القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم
  

بَابُ المخُتَْارِ مِنْ خُطب
مولانا أميرالمؤُمِنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
وأوامره ونواهيه
وكلامه الجاري مجرى الخطب
والمواعظ في المقامات المحضورة والمواقف
المذكورة والخطوب الوارد
ة

( 26 )

[ 1 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
يذكر فيها ابتداءَ خلق السماءِ والاَرض، وخلق آدم عليه الصلاة والسلام
[وفيها ذكر الحج]
[وتحتوي على حمد الله، وخلق العالم، وخلق الملائكة، واختيار الانبياء، ومبعث النبي، والقرآن، والاحكام الشرعية:]



     الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ.


( 27 )


فَطَرَ الخَلائِقَ(1) بِقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ(2) بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ(3)
.
     أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ،وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، [وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ، ]وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ: «عَلاَمَ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنُهُ.
     كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَث(4)، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَم، مَعَ كُلِّ شَيْء لاَ بِمُقَارَنَة، وَغَيْرُ كُلِّ شيء لا بِمُزَايَلَة(5)، فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالاْلةِ، بَصِيرٌ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، مُتَوَحِّدٌ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ وَلاَ يَسْتوْحِشُ لِفَقْدِهِ.
____________
     1. فَطَرَ الخلائقَ: ابتدعها على غير مثال سبق.
     2. وَتّدَ ـ بالتشديد والتخفيف ـ : ثبّت.
     3. ميَدان أرضه: تحرّكها بتمايل.
     4. لاعن حَدَث: لا عن إيجاد موجد.
     5. المزايلة: المفارقة والمباينة.


( 28 )


[خلق العالم]


     أَنْشَأَ الخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّة أَجَالَهَا(1)، وَلاَ تَجْرِبَة اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَة أَحْدَثَهَا، وَلاَ هَمَامَةِ نَفْس(2) اظْطَرَبَ فِيهَا.
     أَحَالَ الاْشياءَ لاَِوْقَاتِهَا، وَلاََمَ(3) بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا(4)، وَأَلزَمَهَا أشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنِها وَأَحْنَائِهَا(5)
.
     ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الاَْجْوَاءِ، وَشَقَّ الاَْرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ(6) الَهوَاءِ، فأَجازَ فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ(7)، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ(8)، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ
____________
     1. الرّوِيّة: الفكر، وأجالها: أدارها وَرَدَدَها.
     2. هَمَامَة النفس ـ بفتح الهاء ـ : اهتمامها بالامر وقصدها إليه.
     3. لاََمَ: قَرَنَ.
     4. غَرّزَ غَرائزها: أودع فيها طباعها.
     5. القرائن ـ هنا ـ : جمع قَرُونة وهي النفس، والاحْنَاء: جمع حِنْو ـ بالكسرـ : وهو الجانب.
     6. السكائك: جمع سُكاكة ـ بالضم ـ : وهي الهواء الملاقي عنان السماء.
     7. التيّار ـ هناـ : الموج.
     8. الزّخّار: الشديد الزخر، أي الامتداد والارتفاع.


( 29 )


الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ(1) الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَها بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ(2)، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ(3)
.
     ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا(4)، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا(5)، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ(6) الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ(7) مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالفَضَاءِ، تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ(8) عَلَى مَائِرِهِ(9)، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ(10)،
____________
     1. الزّعزع: الريح الّتي تزعزع كلّ ثابت.
     2. الفتيق: المفتوق.
     3. الدفيق: المدفوق.
     4. اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا: جعل هبوبها عقيماً، والريح العقيم التي لا تلقح سحاباً ولا شجراً.
     5. مُرَبّها ـ بضم الميم ـ مصدر ميمي من أرَبّ بالمكان: لازمه، فالمُرَبّ: المُلازَمة.
     6. تَصْفيق الماء: تحريكه وتقليبه.
     7. مَخَضَتْهُ: حرّكته بشدّة كما يُمْخَضُ السّقاء.
     8. الساجي: الساكن.
     9. المائر: الذي يذهب ويجيء.
     10. رُكامُهُ: ما تراكم منه بعضه على بعض.


( 30 )


فَرَفَعَهُ فِي هَوَاء مُنْفَتِق، وَجَوٍّ مُنْفَهِق(1)، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَات، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً(2)، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيْر عَمَد يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَار(3) يَنْظِمُها.
     ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ(4)، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً(5)، وَقَمَراً مُنِيراً: في فَلَك دَائِر، وَسَقْف سَائِر، وَرَقِيم(6) مَائِر.

[خلق الملائكة]


     ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمواتِ العُلاَ، فَمَلاََهُنَّ أَطْواراً مِنْ مَلائِكَتِهِ:
     مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَيَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ(7) لاَ
____________
     1. المُنفَهِقُ: المفتوح الواسع.
     2. المكفوف: الممنوع من السّيَلان.
     3. الدِّسَار: واحدُ الدّسُر، وهي المسَامير.
     4. الثّوَاقب: المنيرة المشرقة.
     5. مُسْتَطِيراً: منتشر الضياء، وهو الشمس.
     6. الرّقِيمُ: اسم من اسماء الفلك: سُمّي به لانه مرقوم بالكواكب.
     7. صَافّونَ: قائمون صفوفاً.


( 31 )


يَتَزَايَلُونَ(1)، وَمُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ العُيُونِ، وَلاَ سَهْوُ العُقُولِ، وَلاَ فَتْرَةُ الاَبْدَانِ، ولاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ.
     وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ، وأَلسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرهِ.
     وَمِنْهُمُ الحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ، وَالسَّدَنَةُ(2) لاَِبْوَابِ جِنَانِهِ.
     وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ في الاَْرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ، وَالمَارِقَةُ مِنَ السَّماءِ العُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، والخَارجَةُ مِنَ الاَْقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ، وَالمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ العَرْشِ أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ(3) تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مِنْ دُونَهُمْ حُجُبُ العِزَّةِ، وَأسْتَارُ القُدْرَةِ، لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بالتَّصْوِيرِ، وَلاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ المَصْنُوعِينَ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالاَْماكِنِ، وَلاَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ.

منها: في صفة خلق آدم(عليه السلام)


     ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ(4) الاَْرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا(5)، تُرْبَةً
____________
     1. لا يَتَزَايَلُونَ: لايتفارقون.
     2. السَّدَنَة: جمع سَادِن وهو الخادم.
     3. مُتَلَفّعون: من تلفّع بالثوب إذا التحف به.
     4. حَزْنُ الارض: وَعْرُها.
     5. سَبَخُ الارض: ما ملح منها.


( 32 )


سَنَّهَا بالمَاءِ(1) حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا(2) بِالبَلَّةِ(3) حَتَّى لَزَبَتْ(4)، فَجَبَلَ مِنْها صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاء(5) وَوُصُول، وَأَعْضَاء وَفُصُول: أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا(6) حَتَّى صَلْصَلَتْ(7)، لِوَقْت مَعْدُود، وَأجَل مَعْلُوم، ثُمَّ نَفَخَ فِيها مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ(8) إِنْساناً ذَا أَذْهَان يُجيلُهَا، وَفِكَر يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا(9)، وَأَدَوَات يُقَلِّبُهَا، وَمَعْرِفَة يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، والاَذْوَاقِ والَمشَامِّ، وَالاَْلوَانِ وَالاَْجْنَاس، مَعْجُوناً بطِينَةِ الاَْلوَانِ الُمخْتَلِفَةِ، وَالاَشْبَاهِ المُؤْتَلِفَةِ، وَالاَْضْدَادِ المُتَعَادِيَةِ، والاَْخْلاطِ المُتَبَايِنَةِ، مِنَ
____________
     1. سَنّ الماء: صَبّه.
     2. لاَطَها: خَلَطَها وَعَجَنَها.
     3. البَلة ـ بالفتح ـ : من البَلَل.
     4. لَزَبَ: من باب نصر، بمعنى التصق وثبت واشتد.
     5. الاحْنَاء: جمع حِنْو ـ بالكسر ـ وهو الجانب من البدن.
     6. أصْلَدَها: جعلها صُلْبَةً ملساء متينة.
     7. صَلْصَلَتْ: يَبِسَتْ حتى كانت تُسمع لها صَلْصَلَةٌ إذا هَبّت عليها الرياح.
     8. مَثُلَ ـ ككرُم وَفَتَحَ ـ : قام مُنْتَصِباً.
     9. يَخْتَدِمُها: يجعلها في خدمة مآربه.


( 33 )


الحَرِّ والبَرْدِ، وَالبَلَّةِ وَالْجُمُودِ، وَالْمَساءَةِ وَالسُّرُورِ، وَاسْتَأْدَى اللهُ سُبْحَانَهُ المَلائكَةَ وَدِيعَتَهُ(1) لَدَيْهِمْ، وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهمْ، في الاِْذْعَانِ بالسُّجُودِ لَهُ، وَالخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ، فَقَالَ عزَّمِن قائِل:
(اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ )وَقَبِيلَهُ، اعْتَرَتْهُمُ الحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الشِّقْوَةُ، وَتَعَزَّزُوا بِخِلْقَةِ النَّارِ، وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ، فَأَعْطَاهُ اللهُ تَعالَى النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ، وَاسْتِتْماماً لِلْبَلِيَّةِ، وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ، فَقَالَ: (إنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
     ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أرْغَدَ فِيهَاعَيْشَهُ، وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ، وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ(2) عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ، وَمُرَافَقَةِ الاَْبْرَارِ، فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ، وَالعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ(3) وَجَلاً(4)، وَبِالاْغْتِرَارِ نَدَماً.
     ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ، فَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الَبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.
    
____________
     1. اسْتَأدَى الله سبحانه الملائكةَ وديعَتَهُ: طالبهم بأدائها. 2. اغْتَرّ آدمَ عدوّهُ الشيطانُ: أي انتهز منه غِرّة فأغواه.
     3. الجَذَل ـ بالتحريك ـ : الفرح.
     4. الوَجَل: الخوف.


( 34 )


[اختيار الانبياء]


     وَاصْطَفى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدَهِ أَنْبيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ(1)، وَعَلَى تَبْليغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ، واتَّخَذُوا الاَْنْدَادَ(2) مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ(3) الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ، وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ(4) مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ: مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهمْ، وَأَوْصَاب(5) تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاث تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَل، أَوْ كِتَاب مُنْزَل، أَوْ حُجَّة لاَزِمَة، أَوْ مَحَجَّة(6) قَائِمَة، رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ
____________
     1. ميثاقهم: عهدهم.
     2. الانْدَادُ: الامْثَال، وأراد المعبودين من دونه سبحانه وتعالى.
     3. اجْتَالَتْهُمْ ـ بالجيم ـ : صرفتهم عن قصدهم.
     4. وَاتَرَ إليهم أنبياءهُ: أرسلهم وبين كل نبيّ ومَن بعده فترة، وقوله «لِيَسْتَأدُوهُمْ»: ليطلبوا الاداء.
     5. الاوْصَاب: المتاعب.
     6. المَحَجّة: الطريق القويمة الواضحة.


( 35 )


المُكَذِّبِينَ لَهُمْ: مِنْ سَابِق سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِر عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ.
     عَلَى ذْلِكَ نَسَلَتِ(1) القُرُونُ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الاْباءُ، وَخَلَفَتِ الاَْبْنَاءُ.

[مبعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)]


     إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) لاِِنْجَازِ عِدَتِهِ(2) وَتَمامِ نُبُوَّتِهِ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ(3)، كَرِيماً مِيلادُهُ. وَأهْلُ الاَْرْضِ يَوْمَئِذ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّه للهِِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِد(4)في اسْمِهِ، أَوْ مُشِير إِلَى غَيْرهِ، فَهَدَاهُمْ بهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بمَكانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ.
     ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لُِمحَمَّد صلى الله عليه لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، فَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِالدُّنْيَا، وَرَغِبَ بِهَ عَنْ مُقَارَنَةِ البَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً، وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الاَْنْبيَاءُ في أُمَمِها، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً، بِغَيْر طَريق واضِح، ولاَعَلَم(5) قَائِم.
____________
     1. العَلَمُ ـ بفتحتين ـ : ما يوضع ليُهتدى به.
     1. نَسَلَتْ ـ بالبناء للفاعل ـ : مضت متتابعةً.
     2. الضمير في «عِدَتِهِ» لله تعالى، والمراد وعد الله بإرسال محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) على لسان أنبيائه السابقين.
     3. سِمَاتُهُ: علاماته التي ذُكِرَتْ في كتب الانبياء السابقين الذين بشروا به.
     4. المُلْحِدُ في اسم الله: الذي يميل به عن حقيقة مسماه.


( 36 )


[القرآن والاحكام الشرعية]


     كِتَابَ رَبِّكُمْ [فِيكُمْ:] مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَحَرامَهُ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ(1)، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ(2)، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ، وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ(3)، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ(4)، مُفَسِّراً جُمَلَهُ، وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ.
     بَيْنَ مَأْخُوذ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، وَمُوَسَّع عَلَى العِبَادِ في جَهْلِهِ(5)، وَبَيْنَ مُثْبَت في الكِتابِ فَرْضُهُ، وَمَعْلُوم في السُّنَّهِ نَسْخُهُ، وَوَاجب في السُّنَّةِ أَخْذُهُ، وَمُرَخَّص في الكِتابِ تَرْكُهُ، وَبَيْنَ وَاجِب بِوَقْتِهِ، وَزَائِل في مُسْتَقْبَلِهِ، وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبير أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ، أَوْ صَغِير أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ، وَبَيْنَ مَقْبُول في أَدْنَاهُ، ومُوَسَّع في أَقْصَاهُ.
____________
     1. ناسِخُهُ ومنسوخه: أحكامه الشرعية التي رفع بعضها بعضاً.
     2. رُخَصَهُ: ما تُرُخّصَ فيه، عكسها عَزائمُهُ.
     3. المُرْسَلُ: المُطْلَقُ، المحدود: المقيّد.
     4. المُحْكَمُ: كآيات الاحكام والاخبار الصريحة في معانيها، والمتشابه كقوله:
(يَدُاللهِ فوقَ أيديهم)
     5. المُوَسِعُ على العباد في جهله: كالحروف المفتتحة بها السور نحو الم والر.


( 37 )


و[منها:] في ذكر الحج


     وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلاَْنَامِ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الاَنْعَامِ، وَيأْلَهُونَ إِلَيْهِ(1) وُلُوهَ الحَمَامِ.
     جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ، وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتِهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بمَلاَئِكَتِهِ المُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ، يُحْرِزُونَ الاْرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ، وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ.
     جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ لِلاِسْلامِ عَلَماً، وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً، فَرَضَ حَجَّهُ، وَأَوْجَبَ حَقَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ(2)، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
(وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمينَ).
    
____________
     1. يَألَهُونَ إليه: يَلُوذُون به ويَعكفون عليه.
     2. الوِفَادَة: الزيارة.


( 38 )

[ 2 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
بعد انصرافه من صفين
[وفيها حال الناس قبل البعثة وصفة آل النبي ثمّ صفة قوم آخرين:]


     أحْمَدُهُ اسْتِتْماماً لِنِعْمَتِهِ، وَاسْتِسْلاَماً لِعِزَّتِهِ، واسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلى كِفَايَتِهِ، إِنَّهُ لاَ يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ، وَلا يَئِلُ(1) مَنْ عَادَاهُ، وَلا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ; فَإِنَّهُ أَرْجَحُ ما وُزِنَ، وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ.
     وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاَصُهَا، مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا(2)، نَتَمَسَّكُ بها أَبَداً ما أَبْقانَا، وَنَدَّخِرُهَا لاَِهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا، فَإِنَّها عَزيمَةُ الاِْيمَانِ، وَفَاتِحَةُ الاِْحْسَانِ، وَمَرْضَاةُ الرَّحْمنِ، وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ(3)
.
     وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أرْسَلَهُ بِالدِّينِ المشْهُورِ، وَالعَلَمِ المأْثُورِ، وَالكِتَابِ المسْطُورِ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ، وَالاَمْرِ الصَّادِعِ، إزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ، وَاحْتِجَاجاً بِالبَيِّنَاتِ، وَتَحْذِيراً بِالايَاتِ، وَتَخْويفاً بِالمَثُلاَتِ(4)، وَالنَّاسُ في فِتَن انْجَذَمَ(5) فِيها حَبْلُ الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي(6) اليَقِينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ(7)، وَتَشَتَّتَ الاَْمْرُ، وَضَاقَ
____________
     1. وَألَ: مضارعها يَئِلُ ـ مِثل وَعَدَ يَعِدُ ـ نجا ينجو.
     2. مُصَاصُ كل شيء: خالصُهُ.
     3. مَدْحَرَةُ الشيطان: أي أنها تبعده وتَطْرُدُهُ.
     4. المَثُلات ـ بفتح فضم ـ : العقوبات، جمع مَثُلَة بضم الثاء وسكونها بعد الميم.
     5. انْجَذَمَ: انقطع.
     6. السّوارِي: جمع سارية، وهي العَمُود والدِّعامة.
     7. النّجْر ـ بفتح النون وسكون الجيم ـ : الاصل.


( 39 )


الْـمَخْرَجُ، وَعَمِيَ المَصْدَرُ، فَالهُدَى خَامِلٌ، واَلعَمَى شَامِلٌ.
     عُصِيَ الرَّحْمنُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الاِْيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وَتَنكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، وَدَرَسَتْ(1) سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ(2)
.
     أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ(3)، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ، في فِتَن دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا(4)، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا(5)، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا(6)، فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ، في خَيْرِ دَار، وَشَرِّ جِيرَان، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بأَرْض عَالِمُها مُلْجَمٌ، وَجَاهِلُها مُكْرَمٌ.
    
____________
     1. دَرَسَت، كانْدَرَسَتْ: انطَمَستْ.
     2. الشّرُك: جمع شِراك ككتاب وهي الطريق.
     3. المَنَاهِلُ: جمع مَنْهل، وهو مَوْرِد النهر.
     4. الاخْفَاف: جمع خُفّ، وهو للبعير كالقدَم للانسان.
     5. الاظلاف: جمع ظِلْف ـ بالكسر ـ للبقر والشاة وشبههما، كالخفّ للبعير والقدم للانسان.
     6. السّنَابك: جمع سُنْبُك ـ كقُنْفُذ ـ وهو طَرَفُ الحافر.


( 40 )


ومنها: ويعني آل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)


     هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ، وَلَجَأُ(1) أَمْرِهِ، وَعَيْبَةُ(2) عِلْمِهِ، وَمَوْئِلُ(3) حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ، وَجِبَالُ دِينِه، بِهِمْ أَقَامَ انْحِناءَ ظَهْرِهِ، وَأذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ(4)
.

منها: يعني بها قوماً آخرين


     زَرَعُوا الفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ(5)، لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد(عليهم السلام)مِنْ هذِهِ الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً.
     هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي(6)، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الاْنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ.
    
____________
     1. اللّجَأ ـ محرّكةً ـ : المَلاَذُ وما تلتجىء وتعتصم به.
     2. العَيْبَةُ ـ بالفتح ـ : الوعاء.
     3. المَوْئِلُ: المَرْجِع.
     4. الفَرَائص: جمع فريصة، وهي اللحمة التي بين الجنب والكتف لاتزال تُرْعَدُ من الدابة.
     5. الثّبُور: الهلاك.
     6. الغالي: المبالغ، الذي يُجاوز الحد بالافراط.


( 41 )

[ 3 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة
[وتشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له:]


أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها(1) فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ(2) دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً(3)، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ(4)، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة(5) عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.

[ترجيح الصبر]


     فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى(6)، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً(7)، أرى تُرَاثي(8) نَهْباً، حَتَّى مَضَى الاَْوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا(9)إِلَى فلان بَعْدَهُ.
     ثم تمثل بقول الاعشى:

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا(10)

وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ


    
____________
     1. تَقَمّصَها: لبسها كالقميص.
     2. سَدَلَ الثوبَ: أرخاه.
     3. طَوَى عنها كشحاً: مالَ عنها.
     4. الجَذّاءُ ـ بالجيم والذال المعجمة ـ : المقطوعة.
     5. طَخْيَة ـ بطاء فخاء بعدها ياء، ويثلّثُ أوّلها ـ : ظلمة.
     6. أحجى: ألزم، من حَجِيَ بهِ كرَضيَ: أُولِعَ به ولَزِمَهُ.
     7. الشّجَا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه.
     8. التراث: الميراث. 9. أدْلَى بها: ألقى بها.
     10. الكُور ـ بالضم ـ : الرّحْل أوهو مع أداته.
    


( 42 )


فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها(1) في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا(2) ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَة خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا(3)، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ(4)[فِيهَا] وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ(5)، إِنْ أَشْنَقَ(6) لَهَا خَرَمَ(7)، وَإِنْ أَسْلَسَ(8) لَهَا تَقَحَّمَ(9)، فَمُنِيَ
____________
     1. يَسْتَقِيلها: يطلب إعفاءه منها.
     2. تشطرا ضرعيها: اقتسماه فأخذ كلّ منهما شطراً، والضرع للناقة كالثدي للمرأة.
     3. كَلْمُها: جرحها، كأنه يقول: خشونتها تجرح جرحاً غليظاً.
     4. العِثار: السقوط والكَبْوَةُ.
     5. الصّعْبة من الابل: ما ليستْ بِذَلُول.
     6. أشْنَقَ البعير وشنقه: كفه بزمامه حتى ألصق ذِفْرَاه (العظم الناتىء خلف الاذن) بقادمة الرحل.
     7. خرم: قطع.
     8 . أسْلَسَ: أرخى.
     9. تَقَحّمَ: رمى بنفسه في القحمة أي الهلكة.


( 43 )


النَّاسُ(1) ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْط(2) وَشِمَاس(3)، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض(4)
.
     فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ، حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَاللهِ وَلِلشُّورَى(5)! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاَْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ(6)! لكِنِّي أَسفَفْتُ(7) إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا، فَصَغَا(8) رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِه(9)، وَمَالَ الاْخَرُ
____________
     1. مُنيَ الناسُ: ابتُلُوا وأُصيبوا.
     2. خَبْط: سير على غير هدى.
     3. الشِّماس ـ بالكسر ـ : إباء ظَهْرِ الفرسِ عن الركوب.
     4. الاعتراض: السير على غير خط مستقيم، كأنه يسير عَرْضاً في حال سيره طولاً.
     5. أصل الشّورى: الاستشارة، وفي ذكرها هنا إشارة إلى الستة الذين عيّنَهم عمر ليختاروا أحدهم للخلافة.
     6. النّظَائر: جمع نَظِير أي المُشابِه بعضهم بعضاً دونه.
     7. أسَفّ الطائر: دنا من الارض.
     8. صَغَى صَغْياً وَصَغَا صَغْواً: مالَ.
     9. الضِّغْنُ: الضّغِينَة والحقد.


( 44 )


لِصِهْرهِ، مَعَ هَن وَهَن(1)
.
     إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ(2) بَيْنَ نَثِيلهِ(3) وَمُعْتَلَفِهِ(4)، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ(5) مَالَ اللهِ خَضْمَ الاِْبِل نِبْتَةَ(6) الرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ(7)، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ(8)، وَكَبَتْ(9) بِهِ بِطْنَتُهُ(10)
.
    
____________
     1. مع هَن وَهَن: أي أغراض أخرى أكره ذكرها.
     2. نافجاً حضْنَيْه: رافعاً لهما، والحِضْن: ما بين الابط والكَشْح، يقال للمتكبر: جاء نافجاً حِضْنَيْه.
     3. النّثِيلُ: الرّوْثُ وقذَر الدوابّ.
     4. الـمُعْتَلَفُ: موضع العلف.
     5. الخَضم: أكل الشيء الرّطْب.
     6. النِّبْتَة ـ بكسر النون ـ : كالنبات في معناه.
     7. انْتَكَثَ عليه فَتْلُهُ: انتقض.
     8. أجهزَ عليه عملُه: تَمّمَ قتله.
     9. كَبَتْ به: من كبابِه الجوادُ: إذا سقط لوجهه.
     10. البِطْنَةُ ـ بالكسر ـ : البَطَرُ والاشَرُ والتّخْمة.


( 45 )


[مبايعة علي(عليه السلام)]


     فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ(1)، يَنْثَالُونَ(2) عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ(3)، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ(4)
.
     فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاَْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ(5)، وَمَرَقَتْ أُخْرَى(6)، وَفَسَقَ [وقسط ]آخَرُونَ(7) كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ:
(تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَاِللَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ
____________
     1. عُرْفُ الضّبُع: ماكثر على عنقها من الشعر، وهو ثخين يُضرب به المثل في الكثرة والازدحام.
     2. يَنْثَالون: يتتابعون مزدحمين.
     3. شُقّ عطفاه: خُدِشَ جانباه من الاصطكاك.
     4. رَبيضَةُ الغنم: الطائفة الرابضة من الغنم.
     5. نَكَثَتْ طَائفة: نَقَضَتْ عهدَها، وأراد بتلك الطائفة الناكثة أصحابَ الجمل وطلحةَ والزبيرَ خاصة.
     6. مَرَقَتْ: خَرَجَتْ، وفي المعنى الديني: فَسَقَتْ، وأراد بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النّهْرَوَان.
     7. قَسَطَ آخرون: جاروا، وأراد بالجائرين أصحاب صفين.


( 46 )


سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا(1) في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا(2)
!
     أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ(3)، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ(4)، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ(5)، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا(6) عَلَى كِظَّةِ(7) ظَالِم، وَلا سَغَبِ(8) مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا(9)، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاََلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز(10)
!
    
____________
     1. حَلِيَتِ الدنيا: من حَليتِ المرأهُ إذا تزيّنَت بِحُلِيّها.
     2. الزِبْرِجُ: الزينة من وَشْي أوجوهر.
     3. النَسَمَة ـ محركة ـ : الروح وهي في البشر أرجح، وبَرَأها: خلقها.
     4. أراد «بالحاضر» هنا: من حضر لِبَيْعَتِهِ.
     5. أراد «بالناصر» هنا: الجيش الذي يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول في البيعة الصحيحة.
     6. ألاّ يُقَارّوا: ألاّ يوافقوا مُقرّين.
     7. الكِظّةُ: ما يعتري الاكل من الثّقَلِ والكَرْب عند امتلاء البطن بالطعام، والمراد استئثار الظالم بالحقوق. 8. السَغَب: شدة الجوع، والمراد منه هضم حقوقه.
     9. الغارب: الكاهلُ، والكلام تمثيلٌ للترك وإرسال الامر.
     10. عَفْطَة العَنْز: ما تنثره من أنفها. وأكثر ما يستعمل ذلك في النعجة وإن كان الاشهر في الاستعمال «النّفْطَة» بالنون.


( 47 )


قالوا: وقام إِليه رجل من أهل السواد(1) عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فلمّا فرغ من قراءته قال له ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، لو اطَّرَدت مَقالتكَ(2) من حيث أَفضيتَ(3)! فَقَالَ(عليه السلام) :
     هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاس! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ(4) هَدَرَتْ(5) ثُمَّ قَرَّتْ(6)
!
     قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت على كلام قطّ كأَسفي على ذلك الكلام أَلاَّ يكون أميرالمؤمنين(عليه السلام)بلغ منه حيث أراد.

      قوله(عليه السلام) في هذه الخطبة: «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم» يريد: أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها، وإن أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها، يقال: أشنق الناقة: إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه، وشنقها أيضاً، ذكر ذلك ابن السكيت في «إصلاح المنطق».
           وإنما قال(عليه السلام): «أشنق لها» ولم يقل: «أشنقها»، لانه جعله في مقابلة قوله: «أسلس لها»، فكأنه(عليه السلام)قال: إن رفع لها رأسها بالزمام يعني أمسكه عليها.
           وفي الحديث: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خطب الناس وهو عل ناقة قد شنق لها وهي تقصع بجرّتها.
           ومن الشاهد على أنّ أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي:

      ساءها ما بنا تبيّن في الايدي

      وأشناقها إلى الاعناقِ

    
____________
     1. السّوَاد: العراق، وسُمّيَ سواداً لخضرته بالزرع والاشجار، والعرب تسمي الاخضر أسود.
     2. اطّرَدَتْ مقالتك: أُتْبِعَتْ بمقالة أُخرى، من اطّراد النهر إذا تتابع جَرْيُهُ.
     3. أفْضَيْتَ: أصل أفضى: خرج إلى الفضاء، والمراد هنا سكوت الامام عماكان يريد قوله.
     4. الشّقْشِقَةُ ـ بكسر فسكون فكسر ـ : شيء كالرّئَهِ يخرجه البعير من فيه إذا هاج.
     5. هَدَرَتْ: أَطْلَقَتْ صوتاً كصوت البعير عند إخراج الشِقْشِقَةِ من فيه، ونسبة الهدير إليها نسبة إلى الالة.
     6. قَرّتْ: سكنت وَهَدَأتْ.


( 48 )

[ 4 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وهي من أفصح كلامه(عليه السلام)، وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم، ويقال: إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير:]


     بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ العلْيَاءَ(1)، وبِنَا انْفَجَرْتُم عَنِ السِّرَارِ(2)، وُقِرَ(3) سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ(4)، كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ(5) مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟
____________
     1. تَسَنّمْتم العلياءَ: ركبتم سَنامها، وارتقيتم إلى أعلاها.
     2. السِّرار ـ ككتاب ـ : آخر ليلة في الشهر يختفي فيها القمر، وهو كناية عن الظلام.
     3. وُقِرَ: صُمّ.
     4. الواعية: الصارخة والصراخ نفسه، والمراد هنا العِبرَة والمواعظ الشديدة الاثر ووُقِرَتْ أُذُنُهُ فهي مَوْقُورة، وَوَقِرَت كسَمِعَتْ: صُمّتْ، دعاء بالصّمَم على من لم يفهم الزواجر والعبر.
     5. النّبْأة: الصوت الخفي.


( 49 )


رُبِطَ جَنَانٌ(1) لَمْ يُفَارِقْهُ الخَفَقَانُ.
     مَا زِلتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الغَدْرِ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ(2) بِحِلْيَةِ الـمُغْتَرِّينَ(3) ، سَتَرَني عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ(4)، وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ، أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الحَقِّ في جَوَادِّ الـمَضَلَّةِ(5)، حيْثُ تَلْتَقُونَ وَلا دَلِيلَ، وَتَحْتَفِرُونَ وَلا تُميِهُونَ(6)
.
     اليَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ العَجْمَاءَ(7) ذاتَ البَيَان! عَزَبَ(8) رَأْيُ امْرِىء تَخَلَّفَ
____________
     1. رُبط جنانه رِباطةً ـ بكسر الراء ـ : اشتدّ قلبه.
     2. أتَوَسّمُكُم: أتَفَرّس فيكم.
     3. حِلْيَةُ المغتَرّينَ: أصل الحِلْية الزينة، والمراد هنا صفة أهل الغرور.
     4. جِلْبَاب الدّين: ما لبسوه من رسومه الظاهرة.
     5. جَوَادّ الـمَضَلّة: الجوادّ جمع جادّة وهي الطريق. والمضَلّة ـ بفتح الضاد وكسرها ـ : الارض يضل سالكها.
     6. تُميهُون: تجدون ماءً، من أماهوا أرْكِيَتَهُمْ: أنْبَطُوا ماءها.
     7. العَجْماء: البهيمة، وقد شبه بها رموزه وإساراته لغموضها على من لا بصيرة لهم.
     8. عَزَبَ: غاب، والمراد: لا رأي لمن تخلّف عني.


( 50 )


عَنِّي، مَا شَكَكْتُ في الحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ! لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً(1) عَلَى نَفْسِهِ، أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ! اليَوْمَ تَوَاقَفْنَا(2) عَلَى سَبِيلِ الحَقِّ وَالباطِلِ، مَنْ وَثِقَ بِمَاء لَمْ يَظْمَأْ!

[ 5 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
لمّا قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله)
وخاطبه العباس وأبوسفيان في أن يبايعا له بالخلافة
[وذلك بعد أن تمّت البيعة لابي بكر في السقيفة، وفيها ينهى عن الفتنة ويبين عن خلقه وعلمه:]


[النهي عن الفتنة]


     أَيُّها النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَعَرِّجُوا عَنْ طَريقِ الـمُنَافَرَةِ، وَضَعُوا تِيجَانَ الـمُفَاخَرَةِ.
     أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاح، أوِ اسْتَسْلَمَ فَأَراحَ، مَاءٌ آجِنٌ(3)، وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا، وَمُجْتَنِي الَّثمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا(4) كالزَّارعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ.

[خلقه وعلمه]


    
____________
     1. لم يُوجِسْ موسى خِيفةً: لم يستشعر خوفاً، أخْذاً من قوله تعالى: (فأوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفةً موسى)
     2. تَوَاقَفْنا: تلاقَيْنَا وتقابَلْنَا.
     3. الاجِنُ: المتغير الطعم واللون، لا يستساغ، والاشارة إلى الخلافة.
     4. إينَاعُها: نضجها وإدراك ثمرها.


( 51 )


فَإِنْ أقُلْ يَقُولُوا: حَرَصَ عَلَى الـمُلْكِ، وَإنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا: جَزعَ(1) مِنَ المَوْتِ! هَيْهَاتَ(2) بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي(3)! وَاللهِ لاَبْنُ أَبي طَالِب آنَسُ بالمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّهِ، بَلِ انْدَمَجْتُ(4) عَلَى مَكْنُونِ عِلْم لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاَْرْشِيَةِ(5) في الطَّوِيِّ(6) البَعِيدَةِ!

[ 6 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
لمّا أشير عليه بألاّ يتبع طلحةَ والزبيرَ ولا يُرصدَ لهما القتال
[وفيه يبين عن صفته بأنه(عليه السلام) لا يخدع:]


     وَاللهِ لاَ أَكُونُ كالضَّبُعِ: تَنَامُ عَلى طُولِ اللَّدْمِ(7)، حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا،
____________
     1. جَزِعَ: خاف.
     2. هَيْهات: بَعُدَ، والمراد نفي ما عساهم يظنون من جَزَعه من الموت عند سكوته.
     3. بَعْدَ اللّتَيّا والتي: بعد الشدائد كبارها وصغارها.
     4. اندَمَجْتُ: انطَوَيْتُ.
     5. الارْشِيَة: جمع رِشاء بمعنى الحبل.
     6. الطّوِيّ: جمع طويّة وهي البئر، والبئر البعيدة: العميقة.
     7. اللّدْم: صوت الحجر أوالعصا أوغيرهما، تضرب به الارض ضرباً غير شديد.


( 52 )


وَيَخْتِلَهَا(1) رَاصِدُها(2)، وَلكِنِّي أَضْرِبُ بِالمُقْبِلِ إِلَى الحَقِّ المُدْبِرَ عَنْهُ، وَبِالسَّامِعِ المُطِيعِ العَاصِيَ المُريبَ(3) أَبَداً، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي.
     فَوَاللهِ مَا زِلتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي، مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ، مُنْذُ قَبَضَ اللهُ تعالى نَبِيَّهُ(صلى الله عليه وآله)حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هذَا.

[ 7 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[يذم فيها أتباع الشيطان]


     اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لاَِمْرِهِمْ مِلاَكاً(4)، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً(5)، فَبَاضَ وَفَرَّخَ(6)في صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ(7) في حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ
____________
     1. يَخْتِلها: يخدعها.
     2. رَاصِدها: صائدها الذي يترقبها.
     3. المُرِيب: الذي يكون في حال الشك والرّيْب.
     4. مِلاك الشيء ـ بكسر الميم وفتحها ـ : قوامه الذي يُمْلَكُ به.
     5. الاشْراك: جمع شَرَكَ وهو ما يُصاد به، فكأنهم اَلة الشيطان في الاضلال.
     6. باضَ وفرّخَ: كناية عن تَوَطّنِهِ صدورهم وطولِ مُكْثِهِ فيها، لان الطائر لا يبيض ألاّ في عشّه، وفراخ الشيطان: وَسَاوِسُهُ. 7. دَبّ و دَرَجَ: تربى في حُجُورهم كما يُرَبى الطفل في حجرِ والديه.


( 53 )


بِأَلسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ(1)، وَزَيَّنَ لَهُمُ الخَطَلَ(2)، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ(3) الشَّيْطَانُ في سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالبَاطِلِ عَلى لِسَانِهِ!

[ 8 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك
[ويدعوه للدخول في البيعة ثانية:]


     يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ، وَلَمْ يُبَايعْ بِقَلْبِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالبَيْعَةِ، وَادَّعَى الوَلِيجَةَ(4)، فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْر يُعْرَفُ، وَإِلاَّ فَلْيَدخُلْ فِيَما خَرَجَ مِنْهُ.

[ 9 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[في صفته وصفة خصومه ويقال إنّها في أصحاب الجمل]


     وقَدْ أَرْعَدُوا وَأبْرَقُوا(5)، وَمَعَ هذَيْنِ الاَْمْرَيْنِ الفَشَلُ(6)، وَلَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى
____________
     1. الزّلَل: الغَلَط والخطأ.
     2. الخَطَلُ: أقبح الخطأ.
     3. شَرِكَهُ ـ كَعَلِمَهُ ـ : صار شريكاً له.
     4. الوَليِجة: الدّخيلة وما يُضمر في القلب ويكتم.
     5. أرْعَدُوا وأبْرَقُوا: أوْ عدُوا وتهَدّدُوا.
     6. الفشل: الجُبْن والخور.


( 54 )


نُوقِعَ(1)، وَلا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ.

[ 10 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[يريد الشيطان أويكني به عن قوم]


     أَلاَ وإنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ(2)، وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتي.
     مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي(3)، وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ.
     وَايْمُ اللهِ لاَُفْرِطَنَّ(4) لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ(5)! لاَ يَصْدِرُونَ عَنْهُ(6)، وَلاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ.

____________
     1. لسنانُرعد حتى نُوقِع: لا نهدّد عدواً إلاّ بعد أن نوقع بعدُوٍّ آخر.
     2. الرّجِلُ: جمع راجِل.
     3. ما لَبّسْتُ على نفسي: ما أوقعتها في اللّبْس والابهام.
     4. أفْرَطَ الحوْضَ: ملاه حتى فاض.
     5. الماتِحُ: المُسْتَقي.
     6. يُصْدِرون عنه: يعودون بعد الاستقاء.


( 55 )

[ 11 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[لابنه محمّد بن الحنفية لمّا أعطاه الراية يوم الجمل]


     تَزُولُ الجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ(1)، أَعِرِ(2) اللهَ جُمجُمَتَكَ، تِدْ(3) في الاَْرْضِ قَدَمَكَ، ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى القَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ(4)، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ.

[ 12 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
لمّا أظفره الله تعالى بأصحاب الجمل

وقد قال له بعض أصحابه:وددت أن أخي فلاناًمعك شاهداًليرى ما نصرك الله به علىأعدائك، فقال له عليه السلام:


     أَهَوَى أَخِيكَ(5) مَعَنَا؟
     قال: نَعَم.
     قالَ: فَقَدْ شَهِدنَا، وَلَقَدْ شَهِدَنَا في عَسْكَرِنَا هذَا أَقْوَامٌ في أَصْلاَبِ الرِّجَالِ، وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ، سَيَرْعُفُ بِهِمُ الزَّمَانُ(6)، ويَقْوَى بِهِمُ الاِْيمَانُ.
    
____________
     1. النّاجِذُ: أقصى الضّرْس، وجمعه نواجذ، وإذا عَضّ الرجل على أسنانه اشتدّت حَمِيّتُهُ.
     2. أعِرْ: أمر من أعار، أي ابذل جمجمتك لله تعالى كما يبذل المعير ماله للمستعير.
     3. بِدْ قَدَمَكَ: ثَبّتْها، من وَتَدَيَتِدُ. 4. غضّ النظر: كفّهُ، والمراد هنا: لا يَهُولَنّكَ منهم هائلٌ.
     5. هوى أخيك: أي ميلُهُ ومحبته.
     6. يَرْعُفُ بهم الزمان: يجود على غير انتظار كما يجود الانفُ بالرّعاف.


( 56 )

[ 13 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في ذم البصرة وأهلها [بعد وقعة الجمل]



     كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ، وَأَتْبَاعَ البَهِيمَةِ(1)، رَغَا(2) فَأَجَبْتُم، وَعُقِرَ(3) فَهَرَبْتُمْ.
     أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ(4)، وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ، وَدِيْنُكُمْ نِفَاقٌ، وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ(5)
.
     المُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ(6) بِذَنْبِهِ، وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمة مِنْ رَبِّهِ.
     كَأَنِّي بِمَسْجِدكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَة(7)، قَدْ بَعَثَ اللهُ عَلَيْها العَذَابَ مِنْ فَوْقِها وَمِنْ تَحتِها، وَغَرِقَ مَنْ في ضِمْنِها.
    
____________
     1. أتْباع البهيمة: يريد بالبهيمة الجمل، وقصته مشهورة.
     2. رَغَا الجملُ: أطلق رُغاءه، وهو صوته المعروف.
     3. عُقِر الجملُ: جرح أو ضربت قوائمه، أوذبح.
     4. أخْلاقكم دِقاقٌ: دنيئة.
     5. زُعاق: مالح.
     6. مُرْتَهَنٌ: من الارتهان والرهن، والمراد: مؤاخذ.
     7. جُؤْجُؤُ السفينةِ: صدرُها، وأصل الجُؤجُؤ: عَظْمُ الصدرِ.


( 57 )


وفي رواية: وَأيْمُ اللهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَة، أَوْ نَعَامَة جَاثِمَة(1)
.
     وفي رواية أخرى: كَجُؤْجُؤِ طَيْر في لُجَّةِ بَحْر(2)
.

[ 14 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في مثل ذلك


     أرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ المَاءِ، بَعِيدَةٌ مِنَ السَّماءِ، خَفَّتْ عُقُولُكُمْ، وَسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ(3)، فَأَنْتُمْ غَرَضٌ(4) لِنَابِل(5)، وَأُكْلَةٌ لاِكِل، وَفَرِيسَةٌ لِصائِد.

[ 15 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان
(6)


     وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ الاِْمَاءُ، لَرَدَدْتُهُ; فَإِنَّ في العَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!
____________
     1. جَاثِمةٌ: واقعةٌ على صدرها.
     2. لُجّةُ البحر ـ وجمعها لُجَجٌ ـ : مَوْجُهُ.
     3. سَفِهَت حلومُكُم: سَفِهَتْ: صارتْ سَفِيهة، بها خِفّة وطيش، وحُلُومُكم: جمع حِلْم وهو العقل، فهي كالعبارة قبلها: خَفّت عقولكم.
     4. الغَرَض: ما يُنْصَبُ ليرمى بالسهام.
     5. النّابِلُ: الضارب بالنّبْلِ.
     6. قَطائِعُ عثمان: ما منحه للناس من الاراضي، وكان الاصل فيها أن تنفق غلتها على أبناء السبيل وأشباههم كقطائعه لمعاوية ومروان.


( 58 )


[ 16 ]
من كلام له(عليه السلام)
لمّا بويع بالمدينة
[وفيها يخبر الناس بعلمه بما تؤول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم إلى أقسام:]


     ذِمَّتي
(1) بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ(2) وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ(3): إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ العِبَرُ(4) عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ المَثُلاتِ(5)، حَجَزَهُ(6) التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ(7)
.
    
____________
     1. الذّمّة: العهد.
     2. رهينة: مرهونة، من الرهن.
     3. الزعيم: الكفيل، يريد أنه ضامن لصدق ما يقول.
     4. العِبَر ـ بكسر فتح ـ : جمع عِبرة، بمعنى الموعظة.
     5. المَثُلاَتُ: العُقوبات.
     6. حجزه: منعه.
     7. تَقَحُّمُ الشّبُهَات: التّرَدّي فيها.


( 59 )


أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا
(1) يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ(صلى الله عليه وآله)، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ(2) بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً(3)، وَلَتُسَاطُنَّ(4) سَوْطَ )القِدْرِ(5)، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا.
     وَاللهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً
(6)، وَلا كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذا المَقامِ وَهذَا اليَوْمِ.
     أَلاَ وَإِنَّ الخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ
(7) حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُها، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا(8)،
____________
     1. عادت كهيئتها: رجعت إلى حالها الاُولى.
     2. لَتُبَلْبَلُنّ: لَتُخْلَطُنّ، ومنه «تَبَلْبَلَتِ الالسُنُ»: اختلطت.
     3. لَتُغَرْبَلُنّ: لتمّيزنّ كما يميّز الدقيق عند الغربلة من نخالته.
     4. لَتُسَاطُنّ: من السّوط، وهو أن تجعل شيئين في الاناء وتضربهما بيديك حتى يختلطا.
     5. سَوْط القِدْر: أي كما تختلط الابْزَارُ ونحوها في القدر عند غليانه فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، وكل ذلك حكاية عما يأولون إليه من الاختلاف، وتقطع الارحام، وفساد النظام.
     6. الوَشْمَةُ: الكلمة.
     7. الشُمُسُ: جمع شَمُوس وهي من «شَمَسَ» كنصر أي منع ظهره أن يُرْكَبَ.
     8. لُجُمُها: جمع لِجام، وهو عنان الدّابة الذي تُلجم به.


( 60 )


فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ في النَّارِ
(1)
.
     أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ(2)، حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الجَنَّةَ.
     حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ البَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلَّ الحقُّ لَرُبَّما وَلَعَلَّ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيءٌ فَأَقْبَلَ!

      وأقول: إنّ في هذا الكلام الادنى من مواقع الاحسان ملا تبلغه مواقع الاستحسان، وإنّ حظ العجب منه أكثر من حظ العُجب به، وفيه ـ مع الحال التي وصفنا ـ زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، ولا يَطَّلع فَجها(3) إنسان، ولا يعرف ما أقوله إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحق، وجرى فيها على عرق(4)، )وَمَا يَعْقِلُهَا إلاّ العَالمِونَ).

    

ومن هذه الخطبة
[وفيها يقسّم الناس إلى ثلاثة أصناف]


     شُغِلَ مَنِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ! سَاع سَرِيعٌ نَجَا، وَطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا، وَمُقَصِّرٌ في النَّارِ هَوَى.
    
____________
     1. تقحمت بهم في النار: أردتهم فيها.
     2. الذُلُل: جمع ذَلول، وهي المُرَوّضَةُ الطائعة.
     3. لا يَطّلع فَجَّهَا: من قولهم اطّلَعَ الارض أي بلغها. والفجّ: الطريق الواسع بين جَبَلَيْنِ.
     4. العِرْق: الاصل.


( 61 )


الَيمِينُ وَالشِّمالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الوُسْطَى هِيَ الجَادَّةُ
(1)، عَلَيْهَا بَاقي الكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ، وَإلَيْهَا مَصِيرُ العَاقِبَةِ.
     هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى، مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ، لاَيَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ
(2) أَصْل، وَلاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْم.
     فَاسْتَتِرُوا بِبُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ.

[ 17 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في صفة من يتصدّى للحكم بين الاُْمة وليس لذلك بأَهل


     إِنَّ أَبْغَضَ الخَلائِقِ إِلَى اللهِ تعالى رَجُلانِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ
(3)، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ(4)، مَشْغُوفٌ(5) بِكَلاَمِ بِدْعَة(6)، وَدُعَاءِ ضَلاَلَة، فَهُوَ
____________
     1. الجادّة: الطريق.
     2. السِّنْخُ: المثبّت، يقال: ثبتت السنّ في سِنْخِها: أي منبتها.
     3. وكله الله إلى نفسه: تركه ونفسَهُ.
     4. جَائرٌ عن قصد السبيل ـ هنا ـ : عادل عن جادّتهِ.
     5. المشغوف بشيء: المولع به حتى بلغ حبه شغاف قلبه، وهو غلافه.
     6. كلام البِدْعة: ما اخترعته الاهواء ولم يعتمد على ركن من الحق ركين.


( 62 )


فِتْنَةٌ لَمِنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْي مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلُّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ
(1)
.
     وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً(2)، مُوضِعٌ في جُهَّالِ الاُْمَّةِ(3)، غادر في أَغْبَاشِ(4) الفِتْنَةِ، عِم(5) بِمَا في عَقْدِ الهُدْنَةِ(6)، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْع، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاء آجِن(7)، وَأكْثَر مِن غَيْرِ طَائِل(8)، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ(9) مَا التَبَسَ عَلَى غيْرِهِ(10)، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى المُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا
____________
     1. رَهْنٌ بخطيئته: لا مخرج له منها.
     2. قَمَشَ جهلاً: جمعه، وأصل القَمْش: جمع المتفرق.
     3. مُوضِعٌ في جُهّالِ الامّة: مسرع فيها بالغش والتغرير، أوضع البعير: أسرع، وأوضعه راكبه فهو مُوضِعٌ به أي مسرع به.
     4. أغباش: جمع غَبَش بالتحريك، وأغباش الليل: بقايا ظلمته. 5. عَم: وصف من العمى، والمراد: جاهل.
     6. عَقْدُ الهُدنة: الاتفاق على الصلح والمسالمة بين الناس.
     7. الماءُ الاجِنُ: الفاسد المتغير اللون والطعم.
     8. غير طائل: دونٌ، خسيسٌ.
     9. التخليص: التبيين. 10. التبسَ على غيره: اشتَبَهَ عليه.


( 63 )


حَشْواً
(1) رَثّاً(2) مِنْ رَأْيِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ في مِثْلِ نَسْجِ العَنْكَبُوتِ: لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، إنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ.
     جَاهِلٌ خَبَّاطُ
(3) جَهلات، عَاش(4) رَكَّابُ عَشَوَات(5)، لَمْ يَعَضَّ عَلَى العِلْمِ بِضِرْس قَاطِع، يُذرِي الرِّوَايَاتِ إذْراءَ الرِّيحِ الهَشِيمَ(6)، لاَ مَلِيٌ(7) ـ وَاللهِ ـ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَلاَ هُوَ أَهْلٌ لِما فُوّضَ إليه، لاَ يَحْسَبُ العِلْمَ في شيْء مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ منه مَذْهَباً لِغَيْرهِ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ(8) لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ
____________
     1. الحَشْوُ: الزائد الذي لا فائدة فيه.
     2. الرّثّ: الخَلَقُ البالي، ضد الجديد. 3. خَبّاط: صيغة المبالغة من خبط الليل إذا سار فيه على غير هدى.
     4. عاش: خابط في الظلام.
     5. العَشَوَات: جمع عَشوَة ـ مثلثة الاول ـ وهي ركوب الامر على غير هدى.
     6. الهَشِيمُ: ما يَبِسَ من النّبْتِ وتهشّمَ وَتَفَتّتَ.
     7. المَلِيّ بالشيء: القَيّمُ به الذي يجيد القيام عليه.
     8. اكتتم به: فوّض إليه: كتمه وستره لما يعلم من جهل نفسه.


( 64 )


الدِّمَاءُ، وَتَعَجُّ مِنْهُ المَوَارِيثُ
(1)
.
     إِلَى اللهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَر يَعِيشُونَ جُهَّالاً، وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً، لَيْسَ فِيهمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ(2) مِنَ الكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ(3) بَيْعاً وَلاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ المَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ المُنكَرِ!

[ 18 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا
[وفيه يذم أهل الرأي ويكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن]


     تَرِدُ عَلَى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ في حُكْم مِنَ الاَْحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ القَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيها بِخِلافِ قَوْلِهِ، ثُمَّ يَجْتَمِعُ القُضَاةُ بِذلِكَ عِنْدَ إمامِهِم الَّذِي اسْتَقْضَاهُم
(4)، فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً، وَإِلهُهُمْ وَاحِدٌ! وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ! وَكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ!
    
____________
     1. العَجّ: رفع الصوت، وعجّ المواريث هنا: تمثيل لحدّةِ الظلم وشدّة الجَوْر.
     2. أبْوَرُ: من بَارَتِ السّلْعة: كَسَدَتْ.
     3. أنْفَقُ: من النّفاق ـ بالفتح ـ وهو الرّواج.
     4. الامام الذي استقضاهم: الذي ولاّهم القضاء.


( 65 )


أَفَأَمَرَهُمُ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ بِالاخْتلاَفِ فَأَطَاعُوهُ! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ! أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ! أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضِى؟ أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ(صلى الله عليه وآله) عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ؟ وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ:
(مَا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِنْ شَيْء) وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْء، وَذَكَرَ أَنَّ الكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضاً، وَأَنَّهُ لاَ اخْتِلافَ فِيهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
     وَإِنَّ القُرآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ
(1)، وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ، لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلاَتَنْقَضِي غَرَائِبُهُ، وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إلاَّ بِهِ.

[ 19 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
قاله للاشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب

فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الاشعث، فقال: يا أميرالمؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض(عليه السلام) إليه بصره ثم قال:


     ومَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي؟ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ اللاَّعِنِينَ! حَائِكٌ ابْنُ حَائِك! مُنَافِقٌ ابْنُ كُافِر! وَاللهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الكُفْرُ مَرَّةً وَالاسْلامُ أُخْرَى! فَمَا فَداكَ مِنْ وَاحِدَة مِنْهُمَا مَالُكَ وَلاَ حَسَبُكَ! وَإِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ، وَسَاقَ إِلَيْهِمُ الحَتْفَ، لَحَرِيٌّ أَنْ يَمقُتَهُ الاَْقْرَبُ، وَلاَ يَأْمَنَهُ الاَْبْعَدُ!
    
____________
     1. أنيق: حسن مُعْجِبٌ (بأنواع البيان)، وآنقني الشيء: أعجبني.


( 66 )


      يريد(عليه السلام): أنه أُسر في الكفر مرة وفي الاِسلام مرة.
           وأما قوله: «دل على قومه السيف»، فأراد به: حديثاً كان للاشعث مع خالد بن الوليد باليمامة، غرّ فيه قومه ومكر بهم حتى أوقع بهم خالد، وكان قومه بعد ذلك يسمونه «عُرْفَ النار»، وهو اسم للغادر عندهم.

    

[ 20 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وفيها ينفر من الغفلة وينبه إلى الفرار لله]


     فَإِنَّكُمْ لَوْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ
(1)، وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ، وَلكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا عَايَنُوا، وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الحِجَابُ! وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ، وَأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ، وَهُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ، وَبِحَقٍّ أَقَولُ لَكُمْ: لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ العِبَرُ(2)، وَزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ، وَمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّماءِ(3) إِلاَّ البَشَرُ.

____________
     1. الوَهَلُ: الخوف والفزع، من وَهِلَ يَوْهَلُ.
     2. جَاهَرَتْكُمُ العِبَرُ: انتصبت لتنبهكم جهراً وصرحت لكم بعواقب أُموركم، والعِبر جمع عِبْرَة، والعِبرة: الموعظة.
     3. رُسُلُ السماء: الملائكة.


( 67 )


[ 21 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وهي كلمة جامعة للعظة والحكمة]


     فإِنَّ الغَايَةَ أَمَامَكُمْ، وَإِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ(1) تَحْدُوكُمْ(2)، تَخَفَّفُوا(3) تَلْحَقوا، فَإنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ.

      وأقول: إنّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه وكلام رسوله(صلى الله عليه وآله) بكل كلام لمال به راجحاً، وبرّز عليه سابقاً.
           فأما قوله(عليه السلام): «تخففوا تلحقوا»، فما سمع كلام أقل منه مسموعاً ولا أكثر منه محصولاً، وما أبعد غورها من كلمة! وأنقع
      (4) نطفتها(5) من حكمة! وقد نبهنا في كتاب «الخصائص» على عظم قدرها وشرف جوهرها.

    

[ 22 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[حين بلغه خبر الناكثين ببيعته]
[وفيها يذم عملهم ويلزمهم دم عثمان ويتهدّدهم بالحرب]


[ذم الناكثين]


     أَلاَ وإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ
(6)، وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ(7)، لِيَعُودَ الجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ، وَيَرْجِعَ البِاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ(8)، وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصِفاً(9).
____________
     1. الساعة: يوم القيامة.
     2. تحدوكم: تَسُوقكم إلى ما تسيرون عليه.
     3. تَخَفّفَوا: المراد هنا التخففُ من أوزار الشهوات.
     4. أنْقَع: من قولهم: «الماء ناقع ونقيع» أي ناجع، أي إطفاء العطش.
     5. النُّطْفة: الماء الصافي.
     6. ذَمّرَ حِزْبَهُ: حثهم وحضّهم، وهو بالتشديد أدلّ على التكثير، ويروى مخففاً أيضاً من باب ضرب ونصر.
     7. الجَلَب ـ بالتحريك ـ : ما يُجلب من بلد إلى بلد، وهو فعلٌ بمعنى مفعول مثل سَلَب بمعنى مسلوب، والمراد هنا بقوله و«استجلب جَلَبَه» جمع جماعته، كقوله «ذَمّرَ حزبه». 8. النِّصَاب ـ بكسر النون ـ : الاصل أوالمنبت وأول كل شيء.
     9. النّصِف ـ بالكسر ـ : المنصف، أي: لم يحكّموا رجلاً عادلاً بيني وبينهم.
    


( 68 )


[ذم عثمان]
     وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ، فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَلَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُوني، فَمَا التَّبِعَةُ إِلاَّ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ، يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ
(1)، وَيُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ.
     يا خَيْبَةَ الدَّاعِي! مَنْ دَعَا! وَإِلاَمَ أُجِيبَ! وَإِنِّي لَرَاض بِحُجَّةِ اللهِ عَلَيْهِمْ وَعِلْمِهِ فِيهمْ.
[التهديد بالحرب]
     فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ، وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ البَاطِلِ، وَنَاصَراً لِلْحَقِّ!
____________
     1. أُمّاً قد فَطَمَتْ: أي تَركت إرضاع ولدها بعد أن ذهب لبنها، يشبّه به طلَب الامر بعد فواته.


( 69 )


وَمِنَ العَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ! وَأَنْ أصْبِرَ لِلْجِلادِ! هَبِلَتْهُمُ
(1)الهَبُولُ(2)! لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالحَرْبِ، وَلاَ أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ! وَإِنِّي لَعَلَى يَقِين مِنْ رَبِّي، وَغَيْرِ شُبْهَة مِنْ دِيني.

[ 23 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وتشتمل على تهذيب الفقراء بالزهد وتأديب الاغنياء بالشفقة]


[تهذيب الفقراء]
     أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الاَْمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ إِلَى الاَْرْضِ كَقَطر المَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْس بِمَا قُسِمَ لَهَا مِنْ زِيَادَة أَوْ نُقْصَان، فإذا رَأَى أَحَدُكُمْ لاَِخِيهِ غَفِيرَةً
(3) في أَهْل أَوْ مَال أَوْ نَفْس فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً، فَإِنَّ المَرْءَ المُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ، وَيُغْرَى بهَا لِئَامُ النَّاسِ، كانَ كَالفَالِجِ(4) اليَاسِرِ(5) الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَة مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ المَغْنَمَ، وَيُرْفَعُ عَنْهُ
____________
     1. هَبِلَتْهُمْ: ثَكِلَتْهُمْ.
     2. الهَبُول ـ بفتح الهاء ـ : المرأة التي لا يبقى لها ولد، وهو دعاء عليهم بالموت.
     3. غفيرة: زيادة وكثرة.
     4. الفالج: الظافر، فَلَجَ يَفْلُجُ ـ كنصر ينصر ـ : ظفر وفاز، ومنه المثل: «من يأتِ الحكم وحده يَفْلُجُ».
     5. الياسر: الذي يلعب بقِداح المسير أي: المقامر، وفي الكلام تقديم وتأخير، ونَسَقُهُ: كالياسر الفالج، كقوله تعالى:
(وغرابيب سُود)، وحَسّنَهُ أن اللفظتين صفتان، وإن كانت إحداهما إنّما تأتي بعد الاخرى إذا صاحبتها.


( 70 )


بها المَغْرَمُ.
     وَكَذْلِكَ المَرْءُ المُسْلِمُ البَرِيءُ مِنَ الخِيَانَةِ يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ: إِمَّا دَاعِيَ اللهِ فَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لَهُ، وَإِمَّا رِزْقَ اللهِ فَإِذَا هُوَ ذُوأَهْل وَمَال، وَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُهُ.
     إِنَّ المَالَ وَالبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا، والعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الاْخِرَةِ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللهُ لاَِقْوَام، فَاحْذَرُوا مِنَ اللهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتُ بَتَعْذِير
(1)، وَاعْمَلُوا في غَيْرِ رِيَاء وَلاَ سُمْعَة; فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللهِ يَكِلْهُ اللهُ(2) إِلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ.
     نَسْأَلُ اللهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَمُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الاَْنْبِيَاءِ.
[تأديب الاغنياء]
     أَيُّهَا النّاسُ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ ـ وَإِنْ كَانَ ذَا مَال ـ عَنْ عَشِيرَتِهِ، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلسِنَتِهمْ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً
(3) مِنْ وَرَائِهِ وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ(4)، وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَة إنْ نَزَلَتْ بِهِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ(5) يَجْعَلُهُ اللهُ لِلْمَرْءِ في النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ المَالِ: يُورِثُهُ غيرَهُ.
____________
     1. التعذير ـ مصدر عذّرَ تَعْذيراً ـ : لم يثبُتْ له عُذْر.
     2. يَكِلُه الله: يتركه، من وَكَلَ يَكِلُ: مثل وزن يزن.
     3. حَيْطة ـ كبيعة ـ : رعاية وكلاءة.
     4. الشَعَث ـ بالتحريك ـ : التفرق والانتشار.
     5. لسان الصدق: حُسْنُ الذكر بالحق.


( 71 )


منها:
     أَلاَ لاَيَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ القَرَابِةِ يَرَى بِهَا الخَصَاصَةَ
(1) أنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لايَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَلاَ يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ(2)، وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْد كَثِيرَةٌ; وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ المَوَدَّةَ.

      وما أحسن المعنى الذي أراده(عليه السلام) بقوله: «ومن يقبض يده عن عشيرته...» إلى تمام الكلام، فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة; فإذا احتاج إلى نصرتهم، واضطر إلى مرافدتهم(3)، قعدوا عن نصره، وتثاقلوا عن صوته، فمنع ترافد الايدي الكثيرة، وتناهض الاقدام الجمة.

    
____________
     1. الخَصَاصة: الفقروالحاجة الشديدة، وهي مصدر خَصّ الرجل ـ من باب عَلِمَ ـ خَصَاصاً وخَصَاصة، وخصاصاء ـ بفتح الخاء في الجميع ـ إذا احتاج وافتقر، قال تعالى: (ويُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصاصةٌ)
     2. أهلك المالَ: بِذَلَهُ.
     3. المُرافَدَةُ: المُعاوَنَة.


( 72 )


[ 24 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وهي كلمة جامعة له]
[فيها تسويغ قتال المخالف، والدعوة إلى طاعة الله، والترقي فيها لضمان الفوز:]


     وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الحَقَّ، وَخَابَطَ الغَيَّ
(1)، مِنْ إِدْهَان(2) وَلاَ إِيهَان(3)
.
     فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَفِرُّوا إِلَى اللهِ مِنَ اللهِ(4)، وَامْضُوا في الَّذِي نَهَجَهُ )لَكُمْ(5)، وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ(6)، فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ(7) آجِلاً، إِنْ لَمْ تُمنَحُوهُ عَاجِلاً.
    
____________
     1. خابَطَ الغَيَّ: صارع الفساد، وأصل الخبْظ: السير في الطلام، وهذا التعبير أشد مبالغة من خَبَطَ في الغي، إذ جعله والغي متخابطَيْن يخبظ أحدهما في الاخر.
     2. الادْهانُ: المنافَقَةُ والمصانَعَةُ، ولا تخلو من مخالفة الباطن للظاهر. 3. الايهان: مصدر أوْهَنْتُهُ، بمعنى أضعَفْته.
     4. فِرّوا إلى الله من الله: اهربوا إلى رحمة الله من عذابه.
     5. نَهَجَهُ لكم: أوْضَحَهُ وبَيّنَه.
     6. عَصَبَهُ بكم ـ من باب ضرب ربطه بكم ـ أي: كلّفكم به، وألزمكم أداءه.
     7. فَلْجكم: ظَفَركم وفَوْزكم.


( 73 )


[ 25 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)


وقد تواترت عليه الاَخبار(1) باستيلاءِ أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن ـ وهما عبيدالله بن العباس وسعيد بن نمران ـ لمّا غلب عليها بُسْرُ بن أبي أَرْطَاة، فقام(عليه السلام)إلى المنبر ضجراً بتثاقل أَصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأْي، وقال:


     مَا هِيَ إِلاَّ الكُوفَةُ، أقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا(2)، إنْ لَمْ تَكُوني إِلاَّ أَنْتِ، تَهُبُّ أَعَاصِيرُك(3)، فَقَبَّحَكِ اللهُ!
     وتمثّل:

لَعَمْرُ أَبِيكَ الخَيْرِ يَا عَمْرُوإِنَّني

عَلَى وَضَر(4) ـ مِنْ ذَا الاِْنَاءِ ـ قَلِيلِ


     ثم قال(عليه السلام):
     أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الَيمنَ
(5)، وَإِنِّي وَاللهِ لاََظُنُّ هؤُلاءِ القَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ(6) بِاجْتِماعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ
____________
     1. تواترت عليه الاخبار: ترَادَفَتْ وتواصَلَت.
     2. أقْبضُها وأبْسُظُها: أي أتصرف فيها كما يتصرف صاحب الثوب في ثوبه يقبضه أويبسطه.
     3. الاعاصير: جمع إعصار، وهي ريح تهب وتمتد من الارض نحو السماء كالعمود.
     4. الوَضرُ ـ بالتحريك ـ : بقية الدّسم في الاِناء.
     5. اطّلَعَ اليمنَ: غَشِيَها بجيشه وغزاها وأغار عليها.
     6. سَيُدَالُونَ منكم: سيغلبونكم وتكون لهم الدولة بَدَلَكُمْ.


( 74 )


إِمَامَكُمْ في الحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ في البَاطِلِ، وَبِأَدَائِهِمُ الاَْمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِصَلاَحِهمْ في بِلاَدِهِمْ وَفَسَادِكُمْ، فَلَو ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب
(1) لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ(2)
.
     اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّوني، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُوني، فَأَبْدِلنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ، وأَبْدِلُهمْ بِي شَرَّاً مِنِّى، اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ(3) كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، أَمَاوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلفَ فَارِس مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْم.

هُنَالِكَ، لَوْ دَعَوْتَ، أَتَاكَ مِنْهُمْ

فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الحَمِيم


     ثم نزل(عليه السلام) من المنبر.

      قلتُ أنا: والارمية جمع رَميٍّ وهو: السحاب، والحميم في هذا الموضع: وقت الصيف، وإنما خصّ الشاعر سحاب الصيف بالذكر لانه أشد جفولاً، وَأسرع خُفوفاً(4)، لانه لا ماء فيه، وإنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء، وذلك لا يكون في الاكثر إلا زمان الشتاء، وإنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دُعوا، والاغاثة إذا استغيثوا، والدليل على ذلك قوله: «هنالك، لو دعوت، أتاك منهم...».

    
____________
     1. القَعْب ـ بفتح القاف ـ : القدح الضخم.
     2. عِلاقة القَعْب ـ بكسر العين ـ : مايعلق منه من ليف أونحوه.
     3. مِثْ قلوبهم: أَذِبْها، ماثه يميثه: أذابه.
     4. خُفُوفاً: مصدر غريب لخَفّ بمعنى انتقل وارتحل مسرعاً، والمصدر المعروف «خفّاً».


( 75 )


[ 26 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وفيها يصف العرب قبل البعثة ثم يصف حاله قبل البيعة له]


[العرب قبل البعثه]
     إِنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ عَلَى شَرِّ دِين، وَفِي شَرِّ دَار، مُنِيخُونَ
(1) بَيْنَ حِجارَة خُشْن(2)، وَحَيَّات صُمٍّ(3)، تشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ الجَشِبَ(4)، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، الاَْصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَالاْثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ(5)
.
منها:
     فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهمْ عَنِ المَوْتِ،
____________
     1. مُنِيخُون: مُقيمون.
     2. الخُشْن: جمع خَشْنَاء من الخشونة.
     3. وصف الحيّات «بالصّمّ» لانها أخبثها إذ لا تنزجر بالاصوات كأنها لا تسمع.
     4. الجَشِب: الطعام الغليظ أوما يكون منه بغير أدم.
     5. معصوبة:مشدودة.


( 76 )


وَأَغْضَيْتُ
(1) عَلَى القَذَى، وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا(2)، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الكَظَمِ(3)،وَعَلىْ أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ العَلْقَمِ.
ومنها:
     وَلَمْ يُبَايعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهِ عَلَى البَيْعَةِ ثَمَناً، فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ المبايِعِ، وخَزِيَتْ
(4) أَمَانَةُ المُبْتَاعِ(5)، فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا(6)، وَأعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا، فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا(7)، وَعَلاَ سَنَاهَا(8)، وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ(9)، فَإِنَّهُ أحْزَمُ لِلنَّصْرِ.
    
____________
     1. أغْضَيْت: أصلها من غض الطّرف، والمراد سكتّ على مضض.
     2. الشّجَا: ما يعترض في الحلق من عظم ونحوه.
     3. الكظَم ـ بالتحريك أوبضم فسكون ـ : مخرج النفس، والمراد أنّه صبر على الاختناق.
     4. خَزِيَتْ: ذلتْ وهانت.
     5. المبتاع: المشتري.
     6. أُهْبَتُها: عُدّتها.
     7. شبّ لظاها: استعارة، وأصله صعود طرف النار الاعلى.
     8. سَناها: ضوؤها.
     9. استشعار الصبر: اتخاذه شعاراً كما يلازم الشعار الجسد.


( 77 )



[ 27 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزوالانبار بجيش معاوية فلم ينهضوا، وفيها يذكر فضل الجهاد، ويستنهض الناس، ويذكر علمه بالحرب، ويلقي عليهم التبعة لعدم طاعته:]


[فضل الجهاد]


     أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ
(1) الوَثِيقَةُ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ(2) أَلبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ البَلاَءُ، وَدُيِّثَ(3) بِالصَّغَارِ وَالقَمَاءَةِ(4)، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالاِْسْهَابِ(5)، وَأُدِيلَ الحَقُّ مِنْهُ(6) بِتَضْيِيعِ الجِهَادِ، وَسِيمَ الخَسْفَ(7)، وَمُنِعَ النَّصَفَ(8)
.
    
____________
     1. جُنّتهُ ـ بالضم ـ : وقايته، والجُنّة: كل ما استترت به.
     2. رغبةً عنه: زُهداً فيه.
     3. دُيّثَ ـ مبني للمجهول من دَيّثَهُ ـ أي: ذلّلَهُ.
     4. القَماءة: الصّغار والذل، والفعل منه قَمُؤَ من باب كَرُمَ.
     5. الاسهاب: ذهاب العقل أوكثرة الكلام، أي حيل بينه وبين الخير بكثرة الكلام بلا فائدة.
     وروي: (ضُرب على قلبه بالاسْداد) جمع سد أي الحجب.
     6. أُدِيل الحقّ منه، أي: صارت الدولة للحق بَدَلهُ. 7. سيم الخسف أي: أُولي الخسف، وكلّفه، والخسف: الذّل والمشقّة أيضاً.
     8. النَّصَف: العدل، ومُنع مجهول، أي حُرِمَ العدلَ: بأن يسلط الله عليه من يغلبه على أمره فيظلمه.
    


( 78 )


[استنهاض الناس]
     أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هؤُلاَءِ القَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ
(1) إِلاَّ ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ(2) وَتَخَاذَلتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغَارَاتُ(3)، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الاَْوْطَانُ.
     وَهذَا أَخُو غَامِد قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الاَْنْبَارَ
(4)، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ البَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا(5).
____________
     1. عُقْر الدار ـ بالضم ـ : وسطها وأصلها.
     2. تواكلتم: وكَلَ كل منكم الامر إلى صاحبه، أي لم يتولّهُ أحد منكم، بل أحاله كلٌّ على الاخر.
     3. شُنّت عليكم الغارات: مُزِّقَت عليكم من كل جانب كما يشن الماء متفرقاً دفعةً بعد دفعة.
     4. الانبار: بلدة على شاطىء الفرات الشرقي، ويقابلها على الجانب الاخر «هِيت».
     5. المسالِحُ: جمع مَسْلَحَة ـ بالفتح ـ : وهي الثغر والمَرْقب حيث يُخشى طروقُ الاعداء.


( 79 )


وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاُْخْرَى المُعَاهَدَةِ
(1)، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا(2) وَقُلْبَهَا(3) وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا(4)، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ(5)، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ(6)، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ(7)، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.
     فَيَا عَجَباً! عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتَِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً
(8)، حِينَ صِرْتُمْ
____________
     1. المعاهَدَة: الذميّة.
     2. الحِجْل ـ بالكسر و بالفتح و بكسرين ـ : الخلخال.
     3. القُلُب ـ بضمتين ـ : جمع قُلْب ـ بالضم فسكون ـ : السوار المُصْمَت.
     4. الرعاث ـ جمع رَعثة ـ وهو: ضرب من الخرز.
     5. الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء مع القول: إنّا لله وإنا اليه راجعون،والاسترحام: أن تناشده الرحمة.
     6. وافرين: تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم، ويروى (موفورين).
     7. الكَلْم ـ بالفتح ـ : الجرح.
     8. تَرَحاً ـ بالتحريك ـ أي: همّاً وحُزْناً.


( 80 )


غَرَضاً
(1) يُرمَى: يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْرُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْن!
     فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِم فِي أَيَّامِ الحَرِّ قُلْتُمْ: هذِهِ حَمَارَّةُ القَيْظِ
(2) أَمْهِلْنَا يُسَبَّخُ عَنَّا الحَرُّ(3)، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ: هذِهِ صَبَارَّةُ القُرِّ(4)، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا البَرْدُ، كُلُّ هذا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ; فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!
[البرم بالناس]
     يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ! حُلُومُ الاَْطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ
(5)، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللهِ ـ جَرَّتْ نَدَماً، وَأَعقَبَتْ سَدَماً(6)
.
    
____________
     1. الغرض: ما ينصب ليرمى بالسهام ونحوها، فقد صاروا بمنزلة الهدف يرميهم الرامون.
     2. حَمَارّة القيظ ـ بتشديد الراء وربما خففت في ضرورة الشعر ـ : شدة الحر.
     3. التسبيخ ـ بالخاء المعجمة ـ : التخفيف والتسكين.
     4. صَبَارّة الشتاء ـ بتشديد الراء ـ : شدة برده، والقُر ـ بالضم ـ : البرد، وقيل هو بردالشتاء خاصة.
     5. حِجال: جمع حَجَلة وهي القبة، وموضع يزين بالستور، وربات الحجال: النساء.
     6. السّدَم ـ محرّكة ـ : الهم مع أسف أوغيظ، وفعله كفرح.


( 81 )


قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلاَْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً
(1)، وَشَحَنْتُمْ(2) صَدْرِي غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ(3) التَّهْمَامِ(4) أَنْفَاساً(5)، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن، حَتَّى قَالَتْ قُريْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلْكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالحَرْبِ.
     للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً
(6)، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أناذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ!(7) وَلكِنْ لا رَأْيَ لَمِنْ لاَ يُطَاعُ!
    
____________
     1. القيح: ما في القرحة من الصديد، وفعله كباع.
     2. شحنتم صدري: ملاتموه.
     3. النُغب: جمع نُغْبَة كجرعة وجُرَع لفظاً ومعنى.
     4. التّهْمَام ـ بالفتح ـ : الهم، وكل تَفْعال فهو بالفتح إلاّ التِبيان والتِلقاءفهما بالكسر.
     5. أنفاساً: أي جرعةً بعد جرعة، والمراد أن أنفاسه أمست هماً يتجرّعه.
     6. مِراساً: مصدر مارسه ممارسة ومراساً، أي عالجه وزاوله وعاناه.
     7. ذَرّفْتُ على الستين: زدتُ عليها، وروى المبرد «نَيّفت»، وهو بمعناه.


( 82 )


[ 28 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وهو فصل من الخطبة التي أولها: «الحمد لله غير مقنوط من رحمته» وفيه أحد عشر تنبيهاً:]


     أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ، وَآذَ نَتْ
(1) بِوَدَاع، وَإِنَّ الاْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاَع(2)، أَلاَ وَإِنَّ اليَوْمَ المِضْمارَ(3)، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الجَنَّةُ(4)، وَالغَايَةُ النَّارُ; أَفَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ(5)! أَلاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ(6)! أَلاَ وَإِنَّكُمْ في أَيَّامِ أَمَل مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ، فَمَنْ عَمِلَ في أَيَّامِ أَمَلهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ، وَلَمْ يَضرُرْهُ أَجَلُهُ; وَمَنْ قَصَّرَ في أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَضَرَّهُ أَجَلُهُ، أَلاَ فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ(7)، أَلاَوَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالجَنَّةِ نَامَ
____________
     1. آذَنَتْ: أعْلَمَتْ.
     2. أشَرَفَتْ باطّلاع: أقبلت علينا بغتةً.
     3. المِضْمار: الموضع والزمن الذي تضمّر فيه الخيل، وتضمير الخيل أن تربط ويكثر علفها وماؤها حتى تسمن، ثم يُقلل علفها وماؤها وتجري في الميدان حتى تهزل، ثم تُرَدّ إلى القوت، والمدة أربعون يوماً، وقد يطلق التضمير على العمل الاول أوالثاني، وإطلاقه على الاول لانه مقدمة للثاني وإلاّ فحقيقة التضمير: إحداث الضمور وهو الهزال وخفة اللحم، وإنما يفعل ذلك بالخيل لتخف في الجري يوم السباق.
     4. السَّبَقَة ـ بالتحريك ـ : الغاية التي يجب على السابق أن يصل إليها.
     5. المنيّة: الموت والاجل.
     6. البُؤس ـ بالضم ـ : اشتداد الحاجة، وسوء الحالة.
     7. الرهبة ـ بالفتح ـ : هي مصدر رَهِبَ الرجل ـ من باب عَلمَ ـ رهباً بالفتح وبالتحريك وبالضم، ومعناه خاف.


( 83 )


طَالِبُهَا، وَلاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، أَلاَ وَإنَّهُ مَنْ لاَيَنْفَعُهُ الحقُّ يَضْرُرهُ البَاطِلُ، وَمَنْ لا يستقم بِهِ الهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلاَلُ إِلَى الرَّدَىْ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ قَد أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ(1)، وَدُلِلْتُمْ عَلى الزَّادَ.
     وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَيْكُمُ: اتِّبَاعُ الهَوَى، وَطُولُ الاَْمَلِ، تَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحُوزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً.    

      وأقول: إنّهُ لو كان كلامٌ يأخذ بالاعناق إلى الزهد في الدنيا، ويضطر إلى عمل الاخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الامال، وقادحاً زناد الاتعاظ والازدجار.
           ومِن أعجبه قوله(عليه السلام): «ألا وَإنّ اليَوْمَ المِضْمارَ وَغَداً السِبَاقَ، وَالسّبَقَةُ الجَنّة وَالغَايَة النّار» فإن فيه ـ مع فخامة اللفظ، وعظم قدر المعنى، وصادق التمثيل، وواقع التشبيه ـ سرّاً عجيباً، ومعنى لطيفاً، وهو قوله(عليه السلام): «والسَبَقَة الجَنّة، وَالغَايَة النّار»، فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين، ولم يقل: «والسّبَقَة النّار» كما قال: «والسّبَقَة الجَنّة»، لان الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب، وغرض مطلوب، وهذه صفة الجنة، وليس هذا المعنى موجوداً في النار، نعوذ بالله منها! فلم يجز أن يقول: «والسّبَقَة النّار»، بل قال: «والغَايَة النّار»، لان الغاية قد ينتهي إليها من لا يسرّه الانتهاء إليها ومن يسرّه ذلك، فصَلح أن يعبّر بها عن الامرين معاً، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل، قال الله عزّوجلّ: (قُلْ تَمتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكُم إلى النّارِ)، ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال: سبْقتكم إلى النار، فتأمل ذلك، فباطنه عجيب، وغوره بعيد، وكذلك أكثر كلامه(عليه السلام).
           وفي رواية أخرى: «والسُّبْقة» بضم السين، والسبّقة اسم عندهم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أوعَرَض، والمعنيان متقاربان، لان ذلك لا يكون جزاءً على فعل الامر المذموم، وإنما يكون جزاءً على فعل الامر المحمود.

     ____________
     1. الظعن ـ بالسكون والتحريك ـ : الرحيل عن الدنيا وفعْله كَقَطَعَ.


( 84 )


[ 29 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين]
[وفيها يستنهض أصحابه لما حدث في الاطراف:]


     أَيُّهَا النَّاسُ، الُْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ
(1)، كَلامُكُم يُوهِي(2) الصُّمَّ الصِّلابَ(3)، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاَْعْدَاءَ! تَقُولُونَ فِي الَمجَالِسِ: كَيْتَ وَكَيْتَ(4)، فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ!(5) مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ(6)، دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ
____________
     1. أهواؤهم: آراؤهم وما تميل إليه قلوبهم، والاهواء جمع هوى، بالقصر.
     2. يُوهي: يُضعف ويُفَتِّت. 3. الصمّ: جمع أصم، وهو من الحجارة الصّلْبُ المُصْمَت، والصِلاب: جمع صليب، والصليب: الشديد، وبابه ظريف وظراف، وضعيف وضِعاف.
     4. كَيْت وكَيْت: كلمتان لا تستعملان إلاّ مكررتين:إما مع واوالعطف وإما بدونها، وهي كناية عن الحديث.
     5. حِيدي حَيادِ: كلمة يقولها الهارب عند الفرار، وهي من الحَيَدَان: الميل والانحراف عن الشيء، وحيادِ ـ مبني على الكسر ـ كما في قولهم فِيحي فَيَاحِ، وهي من أسماء الافعال كَنَزَالِ.
     6. أعاليل بأضاليل: جمع أُعْلُولة كما أن الاضاليل جمع أُضلولة، والاضاليل متعلقة بالاعاليل، أي: أنكم تتعللون بالاباطيل التي لا جدوى لها.


( 85 )


المَطُولِ
(1)، لاَ يَمنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ! وَلاَ يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلاَ بِالْجِدِّ! أَيَّ دَار بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَىِّ إِمَام بَعْدِي تُقَاتِلُونَ؟ المَغْرُورُ وَاللهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمْنْ فَازَبِكُمْ فَازَ بَالسَّهْمِ الاَْخْيَبِ(2)، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ(3) نَاصِل(4)
.
     أَصْبَحْتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم.
     مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ القَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلاً بَغَيْرِ عِلْم! وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَع! وَطَمَعاً في غَيْرِ حَقٍّ؟!

[ 30 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في معنى قتل عثمان


     لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً، غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ: خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَمَنْ خَذَلَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ:
____________
     1. المَطولُ: الكثير المطل، وهو تأخير أداء الدّيْن بلا عُذر.
     2. السهم الاخْيَبُ: هو من سهام المَيْسِرِ الذي لا حظّ له.
     3. الافْوَقُ من السهام: مكسور الفوق، والفوق موضع الوتر من السهم.
     4. الناصل: العاري عن النصل، ولا يخفى طيش السهم الذي لا فوق له ولا نصل.


( 86 )


نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي.
     وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ، اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الاَْثَرَةَ
(1)، وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الجَزَعَ(2)، وَللهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ في المُسْتَأْثِرِ وَالجَازعِ.

[ 31 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
لمّا أنفذ عبدالله بن العباس(رحمه الله) إلى الزبير
قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته


     قال له(عليه السلام):
     لاتَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ(3)، يَرْكَبُ الصَّعْبَ(4) وَيَقُولُ: هُوَ الذَّلُولُ، وَلكِنِ القَ الزُّبَيْرَ، فَإِنَّهُ أَليَنُ عَرِيكَةً(5)، فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ: عَرَفْتَني بَالحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالعِرَاقِ، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا(6).

      وهو (عليه السلام) أوّل من سمعت منه هذه الكلمة، أعني: «فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا».

    
____________
     1. أساء الاَثَرَةَ: أساء الاستبداد، وكان عليه أن يخفف منه حتى لا يزعجكم.
     2. أسأتم الجَزَعَ: أي لم تَرْفُقُوا في جزعكم، ولم تقفوا عند الحد الاولى بكم.
     3. عاقصاً قَرْنه: من «عقص الشعر» إذا ضفره وفَتله ولواه، كناية عن تغطرسه وكِبره.
     4. يركب الصعب: يستهين به ويزعم أنه ذلول سهل، والصعب: الدابة الجموح.
     5. العريكة: الطبيعة والخلق، وأصل العَرْك دَلكُ الجسد بالدّباغ وغيره.
     6. عَداهُ الامرُ: صرفه، وبَدَا: ظَهَرَ، والمراد: ماالذي صرفك عما كان بدا وظهر منك؟


( 87 )


[ 32 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا:]


[معنى جور الزمان]


     أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْر عَنُود
(1)، وَزَمَن كَنُود(2)، يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً(3) حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.
[أصناف المسيئين]
     فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف:
     مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الاَْرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ
(4)،
____________
     1. العَنُود: الجائر ـ من «عَنَدَ يَعْنُدُ» كنصر ـ : جار عن الطريق وعدل.
     2. الكَنُود: الكَفُور.
     3. القارعة: الخَطْب يقرع من ينزل به، أي يصيبه.
     4. كَلالَةَ حَدّهِ: ضعف سلاحه عن القطع في أعدائه، يُقال: كَلّ السيف كَلالَةً أذا لم يقطع، والمُراد إعوازه من السلاح.


( 88 )


وَنَضِيضُ وَفْرِهِ
(1)
.
     وَمِنْهُمُ المُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالُمجْلِبُ بِخَيْلِهِ(2) وَرَجِلِهِ(3)، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ(4)، وَأَوْبَقَ دِينَهُ(5) لِحُطَام(6) يَنْتَهِزُهُ(7)، أَوْ مِقْنَب(8) يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَر يَفْرَعُهُ(9). وَلَبِئْسَ المَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضاً!
     وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الاْخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الاْخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ
____________
     1. نَضيضُ وَفْرِهِ: قلّة ماله، فالنضيض: القليل، والوفر: المال.
     2. المُجْلِبُ بخَيْلِهِ: مِنْ «أجْلَبَ القوْمُ» أي جلبوا وتجمعوا من كل أوب للحرب.
     3. الرَّجِل: جمع راجل.
     4. أشرط نفسه: هيأها وأعدها للشر والفساد في الارض.
     5. أوْبَقَ دِينَه: أهلكه.
     6. الحطام: المال، وأصله ما تكسرَ من اليبس.
     7. ينتهزه: يغتنمه أويختلسه.
     8. المِقْنَب: طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الاربعين.
     9. فَرَعَ المنبر ـ بالفاء ـ : علاه.


( 89 )


طَامَنَ
(1) مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلاَْمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً(2) إِلَى المَعْصِيَةِ.
     وَمِنْهُمْ مَنْ أقْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ المُلْكِ ضُؤولَةُ نَفْسِهِ
(3)، وَانقِطاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الحالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ القَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذلِكَ في مَرَاح(4) وَلاَ مَغْدىً(5)
.
[الراغبون في الله]
     وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْـمَحْشَرِ، فَهُمْ بَيْنَ شَرِيد نَادٍّ
(6)، وَخَائِف مَقْمُوع(7)، وَسَاكِت مَكْعُوم(8)، وَدَاع
____________
     1. طَامَنَ: خَفَضَ.
     2. الذريعة: الوسيلة.
     3. ضؤولة النفس ـ بالضم ـ : حقارتها.
     4. مَرَاح ـ مصدر ميمي من راح ـ : إذا ذهب في العشي.
     5. مَغْدَى ـ مصدر ميمي من غدا ـ : إذا ذهب في الصباح.
     6. النّادّ: المنفرد الهارب من الجماعة إلى الوحدة.
     7. المقموع: المقهور.
     8. المكعوم: من «كَعَمَ البعيرَ» شدّ فاه لئلاّ يأكل أويعضّ.


( 90 )


مُخْلِص، وَثَكْلاَنَ
(1) مُوجَع، قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ(2) التَّقِيَّةُ(3)، وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ، فَهُمْ في بَحْر أُجَاج(4)، أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ(5)، وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ(6)، قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا(7)، وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.
[التزهيد في الدنيا]
     فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ
(8) الْقَرَظِ(9)، وَقُرَاضَةِ )الْجَلَمِ(10)، وَاتّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ;
____________
     1. ثَكْلان: حزين.
     2. أخمله: أسقط ذكره حتى لم يَعُد له بين الناس نباهة.
     3. التّقِيّة: اتقاء الظلم بإخفاء المال.
     4. الاُجاج: الملح.
     5. ضامزة: ساكنة.
     6. قَرِحَة ـ بفتح فكسر ـ : مجروحة.
     7. ملّوا: أي أنهم أكثروا من وعظ الناس حتى سئموا ذلك، إذْ لم يكن لهم في النفوس تأثير.
     8. الحُثالة ـ بالضم ـ : القُشارة ومالا خير فيه، وأصله ما يسقط من كل ذي قِشْر.
     9. القَرَظ ـ محركة ـ : ورق السلم أوثمر السنط يدبغ به.
     10. الجَلَم ـ بالتحريك ـ : مِقراض يُجَزّ به الصوف، وقُراضته: ما يسقط منه عند القرض والجزّ.


( 91 )


وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا قَد رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا(1) مِنْكُمْ.

      وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له بها إلى معاوية، وهي من كلام
          أميرالمؤمنين(عليه السلام) الذي لا يشك فيه، وأين الذهب من الرّغام
      (2)! والعذب من الاجاج! وقد دلّ على ذلك الدليل الخِرِّيِت(3) ونقده الناقد البصير عمروبن بحر الجاحظ; فإنه ذكر هذه الخطبة في كتابه «البيان والتبيين» وذكر من نسبها إلى معاوية، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها، جملته أنه قال: وهذا الكلام بكلام علي(عليه السلام)أشبه، وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الاخبار عماهم عليه من القهر والاذلال ومن التقية والخوف أليق. قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الاحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد، ومذاهب العُبّاد!

    

[ 33 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
عند خروجه لقتال أهل البصرة
[وفيها حكمة مبعث الرسل، ثمّ يذكر فضله ويذم الخارجين]



قال عبدالله بن عباس (رحمه الله): دخلت على أَميرالمؤمنين صلوات الله عليه بذي قار وهو يخصِف نعله
(4)، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمةَ لها! قال: والله لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ من إِمرتكم، إِلاّ أَن أُقيم حقّاً، أَوأَدفع باطلاً، ثمّ خرج(عليه السلام) فخطب الناس فقال:
____________
     1. أشْغَفَ بها: أشد تعلقاً بها.
     2. الرّغام ـ بالفتح ـ : التراب، وقيل: هوالرمل المختلط بالتراب.
     3. الخِرّيت ـ بوزن سِكّيت ـ : الحاذق في الدلالة، وفعله كفرح.
     4. يَخْصِفُ نَعْلَهُ: يَخْرزها.


( 92 )


[حكمة بعثة النبي]
     إنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله)، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً، فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ
(1)، وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ(2)، وَاطْمَأَنَّتْ صِفَاتُهُمْ.
[فضل عليّ]
     أَمَا وَاللهِ إنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا
(3) حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا(4)، مَا عَجَزْتُ،وَلاَ جَبُنْتُ، وَإِنَّ مَسِيرِي هذَا لِمثْلِهَا، فَلاََنْقُبَنَّ(5) الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ.
[توبيخ الخارجين عليه]
     مَالي وَلِقُرَيْش! وَاللهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ، وَلاَُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ، وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالاَْمْسِ، كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ!
____________
     1. بَوّأهُمْ مَحَلّتَهم: أنْزَلَهُمْ منزلتهم.
     2. القناة: العود والرمح، والمراد به القوة والغلبة والدولة، وفي قوله: (استقامت قناتهم) تمثيل لاستقامة أحوالهم.
     3. الساقَةُ: مؤخّر الجيش السائق لِمُقَدّمه.
     4. ولّتْ بحذافيرها: بجملتها وأسرها.
     5. نَقَبَ: بمعنى ثَقَبَ، وفي قوله: (لانْقُبَنّ الباطلَ) تمثيل لحال الحق مع الباطل كأن الباطل شيء اشتمل على الحق فستره، وصار الحق في طيّه، فلابد من كشف الباطل وإظهار الحق.


( 93 )


[ 34 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
في استنفار الناس إلى الشام [بعد فراغه من أمر الخوارج]
[وفيها يتأفف بالناس، وينصح لهم بطريق السداد:]


     أُفٍّ لَكُمْ
(1)! لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ! أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاْخِرَةِ عِوَضاً؟ وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً؟ إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ(2)، كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَة(3)، وَمِنَ الذُّهُولِ في سَكْرَة، يُرْتَجُ(4) عَلَيْكُمْ حَوَارِي(5) فَتَعْمَهُونَ(6)، فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ(7)، فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ.
    
____________
     1. أُفّ لكم: كلمة تضَجّر واستقذار ومهانة.
     2. دوَرَان الاعين: اضطرابها من الجزع.
     3. الغمرة: الواحدة من الغمر وهو: الستر، وغمرة الموت: الشدّة الّتى ينتهي إليها المحتضر.
     4. يُرْتَجُ: بمعنى يغلق، تقول: رتج الباب أي: أغلقه. 5. الحَوار ـ بالفتح وربما كسر ـ : المخاطبة ومراجعة الكلام.
     6. تَعْمَهُون: مضارع عَمِهَ، أي تَتَحَيّرون وتتردّدون.
     7. المَألُوسة: المخلوطة بمس الجنون.


( 94 )


مَا أَنْتُمْ لي بِثِقَة سَجِيسَ اللَّيَالي
(1)، وَمَاأَنْتُمْ بِرُكْن يُمَالُ بِكُمْ(2)، وَلاَ زَوَافِرُ(3) عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ. مَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِل ضَلَّ رُعَاتُهَا، فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب انْتَشَرَتْ مِن آخَرَ، لَبِئْسَ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ سُعْرُ(4) نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! تُكَادُونَ وَلاَ تَكِيدُونَ، وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلاَ تَمْتَعِضُونَ(5); لاَ يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ في غَفْلَة سَاهُونَ، غُلِبَ وَاللهِ الْمُتَخَاذِلُونَ! وَأيْمُ اللهِ إِنِّي لاََظُنُّ بِكُمْ أنْ لَوْ حَمِسَ(6) الْوَغَى(7)، وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ(8)، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِب انْفِرَاجَ الرَّأْسِ(9)
.
    
____________
     1. سَجِيس ـ بفتح فكسر ـ : كلمة تقال بمعنى أبداً، وسجيس: أصله من «سجس الماء» بمعنى تغيّر وتكدّر، وكان أصل الاستعمال: «مادامت الليالي بضلامها».
     2. يُمال بكم: يُمَال على العدوبعزكم وقوتكم.
     3. الزّافرة من البناء: رُكْنُهُ، ومن الرجل عشيرته وأنصاره. 4. السَّعْر ـ بالفتح ـ مصدر سَعَرَ النار ـ من باب نَفَعَ ـ : أوقدها، وبالضم جمع ساعر، وهو ما أثبتناه، والمراد «لبئس مُوقدوا الحرب أنتم».
     5. امْتَعَضَ: غَضِبَ.
     6. حَمِسَ ـ كفَرِحَ ـ : اشتد وصَلُبَ في دينه فهو حَمِسٌ. 7. الوَغى: الحرب، وأصله الصوت والجَلَبَة.
     8. اسْتَحَرّ: بلغ في النفوس غاية حدّته.
     9. انفرجتم انفراج الرأس: أي كما ينفلق الرأس فلا يلتئم.


( 95 )


وَاللهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ
(1)، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَفْرِي(2) جِلْدَهُ، لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ، ضَعِيفٌ ماضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ(3)
.
     أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ، فَأَمَّا أَنَا فَوَاللهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ(4) تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ(5)، وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ(6) وَالاَْقْدَامُ، وَيَفْعَلُ اللهُ بَعْدَ ذلِكَ مَا يَشَاءُ.
[طريق السداد]
     أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ:
     فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ
(7) عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ
____________
     1. يَعْرُقُ لَحْمَهُ: يأكل حتى لا يبقى منه شيء على العظم.
     2. فَرَاه يَفْريه: مَزّقَهُ يمزقه.
     3. ما ضُمت عليه الجوانح: هو القلب وما يتبعه من الاوعية الدموية، والجوانح: الضلوح تحت الترائب، والترائب: ما يلي التّرْقُوَتَينِ من عَظْم الصدر.
     4. المَشْرفِيّة: هي السيوف التي تنسب إلى مشارف، وهي قرى من أرض العرب تدنو إلى الريف، ولا يقال في النسبة إليها: مشارفي، لان الجمع ينسب إلى واحدة.
     5. فَرَاشُ الهامِ: العظام الرقيقة التي تلي القحف.
     6. تَطِيحُ السواعِدُ: تَسْقُطُ، وفعله كباع وقال.
     7. الفَيْء: الخَرَاج وما يحويه بيت المال.


( 96 )


كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا.
     وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ: فَالوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ في الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالاِْجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ.

[ 35 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
بعد التحكيم [وما بلغه من أمر الحكمين]
[وفيها حمد الله على بلائه، ثمّ بيان سبب البلوى:]


[الحمد على البلاء]


     الْحَمْدُ للهِ وَإنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ
(1)، وَالْحَدَثِ(2) الْجَلِيلِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ، لَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(صلى الله عليه وآله).
[سبب البلوى]
     أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الُْمجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي، وَنَخَلْتُ لَكُمْ
____________
     1. الخَطْبُ الفادح: الثقيل، من فدحه الدَّيْن ـ كقطع ـ إذا أثقله وعاله وبَهَظَهُ.
     2. الحَدَث ـ بالتحريك ـ : الحادث، والمراد هنا ما وقع من أمر الحكمين كما هو مشهور في التاريخ.


( 97 )


مَخزُونَ رَأْيِي
(1)، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِير(2) أَمْرٌ! فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الُْمخَالِفِينَ الْجُفَاةِ، وَالمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ(3)، فَكُنْتُ وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ(4)
:

أَمَرْتُكُمُ أَمْري بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى(5)

فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ


    
____________
     1. نَخَلْتُ لكم مخزونَ رأيي: أخلصته، من نخلت الدقيق بالمُنْخل.
     2. قصير: هو مولى جذيمة المعروف بالابرش، والمثل مشهور في كتب الامثال.
     3. ضَنّ الزّنْدُ بقَدْحِهِ: هذه كناية أنه لم يَعُدْ لَهُ رأي صالح لشدة ما لقي من خلافهم.
     4. أخو هوازن: هو دُرَيْدبن الصِّمّة.
     5. مُنْعَرَج اللّوى: اسم مكان، وأصل اللّوى من الرمل: الجدَدُ بعد الرّملة، وَمُنْعَرَجُهُ: منعطفهُ يمنةً ويسرة.
    


( 98 )


[ 36 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
في تخويف أَهل النهروان
(1)


     فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى(2) بِأَثْنَاءِ هذَا النَّهَرِ، وَبِأَهْضَامِ(3) هذَا الْغَائِطِ(4)، عَلَى غَيْرِ بَيِّنَة مِنْ رَبِّكُمْ، وَلاَ سُلْطَان مُبِين مَعَكُمْ، قَدْ طَوَّحَتْ(5) بِكُمُ الدَّارُ، وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ(6)، وَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ المخالفين، حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَىْ هَوَاكُمْ، وَأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ(7)، سُفَهَاءُ الاَْحْلاَمِ(8)، وَلَمْ آتِ ـ لاَ أَبَا لَكُمْ ـ بُجْراً(9)، وَلاَ أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً.
    
____________
     1. النّهْرَوان: السم لاسفل نهربين لَخَافيقَ، وطرفاه على مقربة من الكوفة في طرف صحراء حَرُوراء.
     وكان الذين خطّأوه في التحكيم قد نقضوا بيعته، وجهروا بعداوته، وصاروا له حرباً، واجتمع معظمهم عند ذلك الموضع، وهؤلاء يلقبون بالحَرُورِيّة، لما تقدم أن الارض التي اجتمعوا عليها كانت تسمى حَرُوراء، وكان رئيس هذه الفئة الضالة: حُرْقُوص بن زهير السعدي، ويُلقب بذي الثُّدَيّة (تصغير ثدية)، خرج إليهم أميرالمؤمنين يعظهم في الرجوع عن مقالتهم والعودة إلى بيعتهم، فأجابوا النصيحة برمي السهام وقتال أصحابه(عليه السلام)فأمر بقتالهم، وتقدم القتال بهذا الانذار الذي تراه، وقيل: إنه (عليه السلام) خاطب بها الخوارج الذين قتلهم بالنهروان. 2. صَرْعَى: جمع صرِيع، أي طريح.
     3. الاهْضام: جمع هَضْم، وهو المطمئن من الوادي. 4. الغائط: ما سفل من الارض، والمراد هنا المنخفضات.
     5. طَوّحَتْ بكم الدار: قَذَفَتْكم في مَتَاهَة وَمَضَلّة. 6. احْتَبَلَكُمُ المِقْدَارُ; احتبلكم: أوقعكم في حِبالته، والمقدار: القدر الالهي.
     7. أخِفّاءُ الهامِ: ضعاف العقل; الهام: الرأس، وخفتها كناية عن الطيش وقلة العقل.
     8. سُفَهَاء الاحلامِ; السفهاء: الحمقى، والاحلام: العقول.
     9. البُجرْ ـ بالضم ـ : الشر والامر العظيم والداهية.


( 99 )


[ 37 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
يجري مجرى الخطبة
[وفيه يذكر فضائله (عليه السلام) قاله بعد وقعة النهروان]


     فَقُمْتُ بِالاَْمْرِ حِينَ فَشِلُوا
(1)، وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَعْتَعُوا(2)، وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللهِ حِينَ وَقَفُوا، وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً، وَأَعْلاَهُمْ فَوْتاً(3)، فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا(4)، وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا(5)، كَالْجَبَلِ لاَ تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ، وَلاَ تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ.
     لَمْ يَكُنْ لاَِحَد فيَّ مَهْمَزٌ، وَلاَ لِقَائِل فيَّ مَغْمَزٌ
(6)، الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ، وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مَنْهُ، رَضِينَا عَنِ اللهِ قَضَاءَهُ، وَسَلَّمْنَا له أَمْرَهُ.
     أَتَرَاني أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)؟ وَاللهِ لاََنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ. فَنَظَرْتُ في أَمْرِي، فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي، وَإِذَا الميِثَاقُ في عُنُقِي لِغَيْرِي.

____________
     1. فَشِلُوا: خاروا وجَبُنوا، وليس معناها أخفقوا كما نستعملها الان.
     2. تَعْتَعُوا: ترددوا في كلامهم من عِيّ أوحَصَر.
     3. الفوْت: السبق.
     4. طِرْتُ بعِنَانِها: العنان للفرس معروف، وطاربه: سبق به.
     5. اسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِها; الرهان: الجعل الذي وقع التراهن عليه، واستبددت به: انفردت به.
     6. لم يكن فِيّ مَهْمَزٌ ولا مَغْمَزٌ: لم يكن فِيّ عيبٌ أُعاب به، وهو من الهمز: الوقيعة، والغمز: الطعن.

    

  

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه