدَّعِي بِزُعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اللهَ، كَذَبَ وَالْعَظِيمِ! مَا بَالُهُ لاَ يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلَهِ؟ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ، وَكُلُّ رَجَاء ـ إلاَّ رَجَاءَ اللهِ ـ فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ(1)، وَكُلُّ خَوْف مُحَقَّقٌ(2)، إِلاَّ خَوْفَ اللهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ(3)، يَرْجُو اللهَ فِي الْكَبِيرِ، وَيَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ، فَيُعْطِي العَبْدَ مَا لاَ يُعْطِي الرَّبَّ! فَمَا بَالُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِهِ بِعِبَادِهِ؟
     أَتَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً؟ أَوْ تَكُونَ لاَ تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً؟ وَكَذلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ، أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لاَ يُعْطِي رَبَّهُ، فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً، وَخَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِماراً(4) وَوَعْداً، وَكَذلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا في عَيْنِهِ، وَكَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ، آثَرَهَا عَلَى اللهِ، فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا، وَصَارَ عَبْداً لَهَا.

____________
     1. المَدُخول: المغشوش غير الخالص، أوهو المَعيب الناقص لا يترتّب عليه عمل.
     2. الخوف المحقّق: هو الثابت الذي يبعث على البعد عن المَخُوف والهرب منه.
     3. الخوف المعلول: هو مالم يثبت في النفس ولم يخالط القلب، وإنما هو عارض في الخيال يزيله أدنى الشواغل. فهو كالاوهام لا قرار لها، و«معلول» من عَلّهُ يَعُلّه إذا شربه مرة بعد أخرى.
     4. الضِّمار ـ ككتاب ـ : ما لا يُرْجى من الرعود والديون.


( 346 )


[رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)]


     وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) كَاف لَكَ فِي الاُْسْوَةِ(1)، وَدَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وَعَيْبِهَا، وَكَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَمَسَاوِيهَا، إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا، وَوُطِّئَتْ لِغَيْرِهِ أَكْنَافُهَا(2)، وَفُطِمَ مِنْ رَضَاعِهَا، وَزُوِيَ عَنْ زَخَارِفِهَا.

[موسى(عليه السلام)]


     وَإِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِمُوسى كَلِيمِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) إذْ يَقُولُ:
(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ)، وَاللهِ، مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ، لاِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الاَْرْضِ، وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ(3) صِفَاقِ(4)بَطْنِهِ، لِهُزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ(5).

[داوود(عليه السلام)]


     وَإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوودَ صَاحِبِ الْمَزَامِيرِ، وقَارِىءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ(6) بِيَدِهِ، وَيَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا! وَيَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا.
____________
     1. الاسْوَة: القدوة.
     2. الاكناف: الجوانب. وزَوَى: قبض.
     3. شفيف: رقيق، يُسْتَشَفّ ما وراءه.
     4. الصِّفاق ـ على وزن كتاب ـ : الجلد الباطن الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.
     5. تَشَذّبُ اللحم: تفرّقه.
     6. السّفائف ـ جمع سَفِيفة ـ : وصف من «سَفّ الخُوصَ» إذا نسجه، أي منسوجات الخوص.


( 347 )


[عيسى(عليه السلام)]


     وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ(عليه السلام)، فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ، وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ، وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ، وَسِرَاجُهُ بَاللَّيْلِ الْقَمَرَ، وَظِلاَلُهُ في الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الاَْرْضِ وَمَغَارِبَهَا(1)، وَفَاكِهَتُهُ وَرَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الاَْرْضُ لِلْبَهَائِمِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ، وَلاَ وَلَدٌ يَحْزُنُهُ، وَلاَ مَالٌ يَلْفِتُهُ، وَلاَ طَمَعٌ يُذِلُّهُ، دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ، وَخَادِمُهُ يَدَاهُ!

[الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله)]


     فَتَأَسَّ(2) بِنَبِيِّكَ الاَْطْيَبِ الاَْطْهَرِ(صلى الله عليه وآله) فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى، وَعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى ـ وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ، وَالْمُقْتَصُّ لاَِثَرِهِ ـ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً(3)، وَلَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ(4) أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً(5)، وَأَخْمَصُهُمْ(6)

____________
     1. ظلاله: جمع ظلّ بمعنى الكِنّ والمأوى. ومن كان كنّه المشرق والمغرب، فلاكِنّ له.
     2. تأسّ: أي اقْتَدِ.
     3. القَضْم: الاكل بأطراف الاسنان، كأنه لم يتناول إلاّ على أطراف أسنانه، ولم يملا منها فمه.
     4. أهْضَمُ: من الهضم وهو خمص البطن، أي خلوها وانطباقها من الجوع.
     5. الكَشْح: ما بين الخاصرة إلى الضِّلْع الخلفي.
     6. أخْمَصُهم: أخلاهم.


( 348 )


مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ، وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ، وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللهُ، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً للهِِ، وَمُحَادَّةً(1) عَنْ أَمْرِ اللهِ.
     وَلَقَدْ كَانَ(صلى الله عليه وآله) يَأْكُلُ عَلَى الاَْرْضِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَخْصِفُ بَيَدِهِ نَعْلَهُ(2)، وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ(3)، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ(4)، وَيَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ: «يَا فُلاَنَةُ ـ لاِِحْدَى أَزْوَاجِهِ ـ غَيِّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا».
     فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً(5)، وَلاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، وَلاَ يَرْجُو
____________
     1. المُحَادّة: المخالفة في عناد.
     2. خَصَفَ النعلَ: خرزها.
     3. الحمار العاري: ما ليس عليه بَرْدَعة ولا إكاف.
     4. أرْدَف خلفه: أركب معه شخصاً آخر على حمار واحد أوجمل أوفرس أونحوها وجعله خلفه.
     5. الرِّياش: اللباس الفاخر.


( 349 )


فِيهَا مُقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ، وَأَشْخَصَهَا(1) عَنِ الْقَلْبِ، وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ.
     وَكَذلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ.
     وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) مَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسَاوِىءِ الدُّنْيَا وَعُيُوبِهَا: إِذْ
    جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ(2)، وَزُوِيَتْ عَنْهُ(3) زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ )زُلْفَتِهِ(4)
.
     فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ: أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّداً(عليه السلام) بِذلِكَ أَمْ أَهَانَهُ! فَإِنْ قَالَ: أَهَانَهُ، فَقَدْ كَذَبَ ـ وَاللهِ الْعَظِيمِ ـ وَإِنْ قَالَ: أَكْرَمَهُ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ، وَزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ.
     فَتَأسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ، وَاقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَوَلَجَ مَوْلِجَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ اللهَ عزّوجلّ جَعَلَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) عَلَماً لِلسَّاعَةِ(5)، وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِراً بِالعُقُوبَةِ.
    
____________
     1. أشخصها: أبعدها.
     2. خاصّته: اسم فاعل في معنى المصدر، أي مع خصوصيته وتفضله عند ربه.
     3. زُوِيَت عنه ـ بالبناء للمجهول ـ : قُبِضَت واُبْعِدت، ومثله بعد قليل: زَوَى الدنيا عنه: قبضها.
     4. عظيمَ زُلْفَتِه: منزلته العليا من القرب إلى الله.
     5. العَلَم باتحريك: العلامة، أي أن بعثته دليل على قرب القيامة إذ لا نبي بعده.


( 350 )


خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً(1)، وَوَرَدَ الاْخِرَةَ سَلِيماً، لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَر، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ، فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ، وَقَائِداً نَطأُ عَقِبَهُ(2)
!
     وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي(3) هذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلاَ تَنْبِذُهَا؟ فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي(4)، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى(5)
.

____________
     1. خميصاً: أي خالي البطن، كناية عن عدم التمتع بالدنيا.
     2. العقِب ـ بفتح فكسر ـ : مؤخر القدم. ووطوء العقب مبالغة في الاتباع والسلوك على طريقة، نقفوه خطوة خطوة حتى كأننا نطأ مؤخر قدمه.
     3. المِدْرَعة ـ بالكسر ـ : ثوب من صوف.
     4. اغْرُبْ عنّي: اذهب وابعد.
     5. السُرَى ـ بضم ففتح ـ : السير ليلاً. وهذا المثل «عند الصباح يحمد القوم السرى» معناه: إذا أصبح النائمون وقدرأوا السارين واصلين إلى مقاصدهم حَمِدوا سُراهم وندموا على نوم أنفسهم.


( 351 )

[ 161 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في صفة النبي وأهل بيته وأتباع دينه]
[وفيها يعظ بالتقوى]
[الرسول وأهله وأتباع دينه]


     ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِىءِ، وَالْبُرهَانِ الْجَليِّ، وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي(1)، وَالْكِتَابِ الْهَادِي.
     أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَة، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَة، أَغصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ، وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ(2)
.
     مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ(3)، عَلا بِهَا ذِكْرُهُ، وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ.
     أَرْسَلَهُ بِحُجَّة كَافِيَة، وَمَوْعِظَة شَافِية، وَدَعْوَة مُتَلافِيَة(4)
.
     أَظْهَرَ بِهِ الشَّرائِعَ الْـمَجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ، وَبَيَّنَ بِهِ الاَْحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ(5)
.
     فَـ
(مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاسْلامِ دِيناً) تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ، وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ، وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ(6)، وَيَكُنْ مَآبُهُ(7) إلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبيلِ
     وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ تَوَكُّلَ الانَابَةِ(8) إلَيْهِ، وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ المُؤَدِّيَةَ إلى جَنَّتِهِ، الْقَاصِدَةَ إلى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ.
____________
     1. المنهاج البادي: أي الظاهر.
     2. متهدّلة: متدلّية، دانية للاقتطاف.
     3. طَيْبة: المدينة المنورة
     4. مُتلافية: من تلافاه تداركه بالاصلاح قبل أن يهلكه الفساد، فدعوة النبي تلافت أمور الناس قبل هلاكهم.
     5. المفصولة: التي فصلها الله أي قضى بها على عباده.
     6. الكَبْوَة: السقطة.
     7. المآب: المرجع. 8. الاِنابة: الرجوع
    


( 352 )


[النصح بالتّقوى]


     أُوصِيكُمْ عِبَادَاللهِ، بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، فَإنَّهَا النَّجَاةُ غَداً، وَالْمَنْجَاةُ أَبَداً. رَهَّبَ فَأبْلَغَ، وَرَغَّبَ فَأَسْبَغَ(1)، وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا، وَزَوَالَهَا وَانْتِقَا لَهَا.
     فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا، أَقْرَبُ دَار مِنْ سَخَطِ اللهِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللهِ! فَغُضُّوا عَنْكُمْ ـ عِبَادَاللهِ ـ غُمُومَهَا وَأَشْغَا لَهَا، لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالاَتِهَا.
     فَاحْذَروُهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ(2)، وَالْـمُجِدِّ الْكَادِحِ(3)، وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ: قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ(4)، وَزَالَتْ
____________
     1. أسْبَغَ: أي أحاط بجميع وجوه الترغيب.
     2. الشفيق: الخائف. والناصح: الخالص.
     3. الكادح: المُبَالغ في سعْيه.
     4. تزايلت: تفرّقت. والاوْصال: مجتمع العظام. وتفرقها كناية عن تبدد القوم وفنائهم.


( 353 )


أسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ، وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ، وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ; فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الاَوْلاَدِ فَقْدَهَا، وَبِصُحْبَةِ الاَزْوَاجِ مُفَارَقتَهَا. لاَ يَتَفَاخَرُونَ، وَلاَ يَتَنَاصَرُونَ، وَلاَ يَتَنَاسَلُونَ، وَلاَ يَتَزَاوَرُونَ، وَلاَ يَتَجَاوَرُونَ.
     فَاحْذَروُا، عِبَادَاللهِ، حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ، الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ، النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ; فَإنَّ الاَْمْرَ وَاضِحٌ، وَالْعَلَمَ قَائِمٌ، وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ(1)، وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ(2)
.

[ 162 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
لبعض أصحابه وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال:


     يَا أَخَا بَنِي أَسَد، إنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ(3)، تُرْسِلُ(4) فِي غَيْرِ سَدَد(5)، وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ(6)، وَحَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ:
    
____________
     1. الجَدَد ـ بالتحريك ـ : المستوي المسلوك
     2. القصد: القويم.
     3. الوَضين: بطان يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج، فاذا قلق واضطرب، اضطرب الرحل فكثر تململ الجمل وقلّ ثباته في سيره.
     4. الارسال: الاطلاق والاهمال.
     5. السّدَد ـ محركاً ـ : الاستقامة.
     6. الذِّمامة: الحماطية والكفاية. والصِّهْر: الصلة بين أقارب الزوجة وأقارب الزوج.


( 354 )


أمَّا الاسْتِبْدادُ عَلَيْنَا بِهذَا الْمَقامِ وَنَحْنُ الاَْعْلَوْنَ نَسَباً، وَالاشَدُّونَ بِالرَّسُولِ نَوْطاً(1)، فَإنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً(2) شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفوسُ آخَرِينَ، وَالْحَكَمُ اللهُ، وَالْمَعْوَدُ إلَيْهِ الْقِيَامَةُ.

وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً(3) صِيحَ(4)فِي حَجَرَاتِهِ(5)

[وَلكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ]


     وَهَلُمَّ(6) الْخَطْبَ (7) فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إبْكَائِهِ، وَلاَ غَرْوَوَاللهِ، فَيَا لَهُ خَطْباً يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ، وَيُكْثِرُ الاَوَدَ(8)، حَاوَلَ الْقَوْمُ
____________
     1. النَوْط ـ بالفتح ـ : التعلّق والالتصاق.
     2. الاثَرة: الاختصاص بالشيء دون مستحقه.
     3. النَهْب ـ بالفتح ـ : الغنيمة.
     4. صِيحَ ـ صيغة المجهول من صاح ـ : أي صاحوا للغارة.
     5. حَجَرَاته ـ جمع حَجْرة بفتح الحاء ـ : الناحية.
     6. هَلُمّ: اذكر.
     7. الخَطْب: عظيم الامر وعجيبه.
     8. الاوَد: الاعوجاج.


( 355 )


إِطْفَاءَ نَورِ اللهِ مِنْ مِصْباحِهِ، وَسَدَّ فَوَّارِهِ(1) مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَجَدَحُوا(2) بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً(3)، فَإنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ(4)، وَإنْ تَكُنِ الاُخْرَى،
(فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرات إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).

[ 163 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[الخالق جلّ وعلا]


     الْحَمْدُ لله خَالِقِ الْعِبَادِ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ(5)، وَمُسِيلِ الْوِهَادِ(6)،وَمُخْصِبِ النِّجَادِ(7)، لَيْسَ لاَِوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلاَ لاَِزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، هُوَ الاَوَّلُ لَمْ يَزَلْ، وَالْبَاقي بِلا أَجَل، خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ، حَدَّ الاَْشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إبَانَةً
____________
     1. الفوّار والفوارة من الينبوع: الثقب الذي يفور الماء منه بشدّة.
     2. جَدَحُوا: خَلَطُوا.
     3. الشِّرْب ـ بالكسر ـ : النصيب من الماء. والوبِي: ما يوجب شربه من الوَباء.
     4. محض الحق: خالصه.
     5. ساطح المهاد: جاعله سطحاً سهلاً وباسطه للعمل فيه. والمِهاد: الارض.
     6. الوهاد ـ جمع وَهْدَة ـ : ماانخفض من الارض ومُسيلها فاعل من أسال، أي مُجري السيل فيها.
     7. النِّجاد جمع نَجْد: ما ارتفع من الارض.


( 356 )


لَهُ(1)مِنْ شَبَهِهَا، لاَ تُقَدِّرُهُ الاَْوْهامُ بِالْحُدُودِ وَالحَرَكَاتِ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالاْدَوَاتِ، لاَ يُقَالُ لَهُ:«مَتَى»؟ وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى»، الظَّاهِرُ لاَ يُقالُ: «مِمَّ»؟ وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ: «فِيمَ»؟، لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى، لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الاَْشْيَاءِ بِالْتِصَاق، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاق، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَة(2)، وَلاَ كُرُورُلَفْظَة، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَة(3)، وَلاَ انْبِسَاطُ خُطْوَة فِي لَيْل دَاج(4)، وَلاَ غَسَق سَاج(5)، يَتَفَيَّأُ(6) عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْكُرُورِ وَالاُْفُولِ(7)، وَتَقْلِيبِ الاَْزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْل مُقْبِل، وَإِدْبَارِ نَهَار مُدْبِر، قَبْلَ كُلِّ غَايَة وَمُدَّة، وَكُلِّ إِحْصَاء وَعِدَة، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ(8) الُْمحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الاَْقْدَارِ(9)،
____________
     1. الابانة: هاهنا التمييز والفصل، والضمير في «له» يرجع إليه سبحانه أي تمييزاً لذاته تعالى عن شبهها أي مشابهتها. 2. شخوص لحظة: امتداد بصر بلا حركة من جفن.
     3. ازدلاف الرّبْوة: تقربها من النظر و ظهورها له لانه يقع عليها قبل المنخفضات.
     4. الداجي: المُظْلم.
     5. الغَسَق: الليل. وساج: أي ساكن لا حركة فيه.
     6. عبّر عن نسخ نور القمر له، بالتفيؤ تشبيهاً له بنسخ الظلّ لضياء الشمس، وهو من لطيف التشبيه ودقيقه.
     7. الافول: المغِيب. والكُرُور: الرجوع بالشروق.
     8. نَحَلَهُ القولَ ـ كمنعه ـ : نسبه اليه.
     9. صفات الاقدار: جمع قَدْر ـ بسكون الدال ـ وهو حال الشيء من الطول والعرض والعمق ومن الصغر والكبر.


( 357 )


وَنِهَايَاتِ الاَْقْطَارِ(1)، وَتَأَثُّلِ(2) الْمَسَاكِنِ، وَتَمَكُّنِ الاَْمَاكِنِ; فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ، وَإِلَى غَيْرهِ مَنْسُوبٌ.

[ابتداع المخلوقين]


     لَمْ يَخْلُقِ الاْشْيَاءَ مِنْ أُصُول أَزَلِيَّة، وَلاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّة، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ(3)، وَصَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ، لَيْسَ لِشَيْء مِنْهُ امْتِنَاعٌ، وَلاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْء انْتِفَاعٌ، عِلْمُهُ بِالاَْمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالاْحْيَاءِ الْبَاقِينَ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السماوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الاْرَضِينَ السُّفْلَى.

منها:


     أَيُّهَا الْـمَخْلُوقُ السَّوِيُّ(4)، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِىُّ(5)، فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْحَامِ،
____________
     1. نهايات الاقطار: هي نهايات الابعاد الثلاثة المتقدم ذكرها.
     2. التّأثّل: التأصّل.
     3. أقام حدّه: أي ما به امتاز عن سائر الموجودات.
     4. السّوِي: مستوي الخلقة لا نقص فيه.
     5. المنشأ: المبتدع. والمَرْعي: المحفوظ المعنيّ بأمره.


( 358 )


وَمُضَاعَفَاتِ الاَْسْتَارِ، بُدِئْتَ
(مِنْ سُلاَلَة(1) مِنْ طِين)، وَوُضِعْتَ (فِي قَرَار مَكِين(2) * إِلَى قَدَر مَعْلُوم) وَأَجَل مَقْسُوم، تَمُورُ(3) فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ(4) دُعَاءً، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً، ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَار لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا; فَمَنْ هَدَاكَ لاِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ؟ وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ؟! هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالاَْدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الَْمخْلُوقِينَ أَبْعَدُ!

____________
     1. السُلالة من الشيء: ماانسلّ منه.
     2. القرار المَكِين: محل الجنين من الرحم.
     3. تَمُور: تَتَحَرّك.
     4. لا تحيرُ: من قولهم: ما أحار جواباً، أي لم يستطع ردّاً.


( 359 )

[ 164 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
لما اجتمع الناس اليه وشكوا ما نقموه على عثمان وسألوه مخاطبته واستعتابه لهم، فدخل(عليه السلام) على عثمان فقال:


     إِنَّ النَّاسَ وَرَائي، وَقَدِ اسْتَسْفَرُوني(1) بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ! مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ، وَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْر لاَ تَعْرِفُهُ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ، مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْء فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ، وَلاَ خَلَوْنَا بِشَيْء فَنُبَلِّغَكَهُ، وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا، وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ الله(صلى الله عليه وآله) كَمَا صَحِبْنَا. وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلاَ ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) وَشِيجَةَ(2) رَحِم مِنْهُمَا، وَقَدْ نِلْتَ مَنْ صَهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالاَ.
     فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِكَ! فَإِنَّكَ ـ وَاللهِ ـ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمىً، وَلاَ تُعَلّمُ مِنْ جَهْل، وَإِنَّ الْطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ، وَإِنَّ أَعْلاَمَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ.
     فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِاللهِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَي، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً، وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ، لَهَا أَعْلاَمٌ، وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ، لَهَا أَعْلاَمٌ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَاللهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً.
     وَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالاِْمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلاَ عَاذِرٌ، فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى، ثُمَّ يَرْتَبِطُ(3) فِي قَعْرِهَا».
     وَإِني أَنْشُدُكَ اللهَ أنْ تَكُونَ إِمَامَ هذِهِ الاُْمَّةِ الْمَقْتُولَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: يُقْتَلُ
____________
     1. اسْتَسْفَرُوني: جعلوني سفيراً.
     2. الوَشِيجة: اشتباك القرابة.
     3. ربطه فارتبط: أي شدّة وحبسه.


( 360 )


فِي هذِهِ الاُْمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلى يَوْمِ الْقُيَامَةِ، وَيَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا، وَيَبُثُّ الْفِتَنَ فِيهَا، فَلاَ يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً، وَيَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً(1)
.
     فَلاَ تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً(2) يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلاَلَ السِّنِّ وَتَقَضِّي الْعُمُرِ.
     فَقَالَ لَهُ عُثْـمَانُ: كَلِّمِ النَّاسَ فِي أَنْ يُؤَجِّلُونِي، حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ مِن مَظَالِمِ

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه