في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة الثانية والعشرون لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: صنيع الفاتح المنتصر

تقرير: علاء الكاظمي
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
الإنسانية والنبل

بعد انتهاء حرب الجمل، ونصر الله عزّ وجلّ لمولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وانكسار أصحاب الجمل، فرّ جمع منهم ولجؤوا إلى بيوتهم في مدينة البصرة واختفوا، وهكذا رؤوساء الحرب. وجاء الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع مجموعة من أصحابه ودخل البصرة وهو فاتح ومنتصر. وكان قد قُتل جمع من أصحاب الإمام وكان هو صلوات الله عليه في موقف الدفاع فلم يبدأ الحرب، بل قتل العدو من أصحاب الإمام وفعلها عدّة مرّات، وتريّث الإمام وما تعجّل حتى في الدفاع. ولكن الآن عليّ صلوات الله عليه منتصر وفاتح ودخل البصرة. فيا ترى ماذا يصنع الفاتحون في منطق الحروب؟ وماذا صنع علي بن أبي طالب صلوات الله عليه؟

كانت الفضيلة والإنسانية والنبل والخلق الرفيع، في قول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وفي صنيعه.

دخل الإمام صلوات الله عليه البصرة وعمل عدّة أمور، منها:

العفو العام عن المجرمين

الأول: خطب في اولئك الذين أجرموا وأثاروا الحرب وبدؤوها، وجاء في خطبته صلوات الله عليه: أنّكم نكثتم بيعتي وظاهرتم على ذوي عداوتي. أي صرتم ظهراً لمن عاداني كطلحة والزبير وأعنتموهم بالسلاح والمال وبالتشجيع وبكل شيء. ثم قال صلوات الله عليه: فما ظنّكم بي؟ أي ماذا تتوقعون منّي وماذا أصنع بكم؟ فقالوا: نظنّ خيراً، فإن عاقبت فقد أجرمنا وإن عفوت فالعفو أحبّ إلى الله. وتعني كلمة نظنّ بالعربية نعلم، والمقصود من كلامهم انّنا نعلم منك الخير فإن تعاقبنا فنحن نستحقّها لأنّنا أجرمنا، وقتلنا من أصحابك قبل الحرب وفي الحرب. فقال الإمام صلوات الله عليه كلمة واحدة وهي: قد عفوت عنّكم!

عندما يتصفّح الإنسان تاريخ الحروب لا يجد إنسانية مثل الذي صدر من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وهو في ذلك الموقف. وقول الإمام صلوات الله عليه قد عفوت عنكم هي كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله في فتح مكّة. فالمشركون في مكّة عارضوا رسول الله صلى الله عليه وآله عشرين سنة وأثاروا الحروب ضدّه، ولكن مع ذلك قال لهم صلى الله عليه وآله: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وعليّ هو نفس رسول الله صلوات الله عليهما وآلهما. فالإمام قد أصدر العفو العام وانتهى كل شيء. فأين يوجد مثل هذا الصنيع في التاريخ ؟ فليتعلّم رؤوساء الحكومات من أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وخصوصاً الحكومات الإسلامية، وليعلموا انّ هذا هو الإسلام وما مثّله أمير المؤمنين وقبله مثّله رسول الله صلوات الله عليهما وآلهما.

مأساة الحروب بالبلاد الإسلامية

مع شديد الأسف، تبتدئ الحروب في البلاد الإسلامية، وتطول وتمتدّ ويذهب الألوف والألوف من المسلمين والمصلّين والصائمين، قتلى وجرحى. فلماذا لا يوجد العفو في منطق الحروب في البلاد الإسلامية؟ ألا يجدر بهم أن يتعلّموا من أمير المؤمنين ومن رسول الله صلوات الله عليهما وآلهما؟ فما صدر من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع أصحاب الجمل في البصرة هو العقل والإنسانية والفضيلة.

القاسم بالسويّة

الأمر الثاني: كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوزّع كل ما في بيت مال المسلمين من الأموال، حيث كان يبدأ أولاً بذوي الحاجات العامّة في البلاد الإسلامية، وللمحتاجين من المسلمين وغير المسلمين ممن يعيشون في بلاد الإسلام، وبعد ذلك يقسّم ما يبقى بالسويّة، أي ما يسمّى بالعطاء، فلا يبقي شيئاً من الأموال في بيت المال، وأحياناً كان صلوات الله عليه يكنس بيت المال بيده. وأما بيت المال في البلاد الإسلامية، ومع شديد الأسف، تراه بأيدي من يسمّون أنفسهم بمسلمين وخلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو مملؤاً ومملؤاً. وعندما صار بيت المال في البصرة بيد طلحة والزبير ومن كان معهما، فقد امتلأ بالدنانير والدراهم لفترة قصيرة. فجاء الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى بيت مال البصرة وخاطب الدنانير والدراهم بقوله: ياصفراء ويابيضاء غرّي غيري. ثم أمر بأن يقسّم ما في بيت المال بالسويّة. وقد ورد في الزيارة المأثورة عن أئمة العصمة صلوات الله عليهم بحقّ الإمام عليّ صلوات الله علي: القاسم بالسويّة. وهذا خاصّ برسول الله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.

ثم أمر الإمام صلوات الله عليه بأن يعطوا كل شخص خمسمئة درهم، ولم يزد لنفسه ولا لأولاده ولا لأهل بيته شيء أبداً.

لقد كان عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه رئيس البلاد الإسلامية كلّها والحاكم الأعلى لها، فيأخذ هو خمسمئة درهم كما أعطى لسائر الناس مثله أيضاً.

الإسلام الصحيح

أليست هذه مفردة فريدة في تاريخ البشرية؟ وأين تجد مثل هذا سوى عند رسول الله صلى الله عليه وآله؟

لذا، فليتعلّم رؤوساء الحكومات في البلاد الإسلامية من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فهذا هو الإسلام الصحيح. فرسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما هم الأعرف بالإسلام، وهكذا كانت سيرتهما وأسلوبهما. ولذا لما استشهد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، خطب الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، وقال فيما قال عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمئة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله. ومن عطائه يعني من العطاء الذي يوزّع من بيت مال المسلمين على الجميع بالسويّة.

فريضة

إنّ سبب وجود الملايين من الفقراء، مع شديد الأسف، في عالم اليوم، هو عدم تطبيق سيرة رسول الله وسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. فلم ينقل في تاريخ أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقير واحد بقى على فقره طول الحياة. ولهذا إن يتمّ تطبيق سيرة رسول الله وسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، فلا يبقى هناك فقير ولا جائع ولا من يموت من الجوع. وتبليغ هذه الثقافة، أي ثقافة رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما هي فريضة.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع، وخصوصاً الشباب الغيارى، لقراءة هذه الثقافة وفهما ونشرها، لعلّه في المستقبل يحملها بعض الأفراد ويعملون بها في شتّى أمورهم، وبالأخص في الحروب. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم