القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

 

عطاء الله تعالى للإمام الحسين سلام الله عليه محاضرة لسماحة آية الله العظمى  السيد صادق الشيرازي دام ظله

 

 

 

مقدمة أدبية

على قدر النية تكون العطية

عطية الله تعالى للحسين سلام الله عليه أعظم العطايا

كل تفسير ينافي العدل الإلهي مرفوض

ربط قضية الإمام الحسين سلام الله عليه بالتكوين

مسؤوليتنا تجاه قضية الإمام الحسين سلام الله عليه

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
يقول الإمام السجاد سلام الله عليه في دعائه أيضاً: «اللهم   وفـّر   بلطفك  نيّتي،  وصحّح   بما  عندك   يقيني»

:: مقدمة أدبية

مهما أوتي الإنسان من البلاغة والدراية فإنه يبقى عاجزاً عن الوصول إلى أعماق معاني كلمات أهل البيت سلام الله عليهم لأنهم أرومة اللغة وسادات الأدب والبلاغة؛ ومن الأمثلة على ذلك كلمات الإمام السجاد سلام الله عليه في هذا الدعاء.
ما يبدو لأفهامنا القاصرة في هذا المجال أنّ الإمام السجاد سلام الله عليه يمزج المعاني هنا بعضها ببعض ويُشرب بعض الألفاظ بمعاني ألفاظ أخرى. هذا الإشراب الأدبي للفظ بمعنى لفظٍ آخر يجعله قالباً وقابلاً للمعنيين معاً.
التوفير في اللغة يستعمل متعدّياً ويستعمل لازماً، وكلٌّ بلحاظ معنى. تقول: وفرَ البناء أي كمُل، وتقول وفِّرِ البناء أي أكمله. كما يستعمل التوفير بمعنى الصيانة والحفظ أيضاً.
وقد استعمل الإمام سلام الله عليه هذه الكلمة بشأن النية لأنّ ما يطلبه الإمام من الله تعالى هو المراتب العالية من الشيء وليس أصل الشيء كما في طلبنا نحن. فإنّ الإمام يطلب هنا توفير النية لأن الثبات على النية أصعب شيء على النفس والنفس متذبذبة بالنسبة إلى النية ذبذبة غريبة، يؤيّد ذلك الاعتبار الخارج - على حد تعبير الفقهاء -. ومثاله التذبذب الذي يحصل لبعضنا في الصلاة. فربما تبدلت نية بعضنا في الصلاة الواحدة أكثر من عشرين مرة! فقد يبدأ الشخص منّا صلاته بداعي «إلهي ما عبدتُك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك ولكن وجدتُك أهلاً للعبادة»(1). فيبدأ تكبيرته بهذه النية، ولكن بمجرد أن يتم التكبير تهجم على ذهنه الأفكار، فإذا كان خطيباً مثلاً فكّر في المجلس الذي ينتظره، وإذا كان تاجراً فكّر في تجارته وهكذا. فهل هذا هو المراد من التكبير؟! هل كبّر الخطيب ليبدأ الإعداد لمجلسه مثلاً؟ إنّ الإعداد للمجلس أمر حسن ولا بأس به، ولكن ليس في الصلاة.
إنّ قضية الثبات على النية مسألة صعبة جداً. فإنّ الإنسان مهما أوتي من توفيق وإخلاص حتى لو بلغ مستمراً على الإخلاص سبعين سنة فإنّه لا يؤمَن من تزلزل النية أيضاً، لأنّ الإنسان - كما ذُكر- مكبّل ومشدود بغرائز وشهوات وهوى ودنيا وأشياء مختلفة وغريبة.
ولذلك يطلب الإمام سلام الله عليه من الله تعالى إكمال النية وإبعاد النقص فيها، ويطلب صيانتها فهي معرّضة للتأثيرات المختلفة. وما المانع أن يريد الإمام كلا المعنيين، واللغة - وبخاصة العربية - مليئة بالكناية والمجاز من أمثال ذلك.
إنّ موضوع النية موضوع صعب ودقيق للغاية. وقد ورد في كثير من الآيات الكريمة والروايات الشريفة والأحاديث القدسية أنّ جمهرة عظيمة وكبيرة من الناس يدخلون جهنم - والعياذ بالله - لسوء نياتهم رغم أنّ أعمالهم - كما في الروايات - كالجبال في ضخامتها. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «يؤتى في يوم القيامة بالرجل قد عمل أعمال الخير كالجبال - أو قال: كجبال تهامة - وله خطيئة واحدة، فيقال إنما عملتها ليقال عنك، فقد قيل، وذاك ثوابك وهذه خطيئتك، أدخلوه بها إلى جهنم»(2).
لذلك ينبغي لنا أن نطلب من الله توفير النية أي صيانتها من الأخطار ومن الشيطان والشهوات والتأثيرات المختلفة.
ليس هذا فحسب. إنّ الإمام لا يقتصر على قول: «وفِّر نيتي» بل يقول: «وفِّر بلطفك نيتي». أي يعلمنا أن نقول: يا إلهي أنا غير مستحق ولا أهل لأن توفّر نيتي، ولكن بلطفك أنت يا إلهي وفّر نيتي. فهذه الباء هي باء السببية. أي ليتدخل يا إلهي لطفك وبه وفِّر نيتي، وإلاّ فإنّي غير مستحقّ لولا لطفك ورحمتك. فما هو المراد من اللطف هنا؟
إنّ كل كلمة من كلمات هذا الدعاء موسوعة حقاً، ولو عرضتَ هذا الدعاء وحده على شخص لا يعرف أهل البيت سلام الله عليهم ولكن كان أديباً وعارفاً للمعاني لكان كفيلاً بتغيير نظرته وتحوّله إلى أهل البيت سلام الله عليهم!
"اللطيف" في اللغة له عدّة معان، ومن تلك المعاني: الرفيق أي صاحب الرفق. ومن معاني اللطيف: الدقيق. وغير مستبعد أن يريد الإمام المعنيَين. ولا شكّ أنّ استعمال هذه المعاني كلها مجازي بالنسبة لله تعالى.
فكأنّ الداعي يقول: يا إلهي أنت رفيق بعبادك (ترفق بهم) فبرفقك يا إلهي وفّر نيتي، وإنّ النية أمر دقيق يا إلهي فبدقّتك وفّر نيتي.
 

:: على قدر النية تكون العطية

هناك حديث عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول فيه: «...فإن العطية على قدر النية»(3). كما أنّ هناك جملة متداولة مضمونها: «على نيّاتكم تُرزقون» تشارك الحديث المتقدّم بالمضمون.
صحيح أنّ الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة - كما في الحديث، ولم يقل: "جناحي بعوضة" لأنّ البعوضة قد تستفيد منهما آنذاك، بل قال «جناح بعوضة» بياناً لتفاهة الدنيا وانحطاط شأنها عند الله، لكننا مركّبون بنحو بحيث نحتاج إلى أمور كثيرة في هذه الدنيا، وقد تكبلنا المشكلات أيضاً، فنطلب من الله تعالى، فإذا كانت العطية على قدر النية، فلنطلب من الله تعالى ما هو أعظم من الدنيا.. فلنطلب حاجات الآخرة أيضاً؛ فمن أجلها خُلقنا، ومن أجلها أيضاً خلقت الدنيا.
لا ضير في أن يطلب العبد من الله المال والله يرزقه، ويطلب الصحة والله يمنحه، ويطلب كل طيّبات الحياة الدنيا والله أحلّها للإنسان المؤمن، وكل ذلك موجود في الأدعية أيضاً، ولا بأس به، ولكن لنعلم أيضاً أنّ هذا ليس هو المهم عند الله تعالى، وليس هذا هو الهدف النهائي وراء خلق الإنسان، بل المهم عند الله وما خُلق من أجله الإنسان هي الدار الآخرة، فلنطلب من الله حاجات تلك الدار أيضاً؛ لأنّ العطية على قدر النية كما في الحديث العلوي الشريف.

:: عطية الله تعالى للحسين سلام الله عليه أعظم العطايا

ولا بأس أن نتذكّر عطية الله تعالى للإمام الحسين سلام الله عليه الذي ترك الخلق طراً في الله، فقد أعطاه سبحانه امتيازات لم يعطها أحداً قط حتى أولئك الذين هم أفضل من الحسين سلام الله عليه وهم جدّه المصطفى وأبوه المرتضى وأمّه الزهراء وأخوه المجتبى سلام الله عليهم أجمعين. وهذا الأمر ملحوظ في الأدعية والزيارات كثيراً.
هناك زيارة للإمام الحسين سلام الله عليه يرويها العلاّمة المجلسي (رضوان الله عليه) في البحار لم أجدها في كتب الزيارات المتعارفة مثل "الدعاء والزيارة" و"مفاتيح الجنان" و"تحفة الزائر" للعلاّمة المجلسي نفسه و «مفتاح الجنات» للسيد محسن الأمين رضوان الله عليهما. ولكنّ المجلسي (رحمه الله) ينقل هذه الزيارة عن كتاب اعتبره جماعة من فقهاء الشيعة ومحدّثيهم من أصحّ كتب الطائفة وهو كتاب «كامل الزيارات» لابن قولويه (رضوان الله عليه). وابن قولويه هذا هو أستاذ الشيخ المفيد (رضوان الله عليه)، فالشيخ المفيد يروي عن الكليني بواسطة ابن قولويه.
هذه الزيارة معتبرة سنداً وينقلها كتاب معتبر، وفيها يقول الإمام الصادق سلام الله عليه مخاطباً جده الإمام الحسين سلام الله عليه: «وضمَّن - أي الله تعالى - الأرض ومَن عليها دمك وثارك»(4). لا أقول لم أعثر، بل أستطيع أن أقول بجزم: لم يرد مثل هذا التعبير في الروايات والأدعية والزيارات المروية عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين إلاّ ما ورد هنا بحق الإمام الحسين سلام الله عليه، حتى أنّ العلاّمة المجلسي والأعاظم من العلماء بقوا متحيّرين في تفسير هذه العبارة. فذكر العلاّمة عدّة معانٍ أتصوّر أنّ أياً منها - رغم إجلالي للعلاّمة المجلسي - ليس في مستوى هذه الجملة، والعلاّمة المجلسي لا ينْزعج ولا يضرّ بشأنه لو قيل إنّ كلامه ليس في مستوى كلام الإمام الصادق سلام الله عليه.
ولكن قبل بيان ذلك لابدّ أن نعرف معاني مفردات الجملة، وأوّلها «ضمّن» وفاعله ضمير مستتر يعود إلى الله، كما يتبيّن ذلك لمن يراجع الزيارة. أمّا الضمان فهو موضوع شرعي يوجد خلاف بين الشيعة والسنة في معناه. فالمشهور بين علماء العامة أنّه «ضمّ ذمة إلى ذمة»، أمّا مشهور الشيعة فيقولون إنّ الضمان «نقل ذمة إلى ذمة» وتوضيحهما:
لو كان في ذمة زيد مال لعمرو بسبب دَين مثلاً، وضمن بكر زيداً لدى عمرو، فحسب تفسير الشيعة للضمان لا يحق لعمرو بعد ذلك مطالبة زيد بالمال لأنّ الذمة انتقلت إلى بكر وهو المطالَب به بعد ذلك. أما حسب المشهور بين العامة فإن عمراً يمكنه أن يطالب زيداً وبكراً كليهما، ولكن حقّه بمطالبة كل منهما ينتفي لو وفّى له الآخر. ولكن الضامن - على كلا التفسيرين - مسؤول أمام صاحب الحق، سواء بانتقال المسؤولية إليه وحده، أم بالاشتراك مع المستفيد من ذلك الحق.
أما ظاهر عبارة الإمام الصادق سلام الله عليه في زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه فهي: أنّ الله سبحانه وتعالى ألقى على الأرض مسؤولية دم الحسين سلام الله عليه لأنّ ذلك الدم الطاهر أُريق عليها، وأصبح بذمتها فأصبحت هي الضامن والمسؤولة عن دم الحسين سلام الله عليه. هذا هو المعنى الظاهر من «ضمّن الأرض دمه».
ولا يشترط أن يكون الضمان اختيارياً فربما ركل النائم برجله كوزاً فكسره فهو ضامن له، مع أنّه لم يكن مريداً لذلك، وهكذا الأرض - كل الأرض - أصبحت مسؤولة عن دم الحسين سلام الله عليه لأنه أريق عليها وإن لم تكن الأرض راضية بذلك!

:: كل تفسير ينافي العدل الإلهي مرفوض

لا إشكال أنّ من أصول الدين عند أتباع آل البيت سلام الله عليهم هو العدل الإلهي، وهو أنّ الله منَزّه عن الظلم. وهذا يستلزم أن ينسجم كل ما يرد في روايات أهل البيت سلام الله عليهم مع منطق العدل الإلهي، وكل تفسير يتعارض مع العدل الإلهي وينافيه فهو مرفوض سلفاً جملة وتفصيلاً.
ههنا يقول النص إنّ الله «ضمن الأرض» أي الأرض كلها، فليس في العبارة ما يصرف لفظة الأرض عن معناها العام إلى بقعة بعينها، مع العلم أنّ كلمة «كربلاء» وهي الأرض التي أُريق عليها دم الحسين سلام الله عليه موجودة في الروايات والزيارات الأخرى كثيراً، وكذلك كلمة «الكوفة» وهي الأرض التي خرجت منها الجيوش لقتل الحسين سلام الله عليه. ولكن عندما نراجع هذه الزيارة نرى كلمة «الأرض» بإطلاقها. ليس هذا وحسب، بل يقول النص «وضمن الأرض ومَن عليها» أي كل من عليها وهم كل البشر الذين سكنوا الأرض من أول الدنيا إلى آخرها.
يقول العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) لعل المقصود من (مَن عليها) الملائكة والجن(5).
ولكن قد يقال: ولماذا الملائكة والجن فقط؟ بل البشر أيضاً، لأنّ (مَن) موصولة وهي تفيد الإطلاق والعموم كما هو المشهور بين علماء اللغة والأصول. فتكون معنى العبارة: أنّ الله تعالى ألقى مسؤولية دم الحسين على الكرة الأرضية وكل مَن عليها.
بل أكثر من ذلك، يقول النص: «ضمن الأرض دمك وثارك» فإنّ الدم شيء والثار شيء آخر. الثار يعني الانتقام للدم المراق؛ مما يعني أنّ الله ألقى مسؤولية الثار أيضاً على الأرض وعلى مَن عليها.

:: ربط قضية الإمام الحسين سلام الله عليه بالتكوين

نستنتج من كل ما تقدم أنّ الله أعطى للحسين سلام الله عليه ما لم يُعط أحداً من العالمين؛ إذ ربط دمه بعالم التكوين، فألقى مسؤولية دمه على الأرض كلها، وعلى كل مَن عليها. فكأنّ الجناية وقعت من كل بقاع الأرض ومَن عليها، ثم حملهم جميعاً مسؤولية الثار له (صلوات الله عليه)!
ربما استغرب العلاّمة المجلسي (قدس سره) من المعنى الحقيقي الظاهر لهذه العبارة، ولعله اعتبره منافياً للعدل الإلهي، فكيف يحمّل الله تعالى الأرض وكل من عليها المسؤولية وفيهم مَن لا يرضى بقتل الحسين سلام الله عليه ويلعن قاتليه ويتبرّأ منهم؟! بل فيهم الأنبياء والأولياء وأهل البيت سلام الله عليهم؟!
هذا الأمر جعل العلاّمة المجلسي يأتي بمعانٍ مجازية للعبارة؛ منها: أنّ معنى العبارة أنّ الأرض تعذِّب قتلة الحسين سلام الله عليه عندما يُدفنون فيها، فهذا هو الضمان الذي ضمّنه الله الأرض.
لكنّا نقول: لو صدق هذا المعنى على الثار - مجازاً - فإنّه لا يصدق على الدم أي مسؤولية القتل والجناية بحال.
لكن المعنى الذي يقرب إلى الذهن هو أنّ الله سبحانه وتعالى ربط قضية الإمام الحسين سلام الله عليه بالتكوين. فمسؤولية الأرض والجمادات مسألة تكوينية. كما أنّ مسؤولية مَن جعل الله له العقل أو الشعور كالإنسان والجن والملك أو الشياطين هي مسؤولية تشريعية. وبالتالي فإنّ فهم «ضمن الأرض» سهل –كما يبدو- فهي مسألة تكوينية لا داعي لأن نتأوّلها لأنّها ليست في مجال التشريع، يكفي أن نعرف أنّ الله جعل دم الحسين سلام الله عليه في ذمة الكرة الأرضية، ولا بأس في ذلك. ولكن الشق الثاني هو الذي يحتاج إلى تأمّل وهو كلمة «ومَن عليها»؛ فظاهر العبارة أنّ كل مَن على الأرض يتحمل مسؤولية دم الحسين والثأر له، مع أنّ من بينهم أحباء الحسين سلام الله عليه - كما قلنا - فكيف يستقيم ذلك؟
يقول الفقهاء: إذا ورد حديث صحيح وفيه صيغة "أمر" مثلاً، فظاهر صيغة الأمر هو المعنى الحقيقي - أي الوجوب - إلاّ إذا كانت هناك قرائن على عدم إرادة الوجوب، فننتقل إلى الاستحباب.
وهنا أيضاً لما كان المعنى الحقيقي لا يمكن حمله على العبارة لأنّ ذلك يقتضي توجيه العقوبة حتى علی الذين لم يشتركوا ولم يرضوا بقتل الإمام الحسين سلام الله عليه، وهذا ينافي منطق العدل؛ إذاً لا يمكن حمل العبارة هنا على المعنى الحقيقي، والقرينة العقلية لصرفها على المعنى المجازي موجودة وهي العدل الإلهي، فنبحث الآن عن أقرب المجازات.
أما المجازات التي ذكرها العلاّمة المجلسي (رضوان الله عليه) فلا أراها حسب تصوّري أقرب المجازات. والمشكلة طبعاً في كلمة «دمك»، أما الثأر فربما لا مشكلة علمية فيها، فإنّ الله ضمّن الأرض ومن على الأرض مسؤولية الثار للإمام الحسين سلام الله عليه فربَط التكوين بقضية الحسين سلام الله عليه وعلى ذلك أدلة وروايات متواترة ومتوافرة، من ذلك ما روي أن إبراهيم الخليل سلام الله عليه مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فسال دمك موافقة لدمه(6).
أليس هذا من ربط قضية الإمام الحسين سلام الله عليه بالتكوين، علماً أنّ النبي إبراهيم (عليه وعلى نبينا وآله السلام) كان يعيش قبل آلاف السنين من حادثة كربلاء يشج رأسه عندما يمر من أرض كربلاء، مع أنّه شيخ الأنبياء والمرسلين، الذي أُمرنا أن نسلّم عليه أوّلاً إذا ذُكر اسمه ثم نسلّم على نبينا وآله (عليهم جميعاً سلام الله). ولقد جاء التعليم(7) أن نقول إذا ذكرنا اسم نبي من أنبياء الله هكذا: على نبينا وآله وعليه السلام، إلاّ إبراهيم فإنّه ينبغي أن نقول إذا ذكرنا اسمه: عليه وعلى نبينا وآله السلام. فإبراهيم أبو الأنبياء وشيخ المرسلين ولقد اتّخذه الله خليلاً من بين كل مخلوقاته من الإنس والجن والملائكة. ونسب إليه بعض المشاعر المقدسة في مكة المكرمة تعظيماً له وتشريفاً وتكريماً، وإلاّ فإنّ معظم هذه المشاعر ابتدأ بها آدم على نبينا وآله وعليه السلام؛ فآدم أوّل مَن نزل عرفات وهو أول من ذهب إلى مِنى وأول من بنى الكعبة المقدسة، وأول من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وعندما سئل الإمام سلام الله عليه عمن حلق رأس آدم سلام الله عليه بعد أداء المناسك، قال: جبرئيل. ومع ذلك فإنّ الله تعالى ينسب العديد من شعائر الحج إلى إبراهيم سلام الله عليه.
إبراهيم الخليل - عليه وعلى نبينا وآله السلام - على هذه العظمة عندما يمر من أرض كربلاء يشج رأسه ويخرج منه الدم موافقة لدم الحسين سلام الله عليه؛ ذلك أنّ قتل الحسين قتل للكرامة وللإسلام وللأنبياء جميعاً.. إنّ قتل الحسين سلام الله عليه قتل للمعنويات.. وتخريب للتكوين وللكرة الأرضية؛ ومن هنا جعل ثأره على عاتق الأرض ومَن عليها أجمعين، وهذا معنى "ضمن الأرض ومَن عليها ثأرك". ولا يقصد بالثأر للإمام الحسين قتل قاتله فقط بل يعني المسؤولية التي ينبغي تحملها تجاه قضيته سلام الله عليه. روي عن الإمام الرضا سلام الله عليه قوله:
«كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى الله عليه»(8).

:: مسؤوليتنا تجاه قضية الإمام الحسين سلام الله عليه

وهذا يعني أنّ لمحرم خصوصية وتميزاً. فبحلول هذا الموسم وبمجرد أن يهلّ هلال هذا الشهر يتبادر إلى الذهن اسم الإمام الحسين سلام الله عليه، حيث قُتل في العاشر منه مظلوماً شهيداً، ويذكّرنا بمسؤوليتنا تجاه قضية الحسين والثأر لدم الحسين سلام الله عليه، ومن جملة مسؤوليتنا أمران؛ الأوّل: التعريف بالحسين سلام الله عليه وقضيته وجعله علماً بحيث يراه كل إنسان في شرق الأرض وغربها.
لقد نقلت العقيلة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليهما لابن أخيها زين العابدين (صلوات الله عليه) في الحادي عشر من المحرم لما رأته يجود بنفسه حديثاً سمعته من أم أيمن إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وآله تسليه به فقالت: «لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله إلى جدك وأبيك وعمك ولقد أخذ الله الميثاق من أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علواً»(9).
إذن علينا تأسيس عزاء الحسين سلام الله عليه وتشجيع إقامته بمختلف أساليبه وأشكاله المشروعة، والفقهاء المتخصصون في معرفة الحلال والحرام - وهم مراجع التقليد - يحددون ما هو جائز منها وحسب، ولا ينبغي الاستماع لغيرهم أو القول دون علم.
أما الأمر الثاني وهو الأهم، بل جُعل الأمر الأوّل طريقاً إليه، فهو متابعة أهداف الإمام الحسين سلام الله عليه.
نقول في زيارته سلام الله عليه: «وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة»(10). واللام في (ليستنقذ) لام التعليل، أي لهذا السبب. فهذا هو هدف الإمام الحسين سلام الله عليه. وليس المقصود بكلمة «عبادك» المؤمنين المتقين منهم، المعتقدين بالإمام الحسين سلام الله عليه ومَن عبّر عنهم القرآن بقوله تعالى:«عباد الرحمن» فهؤلاء ليسوا في جهالة وضلالة، وهم يعرفون الإمام الحسين سلام الله عليه، بل المقصود غيرهم من سائر البشر. وهذا الأمر يدعونا للتأمل في زيارات الإمام الحسين سلام الله عليه.
فكتاب البحار (مثلاً) في متناول الجميع يمكن الحصول عليه بسهولة، فلنطالع زيارات الحسين سلام الله عليه فيه بتأمل، ولنتدبر في المفاهيم الموجودة فيها، فإنّ مطالب كثيرة سيحصل عليها الإنسان خلال التدبر في هذه الزيارات.
فالتعريف بالحسين وقضيته من خلال إقامة مجالس العزاء والشعائر الحسينية - من جانب - والعمل على تحقيق هدف الإمام الحسين المتمثل بإنقاذ العباد من جهالة الكفر وضلالة الباطل إلى نور الحق والإسلام والإيمان - من جانب آخر - هما ضمن المسؤولية الملقاة علينا جميعاً تجاه الثأر للإمام الحسين سلام الله عليه.
فلنشمّر عن ساعد الجد وخصوصاً في شهري محرم وصفر، ولنعدّ ونستعد من قبل حلولهما ولنستثمر كل طاقاتنا في هذا السبيل من أجل أن يكون الإمام الحسين سلام الله عليه علَماً وهادياً لكل البشر.. من خلال المواكب والشعائر، ومن خلال الأفلام والتسجيلات ومن خلال الانترنيت والفضائيات ومن خلال المنابر والندوات، وكل الوسائل المتاحة لنا، فهذه جزء من مسؤوليتنا الواردة في قول الإمام الصادق سلام الله عليه يخاطب جده الإمام الحسين: «وضمن الأرض ومَن عليها دمك وثارك». فما أكثر الناس الذين لا يعرفون الإمام الحسين سلام الله عليه وقضيته وأهداف نهضته! وما أثقل مسؤوليتنا إذاً.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لخدمة الإسلام والثأر للإمام الحسين عن هذا الطريق، طريق تعريف العالَم أجمع بالإمام الحسين سلام الله عليه وأهداف نهضته المقدسة.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ألقيت هذه المحاضرة في 22 ذي الحجة 1420 هـ.


(1) بحار الأنوار: 67 / 186.
(2) بحار الأنوار: 67 / 186.
(3) نهج البلاغة / صبحي صالح / ص 391 / الخطبة 31 / وصيته إلى الحسن سلام الله عليهما عند انصرافه من صفين.
(4) كامل الزيارات: ص386، الباب 79، الحديث 17.
(5) بحار الأنوار: 98 / 170.
(6) بحار الأنوار: 44 / 243.
(7) تفسير علي بن إبراهيم (رضوان الله عليه)، ج 2 ص 103.
(8) بحار الأنوار: 44 / 283.
(9) كامل الزيارات، ص262.
(10) مصباح المتهجد، ص788، تهذيب الأحكام: 2 / 112، إقبال الأعمال: 3/ 102، المزار، ص186، بحار الأنوار: 98 /331.

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه