القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

 

 

 

 

قمر بني هاشم صلوات الله وسلامه عليه

 

اسمه الشريف

سبب تسميته بالعباس

في تسميته سلام الله عليه بالعباس

نسبه الناصع

كنيته الشريفة

ألقابه الكريمة

مولده

أمّه المكرّمة

مميّزات ولادته سلام الله عليه

نشأته

في رحاب بعض خصائصه سلام الله عليه

من خصائص اسمه الشريف

العباس يجير من استجار به

إغاثة العباس سلام الله عليه المستغيثين به

التوسّل إلى الله بالعباس سلام الله عليه

في أنّه سلام الله عليه حامل اللواء

من مواصفات حملة الألوية

مع أصحاب الرايات

أوّل من عقد له اللواء

اللواء مع الغنائم في الشام

الألوية في الشعائر الحسينية

العلقمي و بطولات العباس الروحية

المواساة: بطولة معنوية

جفاف العلقمي واندثاره

دوره في ملحمة كربلاء

في استشهاده سلام الله عليه

 

:: اسمه الشريف

العباس
ومعناه: الأسد الذي تهرب منه الأسود، وبه سمّي الرجل عباساً، والعباس بصيغة المبالغة يقال للشجاع المقدام، والشديد البأس، وعظيم الكرّ، وهو بمعنى الأسد أيضاً، ولهذا عبّر عنه الأكثر – وهو يصف العباس في ساحة الحرب – بالأسد الغضبان.
 

:: سبب تسميته بالعباس

لقد سمّاه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه بالعباس، لعلمه بشجاعته وشهامته، وسطوته وصولته، فلقد كانت الأعداء ترتجف أبدانهم، وترتعد فرائصهم، وتعبس وجوههم خوفاً من العباس سلام الله عليه إذا برز، وكان في الحروب والغزوات يحارب الشجعان وينازلهم كالأسد الضاري حتى يجدّ لهم. وفي هذا يقول السيد جعفر الحلي رضوان الله تعالى عليه:

عبست وجوه القوم خوف الموت

والعباس فيــهم ضاحـك متـبسّم

:: في تسميته سلام الله عليه بالعباس

وكيف كان: فإنّ الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه كما كان هو أوّل من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله، فكذلك كان هو أوّل من سار بسيرته واتّبع طريقته، ولذلك لم يكن ليتعدّ عن نهج رسول الله صلى الله عليه وآله في سنن الولادة ومستحبّاتها، فإنّه سلام الله عليه لمّا أجرى المستحبّات المأثورة على مولوده الجديد، إلتفتت إليه – على ما قيل – ابنته عقيلة بني هاشم وربيبة الوحي والعصمة، السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها وقالت له: يا أبة! هل أخترت لهذا المولود إسماً، وانتخبت له كنية ولقباً؟
فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه بعطف وإقبال: نعم يا بنية! لقد اخترت له كلّ ذلك.
فقالت سلام الله عليها بلهفة وتعطّش: وما هي؟
فقال سلام الله عليه: أمّا الإسم، فاسمه: «العباس» وأما الكنية، فكنيته: «أبو الفضل» وأما اللّقب، فلقبه: «قمر بني هاشم، وقمر العشيرة، والسقّاء».
فأعجب السيدة زينب سلام الله عليها ذلك وقالت متفائلة: يا أبة! أما إنّ اسمه «عباس» فهو علامة الشّجاعة والبسالة، وأما إن كنيته «أبو الفضل» ففيها علامة الشهامة والنبالة، وأما أن لقبه: «قمر بني هاشم، وقمر العشيرة» فهو علامة الجمال والكمال، والهيبة والجلال، ولكن يا أبة! ما معنى أنّه «السقّاء»؟
فالتفت إليها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وبعد أن تسوّم في الوليد الجديد شريط المستقبل، وتصفّح في ملامح وجهه سجلّ الواقع القريب، وقال وهو سلام الله عليه يستعرض على ابنته بعض ما في ذلك السجلّ من أنباء وأخبار، ويحدّثها عن بعض ما فيه من حوادث وملاحم، وذلك بزفرات متواصلة، ونبرات متقطّعة وخافته: يا بنيّة! إنّه ساقي عطاشا كربلاء.
وما أن سمعت السيّدة زينب سلام الله عليها من أبيها هذا الجواب، ورأته مختنقاً بعبرته، إلا وانخطف لونها، وانصدع قلبها، وأجهشت بالبكاء، فلقد ذكّرها أبوها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه بما حدّثته به أمّ أيمن عن جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله من قصّة كربلاء وفاجعتها الأليمة، فلم تتمالك نفسها.
عندها رقّ لها أبوها أمير المؤمنين سلام الله عليه فعطف عليها، وأخذ يسلّيها ويخفّف عنها وطأة الخبر المفجع، ووقعة النبأ العظيم، نبأ كربلاء، وسقاية العطاشا، قائلاً: بنية زينب! تجلّدي وأصبري، وكفكفي دموعك، وخذي أخاك إلى أمّه، فإنّ له معك لموقف مشرّف، وشأن عظيم.
وهنا سكنت السيدة زينب سلام الله عليها من بكائها، وهدأت من فورتها، وكفكفت دموعها، ثمّ تناولت أخاها الوليد من يدي أبيها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وأخذت تنثر على وجهه لثماتها الحارة، وقبلاتها الساخنة، وأقبلت به إلى أمّه أمّ البنين التي بقيت بانتظارها.
نعم كانت أمّ البنين تنتظر السيدة زينب سلام الله عليها بفارغ الصّبر لتطلّع عبرها على اسم وليدها الجديد وكنيته ولقبه، لذلك لمّا رأتها مقبلة به، استقبلتها بنظراتها الحانية وقالت متسائلة: وهل انتخب مولاي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه لولدنا إسماً، واختار له كنية ولقباً؟
فأجابتها السيّدة زينب سلام الله عليها بانطلاق وحبور: نعم يا أمّاه! لقد انتخب له أحسنها وأجملها.
عندها قالت أم البنين بلهفة واشتياق: تفضّلي يا سيّدتي عليّ ببيانها.
فقالت السيّدة زينب سلام الله عليها: أما اسمه فهو: «عباس» وأما كنيته فهو: «أبو الفضل» وأما لقبه فهو: «قمر بني هاشم».
وما أن سمعت أمّ البنين بلقب وليدها الجديد: «قمر بني هاشم» الّذي لقّبه به أبوه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه إلا وتذكّرت رؤياها الّتي رأتها قبل زواجها، فتهلّل وجهها، وانشرح صدرها، وانطلق لسانها بالحمد والشكر على الله سبحانه وتعالى وأخذت تقول: الحمد لله الّذي صدّقني الرؤيا، وحقّق لي وعده.
عندها سألتها السيدة زينب سلام الله عليها عن منامها وعن قصّة رؤياها.
فقصّت عليها أم البنين رؤياها التي كانت قد رأتها قبيل زواجها من الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وكيف انقضّ القمر من كبد السماء في حجرها.
فقالت السيدة زينب سلام الله عليها وهي تلثم أخاها الرّضيع وتقبّله: نعم لقد صدقت رؤياك، إن وليدك هذا قمر بني هاشم، وهو أجلّ من القمر وأفضل، إنّه قمر العشيرة أبو الفضل العباس سلام الله عليه.

:: نسبه الناصع

ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي...

:: كنيته الشريفة

أبو الفضل وأبو القاسم. وكُنّي بأبي الفضل لأن له ولداً اسمه الفضل، وطابقت هذه الكنية حقيقة ذاته العظيمة فلو لم يكن له ولد يسمّى بهذا الإسم، فهو حقاً أبو الفضل، ومصدره الفياض فقد أفاض في حياته ببرّه وعطائه على القاصدين لنبله وجوده، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأ لكل ملهوف، فما استجار به أحد بنيّة صادقة إلا كشف الله ما ألمّ به من المحن والبلوى.

:: ألقابه الكريمة

قمر بني هاشم، السقّاء، بطل العلقمي، حامل اللواء، كبش الكتيبة، باب الحوائج، باب الحسين سلام الله عليه، ساقي عطاشا كربلاء، قمر العشيرة، حامي الظعينة ، سبع القنطرة، وغير ذلك.
وأشهر ألقابه سلام الله عليه قمر بني هاشم، فقد كان في روعة بهائه، وجميل صورته آية من آيات الجمال، ولذلك لُقّب بقمر بني هاشم، و كما كان قمراً لأسرته العلوية الكريمة، فقد كان قمراً في دنيا الإسلام، فقد أضاء الشهادة، وأنار مقاصدها لجميع المسلمين.

:: مولده

ولد العباس سلام الله عليه في الرابع من شهر شعبان لعام 26 هجرية في المدينة المنورة.

:: أمّه المكرّمة

فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب. واشتهرت سلام الله عليها بأم البنين وكان أبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقرى الضيف، وأمّا أسرتها فهي من أجَلّ الاُسر العربية، وقد عُرفت بالنجدة والشهامة، وقد اشتهر منهم جماعة بالنبل والبسالة.
ولهذه السيدة الزكية مكانة متميزة عند أهل البيت سلام الله عليهم، فقد أكبروا إخلاصها وولاءها للإمام الحسين سلام الله عليه، وأكبروا تضحيات أبنائها المكرمين في سبيل سيد الشهداء سلام الله عليه، كما أن لها مكانة مرموقة في نفوس المسلمين، حيث يعتقد الكثيرون إلى أن لها منزلة عظيمة عند الله، فهي ملجأ المكروب، وكاشفة المحن والخطوب.

:: مميّزات ولادته سلام الله عليه

لقد امتاز أبو الفضل العباس سلام الله عليه في ولادته على سائر الناس بما يمتاز به العظماء من أولياء الله في ولادتهم، حيث كانت ولادته سلام الله عليه محفوفة بالإرهاصات، ومشحونة بالقرائن والمقدّمات، الدالّة على عظم منزلة المولود عند الله تعالى، ومقامه الشامخ لديه، فهذا الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه قبل أن يولد له العباس، بل وقبل أن يتزوّج بأمّه أم البنين، يُنبىء عن ولادته، ويخبر عن مواصفاته، ويشير إلى ما يتحلّى به: من قوّة الإيمان، وطهارة النّفس، وشجاعة القلب، ورحابة الصدر، ومكارم الأخلاق، وأنّه سوف يعضد أخاه الإمام الحسين سلام الله عليه في مهمّته، ويفديه بنفسه، ويضحّي بما لديه من أجله، ويستشهد في كربلاء بين يديه، وقد صرّح سلام الله عليه بذلك كلّه عندما أفضى بأمره إلى أخيه عقيل بن أبي طالب سلام الله عليه وهو يستشيره في قضيّة زواجه بعد استشهاد سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال له: «أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب، لأتزوّجها، فتلد لي ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي الحسين سلام الله عليه ويواسيه في طفّ كربلاء».
هذا مضافاً إلى أنّ أنباء ما وقع وتحقق في واقعة عاشوراء، وأخبار طفّ كربلاء، والتي كان من أظهرها وأبرزها: وفاء العباس سلام الله عليه ومواساته لأخيه الإمام الحسين سلام الله عليه، وحراسته لخيام النّساء ومن فيها من بنات الرّسالة وودائع النبوّة، وسقايته لأطفال أخيه، وتقديم يديه من أجل إيصال الماء إليهم، وتعويض الله تعالى له عنهما بجناحين يطير بهما في الجنّة، كلّ ذلك ممّا نزل به جبرئيل عن الله تبارك وتعالى على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخبر بها عليّاً سلام الله عليه وبقيّة أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وذلك قبل أن يولد أبو الفضل العباس سلام الله عليه.
وعليه: فهذه نبذة من مميّزات ولادة العباس سلام الله عليه والمقدّمات التي احتفّت بولادته من جهة أبيه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه.
وأمّا المميّزات التي امتازت بها ولادة أبي الفضل العباس سلام الله عليه من جهة أمّه أمّ البنين سلام الله عليها هي أنّه قبل ولادة أمّه أمّ البنين رأى أبوها حزام وهو جدّ أبي الفضل سلام الله عليه لأمّه، رؤيا بشرته بولادة أمّ البنين، وبعد ولادة أم البنين وترعرعها، وبلوغها سنّ الرشد ومرحلة الزّواج، ترى هي بنفسها رؤيا مباركة تسرّها بزواجها من رجل عظيم، وتنبئها عن حصولها على أنجال أربعة: أوّلهم كالقمر المنير، والثلاثة الباقون كالأنجم الزُهر، وذلك كلّه قبل زواجها، بل وحتى قبل أن يخطبها عقيل من أبيها حزام للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه. كلّ ذلك وغيره ممّا يدلّ على امتياز أبي الفضل العباس سلام الله عليه في ولادته، المنبيء عن عظمته، ورفيع مقامه ومنزلته عند الله تبارك وتعالى، كامتيازه سلام الله عليه في كلّ شؤنه بما امتاز به الأولياء المقرّبون عند الله تعالى، والشهداء السّعداء، وعباد الله الصالحون لديه عزّ وجل.

:: نشأته

نشأ أبو الفضل العبّاس سلام الله عليه نشأة صالحة كريمة، قلّما يظفر بها إنسان فقد نشأ في ظلال أبيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض، فغذّاه بعلومه وتقواه، وأشاع في نفسه النزعات الشريفة، والعادات الطيّبة ليكون مثالاً عنه، وانموذجاً لمثله، كما غرست أمّه السيّدة فاطمة في نفسه، جميع صفات الفضيلة والكمال، وغذّته بحبّ الخالق العظيم فجعلته في أيام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته، وظلّ ذلك ملازماً له طوال حياته.
ولازم أبو الفضل أخويه السبطين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة فكان يتلقّى منهما قواعد الفضيلة، وأسس الآداب الرفيعة، وقد لازم بصورة خاصة أخاه أبا الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه فكان لا يفارقه في حلة وترحاله، وقد تأثّر بسلوكه، وانطبعت في قرارة نفسه مُثُله الكريمة وسجاياه الحميدة حتى صار صورة صادقة عنه يحكيه في مثله واتجاهاته، وقد أخلص له الإمام الحسين كأعظم ما يكون الإخلاص وقدّمه على جميع أهل بيته لما رأى منه من الودّ الصادق له حتى فداه بنفسه.
أنّ المكوّنات التربوية الصالحة التي ظفر بها سيّدنا أبو الفضل العبّاس سلام الله عليه قد رفعته إلى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيّروا مجرى تاريخ البشرية بما قدّموه لها من التضحيات الهائلة في سبيل قضاياه المصيرية، وانقاذها من ظلمات الذلّ والعبودية.
لقد نشأ أبو الفضل على التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الحقّ، ورفع رسالة الإسلام الهادفة إلى تحرير إرادة الإنسان، وبناء مجتمع أفضل تسوده العدالة والمحبة، والإيثار، وقد تأثر العباس بهذه المبادىء العظيمة و ناضل في سبيلها كأشدّ ما يكون النضال، فقد غرسها في أعماق نفسه، ودخائل ذاته أبوه الإمام أمير المؤمنين وأخواه الحسن والحسين سلام الله عليهم، هؤلاء العظام الذي حملوا مشعل الحرية والكرامة، وفتحوا الآفاق المشرقة لجميع شعوب العالم وأمم الأرض من أجل كرامتهم وحرّيتهم، ومن أجل أن تسود العدالة والقيم بين الناس.
جاء في التاريخ أنّ أباه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه دعاه يوماً وهو بعد في سنّ الطّفولة وقد انطلق لسانه، وتعلّم النطق ببعض الكلمات، فأخذه وضمّة إليه ثمّ أجلسه في حجره وقال له: بنيّ عباس! قل: واحد.
فقال العباس سلام الله عليه: واحد.
فقال له سلام الله عليه: يا ولدي! قل: اثنين.
فأبى وامتنع من أن يقول اثنين، ثمّ التفت إلى أبيه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وقال: إنّي يا أبة استحيي أن أقول اثنين بلسان قلت به واحداً.
وكان هذا الجواب هو الذي ينتظره الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه من ولده العباس، لذلك التفت إليه وقال: أحسنت يا ولدي، بارك الله فيك، ثمّ أخذه وضمّه إلى صدره ثانية، وقبّل ما بين عينيه.

:: في رحاب بعض خصائصه سلام الله عليه

بدورنا المتواضع، وبضاعتنا المزجاة نقدم لك عزيزي الزائر وبإخلاص، ما تكنّه قلوبنا لأبي الفضل العباس سلام الله عليه من حُبّ وولاء، ومودّة وعلقة، مظهرين ذلك بذكر ما يتسنى لنا من فضائل أبي الفضل العباس سلام الله عليه ومناقبه، وسرد بعض ما امتاز به من مميزات، وإنفرد به من خصائص، راجين عفوه عنّا وقبوله منّا، فإنه من أهل بيت لا يخيب آملهم، ولا يُحرم راجيهم، إن شاء الله تعالى.

:: من خصائص اسمه الشريف

جاء في كتاب منتخب التواريخ ما مضمونه: أنّ اسم «العباس» من حيث حساب الأبجد، يساوي عدد حروف اسمه بالجُمل ما عدد الألف واللام: (133) كما أنّ عدد حروف لقبه: «باب الحسين سلام الله عليه» بالجُمل ما عدا الألف واللام أيضاً يساوي (133) ومن الختومات المجرّبة لتسهيل الحوائج وقضائها، وإنجاحها وإمضائها هو: مخاطبة العباس سلام الله عليه بعدد حروف اسمه (133) بما يلي:
«يا كاشف الكرب عن وجه أخيه الحسين سلام الله عليه إكشف كربي بحقّ أخيك الحسين سلام الله عليه»، ولعلّه إلى هذا المعنى أشار الشّاعر حيث يقول:

يوم أبو الفضل استجار به الهدى

والشّمس من كدر العجاج لثامها

:: العباس يجير من استجار به

وجاء في كتاب «الكبريت الأحمر» للعلامة النحرير، الشيخ البيرجندي أنّه قال وهو يتحدّث عن نفسه، ويقصّ بعض خواطره: إنّه كان قد توسّل بأبي الفضل العباس سلام الله عليه إلى الله تعالى في إنجاز بعض مهمّاته، ووسّطه في حلّ شيء من مشكلاته، ولكنّه لم ير أثراً من الإجابة، فرأى ذات ليلة رؤيا صادقة في منامه، أنّه رأى شخصاً يقول له: كلّ من كانت له حاجة إلى الله تعالى فليقرأ هذه العبارة متوسّلاً بأبي الفضل العباس سلام الله عليه إلى الله سبحانه فإنّ تعالى يقضي له حاجته بوجاهة أبي الفضل سلام الله عليه عنده، والعبارة هي كالتّالي:
«عبد الله! أبا الفضل! دخيلك».
قال الشيخ البيرجندي: فما توسّلت إلى الله تعالى بعد ذلك بأبي الفضل سلام الله عليه وقرأت هذه العبارة إلا وقضى الله تعالى حاجتي، وكشف عنّي همّي وغمّي، وبلّغني مناي وأملي.

:: إغاثة العباس سلام الله عليه المستغيثين به

ونقل عن أحد المراجع العظام نقلاً عن بعض العلماء المقيمين في قم المدّسة أنّه قال: عرضت لي مشكلة فتوسّلت بإمام العصر الحجة بن الحسن العسكري سلام الله عليه إلى الله تعالى في حلّها، وكنت أذهب لذلك إلى مسجد جمكران المعروف في قم المقدسة، مضت على ذلك مدّة من الزمان ولم أر أثراً من الإجابة، فانكسر قلبي ذات مرّة وأنا في الصلاة المستحبة التي تصلّى في مسجد جمكران وأخذت أخاطب سيّدي ومولاي الإمام الحجة سلام الله عليه وأقول: سيّدي ومولاي! لقد توسّلت بك إلى الله تعالى في حلّ مشكلتي وقضاء حاجتي، فلم أر أثراً للإجابة، فهل يسوغ لي أن أتوسّل بغيرك وأنت إمامي، ومن لم حقّ الطاعة عليّ في عنقي؟ ثمّ قلت: فإنّي لا أسمح لنفسي أن أتوسّل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد سواك، حتّى ولو كان وجيهاً عند الله مثل باب الحوائج أبا الفضل العباس سلام الله عليه، ثم قال: وهنا غلبني الحزن والبكاء، وانكسار القلب والخاطر، وبينما أنا كذلك إذ سمعت من يقول لي: لا بأس عليك بالتوسّل إلى الله تعالى بعمّنا أبي الفضل العباس سلام الله عليه، ونحن ندلّك على ما تقوله عند التوسّل إلى الله تعالى به، فإذا كانت لك حاجة فتوسّل به إلى الله تعالى بهذه العبارة وقل:
«يا أبا الغوث أدركني».

:: التوسّل إلى الله بالعباس سلام الله عليه

ونقل عن العلامة المازندراني صاحب كتاب معالي السبطين أنّه قال: من كانت له حاجة، أو يشكو مشكلة، فليتوسّل إلى الله تعالى بأبي الفضل العباس سلام الله عليه وليكرّر هذا التوسّل أيّاماً حتّى تقضي حاجته، وترتفع مشكلته، وذلك بأن يصلّي على محمد وآل محمد (133) مرّة، ثم يقول: يا عباس (133) مرّة، ثم يعود فيصلّي على النبي وآله (133) مرّة، فإن الله تعالى يقضي له حاجته، ويفرّج عنه مشكلته.
وجاء في كتاب معالي السبطين أيضاً: إنّ من كان في الصّحراء، أو في مكان قفر لا ماء فيه، وأضرّ به العطش، وخاف الهلاك، فليتوسّل إلى الله تعالى بالعباس سلام الله عليه ولينادي: «يا أبا القربة» فإنّه يُروى من العطش، ويُرفع عنه الظمأ، بإذن الله تعالى.

:: في أنّه سلام الله عليه حامل اللواء

لقد عقد الإمام الحسين سلام الله عليه لأخيه أبي الفضل العباس لواءاً ودفعه إليه منذ خروجه من الحجاز متوجهاً إلى العراق، وكان اللواء الأعظم يوم عاشوراء بيده سلام الله عليه، ولذلك كلّما استأذن للبراز قال له الإمام الحسين سلام الله عليه: أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري، وقال بعض الشعراء عن لسان حال الإمام الحسين سلام الله عليه حين وقف على أخيه العباس سلام الله عليه:

لمن اللوى أعطي ومن هو جامع

شملي وفي ظنك الزحام يقيني

أمــنـازل الأقــران حـامـل رايــــتي

ورواق أخـــبيتي وبــاب شـــؤنـي

لــك مــوقـف بالـطفّ أنسى أهله

حرب الــعراق بمـــلتـقى صفّيــن

وجاء في المناقب لابن شهر آشوب ما مضمونه: كان العباس السقاء، قمر بني هاشم، صاحب لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وأكبر إخوته.

:: من مواصفات حملة الألوية

ومن المعلوم: أنّ اللواء لا يعقد إلاّ لمن عرف بالشجاعة والشهامة، والنبل والشرف: لأنّ حامل اللواء هو من يريد ضمّ كلّ أفراد الجيش تحت لوائه، ودرجهم في سلكه وظلاله، فلابدّ أن يكون ممّن يقبله الجميع، ويرتضيه الكلّ، من حيث الشرف والشجاعة، حتّى ينتظموا في سلكه، وينضووا تحت لوائه.
هذا مع أنّ حمل اللواء في نفسه مفخرة كبيرة، ومكرمة عظيمة، ووسام شريف، وله منزلة في نفوس الناس، ولدى جميع الأمم والشعوب، وعلى مرّ الأزمنة والعصور، كما أنّ لحامل اللواء مكانة راقية، ودرجة رفيعة، ومرتبة سامية، لا من حيث شجاعة حامل اللواء وشهامته فحسب، بل من حيث انتظام الجيش واستماتته مقابل العدو، فإنّه مادام اللواء قائماً، والعَلَم مرفرفاً، يكون الجيش منتظماً، وشمله ملتئماً، وأفراده مقاومين، ورجاله مستميتين، حيث انّ اهتزاز اللواء ورفرفته بيد حامله، يعطي الأمل للمقاتلين، ويبعث في نفوسهم القوّة والشجاعة، ويرفع فيهم المعنويات القتالية العالية، ويقرّبهم من الغلبة والنصر، بينما إذا سقط اللواء انكسر الجيش وانهزم، وتبدّد العسكر وتفرّق، وآل أمرهم إلى الإندحار والموت، أو الأسر والسبي.
ومن أجل ذلك كلّه يأتي انتخاب حملة اللواء، واختيار أصحاب الألوية، من وسط الشجعان والأعيان، ومن خلال ذوي البيوتات والشرف، ومن بين المعروفين بالنبل والكرم، والدين والتقوى، كما أنّ ذلك كلّه كان هو الّذي يدعو حامل اللواء إلى أن يبذل ما في وسعه للحفاظ على سلامة اللواء، والإستماتة من أجل بقاء اللواء، مرفرفاً عالياً، خفّاقاً منشوراً على رؤوس أفراد الجيش ورجاله، ومن أجل ذلك كلّه أيضاً نرى أن حملة اللواء وأصحاب الألوية في الإسلام، كانوا غالباً ما يقون اللواء بأنفسهم، فلا يدعون اللواء يسقط من أيدهم مادام في أجسادهم حياة، وفي أبدانهم رمق، وفي قلوبهم ضربان، وفي شرايينهم دم ينزف، فإذا قُطعت يُمناهم، أخذوا اللواء بيسارهم، وإذا قطعت يسارهم أخذوا اللواء بركبتيهم، وهكذا كانوا يحمون اللواء بأنفسهم عن السقوط، حتّى يلسّموه إلى كفوٍ آخر غيرهم – كما اشتهر ذلك في حقّ جعفر بن أبي طالب سلام الله عليه في حرب مؤتة - .

:: مع أصحاب الرايات

ولقد جاء في تعليمات الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فيما يخصّ آداب الحرب والقتال – كما في نهج البلاغة – حيث يقول سلام الله عليه: «... ورايتكم فلا تُميلوها ولا تُخُلّوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم، والمانعين الذمار منكم، فإنّ الصابرين على نزول الحقائق، هم الّذين يحفّون براياتهم، ويكتنفونها حفافيها، ووراءها وأمامها، لا يتأخّرون عنها فيُسلموها، ولا يتقدّمون عنها فيُفردوها...».
وما كان الإمام الحسين سلام الله عليه ليتخطّى تعليمات أبيه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فيما يخصّ حامل اللواء، ولذلك اختار لحمل لوائه أخاه الأكبر أبا الفضل العباس سلام الله عليه، وكان كما اختاره الإمام الحسين سلام الله عليه كفوءاً بحمل اللواء، وأهلاً للقيام بحقّه، حيث أنّه سلام الله عليه وحفاظاً على سلامة اللواء، وبقائه مرفراً خفاقاً، بقي في آخر من بقي مع الإمام الحسين سلام الله عليه مع شدّة ضيق صدره، وكثرة اسفه وهمّه، من فقد إخوته وأبناء إخوته، وعظيم اشتياقه للقاء العدوّ ومنازلتهم، وكبير تلهّفه على الإنتقام منهم ومقاتلتهم، فإنّه سلام الله عليه مع كلّ ذلك لم يشف قلبه من الأعداء بالبراز: أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري.
كما أنّه لمّا استسقى لأطفال أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه الذين اضرّ بهم العطش، وذلك في المرّة الأخيرة التي انجرّت إلى شهادته، لم يسمح لنفسه مادام له رمق بترك اللواء وسقوطه، فإنّه لما قطعوا يديه: يمينه وشماله، احتفظ باللواء من السقوط بساعديه وعضديه، وألصقه بهما إلى صدره، وإنّما سقط اللواء بسقوطه سلام الله عليه من على جواده، وذلك يعد أن رشقوه بالنبال كالمطر، وخاصة عندما خسفوا هامته بعمدْ من حديد، فهوى إلى الأرض مع اللواء منادياً: يا أخي أدرك أخاك.

:: أوّل من عقد له اللواء

نعم لقد كان أبو الفضل العباس سلام الله عليه حامل لواء أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه كما كان أبوه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه حامل لواء أخيه وابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلقد كان لواء الحقّ بيد أنبياء الله وأوليائه، حيث كان أوّل من عقد اللواء وحمله هو: شيث بن آدم سلام الله عليه – على ما قيل – ثم انتقل إلى خليل الرحمن: النبي إبراهيم سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه إسماعيل الذبيح سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه نابت بن إسماعيل سلام الله عليه، ومنه إلى أبنائه وأحفاده، أجداد النبي صلى الله عليه وآله وابائه، حتىّ انتقل إلى قصي بن كلاب، ومنه إلى عبد مناف، ثم ورثه منه ابنه هاشم، ثمّ ابنه عبد المطلب، ثم ابنه أبو طالب، ثم صار اللواء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فدفعها إلى علي أمير المؤمنين سلام الله عليه، فأصبح هو سلام الله عليه حامل لواء الرسول صلى الله عليه وآله، واصبح من بعده ابنه العباس سلام الله عليه حامل لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وعرف بذلك، أعني: عرف بأنّه سلام الله عليه حامل اللواء.

:: اللواء مع الغنائم في الشام

ولقد جاء في التاريخ أنّ جيش بني أميّة بقيادة ابن سعد، لمّا أغاروا على مخيّم الإمام الحسين سلام الله عليه بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه، وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم، وبعثوا بها إلى الشام، كان في جملتها اللواء الّذي كان يحمله العباس سلام الله عليه، فلمّا وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجّب هو ومن كان معه، حيث رأوا أنّ هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلا محل قبضته وموضع اليد منه، فسأل يزيد متعجّباً وهو يقول: من كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟ قالوا: العباس بن علي سلام الله عليه، فلمّا سمع يزيد بأن حامله كان هو العباس سلام الله عليه قام من مكانه وجلس ثلاث مرّات تعجباًَ من شجاعة العباس سلام الله عليه واندهاشاً من شهامته وبطولته، ثمّ التفت إلى من حضره وقال: أنظروا إلى هذا العَلَم، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلا مقبض اليد التي تحمله، إشارة إلى أنّ سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته حيث كان يتلقّى كلّ الضربات والرشقات، بصبر وصمود، دون أن يترك اللواء لينتكس، أو يدعه ليسقط، ثمّ قال: أبيت اللعن يا عباس، هكذا يكون وفاء الأخ لأخيه، وهذا اعتراف من العدوّ، في حقّ العباس سلام الله عليه، والفضل ما شهدت به الأعداء.

:: الألوية في الشعائر الحسينية

ثمّ انّ هذا اللواء أعني لواء الحقّ الذي كان بيد الأنبياء والأولياء، وحمله أبو الفضل العباس سلام الله عليه في كربلاء، وهو اليوم بيد إمام العصر، وبقيّة الله في أرضه، الإمام المهدي الحجّة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف قد أرمز إليه بالألوية والأعلام التي ترفع في الشعائر الحسينية، وتنصب على الحسينيات، وتقام بباب المجالس والمحافل الدينية، ويطاف بها في المواكب والمآتم الحسينية، إحياءاً لسنن الحقّ، وإبقاءاً على معالم الإسلام ولوائه عالياً خفاقاً على رؤس المسلمين، حتّى يأتي يوم تتوحّد فيها الأعلام والألوية، وتذاب معها القوميّات والتعصّبات الجاهلية، ولا يبقى لواء إلا لواء الإسلام، ولا شعب غير شعوب المسلمين، بل يدخلون الناس كلّهم في دين الله أفواجاً، برغبة وطواعية، لما يرونه في الإسلام من منطق وعدل، واحترام وسواسيّة، فإلى ذلك اليوم المأمول، والأمل المنشود.
وهنا لا بأس بذكر هذه القطعة التاريخية، فإنّه قد جاء في التاريخ: أنّ الفاطميين كانوا يهتمّون اهتماماً كبيراً بالألوية، والرايات، والدرق، حتّى أنّهم خصّصوا مكاناً في مصر يقال له: «خزانة البنود» اختزنوا فيها الأعلام، والرايات، والأسلحة، والسروج، واللجم المذهبة والمفضّضة، وكانوا ينفقون عليها في كلّ سنة ثمانين ألف دينار، ولمّا احترق ذلك المكان بما فيه، قدرت الخسارة الناجمة عن هذا الحريق بثمانية ملايين دينار، وكان في جملة الألوية والرايات، لواء يسمّونه: «لواء الحمد».
في أنّه بطل العلقمي

وهوى بجنب العلقمي فليته

للشـاربين به يـــداف العـلقم

وقال السيّد الطحّان:

جــرّعــت أعـــداءك يـوم الوغى

فـي حدّ ماضـــيك من العــلقم

وقد بذلت النفس دون الحمى

مــجاهداً يا بطــل العــلـقــمي

الياء في العلقمي ياء النسبة، والمراد به نهر علقمة، وهو نهر كان متفرّعاً من الفرات ومنشعباً منه، وكان يمرّ بأرض كربلاء وضواحيها، ويسقيها جميعاً، وعلى مقربة منه صُرع أبو الفضل العباس سلام الله عليه وسقط شهيداً، وذلك حيث يكون مرقده الشريف الآن:
قيل: إنّ هذا النهر – أي: نهر العلقمي – كان هو النهر الوحيد الّذي يجري في كربلاء أيام نزل الإمام الحسين سلام الله عليه وأهل بيته بها، وقد شهد هذا النهر بطولات كثيرة من أبي الفضل العباس سلام الله عليه، بطولات روحية وجسمية معاً.
العلقمي وبطولات العباس سلام الله عليه الجسمية
أما بطولات أبي الفضل العباس سلام الله عليه الجسمية التي شهدها العلقمي منه سلام الله عليه فحدّث ولا خرج، فلقد كان أوكل ابن سعد عمرو بن الحجاج مع أربعة آلاف فارس، على العلقمي يحموا ماءه ذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويمنعوه من الامام الحسين سلام الله عليه وأصحابه وأهل بيته ، فاستقى العباس سلام الله عليه منه لمعسكر الامام الحسين سلام الله عليه مرّات عديدة ، وذلك بعد ان فرّق جموع الموكّلين به وبدّد شملهم . ومن العلوم ان تفريق اربعة آلاف فارس عن العلقمي ، مع أنّ‌ مهمّة هؤلاء الفرسان كان هو الحيلولة بينه وبين كلّ وارد إليه من أصحاب الامام الحسين سلام الله عليه وذلك بكلّ ما يملكونه من أسلحة و عتاد ، و جزم و عزم ، هو أمر عظيم ، لا يقدر عليه احد سوى مثل ابي الفضل العباس سلام الله عليه ، حيث كان يحمل عليهم كالليث الغضبان ،‌ ولا يعبأ بالسهام الّتي كانت تقبل نحوه كالمطر ، فكان جسمه الشريف يصبح من كثرة ما يصيبه من النبل و السهام كالقنفذ ، وهولا يكترث بشيء من ذلك ، بل كان كلّ همّه اقتحام العلقمي والدخول فيه ، وحمل الماء إلى مخيّم الامام الحسين سلام الله عليه ومعسكره ، و كان يفعل في كل مرة ذلك وبكلّ‌ جدارة.

:: العلقمي و بطولات العباس الروحية

وامّا بطولات أبي الفضل العباس سلام الله عليه الروحية الّتي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس سلام الله عليه فحدّث ايضاًََ ولا حرج ، فإنّ من يستطيع تفريق أربعة آلاف فارس ، ويقدر على تبديد جمعهم، صحيح أنّه دليل على بطولته الجسمية وقوّته الجسدية، ولكن لو لا قدرته الروحية الكبيرة، التي لا تهاب من الإقدام على الموت، ولا ترهب من اقتحام لجج الحرب المدمّرة، لما كان يستطيع التقدّم نحو العدوّ حتّى شبر واحد، ولا أن يدنو من العلقمي بمقدار أنملة، فكيف بان يقتحمه ويملأ الوعاء منه؟ فما ظهور بطولته الجسمية وبروز قوّته الجسدية، إلا عن دافع الروح القوية، وقدرتها المعنوية العالية.
ألم تسمع بخبر ابن الحنفيّة في وقعة الجمل وذلك على ما اشتهر عليه ابن الحنفية من البطولة والشجاعة؟ فإنّه لمّا أمره أبوه أمير المؤمنين سلام الله عليه بأن يحمل على القوم، تريّث وأبطأ عن مهاجمتهم ومداهمتهم، فلمّا استفسر سلام الله عليه منه عن سبب تثاقله، أجاب: بأنّه يتريّث انقطاع رشق السهام التي تتوالي نحوه كالمطر، فدفع سلام الله عليه في صدره وقال له: لقد أصابك عرق من أمّك، مما يظهر منه أنّ موقف ابن الحنفية أمام رشق السهام مع قوّته الجسدية الفائقة، كانت قد نتجت من ضعف الروح التي لحقته من أمّه، وإلا فأبوه أمير المؤمنين سلام الله عليه هو من يُضرب بقوّة روحه وعلوّ معنوياته المثل، بينما أمّ أبي الفضل العباس سلام الله عليه هي أمّ البنين سلام الله عليه المعروفة ببيتها العريق في الشجاعة والبطولة، والّتي قد ورثت من آبائها الفروسيّة والشهامة وورثته ابنها أبا الفضل العباس سلام الله عليه، فأبو الفضل سلام الله عليه وريث شجاعة أبيه أمير المؤمنين سلام الله عليه وأمّه أم البنين سلام الله عليها، ولا كلام في شجاعة مثله سلام الله عليه روحاً وجسداً.

:: المواساة: بطولة معنوية

أضف إلى كلّ ذلك بطولته الروحية الأخرى: التي هي أعظم كلّ البطولات الروحية، وأكبر كلّ القدرات المعنوية، التي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس سلام الله عليه، ألا وهي بطولة المواساة، وقدرة التغلّب على النفس، وزمّ جماحها إلى الماء، وتلهّفها إلى شربه، فإنّ إنساناً مثل أبي الفضل سلام الله عليه قد كابد شحّ الماء وقلّته، وأعطى حصّته من الماء لأطفال أخيه العطاشى، وعانا من ثقل الحديد ومطاردة الأعداء، وقاسى حرّ الشمس وحرّ الحرب، حتّى أصبح فؤاده كالجمر، وقلبه كالبركان، قد دخل العلقمي وأحسّ ببرده، فكان من الطبيعي له، وبدافع حسّ العطش الكبير، والظمأ الشديد، وعبر حركة طبيعية، أن تمتدّ يداه إلى الماء وتغترف منه غرفة لتقربه من فمه، حتى يُطفئ بها فورة العطش، ويُخمد عبرها اوار الظمأ، وكان هذه الغرفة من الماء وتعقيبها بثانية وثالثة واستساغتها، لكن حاشا لمثل أبي الفضل العباس سلام الله عليه ربيب أمير المؤمنين سلام الله عليه والمترعرع في حجر أمّ البنين، أن ينزل إلى ما تتطلّبه طبيعته الجسدية، ويسف إلى مستوى غرائزة الجسمية، وقد تعلّم من أبيه وأمّه كيف يحلّق في سماء الفضيلة، ويعلو في أجواء المعنويات الروحية، وكيف يكبح جماح نفسه، ويغلب فورة هواه، ولذلك عندما قرّب الماء من فمه وتذكّر عطش أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه صبّ الماء على الماء، وملأ القربة ماءاً وخرج من العلقمي متّجهاً نحو الخيام وهو يخاطب نفسه ويقوم:

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبــعده لا كـــنــت أن تـــكـــونــــي

هــــذا الـــحســـين وارد الـمـنـون

وتــشــــربـين بـــــارد الـــمــعيـــن

تــالله ما هــــذا فعــــال ديـــنــــي

ولا فـــعال صـــــادق الـــيقــــيــــن

:: جفاف العلقمي واندثاره

نعم، لقد شهد العلقمي هذه البطولات الروحية والجسمية من أبي الفضل العباس سلام الله عليه وأعجب بها، كما أعجب بصاحبها الأبي، وراعيها الوفي، أبي الفضل العباس سلام الله عليه، وراح يهتزّ له سروراً، ويموج به مرحاً، ويتبختر اعتزازاً وافتخاراً، لكنّه لمّا شهد مصرع هذا الشهم النفل، واغتيال هذا الطاهر المبارك، على مقربة من شواطئه وسواحله، وضفافه وحافّته، وهو ضامئ عطشان، وذلك على ايدي الغدرة الفجرة، والخونة الكفرة، أصيب بخيبة أمل كبير، وفجع بمن كان قد اعتزّ به وافتخر، وبقي متحيّراً لا يدري ما يفعل، ولا يعرف كيف يتصرّف في ردّ فعل منه على هذه الأمور الصعبة التي وقعت بجواره، والظروف القاسية التي جرت على مرأى منه ومسمع؟ حتّى إذا وقف على ضفافه الإمام الصادق سلام الله عليه وخاطبه قائلاً: «إلى الآن تجري – يا علقمي – وقد حرم جدّي منك؟» وبرواية معالي السبطين أنّه وقف عليه الإمام زين العابدين سلام الله عليه عند رجوعه من الشام وخاطبه بقوله: «منعت ماءك – يا علقمي – عن أبي عبد الله سلام الله عليه وتجري؟» فاستحيي العلقمي من ذلك وعرف من مخاطبة الإمام الصادق سلام الله عليه أو مخاطبة الإمام السجاد سلام الله عليه له كيف يتعامل مع الواقع المرّ الذي شهده، والمنظر المفجع الّذي رآه، فغار من حينه، وجفّ الماء، وصار العلقمي بعد ذلك أثراً تاريخياً مسطوراً في كتب التاريخ، ومدوناً في ذاكرة الأيام، حيث صار العباس سلام الله عليه ينسب في بطولته وشجاعته إلى هذا النهر، ويعرف من بعد ذلك ببطل العلقمي.
ولنعم ما قيل في هذا المعنى:

يــا مــن إذا ذكـــرت لــديه كــربـلاء

لطـــم الـــخدود ودمـعه قد أهملا

مهما تمرّ على الـفرات فـــقل: ألا

بعــداً لشـــطّك يـــا فـــرات فمرّ لا

تحــلو فإنّك لا هنــــيّ ولا مـــــريّ

أيذاد نســل الــطاهرين أباً وجــد

عـن وِرد مـــاءٍ قد أبيــح لـمن ورد

لو كنت يا ماء الفرات من الشهد

أيسوغ لي منك الورود وعنك قد

صُــدّ الإمام سليل ساقي الكوثر

:: دوره في ملحمة كربلاء

أمّا دور سيّدنا العباس سلام الله عليه في ملحمة كربلاء فأنّه يأتي في الأهمية بعد أخيه أبي الأحرار الإمام الحسين سلام الله عليه صانع هذه الملحمة الخالدة في دنيا الحقّ والعدل، وقد فاق جميع أصحاب الإمام الحسين سلام الله عليه وأل بيته المكرمين، وذلك بما قدّمه من عظيم الخدمات لأخيه، بالإضافة إلى مواقفه البطولية الرائعة، وصموده الهائل أمام معسكر ابن زياد، وقد أبدى من البسالة ما يذهل الأفكار ويحيّر الألباب، وكان يشيع في نفوس أصحاب أخيه وأهل بيته العزم والتصميم على التضحية والجهاد بين يديه، فقد استهان بالموت وسخر من الحياة، وقد انطبعت هذه الظاهرة في نفوسهم فاعتنقوا الشهادة، وانطلقوا إلى ميادين الجهاد ليرفعوا كلمة الله في الأرض.
وكان العباس سلام الله عليه أيام المحنة الكبرى التي حلّت بأخيه ملازماً له لم يفارقه، وقدّم له جميع ألوان البرّ والإحسان، فكان يقيه بنفسه ويفديه بمهجته، فهو صاحب لوائه، ومدير شؤونه، والمتصدّي لخدماته، ويقول الرواة: أنّه قد استوعب حبّه والإخلاص له قلب أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه حتى فداه بنفسه، وكان عليه ضيفاً، فلم يسمح له بالحرب حتى بعد مقتل أصحابه وأهل بيته، لأنّه كان يشعر بالقوة والمنعة، ما دام حيّا إلى جانبه، ولما استشهد العباس شعر الإمام الحسين بالوحدة والغربة والضياع بعده وفقد كلّ أمل له في الحياة، وراح يبكي عليه أمرّ البكاء، ويندبه بذوب روحه، وسارع إلى ساحة الحرب ليلتقي به في جنان الخلد.

:: في استشهاده سلام الله عليه

لقد استشهد أبو الفضل العباس من أجل المبادئ العليا التي رفع شعارها أبو الأحرار أخوه الإمام الحسين سلام الله عليه، والتي كان من أهمّها أن يقيم في هذا الشرق حكم القرآن، وينشر العدل بين الناس ويوزّع عليهم خيرات الأرض، فليست هي لقوم دون آخرين.
لقد استشهد أبو الفضل من أجل أن يعيد للإنسان المسلم حرّيته وكرامته، وينشر بين الناس رحمة الإسلام، ونعمته الكبرى الهادفة لاستئصال الظلم والجور، وبناء مجتمع لا ظلّ فيه لاي لون من ألواب الفزع، والخوف.
لقد حمل أبو الفضل مشعل الحرية والكرامة، وقاد قوافل الشهداء إلى ساحات الشرف، وميادين العزّة، والنصر للشعوب الإسلامية التي كانت ترزح تحت وطأة الظلم والجور.
لقد انطلق أبو الفضل إلى ميادين الجهاد من أجل أن ترتفع كلمة الله تعالى عالية في الأرض، تلك الكلمة التي هي منهج كامل للحياة الكريمة بين الناس.
سلام الله عليك يا أبا الفضل في حياتك وشهادتك ملتقى أمين لجميع القيم الإنسانية، وحسبك أنّك وحدك كنت انموذجاً رائعاً لشهداء الطفّ الذين احتلّوا قمّة الشرف والمجد في دنيا والإسلام.

 


المصادر :
(1) الخصائص العباسية / الكلباسي النجفي (ره)
(2) العباس (ع) / عبدالرزاق المقرم (ره)
(3) العباس بن علي / باقر شريف القرشي

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه