القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

 

 

 

 

 

  المرأة في واقعة الطف

  دوافع الثورة الحسينية

  شاء الله أن يراهّن سبايا..

إذا كان دور الرجل واختصاصه يتوزع على جهات مختلفة في الحياة، فإن دور المرأة بالإضافة إلى دائرتها الحياتية التي لا تنقص عن دائرة الرجل إلا في حدود يجيزها العقل والعلم فضلاً عن الشرع .. فإن دور المرأة في المجتمع الإسلامي يلامس أخطر شيء في حياة المجتمع الإسلامي، ألا وهو تنشئة الجيل وفق الرؤى الإسلامية وإعداده إعدادا مؤهلا كي يديم الحياة، ويساهم في تطويره وباتجاه تكامل الحياة.

وإذا كانت المرأة في المجتمع الإسلامي قد أدت دورا رائعا بفضل إيمانها بالعقيدة الإلهية التي صاغت منها وجودا طاهراً وفاعلا، فإن نموذج المرأة التي اشتركت في واقعة الطف كانت قد بلغت القمة في ذلك الدور، وتألقت في آفاق الإنسانية لتخلد بخلود الموقف، وأصبحت بعد هذه الملحمة البطولية المثل النسوي الذي جسد المبادئ الإسلامية.

لقد انتصرت المرأة في كربلاء أكثر من مرة.. مرة للحق باعتبار أن موقف الإمام الحسين (عليه السلام) كان موقفاً عادلا.. ومرة للإنسانية، لأن رسالة الحسين (عليه السلام) كانت من أجل الإنسانية..

ومع أن المرأة المسلمة مارست دوراً رائداً في واقعة الطف وملحمة الخلود كربلاء، إلا أن التاريخ لم يعكس على صفحاته ذلك الدور وبحجم واقعه الحقيقي على الأرض، ولم تلق من قبل الباحثين والكتاب وكأنها عنصر هامشي في هذا الموقف الخطير. فبلحاظ أن التعبئة لثورة الحسين (عليه السلام) كانت شاملة لعنصري الرجل والمرأة في كافة مراحلها. إلا أننا نجد أن التاريخ قد سلط الضوء على دور الرجل دون المرأة فيما وقع بأيدينا من صور تلك الملحمة البطولية.

إن تخطي التاريخ الواضح للمرأة وتهميش دورها في صياغة الحدث التاريخي إذا كان له بعض المصاديق المبعثرة هنا وهناك. فإن تغييب هذا الدور شكل ظاهرة غريبة في واقعة الطف. وبالتغيير القائل أن هذا التخطي ناتج عن نظرة المجتمع الضيقة للمرأة بشكل عام. فإن هذا التفسير لا يصمد مطلقا أمام المحاكمة، ولا يقدم أي إجابة علمية للضياع الواضح الذي اختزل بموجبه التاريخ دور المرأة في ملحمة الطف، بما تضمنت هذه الملحمة من فصول التحم فيها موقف المرأة بموقف الرجل بصورة لم يعهدها الوضع القائم آنذاك. ولربما صدمته إلى درجة أحس فيها أن هذه الظاهرة الحضارية قد تشكل سابقة خطيرة على وضع السلطة، ومن هنا تبدأ قصة التاريخ مع العنصر النسوي في واقعة الطف.

 

جهاد المرأة

اقترنت كلمة الجهاد في الأذهان بمهمة حمل السلاح في المعركة لمنازلة الأعداء، في حين أن الجهاد مفهوم واسع لا يتحدد بالقتال فقط، فهو مفهوم عام يشمل كل الأعمال التعبوية التمهيدية التي تسبق وقوع المعركة أي معركة بصفحاتها المتعددة بالإصلاح العسكري تتطلب جهوداً متنوعة لاتتشابه بالاختصاص ولكنها تنتظم بمحصلتها النهائية كي تشكل فعلا تراكميا باتجاه المواجهة الشاملة. وهذه الجهود والفعاليات المتنوعة حسب مراحل المعركة، فمنها ما يتطلب إنجازه قبل وقوع المعركة، ومنها ما يتعلق بوقوعها أثناء المعركة، أما القسم الثالث فهو يختص بالمرحلة التي تلي انتهاء المعركة.

والإسلام لم يفصل بين حمل السلاح مثلا وإعداد الطعام، أو إسعاف الجريح في أجواء الحرب. بل تندرج كثير من الأفعال في إطار الجهاد ومنها على سبيل المثال الفعل الذي يؤدي إلى إضعاف معنويات العدو أو ما يصطلح عليه حاضراً بالحرب النفسية، ويبقى الفرق بين مختلف الأعمال في الميزان الإسلامي على ضوء المساهمة الفاعلة التي يفرزها التوجه الإنساني الخالص الذي يقصد به التقرب إلى الله تعالى، ويترتب على الأداء المقرون بالنية الخالصة الأجر.

إن الحرب بمعناها القديم أو الحديث تتضمن مراحل متعددة واختصاصات متنوعة لا يمكن أن تتم بالصورة المطلوبة إلا بعد توزيع المهام المختلفة على الأفراد ولتكون محصلة الجهود المشتركة هو الفعل القتالي، ولا ينكر تأثير الأعمال التعبوية والتموينية الخدمية في شروط النصر المادية، ولعل التاريخ يروي لنا قصصا مثيرة حول الانتصارات التي سجلتها الجيوش بفضل التنظيم الذي ميز الجانب الاسنادي للمعركة. والإسلام لحظ قابلية المرأة ودرجة استعدادها قبال الأعمال التي يميزها طابع العنف والقسوة، وقد وجدها تستطيع أن تنجز كافة الفعاليات العسكرية ذات الطابع الإسنادي للمعركة، وعهد مهمة القتال البحتة إلى الرجال فيما سمح لها أن تحمل السلاح في حالة الدفاع عن نفسها وقد اجمع فقهاء المذاهب الإسلامية على جواز استخدامها للسلاح في الحالة الأخيرة.

إن الإسلام منع المرأة من القتال في حالة واحدة فقط وهي حالة الجهاد الاتبدائي، والجهاد الاتبدائي كما هو معروف دعوة الناس للدخول في الدين، ويأبون ذلك، فحينئذ يجب قتالهم. وبهذا نستنتج أن الشارع المقدس قد أجاز للمرأة القتال في موقع ومنعاه في موقع آخر في ذات الوقت الذي سمح لها أن تشترك في كافة الأعمال الجهادية ذات الطابع غير القتالي.

 

المرأة في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

 

أولا: بين العاطفة والموقف

تحرك الإمام الحسين (عليه السلام) أصحابه الأفذاذ في وسط اجتماعي وسياسي مرتبك نتيجة السياسة الأموية التي اعتمدت القمع والتمويه من أجل تركيع المجتمع وقبوله السلطة الجديدة. ولذلك فإن المعارضة السياسية للحكم الأموي وإن كانت عريضة في المجتمع الإسلامي آنذاك، إلا أنها كانت غير شجاعة، وبدت غير واعية لمسؤوليتها تجاه ما يجري عندما لم تعلن موقفها بصراحة من هذه السلطة علنا وتلتحق بركب الإمام الحسين (عليه السلام) وإذا استثنينا موقف الحسين (عليه السلام) باعتبار أن مستوى سلوكه لم يبلغه أحد، فإن أصحابه (عليه السلام) كانوا أفرادا كباقي أفراد المجتمع آنذاك، والتمايز الوحيد الذي وصفوا به أنهم أمنوا بالإمام الحسين (عليه السلام) وصواب موقفه الرافض للظلم إلى حد الموت… هذا الإيمان جاء بطبيعته عند حالة فهم صحيحة، وإحساس عال بالمسؤولية، فهم وجود صحيح في واقع مريض. وهناك بالتأكيد أمثالهم في المجتمع ولكن الفرصة لم تتح لهم كي يأخذوا موقعهم في المعركة.

وفي ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تبرز صورة فريدة في التاريخ انعدم مثيلها في أحداثه.. تلك هي المجموعة الفدائية التي رافقته حتى ألقت بنفسها في وسط الموت وهي تعي ما تقوم به رغم كل العروض المتكررة من الإمام (عليه السلام) في تخيير أصحابه بين القتال معه أو الانسحاب في قطع الليل المظلم، وتصريحه بالرضا عنهم بكلتا الحالتين. وإذا كان هؤلاء هم جنود الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه كما نعرف لم يأت بهم من ثكنة عسكرية تلقوا فيها التدريبات إنما هم أفراد يعيشون وسط المجتمع وبين عوائلهم. وهنا يلح سؤال مهم: هل أن المحيط العائلي لهؤلاء الصحابة كان بمعزل عن صناعتهم كأبطال. ويستتبع هذا السؤال منطقياً سؤال أخر: إذا كان هؤلاء الأبطال من صناعة التربية، فمن الذي صنع المرأة البطولة، والمرأة الموقف،التي تجاوزت في بعض صور المعركة على الرجل فيما تحملته من أعباء وفيما أدته من أفعال مذهلة حقا؟؟.

إن تاريخ ثورة الحسين (عليه السلام) كشف عن جزء بسيط من الإجابة على هذا السؤال ولو قسراً. ولم يلتقط الأجزاء المهمة لعناصر الارتباط الواقعية لشخصية الأبطال الذين صنعوا هذه الثورة مع قائدهم. فالمدار العائلي لجنود الإمام الحسين (عليه السلام) كان قائما باعتبارهم جزء من مجتمع. لكن عندما تميزوا عن مجتمعهم ذلك بالصورة العجيبة تلك، لابد إذن من مساحة معينة لعبت فيها المرأة دورا في صناعة البطل الذي سطر كل تلك الملاحم. فأصحاب الإمام (عليه السلام) صحبوه من مجتمع، وانطلقوا معه بكامل عوائلهم ولو كان الوضع العائلي لهؤلاء الأبطال يتجه سلبا لكانت هناك حتما نتائج سلبية على مستوى الموقف على الأقل. فمصاحبة المرأة للرجل تكفي وحدها لاعتبارها المؤشر الأول على دور المرأة في دفع موقع الرجل باتجاه تثبيت الموقف والتمسك به حتى اللحظة الأخيرة. إذا أن هذا القبول الإيجابي من جانبها يترك تأثيراً نفسياً على ذات الرجل في تحرير الإدارة، وعدم التفكير بالتراجع بالحجة المتداولة (العيال) ويصبح وجود المرأة إلى جانب الرجل في تنفيذ اختيار الالتحاق بركب الإمام الحسين (عليه السلام) عاملا مؤثرا في دفع السلوك الإنساني للاهتمام بالوضع الجديد دون النظر إلى الخلف، على اعتبار أن التركة (العيال) في مكان والموقف في مكان آخر يساهم في اقتطاع جزء من تفكير المقاتل وتوجهاته لغير صالح أهداف المعركة، والاستعداد لها نتيجة إحساسه بالمسؤولية العائلية هذا مع أن افتراق المرأة عن الزوج في الرأي حول شيء ما.. يقطع به الأخير لابد أن يترك آثارا معينة في سلوكه وبمستوى الرابطة بين الاثنين، كلما كانت الزوجة أو حتى الأم ذات علاقة قوية بالزوج أو بالابن كلما كان التأثير أقوى والعكس صحيح، على أن مخالفة الرجل عن رؤية خاصة به لطموحات المرأة في بعض الأحيان نتيجة إصراره قد يثلم بهذه الفكرة، لكن النظر إلى هذه من زاوية عامة لا يمنع القول بصحتها.

ثم إن طبيعة المرأة السيكولوجية، والعاطفة الشديدة التي تفرزها العلاقة الزوجية أو علاقة الأخوة تدفع المرأة إلى الخوف من أي حركة يخطوها الرجل زوجا أو ابنا إذا كانت هذه الحركة تؤدي في نتائجها نوعا من الخطورة أما إذا كانت هذه الحركة هي من نوع المشاركة في القتال فإن شعور المرأة في هذه الحالة هو شعور تشاؤمي على الأغلب طالما أن أجواء المعركة والقتال مملوءة بمشاهد الدم والقتل، وتصبح المرأة التي تتقبل قرار الرجل بالانخراط في مهمة القتال بل والتعايش مع هذا القرار إيجابا.. تصبح لونا جديدا نتيجته ظاهرة التمرد على العاطفة في ظروف تتجه نحو العكس، والارتفاع فوق الإحساس، وسحق السلطة القاهرة للعطف. إن امرأة من هذا النوع لابد أنها صياغة جديدة بعد صراع قاس بين الإرادة والقلب.. بين العقيدة والعاطفة.. بين المبدأ والذات، هي بهذا المستوى الذي بلغته تكون قد صهرت نفسها تماما بالمبادئ السامية، واندكت بتفاصيله لتعلن عن ولادة للمرأة في زمن الثورة الحقيقية.

إن الثورة التي تبشر بالعدل والقيم الإنسانية الرفيعة لا بد أن تسبقها ثورة في ذات الإنسان الثائر كي تؤهله لخوض المعركة حتى من جانبها العنيف، على اعتبار أن الإعلان عن بشرى الثورة والخوض في تفاصيلها، والانتماء لها كليا يستوجب قرارا بالتضحية والاستمرار حتى الشوط الأخير من دون جدل في نتائجها ونوع الكسب فيها. والمرأة التي تدخل في حدث الثورة بكامل وجدها، وتستعد لتحمل صعابها ومرارتها، وتربض في خطها الأول لهي أصدق عناوين الثورة وأجرأ قراراتها بعد أن قلنا أنها كيان مملوء بالعاطفة والحنان، وهكذا كانت جميع النسوة اللاتي انتسبن لثورة الأحرار في كربلاء، وستجد عند استعراض مواقفهن إنهنّ كنّ نساءاً بهيئة أبطال لم تقل أدوارهن عن أدوار الرجال الذ ي صنعوا تلك الملحمة الخالدة على مر الأزمان.

 

ثانياً: في مناخ الرعب السياسي

لقد كان لدور السلطة السياسية أثرا كبيرا في تسييس الرأي العام باتجاه سلبي، وتخبط الناس في اتخاذ المواقف، على رغم أن القناعات الداخلية شبه العامة كانت لصالح الثورة الحسينية، ولعل كلام شبث بن ربعي يوضح هذا المعنى بشكل دقيق حينما قال: (ألا تعجبون إنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه آل أبي سفيان خمس سنين، ثم عدونا على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية ضلال يالك من ضلال).

وقيمة هذا الكلام في أنه يمثل اعترافا صريحا من الخندق الذي قابل خندق الإمام الحسين (عليه السلام) فحالة التذبذب أصبحت حالة شائعة وسط مناخ القمع السياسي وشراء الذمم والضمائر بالمال المبذول من مال المسلمين، وبالحيلة والمكر اللذان غلبا على طابع السياسة الأموية، وكان من نتيجة ذلك أن تخاذل المجتمع وسط ذهول غريب حقا بين الولاء للثورة والخوف من قمع السلطة.

أنّ أصدق تصوير للوضع السياسي القائم قبل وصول الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء هي تلك الجملة الوجيزة التي لحظت جواب الفرزدق الشاعر حين سأله الإمام الحسين (عليه السلام) بين لي خبر الناس خلفك؟ فقال الفرزدق: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء.

وعندما تتحرك المرأة في المناخ السياسي القمعي فلك أن تتصور خلفية هذا التحرك الذي ينم عن وعي مضاف إليه عنصر الإقدام والشجاعة. فقد يكون الوعي أحياناً لا يصنع الموقف إذا كان هذا الوعي مهزوما نفسيا وعليه ارتفاع مستوى وعيها إلا أنه من جانب آخر كان يمثل تجاوزا عظيما حققته هذه المرأة في الانفلاق من الوعي الجمعي المتردد الذي سبب في صنع تلك المأساة الإنسانية.

فقد ينظر البعض إلى الموقف مقرونا بالنتائج المترتبة عليه، ويستخلص بأن موقف الرجل انتهى إلى حتمية الموت الصادر بقرار السلطة، في حين كانت النتيجة المترتبة على موقف المرأة غير هذا بكثير بالنظرة التي ترى في المجتمع العربي آنذاك لا يأخذ بأفعال المرأة إلى حد القتل وأن يجنح دائما إلى العفو عنها..

لكن هذا إذا صح فسيلغي دور الإرادة التي ينبعث عنها الموقف، والصحيح أن الأصل هو الموقف والاستثناء هو النتيجة، ولهذا فإن الثوار لا تكون نهايتهم واحدة، فمنهم الشهيد، ومنهم الجريح، ومنهم من يبقى على قيد الحياة، وعلى ضوء ذلك تكون نتيجة الموت مختلفة باختلاف الأدوار التي تصنع الحدث وفرصة العدو التي تسنح له في الانقضاض المبيد على الثوار مع أن الموقف ذاته يصبح قاسما مشتركا يجمع الثوار من جهة الأداء السياسي والجهادي قبل حصول النتائج.. هذا الموقف يبقى وساما شاخصا يتوج الأبطال سواء مضوا إلى ربهم أم بقوا على قيد الحياة ليعطروها بأجواء الحرية والشجاعة. أما إذا نظرنا إلى هذه المسائل من جانب آخر وهو أن تكون المرأة ذات موقف ومرتبطة برجل من رجال المعركة (زوجاً أو أخا أو ابناً) فإن موقع المرأة يتقدم على موقع الرجل بلحاظ التضحية الكمية التي تقدمها في سبيل الموقف.

فالمهم هي الإرادة التي تصنع الموقف، والإعلان عن الموقف هو بحد ذاته ثورة، أما النتائج فإنها لا تحسب في ظل تفوق الموقف، وإذا كان الثوار هم مشاريع التضحية فإن حصول النتيجة لا تضر بالموقف مطلقاً.

وقلما نجد ظاهرة اجتماعية أو قضية اجتماعية إلا وتقوم على في أساسها على طبيعة الفعل الذي يأخذ أشكالا مختلفة ومظاهر متنوعة تتباين باختلاف البنى الحضارية الثقافية للمجتمعات، وما زالت طبيعة الفعل والعوامل المؤثرة فيه، وعلاقته بالأطر الاجتماعية المحيطة به تشكل موضوعا أساسيا من موضوعات علم الاجتماع.

 

ثالثا: في قلب المعركة

لحد الآن كنا نتجول في أجواء الواقع السياسي القائم قبل حصول المنازلة يبن قائد لا خيار أمامه سوى القتال، وبين سلطة تستعجل قطف رؤوس الثوار وخنق الصوت المدوي قبل أن يتشظى في ساحة الأمة ويغير موازين القوى لصالح الثورة. وإذا كانت الفترة التي سبقت الاصطدام المسلح بين طلائع الثورة وجيش السلطة الأموية تسمح بشيء من المرونة في الموقف تنسج فيه الإرادة المترددة بعض مظاهر الولاء الخجلة للثورة الحسينية ولقائدها الإمام الحسين (عليه السلام) فإن المواجهة المسلحة، وتخندق الفريقين وجها لوجه لا تسمح مطلقا بوجود حالات من هذا النوع، ويصبح أي موقف دون مستوى الإصرار النهائي على المواجهة، والاندفاع الكلي نحو القتال المقدس والحماس المطلق لخوض الصراع من جانبه العنيف هو موقف غريب على خندق الحسين (عليه السلام)، بل أن جبهته (عليه السلام) لا يمكن أن تستوعب غير الحالة التعينية في انتخاب الموقف.

إن الأبرار الذين خاضوا الصراع إلى جانب الإمام الحسين (عليه السلام) كانوا أقدس حالة من حالات الاعتقاد بالمبدأ وأشرف موقف على طول التاريخ في تمييزا الحق من الباطل.. وأصح أجزاء الآية التي أصيبت أكثر أجزائها بالغفلة والتردد. وقمة الوعي الحقيقي الذي يعبر عن الشعور العالي بالمسؤولية.. إنهم صورة رائعة من صور الإيمان العظيم، ونموذج فريد في تجربة الإنسانية، لأنهم اختاروا الموت من بين خيارات الحياة الكثيرة.

لقد قال الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه (أما بعد، فقد أتانا خبر فظيع : قتل مسلم ابن عقيل، هاني بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا. فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام).

وهنا تشّرحت المواقف، وتمحّصت النفوس، وتخير الناس بين استقبال الموت بشجاعة، وبين الانصراف إلى فسحة الأجل. وتسرب بعض الرجال في قطع الليل المظلم، وقطعوا أنفسهم عن الموقف، وفصلوا وجودهم عن الثورة، وكان بإمكان النسوة اللاتي اشتركن في المعركة أن يسلكن سلوك الذين تسربوا بما يشكله كلام المرأة من ضغط ذو وقع خاص على نفس الرجل إذا أرادت ذلك بطريقة الإلحاح على الزوج أو الابن أو الأخ، ولو بمقدار تملصها هي من موقف الثورة.

لكن ذلك لم يحدث مطلقا بل أصرت المرأة على الالتحاق بالموقف والوفاء له حتى النهاية واستقبلن أجواء الحرب الصاخبة بقناعة، وتجحفلن مع طلائع الثورة، وهنا يصبح دور المرأة في ملحمة الطف ذرى القمة. فما الذي يمنعنا من اعتبار أن هذا الموقف هو أكبر من موقف الرجل بلحاظ طبيعة المرأة؟

 

المرأة الزوجة

عبد الله بن عمير من أبطال الملحمة الذين انتخبوا بوعي طريق الشهادة إلى جانب الإمام الحسين (عليه السلام). وقد كان متزوجا من امرأة صالحة لها شعور كباقي النساء تجاه زوجها ولا نتصور أن شيئا يخيف المرأة أكثر من خوفها على مصير زوجها، ولعل رابطة الزوجية تترك تأثيرا واضحا على موقف المرأة في الحالات التي يقترب منها الخطر من حياة الزوج، ولنفرض أن المرأة استطاعت أن تحبس عاطفتها بين أضلاعها، وتكتم حبها وتعلقها صبرا، وتسحق على سلطان قلبها بإرادتها، لكن ذلك لا يعني أن لا تتسلل دمعة عفوية رقيقة من بين ثغرات هذه القوة لتحكي عن وداعتها. فلحظة الفراق قاسية، ودقائق الوداع عصيبة، وحتى هذا القدر الطبيعي من شعور المرأة لم يظهر في واقعة الطف…

قال عبد الله بن عمير لزوجته أنه يريد المسير إلى الحسين فقالت له زوجته: (أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك افعل وأخرجني معك، فخرج بها حتى أتى حسيناً فأقام معه).

إن التاريخ وإن قضم فصول مهمة من هذه الملحمة المثيرة، إلا أن المتتبع يستطيع أن يستنتج الكثير من هذه النصوص التي قطعها التاريخ عن الاتصال بمجمل الحياة القائمة آنذاك وتفاصيلها. فجواب زوجة عمير يعطينا صورة واضحة المعالم عن موقف المرأة ومدى مواكبتها للأحداث السياسية، وفحصها الدقيق لحاجة الأمة في إنقاذ نفسها من مأزق التحكم وانحراف مسيرة الدولة الإسلامية التي أسس قواعدها الرسول (صلى الله عليه وآله).

هذه المرأة المؤمنة تشير بكل وضوح إلى قوة عقيدتها، وشدة ارتباطها بالإسلام وتفهمها الكبير للدور الذي عليها أن تلعبه إزاء الأوضاع السياسية العاصفة، وهي بهذه الكلمات تختصر إحساسها العميق بالمسؤولية، وتطلب من زوجها أن يخرجها معه لاعتقادها بأن الواجب يتطلب تعبئة عنيفة، وإن الموقف يحتاج إلى أكثر من التضحية بالزوج، وأن الثورة لا بد لها أن تقع، وأن الأمة يجب أن تنهض بعد طابع التراخي الذي غلب عليها، والخوف الذي استمكنها. ثم وقعت المعركة، وتقابل الطرفان، وحان موعد الموت الأكيد. ترى ماذا كانت تشعر هذه المرأة؟ وكيف تصرفت؟ عندما برز زوجها عبد الله بن عمير ليقاتل أخذت هي عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول: قاتل فداك أبي وأمي دون الطيبين من ذرية محمد.

فأخذت تجاذب ثوبه بعد أن حاول أن يردها نحو النساء ثم قالت:

إني لن أدعك دون أن أموت معك.

فلم يتمكن زوجها عبد الله بن عمير من إرجاعها لأنها أمسكت بالسيف الذي كان بيده اليمنى التي جمد عليها الدم نتيجة الصولة الأولى له، والتي حصد فيها جملة من شجعان الكوفة وفرسانها ومنهم يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله ، وبسبب تقطع أصابع يده اليسرى، فإنه لم يستطع ردها فاستنجد بالإمام الحسين عله يردها إلى النساء فقال (عليه السلام): (جزيتم من أهل بيت خيرا فإنه ليس على النساء قتلا).

ولما قتل زوجها خرجت بخطوات واثقة بالنصر، وشموخ إيماني عظيم، واتجهت تمشي نحوه حتى جلست عن رأسه الشريف تمسح عنه التراب وتقول: هنيئا لك الجنة، أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك .لقد كانت هذه المرأة تستحق بجدارة أن تكون أول شهيدة في جبهة الحسين (عليه السلام)..

 

 

  

لم يفجر الحسين (عليه السلام) ثورته الإسلامية الكبرى من منطلق السعي وراء الحكم أو المال والجاه والسطوة والشهرة.. كلا فهو أبعد ما يكون عن ذلك، مع قدرته لو أراد أن يملك الآفاق وقد خلقها الله لأجل خمسة أحدهم هو.

ولم يخرج كما صرح في بيان ثورته الأول أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس والقضاء على أسباب النكسة الأليمة التي مني بها المسلمون في الحكم الأموي الذي ألحق بهم الهزيمة والعار.

لقد انطلق هذا الإمام العظيم ليعيد للأمة ما فقدته من مقوماتها وذاتيتها وليضخ في شريانها الحياة الكريمة التي تملك بها أرادتها وحريتها في مسيرتها النضالية لقيادة أمم العالم تحت ظل حكم متوازن تذاب فيه الفوارق الاجتماعية وتقام به الحياة على أسس صلبة من المحبة والإخاء.. إنه حكم الله خالق الوجود وواهب الحياة لا حكم معاوية الذي قاد مركبة حكومته على إماتة وعي الإنسان وشل حركاته الفكرية والاجتماعية لقد أقدم الإمام الحسين على الموت هازئاً به، ساخراً من الحياة مع الظالمين وقد عبر عن ذلك بقولته المشهورة (وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً)، ولم يقدم على الثورة إلا بعد أن انسدت أمامه جميع السبل وانقطع كل أمل له في إصلاح الأمة فلم يبق أمامه إلا التضحية الحمراء فهي وحدها التي تتغير بها الحياة وترتفع راية الحق عالية خفاقة في سماء الخلود.

نهض الحسين بوحي من عمق إحساسه بمسؤولية التغيير الاجتماعي التي أناطها الله سبحانه به من قبل أن يولد وقد بشره جده الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله) بها منذ صغره وبين له معالم رحلته أو صور تضحياته العظيمة في سبيلها فوجد نفسه أمام مسؤولية كبرى لابد وأن ينهض بعبئها وقد أدلى (عليه السلام) بما يحتمه الإسلام عليه من الجهاد لحكم الطاغية يزيد، أمام الحر وأصحابه قائلاً (أيها الناس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).

كان الحسين (عليه السلام) بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولاً أمام الله ورسوله والأمة الإسلامية عما منيت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويين، ومن هو أولى بحماية دين الله من الانحراف ورد الاعتداء على المقدسات وصيانة المجتمع الإسلامي من تيارات الفساد والانحلال، غيره فهو سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ريحانته والدين دين جده والأمة أمة جده وهو المسؤول بالدرجة الأولى عن رعايتهما.

كذلك فإن من المسؤوليات التي دعت الحسين للقيام بالثورة مسؤولية تطهير الخلافة الإسلامية من أرجاس الأمويين الذين نزوا عليها بغير حق.. فلم تعد الخلافة في عهدهم - كما يريدها الإسلام - وسيلة لتحقيق العدل والقضاء على جميع أسباب التخلف والفساد في الأرض.

إذ أن الخلافة ليست مجرد سلطة زمنية على الأمة، وإنما هي نيابة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وامتداد ذاتي لحكومته المشرفة وقد رأى الإمام أن مركز جده قد صار إلى سكير مستهتر لا يعي إلا شهواته ورغباته، وقد تحول منصب إمامة المسلمين إلى ملك عضوض يتوارثه الفجرة الفسقة كابراً عن كابر دون اعتبار لقوانين السماء وإرادة الأمة، التي كبلت بقيود ثقيلة سدت في وجهها منافذ النور والوعي حتى استحالت إلى جثة هامدة لا حراك لها، وأصبح المسلمون أذلاء (صاغرين تحت وطأة سياط الأمويين وبطشهم) وانتشرت المظالم الاجتماعية في أنحاء البلاد الإسلامية بعد أن عمد الأمويون إلى إذلال الأمة والاستهانة بها وكان من مظاهر ذلك الاحتقار، أنهم كانوا يختمون في أعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم كما نقشوا على أكف المسلمين علامة لاسترقاقهم مثلما يصنع بالعلوج من الروم والحبشة وانعدم الأمن في جميع أنحاء الأرض الإسلامية وجعل يؤخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر ويعاقب على التهمة والظنة حتى صار الناس على عهد زياد يقولون (انج سعد فقد هلك سعيد) ولا يوجد أحد إلا وهو خائف على عرضه ودمه وماله.

وكان أكثر الناس أشدهم معاناةً هم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فقد لا قوا جميع ضروب المحن والبلاء على أبدي الأمويين، فمن إعدام أعلامهم كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق، وصيفي بن فسيل وغيرهم والصلب على جذوع النخل، وهدم الدور، وعدم قبول شهادتهم، ودفنهم أحياء، وحرمانهم من العطاء وترويج السيدات من نسائهم، وإشاعة الخوف والذعر في أوساطهم إلى كثير من الجرائم التي ارتكبها حزب الشيطان الطلقاء بشيعة أهل بيت العصمة والرحمة (عليهم السلام)، حتى ذعر الإمام الحسين (عليه السلام) مما حلّ بهم فبعث بمذكرته الخطيرة لمعاوية مسجلاً فيها ما ارتكبه من جرائم بحق الشيعة، ومحاولاته الدنيئة لمحو ذكر أهل البيت (عليهم السلام) من قلوب المسلمين، عبر افتعال الأخبار التي تحط من شأنهم، ومعاقبة من يذكر مناقبهم، وسبهم على المنابر والمآذن وخطب الجمعة.

وقد عقد الإمام الحسين مؤتمره السياسي الكبير في مكة المكرمة وأحاط المسلمين علماً بالإجراءات الخطيرة التي اتخذها معاوية إلى إزالة أهل البيت من الرصيد الإسلامي وكان يتحرق شوقاً إلى الجهاد ويود لو أن الموت قد وافاه ولا يسمع سب أبيه على المنابر والمآذن.

لهذا كله وغيره الكثير خرج الحسين (عليه السلام) ليسطر أعظم ملحمة شهدها التاريخ الإنساني منذ فجره الأول وإلى الأبد.

فسلام عليه من ثائر.. وسلام عليه من شهيد.

 

 

  

كان هذا جواب الحسين (عليه السلام) لأخيه محمد بن الحنفية حين سأله عن سبب حمله العيال معه إلى رحلة الشهادة، وهل بعد جواب الحسين (عليه السلام) جواب؟!

ولكنها محاولة للوقوف على أسرار هذا الجواب الحسيني لعلنا نهتدي إلى معرفة شيء نستطيع فهمه على الأقل من فلسفة سيد الشهداء (عليه السلام).

ولننظر في هذا السبيل إلى دور المرأة في واقعة الطف وقد حفل تاريخ هذه الملحمة بمشاهد عظيمة ومواقف غاية في البسالة أقدمت عليها المرأة. فمن النساء من دفعت بابنها أو زوجها إلى القتل بين يدي الحسين تقرباً إلى الله والرسول، كما فعلت أم وهب وزوجته، ومنهن من حملن السلاح للدفاع عن نساء النبي وأطفاله ومنهن من تظاهرن ضد حكام الجور الذين قتلوا ابن بنت الرسول ورشقن جيش الطغاة بالحجارة هاتفات بسبّ يزيد وابن زياد.

وأرسل الحسين (عليه السلام) رسولاً إلى زهير بن القين ليأتيه ولما دخل عليه الرسول وجده مع قومه يتغذون، وحين أبلغه رسالة الحسين طرح كل إنسان ما في يدّه وجمد حتى كأن على رأسه الطير، فالتفتت امرأة زهير وقالت يا سبحان الله أيبعث أليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فذهب زهير إلى الحسين وما لبث أن جاء مستبشراً مشرق الوجه وقال: قد عزمت على صحبة الحسين لأفديه بنفسي وأقيه بروحي ثم التفت إلى زوجته وقال لها: أنت طالق، الحقي بأهلك، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير وأعطاها مالها وسلمها إلى بعض أهلها فقامت إليه وبكت وودعته قائلة: كان الله عوناً ومعيناً لك، خار الله لك، أسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين (عليه السلام).

لقد دفعت هذه الحرة المصونة المؤمنة بزوجها إلى سعادة الدارين ونالت الدرجات العلى عند الله والناس فما زال اسمها يعلن على المنابر ويدون في الكتب مقروناً بالحمد والثناء إلى يوم يبعثون وهي في الآخرة مع جدّ الحسين وأبيه وأمه وحسن أولئك رفيقاً.. هكذا المرأة العاقلة المؤمنة تدفع بزوجها إلى الخير وتردعه عن الشر ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

وكانت امرأة من بني بكر بن وائل مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على أطفال الحسين ونساؤه هاربات حاسرات يستغثن ويندبن ولا مغيث، اسودّ الكون في وجهها وفار الدم في قلبها وعروقها وأخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط منادية يا آل بكر أتسلب بنات رسول الله؟ لا حكم إلا لله! يا لثارات رسول الله فأخذها زوجها وردها إلى رحله وليس من شك في أن هذه السيدة النبيلة قد بعثت الاستياء والنقمة على الأمويين وملأت النفوس عليهم وعلى سلطانهم حقداً وغيظاً وكل ما حدث في كربلاء والكوفة وفي مسير السبايا إلى الشام كان من أجدى الدعايات وأنفعها ضد الأمويين وحكمهم الجائر البغيض.

أمر ابن زياد أن يطاف بالرأس الشريف في أزقة الكوفة يهدد به كل من تحدثه نفسه الخروج عن طاعته وطاعة أسياده فكان هذا التطواف خير وسيلة لنشر الدعوة العلوية ومبدأ التشيع لآل البيت (عليهم السلام) ولعن من شايع وبايع وتابع على قتل الحسين (عليه السلام).. وسلام الله على السيدة الحوراء زينب حين قالت ليزيد: (فو الله ما فريت إلا جلدك وما حززت إلا لحمك).

وبعد الطواف بالرأس الشريف أرسله ابن زياد وسائر الرؤوس إلى يزيد مع أبي بردة وطارق بن ضبان في جماعة من أهل الكوفة، ثم أمر بنساء الحسين وصبيانه فشدوا بالحبال على أقتاب الجمال مكشوفي الوجوه ومعهم الإمام زين العابدين (عليه السلام) قد وضعت الأغلال في عنقه وسرح بهم ابن زياد مع مخفر بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن، فأسرعا حتى لحقا بالقوم الذين معهم الرؤوس وكانوا إذا مروا ببلد استقبلهم أهله بالمظاهرات والهتافات المعادية ورشقتهم النساء والأطفال بالحجارة يصرخون بهم: يا فجرة، يا قتلة أولاد الأنبياء.

سبوا النساء والأطفال وطافوا بهم وبالرؤوس ليقضوا على مبدأ علي، فكان السبي والطواف ضربة مميتة لهم ولسلطانهم ووسيلة حققت الغاية التي أرادها الحسين من نهضته، فلقد أثار السبي الأحزان والأشجان في كل نفس وزاد من فجائع الواقعة المؤلمة وكشف أسرار الأمويين للقاصي والداني وظهرت قبائحهم ومخازيهم للعالم والجاهل، واستبان للمسلمين في كل مكان وزمان أن الأمويين أعدى أعداء الإسلام يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان رياءً ونفاقاً.

وبذلك لعلنا نجد مصداقاً واضحاً للمفهوم الذي أدلى به الإمام الحسين (عليه السلام) في جوابه لمحمد بن الحنفية عن سبب حمل النساء والأطفال معه إلى كربلاء، فلقد صحبهم معه في نهضته المباركة للقيام بدور الإعلام المضاد لدعايات وتضليلات بني أمية وكشف سياساتهم المنحرفة وتعريتها أمام الرأي العام من خلال وسيلة هي من أنجع وسائل الإعلام(السبي) وهو فعل والفعل أبلغ من القول في عملية كسب تأييد الرأي العام وتوجيه أنظاره نحو القضية كما قرر علماء الاتصال بالجماهير.

 

  

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه