الهامشية والعولمة.. صراع غير
متكافئ
ربما لو كان بالامكان ان نزن المؤلفات بما فيها من
كتب او مقالات او تحليلات تدور حول العولمة قد تصل الى اطنان من الكتب
النقدية لمشروع العولمة الغربي!! لكننا لا نجد اطروحة متزنة وعقلانية تهدف
الى مشروع موازي وايجابي لعولمة اسلامية وكان للعولمة معنا مستترا في الذهن
الاسلامي العربي بالذات مغاير لما هو إنساني رغم ان العولمة شئ طبيعي
الوجود وقد كان الاسلام في اوج حرارته قد مارسها ووصل بها الى بلاد الهند
والسند في زمن الفتوحات الاسلامية.
والعولمة تعني فيما تعنيه هو فرض خطاب على الآخر بمختلف الوسائل سواء كانت
اقناعية او عسكرية من خلال السيطرة السلطوية وجعل الخطاب المنتصر حقيقة
واقعة، وهذه طبيعة الحال ضمن مسرى الاستعمار القديم في الصنف الغربي او
الاسلامي او تلك الاحتلالات التي حدثت بين ثنايا التاريخ مثل اجتياح هولاكو
وغيره.
وقد كان الاسلام يستند الى رسالة ربانية في وسط من السلطات المشركة وكانت
الظروف غيرها الآن ان الفترة التاريخية محتدمة الصراعات والتوسع إضافة الى
التهديد المرتقب من جميع الجهات منها الكسروية والاوربية ومن يسير في
ركابها وكان من الضروري ان تقوم الدولة الاسلامية الفتية بالهجوم كمبادرة
لدرء الخطر المحدق بها والتعبير عن نفسها بقوة
وكان ان مارست العولمة بشكلها العسكري والفكري في اوساط الدول التي انتصرت
عليها في الفتوحات الاسلامية، ومن شواهد ذلك ايضا الدولة العربية في
الاندلس.
لكن الزمن المعاصر تغيرت فيه مفاهيم الخطاب وسبل فرضه على الآخر، وقد جرى
تغيير التسمية باطلاق العولمة كمفهوم مغاير لكل المسميات السابقة، وينسحب
المفهوم مع التسمية الجديدة ويعطي معنا اكثر عمقا واكثر تاثيرا في العلاقات
والصراعات.
وبحسب معرفتنا المكثفة عن العولمة استنادا للاطنان من التحليلات
والانتقادات العصبية وغير العصبية.
ان العولمة الغربية ظهرت بعد انهيار الشيوعية وانفجار الاشتراكية في الداخل
وتفكك اليمين التقليدي فخرجت اللبرالية الجديدة باسم العولمة لتغزو الدول
وتدعو الى الحرية في انتقال راس المال والغاء الحواجز الكمركية وحرية
المبادلات التجارية تحصيلا للربح الاكثر وادى ذلك الى تباعد بين النشاط
المالي والنشاط الاقتصادي فمن اصل 1500 مليار دولار تدخل العمليات اليومية
على الصعيد العالمي هنالك 1 / بالمائة يوظف لاكتشاف ثروات جديدة ويدور
الباقي في اطار المضاربات، اذن فالعولمة مشروع ايديولوجي لليبرالية جديدة
وثيقة الصلة بمنطق الراسمالية، لا تتطور ولا تجدد آلياتها او تتقدم إلا
بفعل التناقض الحاصل مابينها وبين تقدمها من جهة ومابين التهميش الحاصل
سواء على مستوى الدولة الواحدة ام على المستوى العالمي.
ذلك التهميش الذي نجم عنه الاستقطاب الصارخ للثروات مع اتساع ظاهرة الفقر
والبطالة في المراكز الراسمالية الاساسية ام في الاطراف وهي لا تتخذ فضاء
اقتصادي عالمي يقوم على المتبادل كما يروج انما تبرز هذه العولمة بوصفها
صراعا تجاريا وماليا قاسيا يزيد من حدته الاستقطاب وتعميق الهوة في مستوى
التطور بين الشمال والجنوب والشرق والغرب الى جانب المشكلات الاجتماعية في
بلدان العالم اجمع.
يقول الامام محمد الحسيني الشيرازي:
ان جوهر العولمة لا يكمن في مظهرها بقدر ماهو كامن في مضمونها بكونها تمثل
المشروع الغربي وهو ايضا المشروع الايديولوجي للبرالية الجديدة التي ترتكز
على قوانين حرية السوق المطلقة في انتقال البضائع والاموال والاشخاص
والمعلومات والثقافة عبر الحدود دون اية قيود الى جانب تقويم اسعار الصرف
وإزالة القيود عن النظام المصرفي.
وللعولمةالغربية جانبها الثقافي الذي يبدو اكثر قتامة من جانبها
الاقتصادي،والسياسي باستهدافها ثقافات العالم مستفيدة من وسائل الاتصال
والتكنلوجيا المتقدمة، فتسعى الى تكريس جديد من المعايير التي ترفع من
القيمة النفعية الفردانية والنزوع المادي والغرائزي المجرد من اي محتوى
انساني يحصل ذلك من خلال عملية اختراق والتطبيع مع الهيمنة وإشاعة
الاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري الذي يشكل الهدف الاول والاخير للعولمة
الثقافية وافراغ الهوية والتفتيت والتشتيت.
وازاء هذه الصور وهذا الخطر الذي يواجه المسلمون فاننا لابد من ان نوجد
ستراتيجية فكرية عملية واقعية منسجمة مع الواقع الاسلامي العربي بكل
مستلزماتها الاقتصادية والتقنية وليس بالضرورة ان تكون مضادة بل ان تكون
منسجمة بالمرونة وتطرح بكونها كيان رصين على الساحة الدولية. وهو الامر
الذي يتيح للكفاءات الاكاديمية والفكرية ان توجد هكذا مشروع بديل بدلا عن
ممارسة النقد اللا مجدي للأخر.
العالم اليوم بحاجة ملحة الى مشروع عالمي مبني على العدالة الانسانية تلتقي
عنده شعوب الارض وتجتمع عليه، مشروع يوحد الشعوب ويسمح لها في نفس الوقت
بالتمايز وحفظ الهوية وإصالة كل شعب لنفسه،.
هذا المشروع يجب ان يقوم على اساس المساواة حتى يستطيع ان يبلغ هدفه
الاساسي في تحقيق العدالة والسلام والتقدم للبشرية جمعاء بالاضافة الى
توفير إدارة لشؤونها المشتركة.
ويرى الامام الشيرازي:
ان المشروع العولمي الاسلامي يجب ان يستند الى الروح الاسلامية الحقيقية
وياخذ من النور الباهر الذي انزله الله على رسوله، فانه النظام الاشمل
والاكمل الذي يستطيع ان يلبي حاجات الانسان ويحترم حقوقه المشروعة وينشر
العدل والقسط في العالم اجمع.
..............................................
المصادر:
فقه العولمة/ الإمام الشيرازي
|