مشاركات
الدكتور هادي الوراق
زادك في دقائق
كما أن كثيراً من
الطاعات تبدأ من الحركة القلبية -التي هي في رتبة
أشرف من رتبة العمل-: كالجهاد الذي يبدأ من حب الإيثار في سبيل المبدأ،
والخشوع في الصلاة، الذي يبدأ من حب اللقاء الإلهي.. فكذلك كثير من
المحرمات الخارجية، تبدأ من انحراف محور القلب نحو الحرام!.. وهل منشأ ما
نراه من صور الانحراف الأخلاقي إلا العشق المحرم؟..
قال السجاد (عليه السلام): المؤمن من
دعائه على ثلاث: إما أن يُدّخر له، وإما أن يعجل له، وإما أن يُدفع عنه
بلاء يريد أن يصيبه
مزرعة الآخرة..!!!
إن بعض
العباد يحب أن يحيا حياةً وديعة، حياةً فيها كل مظاهر الراحة
والاستمتاع.. ولكن الذي يعلم السياسة الإلهية؛ فإنه يتمنى في أعماق
قلبه أن يُبتلى، لأجل أن يصبح الابتلاء مقدمة للوصول إلى درجات
التكامل.. وقد ورد في الحديث: أن (الدنيا مزرعة الآخرة).. بعض الناس
أرادوا من الدنيا أن تكون حديقة الآخرة، لا مزرعة الآخرة!.. وهناك فرق
بين المزرعة وبين الحديقة.. فالمزرعة فيها زراعة، ولكن أيضا فيها ما
فيها من الآفات، أما الحديقة فليست كذلك!.. نحن في مقام العمل كأنه
نريد أن نحول الدنيا إلى حديقة جميلة، فيها العصافير المُغردة، والورود
الجميلة.. والله -عز وجل- يريد منا خلاف ذلك؛ هذه حقيقة ينبغي أن
نستوعبها بكل وضوح في هذا المجال.. قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ
أَخْبَارَكُمْ} فرب العالمين يعلم أخبارنا، ولكن يريد منا أن نُقدّم
بين يديه صوراً مشرقة من المجاهدة والصبر.. وفي آية أخرى قال تعالى:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ
جَاهَدُواْ مِنكُمْ}: هؤلاء الذين جاهدوا، هم الذين حققوا الهدف من
الخلقة.. فرب العالمين يجعل هؤلاء كأنه تطبيق عملي لهدف الخلقة، حيث
أراد أن يجعل في الأرض خليفة.
هل أمسكت ورقة وقلما، لترى في ختام كل أسبوع ما هو الجديد من الطاعة،
أو الجديد من ترك المعصية؟.. فإن الأمر لو ترك بحاله، فلا يكون العمر
إلا صفحة واحدة متكررة؛ بزينها وشينها!..
النشاط الصادق والكاذب
تنتاب العبد حالة من (النشاط)، منشؤه ارتياحٌ في
البدن، أو إقبالٌ لدنيا، أو اكتفاءٌ بلذة أو بشهوة، أوجبت له مثل هذا
الاستقرار والنشاط، ولكن هذا النشاط نشاط (كاذب) لا رصيد له، إذ أنه حصيلة
ما لا قرار له، ولا يستند إلى مادة ثابتة في نفسه، ولهذا سرعان ما ينقلب
إلى كآبة وفتور، لأدنى موجبٍ من موجبات القلق والتشويش، وهو ما نلاحظه
بوضوح في أهل اللذائذ الذين تتعكر أمزجتهم بيسير من كدر الحياة.. وهذا كله
بخلاف النشاط (الصادق)، المستند إلى إحساس العبد برضا الحق المتعال، عند
مطابقة أفعاله وتروكه لأوامره ونواهيه، بما يعيش معه برد رضاه في قلبه..
ولا غرابة في ذلك، إذ كان من الطبيعي سكون النفس واستشعارها للنشاط الصادق،
عند تحقيق مطلوبها في الحياة، وأي مطلوب أعزّ وأغلى من حقيقة: {ارضاء
الباري عزوجل}.
|