في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة
الكلمة الرابعة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: قصّة عديمة النظير
تقرير: علاء الكاظمي
 
 
قال الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً) سورة الفتح: الآية1

إنّ فتح مكّة المكرّمة هي قصّة من قصص تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله. وهي قصّة تتضمّن العشرات والعشرات من العبر المهمّة في طول التاريخ. وكل واحدة من تلك العبر هي قليلة النظير في التاريخ، وبمجموعها قصّة فتح مكّة المكرّمة على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، بمقدّماتها وما تضمّنت في أطرافها وما بعدها من حيث المجموع، قصّة عديمة النظير في تاريخ البشرية، وذلك في تدبير رسول الله صلى الله عليه وآله لهذه القصّة والفضيلة التي تحتوي أطرافها وما ظهر من كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن عمله، ومن تقريره في مختلف الأمور المهمّة.

قصّة عديمة النظير

واحدة من تلك العبر هي بوحدها قليلة النظير في التاريخ، إن لم تك عديمة النظير، وهي قصّة صفوان بن أميّة.

كان صفوان من المشركين في مكّة المكرّمة ومن تجّار المشركين في الأسلحة، وكان عنده مجموعة كبيرة من الأسلحة إن لم تك عنده المجموعة الكبرى عند كل المشركين، فكان ما عنده هي واحدة من كبيرات المجموعات من الأسلحة وكان يمتلكها كلّها، أي كان عنده مركز كبير من الأسلحة بمستوى الحجاز في ذلك اليوم وبمستوى مكّة المكرّمة. وقد حارب صفوان بن أميّة رسول الله صلى الله عليه وآله من أوّل البعثة إلى فتح مكّة المكرّمة، أي ما يقارب عشرين سنة، بمختلف أنواع الحروب، أيّام كان رسول الله صلى الله عليه وآله في مكّة قبل الهجرة أي ثلاثة عشر سنة، وبعد البعثة، حيث حارب بأصناف الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، من أذيّة أصحابه وخلق المشاكل لرسول الله صلى الله عليه وآله. ولما هاجر النبيّ صلى الله عليه وآله إلى المدينة المنوّرة وإلى فتح مكّة، أي خلال ثمان سنوات، كان صفوان من المموّلين للعشرات والعشرات والعشرات من الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان يشجّع على الحروب، ويعطي الأسلحة، ولم ينقل أنّ المشركين قد عوضوه عن أسلحته بشيء، أو هو طلب منهم شيئاً، وكذلك كان يموّلهم بالمال، وكان من الأفراد القليلين الذين هم في الرعيل الأول من كبار المحاربين لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

محاولة اغتيال النبيّ

واحدة من قصص صفوان في معاداته لرسول الله صلى الله عليه وآله، أنّه كان له خادم، وذات يوم جاء به إلى فناء الكعبة وجلس معه وأخذ يتحدّث معه وقال: أطلب منك شيئاً. قال: ماهو؟ قال: أن تذهب وتقتل محمّداً. وأعطاه سيفاً من أحسن السيوف، وقال له إن قتلت محمّداً ورجعيت أعطيك كل ما تريد، وإذا لم توفّق لقتله وقتلت فأنا أحمي بناتك كما أحمي بناتي وأجعلهنّ كبناتي. وشجّعه وأعطاه المال فجاء الشخص إلى المدينة المنوّرة ودخل متظاهراً بأنّه يريد أن يسلم، وكان المؤمنون يعرفونه بأنّه خادم لصفوان، فدخل المسجد ساتراً سيفه تحت عباءته، وحينما جلس عند رسول الله صلى الله عليه وآله، قال له النبيّ صلى الله عليه وآله: أخرج سيفك! فأسقط في يده وأخرج سيفه؟ وأخبره النبيّ صلى الله عليه وآله بما طلب منه صفوان، فاستيقظ وجدانه ووفطرته فتشهّد الشهادتين وآمن برسول الله صلى الله عليه وآله. وبعدها بقي الرجل في المدينة المنوّرة وكان يصلّي خلف النبيّ صلى الله عليه وآله. وعندما صار فتح مكّة المكرّمة، شارك خادم صفوان في فتحها مع النبيّ صلى الله عليه وآله، وذهب يسأل عن صفوان فقالوا له إنّه انهزم وفرّ إلى الجبال خوفاً من أن يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله. فذهب إلى النبي وقال: يا رسول الله، إنّ صفوان بن أمية خرج هارباً خوفًا منك فأمنه (أي أعطيه الأمان) فداك أبي وأمّي، فقال الرسول: قد أمّنته. فخرج من عند رسول الله مسرعاً إلى المكان الذي اختبأ فيه صفوان. فلما رآى صفوان قال له: جئتك من عند أبرّ الناس، وأوصل الناس، قد أمّنك رسول الله. فقال صفوان: لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فرجع عمير إلى النبي وقال له ما يريده صفوان، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وآله عمامته، فأخذها وخرج إلى صفوان، وقال له: هذه عمامة رسول الله يا صفوان، فعرفها صفوان. فرسول الله صلى الله عليه وآله كان معروفاً حتى عند الأعداء إنّه الصادق الأمين. وعلم أن النبي قد أمّنه.

العفو عن مدبّر الاغتيال

ثم خرج صفوان حتى وصل إلى المسجد، وإذا برسول الله وصحابته يصلّون العصر، فوقف صفوان بفرسه بجانبهم، وبعد أن انتهت الصلاة وقف صفوان أمام الرسول صلى الله عليه وآله وناداه في جماعة من الناس، وقال: يا محمّد، إنّ عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنّك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمراً، وإلاّ سيرتني (أمهلني) شهرين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنزل. فقال صفوان: لا والله حتى تبيّن لي، فقال صلى الله عليه وآله: انزل، بل لك تسير أربعة أشهر، فنزل صفوان، وأخذ يروح ويعود بين المسلمين وهو مشرك.

عدو لدود مشرك ينقلب إلى مسلم

ثم عامله رسول الله صلى الله عليه وآله معاملة حسنة طيّبة جيّدة أخلاقية وفضيلة. وبالنتيجة هذا الرجل المعاند في هذا المستوى آمن برسول الله صلى الله عليه وآله، وصار من المسلمين. ونقل العلاّمة المجلسي قدّس سرّه في بحار الأنوار أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وآله عن صفوان بن أميّة. وأسلم ابن صفوان عبد الله، ويذكره أصحاب كتب الرجال بأنّه من أصحاب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وعاش صفوان بن أميّة لعلّه إلى آخر حياة الإمام علي صلوات الله عليه.

من معاجز أخلاق النبيّ

هذه معجزة الإسلام، وهذه معجزة رسول الله صلى الله عليه وآله، وواحدة من المئات والمئات. وهكذا يقلب رسول الله صلى الله عليه وآله العدو اللدود وفي هذا المستوى إلى من يؤمن به، وتصير ذريّته من المسلمين. والدنيا لا تعرف هذه الفضائل لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهذ مسؤولية على الجميع.

مسؤولية إعلاميّة

إنّ قصّة صفوان بتفاصيلها يجدر أن يتم صناعتها كفلم أو تمثيلية وتعرض في الفضائيات التي هي بيد المسلمين، فإنّ أكثر المسلمين لم يسمعوا جزءاً جيّداً من تفاصيل هذه القصّة، وشهر رمضان العظيم مناسبة فضيلة وجيّدة لعرض هذه التفاصيل على العالم، سواء في البلاد الإسلامية والبلاد غير الإسلامية.

أسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للجميع لحمل هذه المسؤوليات، خصوصاً الشباب الغيارى من المؤمنين والفتيات المؤمنات في بلاد الإسلام، وفي بلاد غير الإسلام.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم