في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة الثامنة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: التاريخ الفضيل الفريد

شاعر عدوّ ومحارب

أبو غرّة كان من أحد شعراء المشركين في الجاهلية ومن الخطباء، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبه وقصائده، ويهيّج المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وقتله في داخل مكّة وخارجها، في القرى والأرياف، ويحشر الناس ويجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله. ففي أولى الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وهي حرب بدر، جمع مجموعة من شباب المشركين من داخل مكّة المكرّمة وخارجها إلى بدر، واشترك هو بنفسه فيها. وكان في الطريق إلى بدر وفي المعركة، يهيّج الناس على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله في أشعاره وخطبه أيضاً. علماً انّ التهييج الثقافي والفكري هو أقوى من المال والسلاح.

العفو عن العدو المحارب

انتهت حرب بدر بانتصار رسول الله صلى الله عليه وآله وانكسار المشركين، ففرّ منهم من فرّ، وقُتل منهم من قُتل، وأسر مجموعة منهم كان فيهم هذا الشاعر أبو غرّة الذي كان في أشعاره يذمّ رسول الله صلى الله عليه وآله ويسبّه أيضاً. فما صنع به رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وياترى ماذا يُصنع بمثل هذا الشخص في قانون الحروب؟ فهل هناك شيء غير القتل؟ ولكن عندما مثُل أمام رسول الله صلى الله عليه وآله جعل يتوسّل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ويقول أنّ لي خمس بنات ليس لهنّ غيري، فتصدّق عليهنّ بإطلاق سراحي. فأطلق رسول الله صلى الله عليه وآله سراحه وشرط عليه، فأعطى أبو غرّة المواثيق لرسول الله صلى الله عليه وآله بأنّ لا ينظّم الشعر ولا يخطب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أنّ لا يهيّج الناس على الحرب. ورجع إلى مكّة من دون أن يفتدي على إطلاق سراحه بشيء، فقد منّ رسول الله صلى الله عليه وآله عليه بإطلاق سراحه.

إغراء لنكث العهود

بعدها وفي مكّة المكرّمة بدأ صفوان بن أميّة وأبو سفيان وغيرهم من الرؤوساء الذين كانوا يؤجّجون الحروب ضد رسول الله صلى الله عليه وآله، بدؤوا يستعدّون لحرب أخرى ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله التي صارت بعدها حرب اُحد. فجاء صفوان، كما هو في التاريخ، إلى أبي غرّة واستنهضه للحرب حتى ينظّم أشعاراً ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله ويخطب ضدّه داخل مكّة وخارجها. فقال لصفوان أنا أعطيت المواثيق لمحمّد على أن لا أهيّج عليه ولا أنظم ولا أخطب ضدّه. فقال له صفوان انّ هذه المرّة هي المرّة الأخيرة، فسوف لا يبقى محمّد بعد هذه الحرب سالماً وسيُقتل. وهكذا شجّعه وأعطاه الأموال وجعله ينظم ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله ويخطب داخل مكّة المكرّمة وفي القرى والأرياف ويجمع الناس للحرب التي كانت هي حرب اُحد.

تاريخ أسود

إنّ هذه المفردة الواحدة من تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله الفضيل في جميع مفرداته، أي في تعامله مع أبي غرّة، إذا نقيسها بسائر ما يصنعون في الحروب، لا نجد لها نظير. في حين، ومع شديد الأسف، الذين سمّوا بخلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله، من بني أميّة وبني العباس، فإنّ صنائعهم قد سوّدت صفحات التاريخ بعكس ما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله من العفو، بالمئات والمئات. ومفردة واحدة من صنائع بني العباس هي قصّتهم مع الشاعر دعبل الخزاعي.

دعبل هو من الشعراء المعروفين الذي من أكثر من ألف سنة وإلى هذا اليوم، قصائده الشعرية معروفة في التاريخ والكتب، وعلى الألسن، وحتى في هذه الأيّام نقلوا انّ بعض قصائده قد ترجمت إلى اللغات الأجنبية في الغرب، ويتدارسون بعض أشعاره. وهذا الشاعر النموذجي الكبير له كلمة تدلّ على مدى عنف وغلظة بني العباس، وهي كلمة معروفة وموجودة في كثير من التواريخ، وهي: منذ أربعين سنة أحمل خشبتي على ظهري. ويقصد من خشبتي خشبة الإعدام، أي هو ومنذ أربعين سنة، ليلاً ونهاراً، لا يعلم متى يأخذونه ويقتلونه. وقد عاصر دعبل، هارون والأمين والمأمون والمعتصم، وهذا يعني انّه خلال كل هذه الفترة كان يتوقّع دائماً أن يؤخذ ويُقتل، وذلك لأنّه وبسبب بيتين من الشعر نظمها في هجو هارون.

سبب انحسار الإسلام

ذات مرّة طلب المأمون من دعبل أن يقرأ له بعض أشعاره فامتنع دعبل لأنّه كان يخاف أن تكون هذه المرّة هي التي سيُقتل فيها. فأصرّ عليه المأمون، فقال له دعل أعطني الأمان، فقال له المأمون كلمة تدلّ على شدّة وغلظة وعنف هؤلاء العباسيين أيضاً، حيث قال لدعبل: آمنتك كما آمنتك على نفسك! ويعني اقرأ الأبيات وأنت الآن في أمان، وأنت مهدّد بالقتل. فمعنى (أمنتك على نفسك) يعني آمنتك على وجودك وعلى بقائك حيّاً. وهذا الصنيع من بني العباس الذي كان يخالف صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله في طول تاريخ بني أميّة وبني العباس، هو الذي جعل الإسلام ينحسر في الدنيا خلال هذه القرون، بعدما كان الإسلام في أيّام رسول الله صلى الله عليه وآله يدخلون فيه أفواجاً وأفواجاً، وذلك لما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضيلة.

التاريخ الفضيل

لذا، يجب على الجميع أن يعرضوا مفردات تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله الفضيل كلّه، وفي كل مجال، وخصوصاً في مجال الحروب. ففي مجال الحروب عادة لا تظهر الفضائل، لأنّ حرب، وفيها قتلى من هذا الجانب ومن ذاك. ولكن من جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وفقط وفقط، الذي كان كلّه دفاعاً، لم يصدر من رسول الله صلى الله عليه وآله في تاريخ حياته غير الدفاع، وكذلك في تاريخ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أيّأم حكومته الفضلى والفريدة في التاريخ. فبمجرّد أن كان يضع الطرف المقابل السلاح ويلقيه، كانت الحرب تنتهي عند رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولا يعاقبون حتى رؤوساء الحرب لا بقتل ولا بتعذيب ولا بسجن ولا بغرامة ولا بمصادرة وغيرها من لا ولا. وبالعكس ما كان يصنعه بنو أميّة وبني العباس ويسمّونهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله، ورسول الله بريء من أعمالهم. فدعبل وهو الرجل الكبير والعظيم يقول له المأمون (كما آمنتك على نفسك) يعني أنت مهدّد بالقتل وتستحقّ القتل ولكني لا أقتلك.

إذن، يجب على الجميع التعبئة لعرض تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله، خصوصاً تاريخ حروبه، ليعلم العالم والبشرية، في كل البلاد الإسلامية وغيرها في بلاد غير الإسلام انّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله كان مظهر الفضيلة والأخلاق بمقام لا تعرف فيه البشرية الفضيلة والأخلاق.

أسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للجميع في ذلك، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم