الكلمة السابعة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: مؤسّس الرحمة والعفو والإنسانية بالحروب

في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
مؤسّس الحروب ضدّ النبي

كان سهيل بن عمرو أحد المحاور الرئيسة في تأسيس ومواصلة الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله. والحرب الأولى وهي حرب بدر أسّسها سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وأبو سفيان، وكان تأثير سهيل في تأسيس الحرب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من صفوان وأبي سفيان وغيرهم، وذلك لأنّ سهيل كان يمدّ الحرب بالمال، وبأهمّ من ذلك، كان يمدّ الحرب بالخطابة والتشجيع والشعر وأمثال ذلك. واشترك هو شخصياً في حرب بدر. ولما نصر الله عزّ وجلّ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله في حرب بدر، لم يُقتل سهيل بل فرّ وانهزم ولاحقه المسلمون وصار أسيراً، فعلى مقربة من المدينة المنوّرة فرّ من يد المسلمين فأمر النبي صلى الله عليه وآله بملاحقته، فلاحقوه، وأخذوه.

العفو عن رأس العداء

في تاريخ الحروب في ذلك الزمان، وفي كل زمان، وحتى في زماننا، ترى ماذا يصنعون بمثل سهيل بن عمرو؟ والجواب هو ليس إلاّ التعذيب والقتل. وكم لذلك من شواهد حتى في التاريخ المعاصر، وحتى في البلاد الإسلامية في الثورات التي حدثت خلال النصف من القرن الأخير، وأكثر. ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقتل سهيل ولم يسجنه ولم يعذّبه، ولم ينقل ـ وأنا شخصياً لم أرى ذلك ـ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله واجهه حتى بعتاب. ولما كان فتح مكّة المكرّمة وانتصر رسول الله صلى الله عليه وآله بإذن الله عزّ وجلّ، اقترح بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أن ينزعوا ثنايا سهيل بن عمرو حتى لا يستطيع أن يتكلّم ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان سهيل لا يزال مشركاً. فامتنع رسول الله صلى الله عليه وآله من تلبية طلب الأصحاب بأن ينزعوا ثنيتي سهيل، وقال لهم النبيّ صلى الله عليه وآله بما مضمونه: سوف ينفع هذا سهيل.

لهذا دخلوا الدين أفواجاً

في فتح مكّة المكرّمة لم يجبر رسول الله صلى الله عليه وآله سهيل على الأسلام كما لم يجبر غيره، ولكن الأسلوب الفضيل من رسول الله صلى الله عليه وآله في تعامله مع المشركين وبالذات وبالخصوص مع سهيل صار سبباً لأن يسلم سهيل طوعاً ورغبة. ولم يدم الشيء الكثير على فتح مكّة المكرّمة، سوى قرابة سنة، حتى استشهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فعرض بعض شباب المشركين في مكّة، على مجموعة من الشباب أن يرتدّوا عن الإسلام، مع انّ أحداً منهم لم يكره على الإسلام، ولم يجبروا عليه، وإنّما كان للجو الذي صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله بأخلاقه، حيث جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. ولما طرحت هذه الفكرة بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، على أن يرتدّ المشركون في مكّة عن الإسلام، قام فيهم سهيل بن عمرو خطيباً وقال لا تكونوا آخر من أسلم وأوّل من ارتدّ، ومنعهم بهذا الكلام من أن يرتّدوا. لأنّ الذين أسلموا بعد فتح مكّة أي بعد قرابة عشرين سنة من بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله، كانوا هم آخر من أسلموا.

هكذا وبالأخلاق في مسألة الحروب ومسألة الأسلحة وفي المعاملة مع الذين أسّسوا الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، كالحرب الأولى وهي حرب بدر، ثم الحرب الثانية والثالثة والرابعة والعاشرة والعشرين والثلاثين، كان سهيل بن عمرو أحد المحاور فيها، وقد ابتدؤوها ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان صلى الله عليه وآله في كل حروبه، بلا استثناء، في موقع الدفاع فقط وفقط.

ولهذا تقدّم الإسلام وانتشر

بهذه الأخلاق، وبهذه الفضيلة، قولاً وعملاً، من رسول الله صلى الله عليه وآله تقدّم الإسلام ودخل الناس في الإسلام أفواجاً وأفواجاً. ولو كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كما ذكرت الأحاديث الشريفة، لو كان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، يواصل مباشرة أسلوب رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، لطبّقت الدنيا فضائل الإسلام، ولانتشر الإسلام سريعاً وواسعاً، كما كان بعد فتح مكّة المكرّمة على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله. ولكن الذي منع من انتشار الإسلام ذلك الانتشار السريع والواسع هو ما تعامل به من سمّوهم بخلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله، خصوصاً أيّام بني أمية وبني العباس الذين مارسوا أشدّ ما يكون من العنف والغلظة حتى في غير الحروب، فكيف بالحروب، وحتى مع غير الأعداء فكيف بالأعداء، وصفحات التاريخ، مع شديد الأسف، مسودّة بالمئات والمئات والألوف من المظالم الصادرة من أمثال بني أميّة وبني العباس.

من جرائم المتوكّل

كان ابن السكّيت من علماء المسلمين المعروفين في أيّام المتوكّل العباسي، ولا تزال كتبه وعلمه مورد استفادة الشرق والغرب في دنيا اليوم، وحتى الغربيون ترجموا بعض كتبه ويستفيدون من علومه لأنّه كان علاّمة في علوم مختلفة. وذكر التاريخ انّ المتوكّل العباسي سأل ابن السكيّت سؤالاً واحداً، فأجابه ابن السكّيت بجواب لم يحبّه المتوكّل، فغضب الأخير وأمر أن يُسلّ لسان ابن السكّيت من قفاه. ومعنى يسل من قفاه هو أن تشدّ رجلاه ويديه حتى لا يستطيع الممانعة، وبحربة يثقبون رقبته من خلف، وبحديدة يخرجون لسانه من خلفه، وحينها يموت الشخص باللحظة. وهذا هو تعامل من يسمّونه بخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو المتوكّل مع علاّمة كبير مثل ابن السكّيت! وحاشا أن يكون مثل المتوكّل خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله. فرسول الله صلى الله عليه وآله تعامل مع من أجّجوا الحروب عليه وأسّسوها ضدّه، ذلك التعامل الإنساني. فكلمة واحدة صدرت من ابن السكّيت، ولم يحبّها المتوكّل، أمر الأخير بأن يُسلّ لسانه، أي يخرجوه من قفاه. وكذلك ذكروا أن شخصاً آخر وكان من الشعراء، ولأجل بيت واحد نظّمه في فضيلة أهل البيت صلوات الله عليهم، أمر المتوكّل بأن يقطع رأسه، فقتلوه، وهكذا غيرهم وغيرهم!

ثقافة الرحمة والعفو والإنسانية

إذن، أليس من الواجب على الجميع أن ينشروا ثقافة الرحمة وثقافة الفضيلة وثقافة الإنسانية وثقافة العفو الصادرة من رسول الله صلى الله عليه وآله في العالم، كي شيئاً فشيئاً، يتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله الجميع في الدنيا، من مسلمين وغير مسلمين، وخصوصاً الحكومات الإسلامية ورؤوساء الحكومات، والقرآن يؤكّد على التعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب: الآية21، وأسوة تعني تعلّموا.

شهر رمضان مناسبة مهمّة وجيّدة لنشر ثقافة رسول الله صلى الله عليه وآله في كل شيء، وخصوصاً في الحروب التي تكون عادة الثقافة فيها ثقافة عنف، ورسول الله صلى الله عليه وآله أسّس ثقافة الرحمة والفضيلة والإنسانية بما لا نظير له في تاريخ البشرية.

أسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّق الجميع لذلك. وصلى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

 

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم