في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

 الكلمة السادسة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: الثقافة العظيمة


ألدّ الأعداء

كان صفوان بن أميّة في التعبئة ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وإيجاد الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، لعلّه أقوى حتى من أبي سفيان. فإنّه كان يمدّ المقاتلين من المشركين ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله بالسلاح وبالمال حتى أنّه في أولى الحروب الدفاعية لرسول الله صلى الله عليه وآله وهي حرب بدر، جاء في التاريخ انّ رؤوساء المشركين جمعوا أموالاً للحرب وذكروا انّ صفوان أعطى خمسمئة دينار، في حين أعطى غيره أقلّ، بالإضافة إلى انّ صفوان كان عنده مركز كبير للأسلحة، ويوزّع الأسحلة على المشركين المقاتلين ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، من الدروع والسيوف والرماح وغير ذلك. وكانت القوّة الشرائية لخمسمئة دينار في ذلك اليوم كبيرة وتساوي ألف رأس من الغنم. ففي قصّة عروة البارقي هناك رواية معروفة انّ رسول الله صلى الله عليه وآله، أعطى عروة ديناراً واحداً ليشتري له خروفاً للأضحيّة، فراح عروه واشترى بدينار واحد خروفين. وخمسمئة دينار ذهب وزنه أكثر من كيلو واحد من الذهب ونصف الكيلو. ولعلّه كانت القوّة الشرائية في مكّة المكرّمة أكثر باعتبار انّها العطاء والشراء والبيع. فكانت خمسمئة دينار مبلغاً كبيراً في أولى الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله. فأكبر ثمن أعطاه أحد كبار المشركين وهو صفوان بن أميّة.

بالإضافة إلى الأسلحة، كان صفوان يثقّف الناس، أي يقوم بالتثقيف ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، والتثقيف أهمّ من الأسلحة والمال. فالتثقيف هو الذي يحرّك الناس. فكان يثقّف عبر الشعراء، وكان يعطي الأموال للشعراء لينظّموا أشعاراً ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله. وكانت القصائد والأشعار تهيّج الشباب المشركين للمسير إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله.

التعامل بالفضيلة في الحرب

أولى الحروب وهي حرب بدر التي لها تاريخ مفصّل من عداء وظلم المشركين لرسول الله صلى الله عليه وآله، ومن تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله بكل فضيلة وأخلاق في الحرب وبعد الحرب مع الأسرى. وهذا باب واسع ومفصّل في مقام تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن وضعت الحرب أوزارها.

كان صفوان بن أميّة يثقّف ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم ينقل عن غير صفوان مثل ذلك. وكان من شعراء المشركين في مكّة سهيل بن عمرو. وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكّة المكرّمة وكان الفتح الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وآله، ونزلت الآية الكريمة: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) سورة الفتح: الآية1، بعث بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في مكّة آنذاك، إلى جماعة من زعماء المشركين ومنهم أبو سفيان وصفوان وغيرهما بأن يأتوا إليهم ليعاتبوهم، حيث قالوا إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لا يعاقبهم فلنعاتبهم نحن. فبعثوا إليهم حتى يأتون ويذكرون للمسلمين ما صنعوا من الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله التي راح ضحيّتها قتلى كثيرين. فجاء الزعماء ولما دخلوا على المسلمين كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما رآهم قال بطلاقة الوجه وابتسامته المعروفة عنده صلى الله عليه وآله: (مثلي ومثلكم مثل يوسف وإخوته، وأقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم). فلم يبقى هناك مجال للمسلمين يعاتبون فيه المشركين.

لا للمثلة في الإسلام

كما كان الشعراء في مكّة يهيّجون الشباب المشركين ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان في مكّة المكرّمة وحتى بعد الهجرة، حيث كانوا يهيّجون ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانوا بثقافة الحرب يهيؤون الشباب المشركين لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله، وحتى هؤلاء الشعراء، لم ينقل التاريخ عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه عاتب حتى واحد منهم، ولم يعاقب أيّ أحد منهم، وكان أحدهم ومن كبار الشعراء في مكّة هو سهيل بن عمرو. فقال بعض الأصحاب لرسول الله صلى الله عليه وآله: يارسول الله دعنا ننزع ثنيتيه ـ أي الأسنان الثنتين الأمامية ـ حتى لا يمكنه أن يهجو بعدها ويتلعثم ولا يستطيع أن يفصح في الكلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا اُمثّل).

قلب العدو المشرك إلى مسلم

إنّ تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله مع صفوان، لعلّه أكيداً فريد في تاريخ البشرية. فشحص في موقع رسول الله صلى الله عليه وآله، وصفوان بن أميّة يحاربه بأنواع ما يمكن من الحروب، وبعذ ذلك يسيطّر رسول الله صلى الله عليه وآله على صفوان ويتمكّن منه ولا يعاقبه ولا يعاتبه ولا يصادر شيئاً من أمواله، بل يتعامل معه ومع أمثاله، التعامل الحسن حتى صار سبباً لأنّ يعلن إسلامه في وقت غير بعيد، ثم أسلمت عائلته وأسلم أولاده وأحفاده، الذين ذكرت بعض الكتب أسماءهم، ومنهم عبد الله.

الخلق العظيم

لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الأخلاق العالية والفضيلة، أن يجعل ألدّ الأعداء، بدون إجبار وإكراه، بأن يأتي طوعاً ورغبة ويُسلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذه المسألة المهمّة أدّت إلى أن يأتي الكثير، وشيئاً فشيئاً، ويُسلموا على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، سواء حينما كان النبيّ صلى الله عليه وآله في مكّة المكرّمة بعد فتحها، أو بعد عودته إلى المدينة المنوّرة. فكان العشرات والعشرات والمئات والمئات وأحياناً ألف وأكثر من ألف، كانوا يأتون في دفعة واحدة ويُسلمون على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، نتيجة الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله في تعامله مع أشدّ أعدائه وألدّهم، ونتيجة تعامله بالحسنى، حتى قال الله عزّ وجلّ بالنسبة إلى المشركين الذين أسلموا وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) سورة النصر: الآية2. في حين، عندما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في مكّة المكرّمة قبل الهجرة، كان من يُسلم على يديه شخص واحد في كل يوم، وأربعة بعد اسبوع، أو شهر واحد أو ثلاثة، أو أقلّ. ولكن بعد فتح مكّة المكرّمة صار: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا).

الثقافة العظيمة

يقول الله سبحانه وتعالى انّه تعلّموا من رسول الله صلى الله عليه وآله، لكل الحكومات والشعوب والمسلمون وغير المسلمين. وكذلك ينبغي أن تُنشر هذه الثقافة العظيمة، ثقافة الفضيلة، من رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى شيئاً فشيئاً، يتعلّم الناس. والأولى بالتعلّم هم رؤوساء الحكومات الإسلامية وغير الإسلامية، حتى تنجو الدنيا، شيئاً فشيئاً، من المآسي الكثيرة التي هي ملئ الدنيا، اقتصادياً وسياساً واجتماعياً وعائلياً.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع لنشر ثقافة رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى تكون الدنيا في مستقبلها خير من ماضيها.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم