القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

 

 

 

 

 

  المنبر الحسيني إعلام متميز

  عطاء الشعائر الحسينية

  عقيلة بني هاشم 

إن المنبر الحسيني يعتبر جهازاً بالغ النفاذ، عظيم التأثير في اتجاه تحميل الإنسان مسؤوليته الإلهية، وتفجير بواعث الفاعلية في ذاته وتحسيسه بالخطيئة عند تقصيره عن واجبه، وبالتالي رفعه إلى مستوى التصدي والعطاء. تعالوا نستمع ونتدبر في الكلمات الناطقة الأولى باسم (الثورة الحسينية)، الصديقة الصغرى زينب الكبرى (عليها السلام)، تعالوا نتعلم كيف نضع نقطة الفكر على حروف الواقع.. ونتحدث بصراحة ووضوح حتى يحترق حجاب التبرير ويتلاشى دخان الأعذار.

قالت (سلام الله عليها): (أما بعد: يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم). ثم قالت: (أتبكون؟ وتنتحبون؟ أي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنى ترخصون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم).

ثم قالت (عليها السلام): (أفعجبتم إن مطرت السماء دماً؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبالمرصاد).

ومضى سيد الساجدين علي بن الحسين (عليهما السلام) على نهج عمّته الفاضلة في مسجد الشام ارتقى المنبر وقال فيما قال، وهو يحمّل الناس أوزار الخطيئة التي ارتكبت ويحذّرهم في التمادي في الغفلة عن الآخرة: (أيها الناس أحذركم من الدنيا وما فيها، فإنها دار زوال وانتقال، تنتقل بأهلها من حال إلى حال، قد أفنت القرون الخالية، والأمم الماضية الذين كانوا أطول منكم أعماراً وأكثر منكم آثاراً، أفنتهم أيدي الزمان، واحتوت عليهم الأفاعي والديدان.. أفنتهم الدنيا فكأنهم كانوا لها لا أهلاً ولا سكاناً، قد أكل التراب لحومهم، وأزال محاسنهم، وبدد أوصالهم وشمائلهم، وغيّر ألوانهم، وطحنتهم أيدي الزمان).

ثم قال: (أيها الناس: أعطينا ستاً، وفضلنا بسبع، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين. وفضلنا بأن منا النبي المختار، ومنا الصديق، ومن الطيّار، ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنا سبطا هذه الأمة، ومنّا مهدي هذه الأمة).

ثم قال: (أنا ابن فاطمة الزهراء.. أنا ابن سيدة النساء.. أنا ابن خديجة الكبرى.. أنا ابن المقتول ظلماً.. أنا ابن محزوز الرأس من القفا.. أنا ابن العطشان حتى قضى.. أنا ابن صريع كربلاء.. أنا ابن مسلوب العمامة والرداء.. أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء.. أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض، والطير في السماء.. أنا ابن من رأسه على السنان يهدى.. أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى.. فلم يزل يقول: أنا، أنا، حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيف، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام.. فلما قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، التفت من فوق المنبر إلى يزيد وقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن قلت إنه جدي فلم قتلت عترته؟!).

 

المنبر ساحة الشهادة

وكذلك المنبر الحسيني.. إنه صوت الشهادة، بل إنه ساحة الشهادة ذاتها؛ وإن الذي يشرّفه الله بالحديث عن ثار الله وابن ثأره، عن السبط الشهيد وعن واقعة عظمت وجلّت في السماوات والأرض، وعن معركة لخصت كل صراع الرسالات ضد أعداء الدين، وتمت فيها الشهادة بكل أبعادها.. بل الذي شرّفه الله بالحديث عن الدم الذي جرى ولم يتوقف ولا.. وعن الثورة التي ألهبت ولن تتوقف أبداً.. وعن ضمير كلّ الأباة.. وعن نهج كل الأحرار.. وعن روح الرسالات.. وعن ميراث النبوات.. إنه يجب أن يكون تلميذاً في مدرسة الشهادة الحسينية، وجندياً في ساحة النضال العلوي. إنه ينبغي أن يكون في مستوى استيعاب عاشوراء، روحاً لاهبة، ومسؤولية كاملة، وفكراً نيراً، وكلمة ثائرة، وعلماً غزيراً.

ليتحدث عن القرآن الكريم، وعن بصائره، وهداه حينما يتحدث عن الإمام الحسين (عليه السلام) الذي ضحى من أجل القرآن. ليقرأ علينا سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي كان الحسين منه وكان من الحسين، ويصور لنا ملامح أمير المؤمنين والد الحسين وإمامه ومقتداه، ويرفع ظلامة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأبنائها عبر التاريخ.

إن المنبر الحسيني إعلام متناسب مع نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ومع أهداف وقيم تلك النهضة المباركة، وعلينا أن نطور هذا المنبر في هذا الاتجاه، لأن الأمة المتخلفة قد تحرف كلّ الأحرف المضيئة عن مواقعها وتحول حتى المنبر الحسيني إلى وسيلة لتمرير الواقع الفاسد، وتبرير الكسل والجمود، وتكريس حالة التمزق والنفاق.

من هنا كانت مسؤولية المفكرين الرساليين بالغة الخطورة إذا كان عليهم أن يضيئوا بأفكارهم التطورية طريق الخطباء.. ويذكروا أبناء الأمة بالتوجه إلى أولئك الخطباء الملتزمين علماً وعملاً.. ثقافة ومسؤولية بنهج السبط الشهيد. وعلى المعاهد الدينية أن تبرمج لتربية مثل هؤلاء الخطباء، وأبرز ما ينبغي أن يتذكره الخطباء هو:

أن السبط الشهيد كان شخصاً، واصبح اليوم منهجاً، وعاشوراء كانت معركة فغدت اليوم مسيرة.. وكربلاء كانت ساحة فأضحت اليوم راية مرفوعة فوق كلّ أرض، وعلينا اليوم وكل يوم أن نبحث عمن يمثل نهج الإمام الحسين (عليه السلام)، وعن وجهة سيرته، وحامل رايته.. وإن أولى الناس به أقربهم إلى نهجه وقيمه وأهدافه. ثم ولاية هذا النهج، واتباع تلك المسيرة، والانضواء تحت رايته، إنها الغاية المثلى من وراء الشعائر الحسينية. والولاية قمة انتخاب الإنسان لمسيره ولمصيره بوعي وبصيرة. وحين يسلم المؤمن لمثل تلك القيادة الروحية التي تتصل بقيادة الأنبياء والأئمة، فإنه يكون في أعلى درجات الحرية، حيث يتجاوز شح نفسه، وجبت الشيطان، وطاغوت المال والسلطة، ويقف اقتدار واستقامة أمام كل العوامل الضاغطة. والولاية تستثير عقل البشر لمواجهة شهواته، وتبلور إرادته في مواجهة ضعفه، وعجزه، وتنمي سلطان الروح لمقاومة شهوات البدن.. والولاية روح نابضة بالتحدي، والولاية التصاق بنهج الربانيين في منهجية التفكير، وفي أخلاقيات العمل، وفي اختيار المثل من الوسائل. وتتركز الولاية في الوحدة التي ترعاها قيم الوحي، وتنظمها شرائع الدين، وتقوم عليها القيادة الربانية. إذن، تعالوا نبدأ من حيث بدأ الله، ومن حيث أمر الله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً).. وهل حبل الله غير الولاية؟! تعالوا ننظر بعيون واسعة ونفكر بعقول كبيرة، حتى نتجاوز حواجز الدم واللغة والإقليم والمصالح. تعالوا نذوب جميعاً في مسيرة الحسين (عليه السلام) وننصهر في بوتقة الولاية. تعالوا نرى أنفسنا أحق بتطبيق نهج الحسين (عليه السلام).

تعالوا نساهم وبفاعلية في بناء المستقبل البشري على أساس الإيمان والعلم والعزة.. التي هتف بها السبط الشهيد بكربلاء، حيث قال: (هيهات منا الذلة).

تعالوا نسمي باسم الله، ونصبح منذ اليوم حسينيين في كل أبعاد حياتنا.

والله هو الموفق.

 

 

 

  

 

من كتاب الإمام المحسن الأمين العاملي (قدس سره)

إقناع اللائم على إقامة المآتم

(في الإشارة إلى ما في هذه المآتم من الفوائد الدينية والدنيوية).

(التي اعترف بها كافة العقلاء إلا من أعماه الهوى والغرض).

اتفق العقلاء كافة على تجديد الذكرى لعظمائهم في كل عام والاهتمام بها على قدر عظم الشخص الذي تعمل لأجله.

وأي عظيم في أي أمة قام بمثل ما قام به الحسين بن علي (عليه السلام) من الأعمال العظيمة لإقامة الحق وإماتة الباطل وهدم ما أسسه الظالمون لهدم الدين الإسلامي وقاوم الظلم والاستبداد بأقوى الوسائل فلو أنصف جميع المسلمين ما تعدوا خطة الشيعة في هذه المآتم التي اعترف بعظيم فوائدها عقلاء الأمم ومفكروهم كما ستعرف عند نقل كلام: (جوزيف) الفرنسي (وماربين) الألماني.

ونحن نشير إلى جملة من فوائد هذه المآتم التي نقيمها هي في غاية الظهور والبداهة لمن تأمل وأنصف إذا روعيت شروطها وأقيمت على أصولها:

(الأول): مواساة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته فإنه حزين لقتل ولده بلا ريب، وقد دلت عليه جملة من الأحاديث، وأي أمر أهم وأوجب وأعظم فائدة من مواساته (صلى الله عليه وآله)؟ وهل يمكن أن يكون المرء صادقاً في دعوى حبه للنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وهو لا يحزن لحزنهم ولا يفرح لفرحهم أو يتخذ يوم حزنه (صلى الله عليه وآله) يوم عيد وسرور؟

(الثاني): أن فيها نصرة للحق وإحياء له وخذلاناً للباطل وإماتةً له وهي الفائدة التي من أجلها أوجب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلب وباللسان وبالجوارح، فإن لم يكن بالجوارح اقتصر على اللسان والقلب، فإن لم يكن باللسان اقتصر على القلب.

(الثالث): أن فيها حثاً على وجوب معرفة الفضل والصفات السامية لأهلها وفي ذلك من الحث على وجوب الإقتداء بهم ما لا يخفى.

(الرابع): أن في تلاوة أخبار هذه الواقعة العظيمة وتذكرها في كل عام فائدة عظيمة هي الفائدة في تدوين التواريخ وحفظها وضبطها.

(الخامس): أنه لولا إعادة ذكرها في كل عام لنسيت وآل أمرها إلى الاضمحلال، ولوجد أهل الأغراض وسيلة إلى إنكارها وإنكار فظائعها، وقد وقع ذلك في عصرنا فقام بعض من يريد التنويه بشأن بني أمية ويتعصب لهم وينفي عن يزيد قتل الحسين (عليه السلام) ويقول: أنه وقع بغير أمره وبغير رأيه، ويودع ذلك مؤلفاته، ويقوم به خطيباً على المنابر فذكرنا بذلك قول ابن منبر في رائيته المشهورة:

وأقول:

أن يزيــــــــــد مــــا***شرب الخمور ولا فجر

ولجيشه بالكف عـن***ابناء فاطمـــــــة أمـــر

وله مع البيت الحــرا***م يد تكفـــــر ما غبـــر

وذكرنا بذلك أيضاً ما وقع مع بعض علماء الشيعة حين قيل له: أن الحسين (عليه السلام) قتل قبل ألف ومئات من السنين فما معنى تجديدكم لذكرى قتله في كل عام؟

فقال: خفنا أن تنكروا قتله كما أنكرتم بيعة الغدير.

(السادس): أن فيها تهجيناً للظلم والقسوة حيث أنها تصورها بأقبح صورها، وفي ذلك من الحث على التباعد عنها وبغض الظلم وأهله ما لا يخفى.

(السابع): أنها ترقق القلوب وتبعث على الرحمة والشفقة والانتصار للمظلوم.

(الثامن): أنها تغرس في النفس حبّ الفضيلة والاعتماد على النفس والشجاعة وعزة النفس وإباء الضيم وعدم الخنوع للظلم ومقاومته بأقصى الجهد بإيراد ما صدر من الحسين (عليه السلام) من اختيار المنية على الدنية وموت العزّ على حياة الذلّ وميتة الكرام على طاعة اللئام وإلى ذلك أشار مصعب بن الزبير بقوله:

وأن الأولى بالطف من آل هاشم***تأسوا فسّنوا للكرام التأسيا

(التاسع): أنها مدرسة يسهل فيها التعلم والاستفادة لجميع طبقات الناس فيتعلمون فيها التاريخ والأخلاق والتفسير والخطابة والشعر واللغة وغير ذلك، وتوقف السامع على بليغ الكلام من نظم ونثر زيادة على ما فيها من تهذيب النفوس وغرس الفضيلة فيها لأن ما يتلى فيها لا يخلو غالباً من شيء مما ذكر ويشتغل فيها الخاصة بمذاكرة المسائل العلمية من كل علم والبحث عنها وتبادل الآراء فيها كما هي العادة المألوفة في العراق وغيره.

(العاشر): إنها نادٍ للوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يجري هذا المجرى ففيها جلب إلى طاعة الله وإبعاد عن معصيته بأحسن الطرق وأنفعها بما يلقى فيها من المواعظ المؤثرة وقضايا الصالحين والزهاد والعباد وغير ذلك.

(الحادي عشر): أن الاجتماع في تلك المجالس يكون مانعاً عن اجتماع البطالين في المقاهي والمجالس المعلوم حالها، خصوصاً في مثل هذا الزمان فإن الإنسان مدني بالطبع ولابد له من الاجتماع مع أبناء جنسه أما على خير أو على شر، فالاجتماع في هذه المجالس مانع عن الاجتماع في مجالس الشر لاسيما أنها تشتمل على ما يجذب النفوس إليها ويُرغبها فيها.

(الثاني عشر): إنها جامعة إسلامية دينية تجتمع فيها القلوب على مقصد واحد وترمي إلى هدف واحد في جميع أقطار الأرض وهو مواساة النبي وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام) في مصابهم وفي ذلك من إعلاء شأنهم والتمسك بحبلهم وجمع القلوب على حبّهم والائتمار بأمرهم والانتهاء عن نهيهم ما لا يخفى.

(الثالث عشر): أنها مجمع ومؤتمر ديني ودنيوي يتسنى فيه للمجتمعين البحث وتبادل الآراء في شؤونهم وشؤون إخوانهم النائين عنهم الدينية والدنيوية بغير كلفة ولا مشقة.

(الرابع عشر): أنها نادي تبشير بالدين الإسلامي ومذهب أهل البيت في جميع أنحاء المعمورة بأقوى الوسائل وأنفعها وأسهلها وأبسطها وأشدها تأثيراً في النفوس بما تودعه في قلوب المستمعين من بذل أهل البيت ـ الذين هم رؤساء الدين الإسلامي ـ أنفسهم وأموالهم ودماءهم في نصرة دين الإسلام، وما تشتمل عليه من إظهار محاسن الإسلام ومزاياه وآياته ومعجزاته التي أبانوا عنها بأقوالهم وأفعالهم وشؤونهم وأحوالهم مما لا يدانيه ما تبذل عليه الأموال الطائلة من سائر الأمم وتتحمل لأجله المشاق العظيمة.

(الخامس عشر): أن فيها عزاء عن كل مصيبة وسلوة عن كل رزية، فإذا رأى الإنسان أن سادات المسلمين، بل سادات الناس وآل بيت المصطفى (صلى الله عليه وآله) جرى عليهم من أنواع الظلم والمصائب ما جرى، هانت عليه كل مصيبة، وفي المثل المشهور من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله:

أنست رزيتكم رزايانا التي***سلفت وهونت الرزايا الآتية

(السادس عشر): إن فيها حثاً على الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، فإذا علم المرء أن سادات المسلمين وأئمتهم وأهل بيت النبوة قد ابتلوا بهذه المصائب في الدنيا فكانت سبباً لعلو درجتهم في الآخرة علم أن الدنيا لو كانت تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة لما ابتلى أولياءه فيها بما ابتلاهم، ولما سقى الكافر منها شربة ماء كما جاء في الأثر، وكما أشار إليه الشاعر بقوله:

لهم جسوم على الرمضاء مهملة***وأنفس في جوار الله يقريها

كأن قاصدها بالضـــــــر نافعهــا***وإن قاتلها بالسيف محييهــا

(السابع عشر): أن فيها تأليفاً للقلوب بالتزاور والاجتماع والتحادث والتعاون والتعارف.

(الثامن عشر): ما فيها من البر والمواساة وإعانة الفقراء والضعفاء بما ينفق فيها من المال والزاد في ثواب الحسين (عليه السلام).

(التاسع عشر): وهو من أهمها، أن المصلحة التي استشهد الحسين (عليه السلام) من أجلها وفي سبيلها والغاية السامية التي كان يرمي في جهاده واستشهاده إليها وهي: إحياء دين جده (صلى الله عليه وآله) وإظهار فضائح المنافقين تقضي باستمرار هذه المآتم طول الدهر، وإقامة التذكار لها في كل عصر، وإظهارها للخاص والعام تقوية لتلك المصلحة وتثبيتاً لها.

فلولا قتل الحسين (عليه السلام) لما ظهر للخاص والعام فسق يزيد وكفره وفجوره وقبائح من مهّد له ومكنّه من رقاب المسلمين، وذلك لأن الذين دفعوا أهل البيت عن حقهم ظهروا للناس بمظهر النيابة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتظاهروا بتأييد الدين، فخفي أمرهم على أكثر الناس وبدّلوا من أحكام الشريعة ما شاؤا واتبعهم جل الأمة جهلاً أو رغباً أو رهباً، وأُمّروا على الأمة أعوانهم وأتباعهم، وأقصوا أولياء الله وأبعدوهم وحرموهم وساموهم أنواع الأذى من: القتل والضرب والنفي والصلب، ولعنوا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منابر الإسلام، وكنّوا به عن أخيه وابن عمه، وأظهروا للأمة أنهم هم آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابته والأحق بمقامه.

وقد قال أهل الشام لبني العباس: إنهم ما كانوا يعرفون قرابة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا بني أمية، ولو دام الحال على ذلك لأصبح الدين أثراً بعد عين فلما ثار عليهم الحسين (عليه السلام) وأبى أطاعتهم والانقياد لهم قائلاً:

(إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله).

وسلّم نفسه وولده وخواص شيعته وأهل بيته للقتل وأطفاله للذبح وعياله ونساءه للسبي وأمواله للنهب ولسان حاله يقول:

إن كان دين محمدٍ لم يستقم***إلا بقتلي يا سيوف خذيني

ظهر بذلك ما هم عليه خصومه من الكفر والنفاق بل الخروج عن حدود الإنسانية، وظهرت عداوتهم لله وانتقامهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما صرح بذلك رئيسهم بقوله:

لست من خندف إن لم أنتقم***من بني أحمد ما كان فعل

فلم يكتفوا بقتل ولده وسبطه وأهل بيته وأنصاره عطشا حتى قطعوا رأسه ورؤوس أصحابه وداروا بها في البلدان وداسوا جسده الشريف بحوافر الخيل ونهبوا رحله وأحرقوا خيامه، ولم يكتفوا بذلك حتى حملوا عقائل بيت النبوة سبايا على اقتاب المطايا من بلد إلى بلد كأنهن سبايا الترك أو الديلم وأدخلوهن على مجالس الرجال، وقابلوهن بأخشن المقال، وأوقفوهن على درج باب المسجد الجامع بدمشق حيث يقام السبي، ووضعوا الأغلال في عنق (الإمام المعصوم) زين العابدين (عليه الصلاة والسلام) حتى كأنه من أُسارى الكفار العاتين فأظهر الحسين (عليه السلام) بقتله فضائح المنافقين وأسقطهم من قلوب المسلمين.

 

(فيما ذكره المسيو (ماربين) الألماني والدكتور (جوزف) الفرنسي)

(في أسرار شهادة الحسين (عليه السلام) وفوائد مآتمه)

قال المسيو (ماربين) الألماني ذلك الفيلسوف المعروف والحكيم المشهور من أكبر مؤرخي الإفرنج وأعلمهم بالسياسة الإسلامية في رسالته المسماة بالسياسة الإسلامية المبينة على فلسفة الإسلام تحت عنوان:

(الثورة الكبرى أو السياسة الحسينية)

مظلومية الحسين كشفت جميع أسرار بني أمية ورفعت الستار عن نواياهم السيئة حتى أنه طال لسان اللوم والشماتة على يزيد من أهل داره وحرمه.

أنني اعتقد أن صيانة قانون محمد (صلى الله عليه وآله) وترقي المسلمين وظهور رونق الإسلام هو من قتل الحسين (عليه السلام) وحدوث تلك الوقائع.

إن هذا القسم من الدماغ السياسي والحس الثوري (الذي هو عدم الاستسلام للضيم والظلم وهو عند حكماء السياسة أشرف وأعظم سعادة وأفضل صفة ممدوحة لكل إنسان) قد ظهر في هؤلاء القوم بواسطة إقامتهم مآتم الحسين (عليه السلام) ومادام هذا العمل ملكة لهم لا يقبلون الذل والضيم، ينبغي تدقيق النظر فيما يذكر في المجالس المنعقدة لإقامة عزاء الحسين (عليه السلام) من النكات الدقيقة الباعثة في الإنسان روح الحياة التي يسمعها بعضهم لبعض وفي الحقيقة يعلّمه إياها.

نحن الأوربيّين بمجرد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسمهم الملية أو المذهبية منافية لعاداتنا ننسبها إلى الجنون والتوحش.

ونحن غافلون عن أننا لو سبرنا غور هذه الأعمال لرأيناها عقلية سياسية كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة وهؤلاء القوم بأحسن وجه والذي يجب علينا هو أن ننظر إلى حقائق عوائد كل قوم وإلاّ فإن أهل آسيا أيضاً لا يستحسنون كثيراً من عوائدنا ويعدون بعض حركاتنا منافية للآداب ويسمُونها بعدم التهذيب بل بالوحشية.

وعلاوة على تلك المنافع السياسية التي ذكرناها التي هي طبعا أثر التهيج الطبيعي فإنهم يعتقدون أن لهم في إقامة مأتم الحسين (عليه السلام) درجات عالية في الآخرة.

ينبغي اقتطاف ثمرات حبّ القومية والوطن من أهالي آسيا تحت ظل المذهب، كما كانت أوربا قبل بضعة قرون.

ولا يمكن اليوم طلب خدمة من أهالي آسيا كأهالي أوربا باسم الخدمة القومية والوطنية، ولكن يمكن أخذ خدمات منهم تعود ثمراتها على الأُمة والوطن باسم المذهب.

ولا يرى اليوم من المسلمين البالغين ثلاثمأة مليون من هو حائز على الاستقلال سوى خمسين مليوناً.

فإذا نبذ المسلمون الدين ظهريا وراموا التقدم السياسي باسم القومية فسينالون عوض النفع ضرراً لأن خمسة أسداس المسلمين تحت ضغط ملل أخرى ومضمحلة في أقوام آخرين. فإذا طلبوا التقدم باسم القومية فيكون الحرمان من الحياة السياسية نصيب هذه الخمسة أسداس فلا تشترك مع السدس الباقي ولكنهم إذا راموا التقدم باسم الجامعة الإسلامية فلابد أن تنبعث روح النهضة في جميع آحاد المسلمين.

وبواسطة الرابطة الروحانية ستنجوا من الاضمحلال جميع الفرق الإسلامية التي هي تحت ضغط أقوام آخرين، وليس لواحدة من الروابط الروحانية التي بين المسلمين اليوم تأثير في نفوسهم كتأثير إقامة مآتم الحسين، فإذا دام انتشار وتعميم إقامة هذه المآتم بين المسلمين مدة قرنين لابد أن تظهر فيهم حياة سياسية جديدة، وأن الاستقلال الباقي للمسلمين اليوم نصف أسبابه هو إتباع هذه النكتة.

وسنرى اليوم الذي يتقوى فيه سلاطين المسلمين تحت ظل هذه الرابطة، وبهذه الوسيلة سيتحد المسلمون في جميع أنحاء العالم تحت لواء واحد لأنه لا يرى في جميع طبقات الفرق الإسلامية من ينكر ذكر مصائب الحسين وينفر منها بسبب ديني بل للجميع رغبة طبيعية بطور خاص في أداء هذه المراسم المذهبية، ولا يرى في المسلمين المختلفين في العقائد سوى هذه النكتة الاتحادية.

الحسين (عليه السلام) أشبه الروحانيين بحضرة المسيح ولكن مصائبه كانت أشد وأصعب.

كما أن أتباع الحسين كانوا أكثر تقدماً من أتباع المسيح في القرون الأولى، فلو أن المسيحيين سلكوا طريقة أتباع الحسين أو أن أتباع الحسين لم تمنعهم من ترقياتهم عقبات من نفس المسلمين لسادات إحدى الديانتين في قرون عديدة جميع المعمور، كما أنه من حين زوال العقبات من طريق ابتاع الحسين (عليه السلام) أصبحوا كالسيل المنحدر يحيطون بجميع الملل وسائر الطبقات.

رأيت في بندر (مارسل) في الفندق شخصاً واحداً عربياً شيعياً من أهل البحرين يقيم المأتم منفرداً جالساً على الكرسي بيده الكتاب يقرأ ويبكي، وكان قد أعد مائدة من الطعام ففرقها على الفقراء، هذه الطائفة تصرف في هذا السبيل الأموال على قسمين:

فبعضهم يبذلون في كل سنة من أموالهم خاصة في هذا السبيل أو ثلاثة أضعافها، كل واحد من هذه الفرقة بلا استثناء سائر في طريق الدعوة إلى مذهبه وهذه النكتة مستورة عن جميع المسلمين حتى الشيعة أنفسهم فإنهم لا يتصورون هذه الفائدة من عملهم هذا بل قصدهم الثواب الأخروي، ولكن بما أن كل عمل في هذا العالم لابد أن يظهر له بطبيعته أثر فهذا العمل أيضاً يؤثر ثمرات للشيعة.

ومن المسلم أن المذهب الذي دعاته من خمسين إلى ستين مليوناً لا محالة يترقى على التدريج ترقياً لائقاً بهم حتى أن الرؤساء الروحانية والملوك والوزراء لهذه الفرقة ليسوا بخارجين عن صفة الدعوة.

إن العدد الكثير الذي يرى اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير إقامة هذه المآتم.

فرقة الشيعة حتى في زمان السلاطين الصفوية لم تسع في ترقي مذهبها بقوة السيف، بل ترقت هذا الترقي المحير للعقول بقوة الكلام الذي هو أشد تأثيراً من السيف.

ترقت اليوم هذه الفرقة في أداء مراسمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتبعونها في حركاتها، جم غفير من الهنود والفرس وسائر المذاهب أيضاً شاركوهم في أعمالهم، وهذا أمر واضح.

هذه الفرقة تعلم الشبيه بأقسام مختلفة فتارة في مجالس مخصوصة ومقامات معينة، وحيث أنه في أمثال هذه المجالس المخصوصة والمقامات المعينة يكون اشتراك الفرق الأخرى معهم أقل أوجدوا تمثيلاً بوضع خاص فعملوا الشبيه في الأزقة والأسواق وداروا به بين جميع الفرق وبهذا السبب تتأثر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم بذلك الأثر الذي يجب أن يحصل من التمثيل ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجه العام والخاص إليه حتى أن بعض الفرق الإسلامية الأخرى وبعض الهنود قلدوا الشيعة فيه واشتركوا معهم في ذلك.

ومن جملة الأمور التي صارت سبباً في ترقي هذه الفرقة وشهرتها في كل مكان هو إراءة أنفسهم بالمرأى الحسن بمعنى: أن هذه الطائفة بواسطة مجالس المآتم وعمل الشبيه واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين جلبت إليها قلوب باقي الفرق بالجاه والاعتبار والقوة والشوكة، لأنه من المعلوم أن كل جمعية وجماعة تجلب إليها الأنظار وتوجه إليها الخواطر إلى درجة ما.

مثلاً: لو كان في مدينة عشرة آلاف نفس متفرقين وكان في محل ألف نفس مجتمعين كانت شوكة الألف وعظمتهم في أنظار الخاص والعام أكثر من العشرة آلاف.

مضافاً إلى أنه إذا اجتمع ألف نفس انضم إليهم من غيرهم بقدرهم بعضهم للتفرج وبعضهم للصداقة والرفاقة وبعضهم لأغراض خاصة وبهذا الانضمام تتضاعف قوة الألف وشوكتهم في الأنظار.

لهذا ترى أنه في كل مكان ولو كانت جماعة من الشيعة قليلة يظهر عددها في الأنظار بقدر ما هي عليه مرتين وشوكتها وقوتها بقدر ما هي عليه عشر مرات وأكثر أسباب معروفية هؤلاء القوم وترقيهم هي هذه النكتة.

ومن جملة الأمور الطبيعية التي صارت مؤيدة لفرقة الشيعة في التأثير في قلوب سائر الفرق هو: إظهار مظلومية أكابر دينهم، وهذه المسألة من الأمور الطبيعية لأن كل أحد بالطبع ينتصر للمظلوم ويحب غلبة الضعيف على القوي، والطبائع البشرية أميل إلى الضعيف ولو كان مبطلاً والمظلوم منها إلى القوي وإن كان محقاً، والظالم خصوصاً إذا كان بعيداً أو مرت عليه أعوام.

ومصنفوا أوروبا الذين كتبوا تفصيل مقاتلة الحسين وأصحابه وقتلهم مع أنه ليس لهم عقيدة بهم أصلاً أذعنوا بظلم قاتليهم وتعديهم وعدم رحمتهم ويذكرون أسماء قاتليهم بالاشمئزاز. وهذه الأمور طبيعية لا يقف أمامها شيء وهذه النكتة من المؤيدات الطبيعية لفرقة الشيعة.

 

 

  

 

سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما نزل الوحي بآية (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر اسمه)، أين هذه البيوت وأشار السائل إلى بيت عليّ وفاطمة.. هل هذا البيت منها؟ فأجاب الرسول فوراً وبلا تردد وعلى مسمع من جميع الصحابة الحاضرين (بلى إنه من أشرفها).

وكيف لا يكون هذا البيت من أشرف البيوت وزغب جناح الوحي لم يفارقه لحظة قط.

 

الولادة:

في البيت الهاشمي المحمدي العلوي الفاطمي الذي هو من أشرف البيوت وأطهرها، قد بزغ نور أضاء الكون كله، إعلاناً بولادة أعظم مولودة، بعد سيدة نساء العالمين، وقد هبط الأمين جبرائيل من السماء وقال للنبي (صلى الله عليه وآله): (يا رسول الله، السلام يقرئك السلام، ويقول لك سمّها زينب)، وكأن الإرادة الربانية أرادت أن تجمع في حروف اسمها الزهد واليقين والنور والبيان.. أو البلاء فيما بعد. وكان ذلك في اليوم الخامس من جمادى الأولى سنة (ه هـ) عندما حدّثوا أن نبوءةً ذاعت عن مولد الطفلة تشير إلى دورها الفاجع في مأساة كربلاء، وتحدّث بظهر الغيب عما ينتظرها في غدها من محن وآلام.

 

النشأة:

كيف ينتظر أن تنشأ من تربت في حجر النبوة وحضن الإمامة ودرجت في فناء العصمة وانتهلت من معين الطهر والنجابة رائق وجدها؟!

لقد نشأت هذه البطلة على محبة الله ورسوله وأوليائه، عابدة تقية طاهرة زكية، راضية مرضية، صديقةً كأمها سيدة النساء، فقيهةً عالمة غير معلمة كما وصفها ابن أخيها الإمام السجاد (عليه السلام).

أدركت جدها النبي (صلى الله عليه وآله) وعاشت معه برهة من الزمان فهي صحابية حسب الاصطلاح، وأدركت أمها الزهراء (عليه السلام) ورأت مصيبتها وسمعت خطبتها في المسجد النبوي الشريف وشاهدت أذى القوم لها وكسر ضلعها وسقط جنينها واستشهادها وتشييعها ودفنها ليلاً. وأمضت مع أبيها علي المرتضى (عليه السلام) ما يقرب من 35 عاماً وكانت حاضرة خطبه وجهاده واستشهاده.

وسمعت جبرائيل (عليه السلام) ينادي بين الأرض والسماء (تهدمت والله أركان الهدى)، وصاحبت أخاها الحسن (عليه السلام) وشهدت وقائعه ومصائبه وغدر الناس به وتسميمه وقذف كبده من فمه وتشييعه ورمي جنازته بالسهام، ثم صاحبت أخاها الحسين (عليه السلام) وشاطرته هموم ثورته، وقامت بإكمال الجزء الثاني من مسيرته.

وإذا كان الله قد جعل مع آدم زوجته ومع موسى أخته ومع عيسى أمه ومع محمد بنته، فقد جعل مع الحسين أخته الصديقة الطاهرة، فهما من شجرة واحدة. الفارق بينهما بضع سنوات قليلة والتربية واحدة في كنف الرسول وحضن فاطمة البتول وتحت ظلال أمير المؤمنين علي، فهي إلى ذلك تجسد شمائل أمها بكل جلالها وجمالها وتتمثل بشخصية أبيها بكل تقواها وعلمها وتتناسب مع شخصية أخيها الحسن وتكاد تتطابق مع شخصية أخيها الحسين...

لقد رسمت الزهراء فاطمة (عليها السلام) طريقاً لحمل أعباء الدعوة.. معالمه الهجرة والقيام والقتل والشهادة ثم الكلمة الثائرة التي لا تهدأ والدمعة الناطقة التي لا ترقأ.

وزينب (عليها السلام) بنت الزهراء (عليها السلام) شاهدة عاشوراء، وشقيقة الحسين (عليه السلام) قد استوعبت الدرس تماماً.

 

إعلام الثورة

حقاً أن زينب (عليها السلام) هي التي جعلت من كربلاء مأساةً خالدة، وهي التي أمدّت الثورة الحسينية بماء الحياة وأبقت روحها متجددةً لا يعتريها الفناء رغم أنف الزمان.

وحقاً إن زينب (عليه السلام) كانت أفضل من يحمل رسالة عاشوراء لكي يوقظ الضمير السابت ويهز الوجدان الهامد ويفجر طاقات الرفض في أمة التوحيد، وقد نهضت العقيلة (عليها السلام) بهذا الدور العظيم عبر ثلاثة محاور:

الأول: الخطاب الجماهيري

وفيه تتلمس عناصر التأثير البالغ والمستمر في التقوس بما لا طاقة لمخلوق على دفعه، لما يمتاز به من صدق لهجة وعفوية، ووضوح رؤية وإيحائية، وسلاسة نطق وفصاحة قول، وسلامة عرض وإقامة دليل وحجة بالغة وبرهان ساطع ونهج قويم كنهج عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

وامتاز الخطاب الزينبي كذلك بالعاطفة الجياشة والوعي الرسالي والولاء العميق للقيادة الشرعية والدعوة إليها صراحة وتحميل المستمع المسؤولية مباشرة فهي عند ما خطبت بأهل الكوفة مثلاً ركزت الحديث حول مسئوليتهم، لأنهم ربما كانوا يبررون خروجهم لقتال سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخوف من جيش الشام وسلطة بني أمية، وتركت الحديث عن السلطة، فسدت عليهم باب الذريعة وواجهتهم بحقيقة أنفسهم وما عليها من جبن وتخاذل ونقض للعهود وخفر للذمام وبالعكس فعلت في خطابها الذي واجهت به الطاغية ابن زياد أو الطاغوت يزيد، فلم تذكر أي كلام عن الأمة لكي تقطع العذر عليه أيضاً وتوقفه أمام مسئوليته. وهذا من أعظم ركائز البلاغة في الخطاب.

 

الثاني: اللقاء المباشر

لقد كانت زينب (عليه السلام) لسان الثورة والمحور الذي دارت حوله جميع تفاصيلها منذ البداية، والعامل المهم الذي أراد به الحسين أن تبقى جذوة ثورته متأججة دائماً أبداً، وذلك منذ أن أصرّ - على إخراج عياله وعلى رأسهم زينب - معه من المدينة إلى العراق، وقد أفصح عن غايته حين قال: شاء الله أن يراهن سبايا لعلمه أن السبى سيكون من بعد قتله.. إذن فلنجعل منه وسيلة لنشر وتبليغ أهداف الدم الذي سال على أرض المعركة ليرسم للأجيال طريق التحرر من أغلال العبودية والظلم.

وفي هذه الرحلة الطويلة من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام، عبر الأقطار والأمصار والمدن والقرى والسكك والأزقة وقد خرج الناس من كل فج عميق لينظروا ماذا حلّ بآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تدخر الحوراء وسعاً في إعلان الحقائق وإبلاغ صوت المظلومية وعرض فصول المأساة على الملأ عبر اللقاء المباشر والمواجهة الشخصية التي فرضتها حالة السبى التي أثارت سخط ونقمة الجماهير على قتلة الحسين وأصحابه النجباء، فارتفعت الشعارات المناوئة للسلطة وجوبه العسكر الحافُّ بالسبايا بالضرب بالحجارة والسبّ واللعن ولا حقته صرخة (يا قتلة أولاد الأنبياء) أينما حلّ وارتحل.

وينقل لنا التأريخ أن زينب حسين أسكنت هي والنساء والأطفال ومعهم زين العابدين (عليه السلام) في دار قريبة من قصر الإمارة في الكوفة، أمرت أن لا يدخل عليها إلا امرأة سبيت من قبل، لأنها ذاقت مرارة الأسر مثلها وهناك قامت بدورها في بث الدعوة. ولعل السبب في اختيار هذا النوع من النساء هو أنهن أقرب إلى الاستجابة للدعوة ونقل وقائع المأساة إلى الجماهير وهكذا فعلت زينب في الشام والمدينة.

الثالث: النياحة والبكاء

بعد عودة السيدة العقيلة إلى حرم جدها كتب وإلي يزيد على المدينة إلى يزيد ما يلي:

إن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر وأنها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين، فكتب إليه فرق بينها وبين أهلها.

كيف قامت الصديقة الصغرى بإثارة أهل المدينة؟!

بالنياحة، إذ أنها أقامت مجالس العزاء، وكانت هذه المجالس التي ما زالت مستمرة في العالم الإسلامي حتى اليوم بمثابة مؤسسة إعلامية تتميز بالتعبئة والتوعية الدينية إلى جانب التزكية والتربية.

لقد كان بكاء السيدة زينب (عليه السلام) ذا هدف رسالي فلم يكن بكاءً ذليلاً ولا ندماً على ما مضى ولا جزعاً من المصائب وإنما كان بكاء تحد وإيقاظ وهكذا كانت سائر أفعالها وممارساتها التي قد تبدو في صورة هلع وجزع وهي في الحقيقة كانت تخفي في طياتها أسمى الغايات وأعلى الأهداف.

  

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه