|
قمر بني هاشم صلوات الله وسلامه عليه
:: اسمه الشريفالعباس :: سبب تسميته بالعباسلقد سمّاه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه بالعباس، لعلمه بشجاعته وشهامته، وسطوته وصولته، فلقد كانت الأعداء ترتجف أبدانهم، وترتعد فرائصهم، وتعبس وجوههم خوفاً من العباس سلام الله عليه إذا برز، وكان في الحروب والغزوات يحارب الشجعان وينازلهم كالأسد الضاري حتى يجدّ لهم. وفي هذا يقول السيد جعفر الحلي رضوان الله تعالى عليه:
:: في تسميته سلام الله عليه بالعباسوكيف كان: فإنّ الإمام أمير
المؤمنين سلام الله عليه كما كان هو أوّل من آمن برسول الله صلى الله عليه
وآله، فكذلك كان هو أوّل من سار بسيرته واتّبع طريقته، ولذلك لم يكن ليتعدّ
عن نهج رسول الله صلى الله عليه وآله في سنن الولادة ومستحبّاتها، فإنّه
سلام الله عليه لمّا أجرى المستحبّات المأثورة على مولوده الجديد، إلتفتت
إليه – على ما قيل – ابنته عقيلة بني هاشم وربيبة الوحي والعصمة، السيدة
زينب الكبرى سلام الله عليها وقالت له: يا أبة! هل أخترت لهذا المولود
إسماً، وانتخبت له كنية ولقباً؟ :: نسبه الناصعابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي... :: كنيته الشريفةأبو الفضل وأبو القاسم. وكُنّي بأبي الفضل لأن له ولداً اسمه الفضل، وطابقت هذه الكنية حقيقة ذاته العظيمة فلو لم يكن له ولد يسمّى بهذا الإسم، فهو حقاً أبو الفضل، ومصدره الفياض فقد أفاض في حياته ببرّه وعطائه على القاصدين لنبله وجوده، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأ لكل ملهوف، فما استجار به أحد بنيّة صادقة إلا كشف الله ما ألمّ به من المحن والبلوى. :: ألقابه الكريمةقمر بني هاشم، السقّاء، بطل
العلقمي، حامل اللواء، كبش الكتيبة، باب الحوائج، باب الحسين سلام الله
عليه، ساقي عطاشا كربلاء، قمر العشيرة، حامي الظعينة ، سبع القنطرة، وغير
ذلك. :: مولدهولد العباس سلام الله عليه في الرابع من شهر شعبان لعام 26 هجرية في المدينة المنورة. :: أمّه المكرّمةفاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة
بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب. واشتهرت سلام الله عليها بأم البنين
وكان أبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب، ومن الشخصيات النابهة في السخاء
والشجاعة وقرى الضيف، وأمّا أسرتها فهي من أجَلّ الاُسر العربية، وقد عُرفت
بالنجدة والشهامة، وقد اشتهر منهم جماعة بالنبل والبسالة. :: مميّزات ولادته سلام الله عليهلقد امتاز أبو الفضل العباس سلام
الله عليه في ولادته على سائر الناس بما يمتاز به العظماء من أولياء الله
في ولادتهم، حيث كانت ولادته سلام الله عليه محفوفة بالإرهاصات، ومشحونة
بالقرائن والمقدّمات، الدالّة على عظم منزلة المولود عند الله تعالى،
ومقامه الشامخ لديه، فهذا الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه قبل أن يولد
له العباس، بل وقبل أن يتزوّج بأمّه أم البنين، يُنبىء عن ولادته، ويخبر عن
مواصفاته، ويشير إلى ما يتحلّى به: من قوّة الإيمان، وطهارة النّفس، وشجاعة
القلب، ورحابة الصدر، ومكارم الأخلاق، وأنّه سوف يعضد أخاه الإمام الحسين
سلام الله عليه في مهمّته، ويفديه بنفسه، ويضحّي بما لديه من أجله، ويستشهد
في كربلاء بين يديه، وقد صرّح سلام الله عليه بذلك كلّه عندما أفضى بأمره
إلى أخيه عقيل بن أبي طالب سلام الله عليه وهو يستشيره في قضيّة زواجه بعد
استشهاد سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حيث
قال له: «أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب، لأتزوّجها، فتلد لي
ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي الحسين سلام الله عليه ويواسيه في طفّ
كربلاء». :: نشأتهنشأ أبو الفضل العبّاس سلام الله
عليه نشأة صالحة كريمة، قلّما يظفر بها إنسان فقد نشأ في ظلال أبيه رائد
العدالة الاجتماعية في الأرض، فغذّاه بعلومه وتقواه، وأشاع في نفسه النزعات
الشريفة، والعادات الطيّبة ليكون مثالاً عنه، وانموذجاً لمثله، كما غرست
أمّه السيّدة فاطمة في نفسه، جميع صفات الفضيلة والكمال، وغذّته بحبّ
الخالق العظيم فجعلته في أيام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته، وظلّ ذلك
ملازماً له طوال حياته. :: في رحاب بعض خصائصه سلام الله عليهبدورنا المتواضع، وبضاعتنا المزجاة نقدم لك عزيزي الزائر وبإخلاص، ما تكنّه قلوبنا لأبي الفضل العباس سلام الله عليه من حُبّ وولاء، ومودّة وعلقة، مظهرين ذلك بذكر ما يتسنى لنا من فضائل أبي الفضل العباس سلام الله عليه ومناقبه، وسرد بعض ما امتاز به من مميزات، وإنفرد به من خصائص، راجين عفوه عنّا وقبوله منّا، فإنه من أهل بيت لا يخيب آملهم، ولا يُحرم راجيهم، إن شاء الله تعالى. :: من خصائص اسمه الشريفجاء في كتاب منتخب التواريخ ما
مضمونه: أنّ اسم «العباس» من حيث حساب الأبجد، يساوي عدد حروف اسمه بالجُمل
ما عدد الألف واللام: (133) كما أنّ عدد حروف لقبه: «باب الحسين سلام الله
عليه» بالجُمل ما عدا الألف واللام أيضاً يساوي (133) ومن الختومات
المجرّبة لتسهيل الحوائج وقضائها، وإنجاحها وإمضائها هو: مخاطبة العباس
سلام الله عليه بعدد حروف اسمه (133) بما يلي:
:: العباس يجير من استجار بهوجاء في كتاب «الكبريت الأحمر»
للعلامة النحرير، الشيخ البيرجندي أنّه قال وهو يتحدّث عن نفسه، ويقصّ بعض
خواطره: إنّه كان قد توسّل بأبي الفضل العباس سلام الله عليه إلى الله
تعالى في إنجاز بعض مهمّاته، ووسّطه في حلّ شيء من مشكلاته، ولكنّه لم ير
أثراً من الإجابة، فرأى ذات ليلة رؤيا صادقة في منامه، أنّه رأى شخصاً يقول
له: كلّ من كانت له حاجة إلى الله تعالى فليقرأ هذه العبارة متوسّلاً بأبي
الفضل العباس سلام الله عليه إلى الله سبحانه فإنّ تعالى يقضي له حاجته
بوجاهة أبي الفضل سلام الله عليه عنده، والعبارة هي كالتّالي: :: إغاثة العباس سلام الله عليه المستغيثين بهونقل عن أحد المراجع العظام نقلاً
عن بعض العلماء المقيمين في قم المدّسة أنّه قال: عرضت لي مشكلة فتوسّلت
بإمام العصر الحجة بن الحسن العسكري سلام الله عليه إلى الله تعالى في
حلّها، وكنت أذهب لذلك إلى مسجد جمكران المعروف في قم المقدسة، مضت على ذلك
مدّة من الزمان ولم أر أثراً من الإجابة، فانكسر قلبي ذات مرّة وأنا في
الصلاة المستحبة التي تصلّى في مسجد جمكران وأخذت أخاطب سيّدي ومولاي
الإمام الحجة سلام الله عليه وأقول: سيّدي ومولاي! لقد توسّلت بك إلى الله
تعالى في حلّ مشكلتي وقضاء حاجتي، فلم أر أثراً للإجابة، فهل يسوغ لي أن
أتوسّل بغيرك وأنت إمامي، ومن لم حقّ الطاعة عليّ في عنقي؟ ثمّ قلت: فإنّي
لا أسمح لنفسي أن أتوسّل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد سواك، حتّى ولو كان
وجيهاً عند الله مثل باب الحوائج أبا الفضل العباس سلام الله عليه، ثم قال:
وهنا غلبني الحزن والبكاء، وانكسار القلب والخاطر، وبينما أنا كذلك إذ سمعت
من يقول لي: لا بأس عليك بالتوسّل إلى الله تعالى بعمّنا أبي الفضل العباس
سلام الله عليه، ونحن ندلّك على ما تقوله عند التوسّل إلى الله تعالى به،
فإذا كانت لك حاجة فتوسّل به إلى الله تعالى بهذه العبارة وقل: :: التوسّل إلى الله بالعباس سلام الله عليهونقل عن العلامة المازندراني صاحب
كتاب معالي السبطين أنّه قال: من كانت له حاجة، أو يشكو مشكلة، فليتوسّل
إلى الله تعالى بأبي الفضل العباس سلام الله عليه وليكرّر هذا التوسّل
أيّاماً حتّى تقضي حاجته، وترتفع مشكلته، وذلك بأن يصلّي على محمد وآل محمد
(133) مرّة، ثم يقول: يا عباس (133) مرّة، ثم يعود فيصلّي على النبي وآله
(133) مرّة، فإن الله تعالى يقضي له حاجته، ويفرّج عنه مشكلته. :: في أنّه سلام الله عليه حامل اللواءلقد عقد الإمام الحسين سلام الله عليه لأخيه أبي الفضل العباس لواءاً ودفعه إليه منذ خروجه من الحجاز متوجهاً إلى العراق، وكان اللواء الأعظم يوم عاشوراء بيده سلام الله عليه، ولذلك كلّما استأذن للبراز قال له الإمام الحسين سلام الله عليه: أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري، وقال بعض الشعراء عن لسان حال الإمام الحسين سلام الله عليه حين وقف على أخيه العباس سلام الله عليه:
وجاء في المناقب لابن شهر آشوب ما مضمونه: كان العباس السقاء، قمر بني هاشم، صاحب لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وأكبر إخوته. :: من مواصفات حملة الألويةومن المعلوم: أنّ اللواء لا يعقد
إلاّ لمن عرف بالشجاعة والشهامة، والنبل والشرف: لأنّ حامل اللواء هو من
يريد ضمّ كلّ أفراد الجيش تحت لوائه، ودرجهم في سلكه وظلاله، فلابدّ أن
يكون ممّن يقبله الجميع، ويرتضيه الكلّ، من حيث الشرف والشجاعة، حتّى
ينتظموا في سلكه، وينضووا تحت لوائه. :: مع أصحاب الراياتولقد جاء في تعليمات الإمام أمير
المؤمنين سلام الله عليه فيما يخصّ آداب الحرب والقتال – كما في نهج
البلاغة – حيث يقول سلام الله عليه: «... ورايتكم فلا تُميلوها ولا
تُخُلّوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم، والمانعين الذمار منكم، فإنّ
الصابرين على نزول الحقائق، هم الّذين يحفّون براياتهم، ويكتنفونها
حفافيها، ووراءها وأمامها، لا يتأخّرون عنها فيُسلموها، ولا يتقدّمون عنها
فيُفردوها...». :: أوّل من عقد له اللواءنعم لقد كان أبو الفضل العباس سلام الله عليه حامل لواء أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه كما كان أبوه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه حامل لواء أخيه وابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلقد كان لواء الحقّ بيد أنبياء الله وأوليائه، حيث كان أوّل من عقد اللواء وحمله هو: شيث بن آدم سلام الله عليه – على ما قيل – ثم انتقل إلى خليل الرحمن: النبي إبراهيم سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه إسماعيل الذبيح سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه نابت بن إسماعيل سلام الله عليه، ومنه إلى أبنائه وأحفاده، أجداد النبي صلى الله عليه وآله وابائه، حتىّ انتقل إلى قصي بن كلاب، ومنه إلى عبد مناف، ثم ورثه منه ابنه هاشم، ثمّ ابنه عبد المطلب، ثم ابنه أبو طالب، ثم صار اللواء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فدفعها إلى علي أمير المؤمنين سلام الله عليه، فأصبح هو سلام الله عليه حامل لواء الرسول صلى الله عليه وآله، واصبح من بعده ابنه العباس سلام الله عليه حامل لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وعرف بذلك، أعني: عرف بأنّه سلام الله عليه حامل اللواء. :: اللواء مع الغنائم في الشامولقد جاء في التاريخ أنّ جيش بني أميّة بقيادة ابن سعد، لمّا أغاروا على مخيّم الإمام الحسين سلام الله عليه بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه، وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم، وبعثوا بها إلى الشام، كان في جملتها اللواء الّذي كان يحمله العباس سلام الله عليه، فلمّا وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجّب هو ومن كان معه، حيث رأوا أنّ هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلا محل قبضته وموضع اليد منه، فسأل يزيد متعجّباً وهو يقول: من كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟ قالوا: العباس بن علي سلام الله عليه، فلمّا سمع يزيد بأن حامله كان هو العباس سلام الله عليه قام من مكانه وجلس ثلاث مرّات تعجباًَ من شجاعة العباس سلام الله عليه واندهاشاً من شهامته وبطولته، ثمّ التفت إلى من حضره وقال: أنظروا إلى هذا العَلَم، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلا مقبض اليد التي تحمله، إشارة إلى أنّ سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته حيث كان يتلقّى كلّ الضربات والرشقات، بصبر وصمود، دون أن يترك اللواء لينتكس، أو يدعه ليسقط، ثمّ قال: أبيت اللعن يا عباس، هكذا يكون وفاء الأخ لأخيه، وهذا اعتراف من العدوّ، في حقّ العباس سلام الله عليه، والفضل ما شهدت به الأعداء. :: الألوية في الشعائر الحسينيةثمّ انّ هذا اللواء أعني لواء
الحقّ الذي كان بيد الأنبياء والأولياء، وحمله أبو الفضل العباس سلام الله
عليه في كربلاء، وهو اليوم بيد إمام العصر، وبقيّة الله في أرضه، الإمام
المهدي الحجّة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف قد أرمز إليه بالألوية
والأعلام التي ترفع في الشعائر الحسينية، وتنصب على الحسينيات، وتقام بباب
المجالس والمحافل الدينية، ويطاف بها في المواكب والمآتم الحسينية، إحياءاً
لسنن الحقّ، وإبقاءاً على معالم الإسلام ولوائه عالياً خفاقاً على رؤس
المسلمين، حتّى يأتي يوم تتوحّد فيها الأعلام والألوية، وتذاب معها
القوميّات والتعصّبات الجاهلية، ولا يبقى لواء إلا لواء الإسلام، ولا شعب
غير شعوب المسلمين، بل يدخلون الناس كلّهم في دين الله أفواجاً، برغبة
وطواعية، لما يرونه في الإسلام من منطق وعدل، واحترام وسواسيّة، فإلى ذلك
اليوم المأمول، والأمل المنشود.
وقال السيّد الطحّان:
الياء في العلقمي ياء النسبة،
والمراد به نهر علقمة، وهو نهر كان متفرّعاً من الفرات ومنشعباً منه، وكان
يمرّ بأرض كربلاء وضواحيها، ويسقيها جميعاً، وعلى مقربة منه صُرع أبو الفضل
العباس سلام الله عليه وسقط شهيداً، وذلك حيث يكون مرقده الشريف الآن: :: العلقمي و بطولات العباس الروحيةوامّا بطولات أبي الفضل العباس
سلام الله عليه الروحية الّتي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس سلام الله
عليه فحدّث ايضاًََ ولا حرج ، فإنّ من يستطيع تفريق أربعة آلاف فارس ،
ويقدر على تبديد جمعهم، صحيح أنّه دليل على بطولته الجسمية وقوّته الجسدية،
ولكن لو لا قدرته الروحية الكبيرة، التي لا تهاب من الإقدام على الموت، ولا
ترهب من اقتحام لجج الحرب المدمّرة، لما كان يستطيع التقدّم نحو العدوّ
حتّى شبر واحد، ولا أن يدنو من العلقمي بمقدار أنملة، فكيف بان يقتحمه
ويملأ الوعاء منه؟ فما ظهور بطولته الجسمية وبروز قوّته الجسدية، إلا عن
دافع الروح القوية، وقدرتها المعنوية العالية. :: المواساة: بطولة معنويةأضف إلى كلّ ذلك بطولته الروحية الأخرى: التي هي أعظم كلّ البطولات الروحية، وأكبر كلّ القدرات المعنوية، التي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس سلام الله عليه، ألا وهي بطولة المواساة، وقدرة التغلّب على النفس، وزمّ جماحها إلى الماء، وتلهّفها إلى شربه، فإنّ إنساناً مثل أبي الفضل سلام الله عليه قد كابد شحّ الماء وقلّته، وأعطى حصّته من الماء لأطفال أخيه العطاشى، وعانا من ثقل الحديد ومطاردة الأعداء، وقاسى حرّ الشمس وحرّ الحرب، حتّى أصبح فؤاده كالجمر، وقلبه كالبركان، قد دخل العلقمي وأحسّ ببرده، فكان من الطبيعي له، وبدافع حسّ العطش الكبير، والظمأ الشديد، وعبر حركة طبيعية، أن تمتدّ يداه إلى الماء وتغترف منه غرفة لتقربه من فمه، حتى يُطفئ بها فورة العطش، ويُخمد عبرها اوار الظمأ، وكان هذه الغرفة من الماء وتعقيبها بثانية وثالثة واستساغتها، لكن حاشا لمثل أبي الفضل العباس سلام الله عليه ربيب أمير المؤمنين سلام الله عليه والمترعرع في حجر أمّ البنين، أن ينزل إلى ما تتطلّبه طبيعته الجسدية، ويسف إلى مستوى غرائزة الجسمية، وقد تعلّم من أبيه وأمّه كيف يحلّق في سماء الفضيلة، ويعلو في أجواء المعنويات الروحية، وكيف يكبح جماح نفسه، ويغلب فورة هواه، ولذلك عندما قرّب الماء من فمه وتذكّر عطش أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه صبّ الماء على الماء، وملأ القربة ماءاً وخرج من العلقمي متّجهاً نحو الخيام وهو يخاطب نفسه ويقوم:
:: جفاف العلقمي واندثارهنعم، لقد شهد العلقمي هذه
البطولات الروحية والجسمية من أبي الفضل العباس سلام الله عليه وأعجب بها،
كما أعجب بصاحبها الأبي، وراعيها الوفي، أبي الفضل العباس سلام الله عليه،
وراح يهتزّ له سروراً، ويموج به مرحاً، ويتبختر اعتزازاً وافتخاراً، لكنّه
لمّا شهد مصرع هذا الشهم النفل، واغتيال هذا الطاهر المبارك، على مقربة من
شواطئه وسواحله، وضفافه وحافّته، وهو ضامئ عطشان، وذلك على ايدي الغدرة
الفجرة، والخونة الكفرة، أصيب بخيبة أمل كبير، وفجع بمن كان قد اعتزّ به
وافتخر، وبقي متحيّراً لا يدري ما يفعل، ولا يعرف كيف يتصرّف في ردّ فعل
منه على هذه الأمور الصعبة التي وقعت بجواره، والظروف القاسية التي جرت على
مرأى منه ومسمع؟ حتّى إذا وقف على ضفافه الإمام الصادق سلام الله عليه
وخاطبه قائلاً: «إلى الآن تجري – يا علقمي – وقد حرم جدّي منك؟» وبرواية
معالي السبطين أنّه وقف عليه الإمام زين العابدين سلام الله عليه عند رجوعه
من الشام وخاطبه بقوله: «منعت ماءك – يا علقمي – عن أبي عبد الله سلام الله
عليه وتجري؟» فاستحيي العلقمي من ذلك وعرف من مخاطبة الإمام الصادق سلام
الله عليه أو مخاطبة الإمام السجاد سلام الله عليه له كيف يتعامل مع الواقع
المرّ الذي شهده، والمنظر المفجع الّذي رآه، فغار من حينه، وجفّ الماء،
وصار العلقمي بعد ذلك أثراً تاريخياً مسطوراً في كتب التاريخ، ومدوناً في
ذاكرة الأيام، حيث صار العباس سلام الله عليه ينسب في بطولته وشجاعته إلى
هذا النهر، ويعرف من بعد ذلك ببطل العلقمي.
:: دوره في ملحمة كربلاءأمّا دور سيّدنا العباس سلام الله
عليه في ملحمة كربلاء فأنّه يأتي في الأهمية بعد أخيه أبي الأحرار الإمام
الحسين سلام الله عليه صانع هذه الملحمة الخالدة في دنيا الحقّ والعدل، وقد
فاق جميع أصحاب الإمام الحسين سلام الله عليه وأل بيته المكرمين، وذلك بما
قدّمه من عظيم الخدمات لأخيه، بالإضافة إلى مواقفه البطولية الرائعة،
وصموده الهائل أمام معسكر ابن زياد، وقد أبدى من البسالة ما يذهل الأفكار
ويحيّر الألباب، وكان يشيع في نفوس أصحاب أخيه وأهل بيته العزم والتصميم
على التضحية والجهاد بين يديه، فقد استهان بالموت وسخر من الحياة، وقد
انطبعت هذه الظاهرة في نفوسهم فاعتنقوا الشهادة، وانطلقوا إلى ميادين
الجهاد ليرفعوا كلمة الله في الأرض. :: في استشهاده سلام الله عليهلقد استشهد أبو الفضل العباس من
أجل المبادئ العليا التي رفع شعارها أبو الأحرار أخوه الإمام الحسين سلام
الله عليه، والتي كان من أهمّها أن يقيم في هذا الشرق حكم القرآن، وينشر
العدل بين الناس ويوزّع عليهم خيرات الأرض، فليست هي لقوم دون آخرين.
المصادر :
(1) الخصائص العباسية / الكلباسي النجفي (ره) (2) العباس (ع) / عبدالرزاق المقرم (ره) (3) العباس بن علي / باقر شريف القرشي
|
|
موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه