في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة العشرون لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: أصحاب الغدر

تقرير: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم


إنّ تاريخ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بريء من الابتداء بالحرب كرسول الله صلى الله عليه وآله الذي كانت كلّ حروبه دفاعية. فكيف وقعت حرب الجمل؟

أصحاب الغدر

لقد بايع أمير المؤمنين صلوات الله عليه الناس في المدينة المنوّرة، وكان في طليعتهم طلحة والزبير، لكنهما بعد ذلك طلبا من الإمام ما لا يجوز له شرعاً أن يصنعه، فانحرفا عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولم يبديا ذلك، بل جاءا بعدها إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقالا نستأذن منك ونريد العمرة. فصارحهما الإمام بقوله صلوات الله عليه: أنتما لا تريدان العمرة بل تريدان الغدرة. وكان الإمام عليّ صلوات الله عليه يعلم بما يريدان وصارحهما به، فلماذا لم يمنعهما؟ والجواب هو لأنّ عليّاً كرسول الله صلوات الله عليهما وآلهما، يريدان أن يكون الناس أحراراً، ولا يجبرا أحداً على شيء. والإمام صلوات الله عليه لم يجبر حتى أحداً على بيعته عندما بايعه الناس وكانوا بالألوف والألوف، وبعضهم لم يبايع، فأراد بعض أصحاب الإمام أن يذهبوا إلى الذين لم يبايعوا ويعرضوا عليهم بأن يأتوا طوعاً منهم، أي لا بالإجبار والإكراه، ليبايعوا الإمام، فأمرهم الإمام بترك هذا العمل.

بعدها جاء طلحة والزبير إلى مكّة المكرّمة، وجعلا يكذبان على أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وجمعوا مجموعة من الناس، وتوجّهوا إلى البصرة التي كان فيها عامل لأمير المؤمنين صلوات الله عليه فعذّبوه ونتفوا شعر حاجبيه ولحيته ورأسه، وقتلوا مجموعة من شيعة الإمام، في الطريق وفي البصرة، حتى قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي.

وسام الشيعة

كلمة الشيعة هي وسام من رسول الله لأتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، حيث قال النبيّ صلى الله عليه وآله كراراً ومراراً: هذا وشيعته، وعليّ وشيعته. وقد استفاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه من هذا الوسام (شيعتي) الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وآله لأتباع عليّ صلوات الله عليه.

الحرب الغادرة

توجّه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المدينة المنوّرة إلى البصرة مع مجموعة من أصحابه، وتوقّف في ذي قار مع أصحابه. وخرج اولئك من البصرة وجمعوا الجيوش، والتقى الجيشان في ذي قار التي مركزها مدينة الناصرية بالعراق. ولكن مع كل ما فعله طلحة والزبير وجماعتهما بأصحاب الإمام وشيعته وعامله في البصرة من تعذيب وقتل، لم يتعرّض الإمام لقتالهم، بل قال لابن عباس خذ القرآن واذهب إليهم وادعهم إلى القرآن. فجاء ابن عباس وقال لهم إنّ عليّاً يقول هذا القرآن بيننا وبينكم. فقالوا له ارجع وإلاّ قتلناك. فرجع ابن عباس وأخبر الإمام بقولهم. ومع ذلك لم يأذن الإمام بالقتال، وأراد أن يعطيهم فرصة أخرى أيضاً. وهذا هو الإسلام وتاريخ رسول الله وتاريخ أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما هو الإسلام وهو الإسلام. فنادى الإمام بين أصحابه من يذهب إليهم ويدعوهم إلى العمل بالقرآن، فقام شاب وقال أنا يا أمير المؤمنين، فلم يأذن له الإمام، ونادى مرة ثانية وقام الشاب المذكور مرة ثانية ولم يأذن له الإمام، وبعدها كرّر الإمام نداءه ثالثة فقام شخص وقال أنا أذهب إليهم، فأخبره الإمام أنّهم يقتلونك، فقال إن كان في رضا الله فلا بأس. فأخذ الشخص القرآن وجاء إلى طلحة والزبير ومن معهما وقال إنّ عليّاً لا يريد أن تقع الحرب ولا يريد القتال، فلماذا يُقتل الناس، وتُرمل الزوجات والأولاد، وتفجع الأمّهات والأخوات، وهذا القرآن بيننا وبينكم، فتعالوا نعمل به. لكنهم قتلوه. فكان جواب النصيحة لهم القتل منهم أي من أصحاب الجمل. فجاءت أمّ الشخص المقتول ووقفت على جنازته وبكت، وجاءت إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ومع ذلك لم يأّذن الإمام بالقتال حتى انّ أصحاب الجمل قتلوا شخصاً آخراً، وجعلا الرمات منهم وكانوا بالمئات، يرمون أصحاب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالنبال، فحينها أذن الإمام بالدفاع فقط وفقط.

الإسلام لا يريد القتل

هذا التاريخ هو تاريخ الإسلام الصحيح، وهكذا هي الحرب في الإسلام. فالإسلام لا يريد قتل الناس، حتى قتل إنسان واحد. والإسلام لا يريد حتى قتل فرد واحد، ولكن عندما يهجم جيشاً ويريد القتل، فالإسلام يأمر بالدفاع ويأذن بالدفاع، ولا يريد أن يبقى المتعرّض للهجوم مكتوف الأيدي. ولما أتت سهام أصحاب الجمل تتراً على أصحاب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، إذن الإمام بالقتال، واستمر القتال حتى أن وضعت الحرب أوزارها، فقتل جمع من أصحاب الجمل، وفرّ بعضهم، ولم يأذن الإمام بمواصلة القتال، بل قال لشخ أن يعلن فيهم بأن لا يتبعوا مدبراً ولا يجهزوا على جريح، أي لا يقتلوا الجرحى من أصحاب الجمل. فكان الإمام صلوات الله عليه يريد أن يقلّ عدد القتلى، وإن كان المقتول ظالماً أو مظلوماً، أو سواء كان من الذين بدؤوا الحرب أو لا.

إنّ الحرب أخشن شيئاً في تاريخ البشرية. والحرب مقابلة للفضيلة والإنسانية، ولكن الإسلام الذي مثّله رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما خير تمثيل، يتخذون معقلاً للفضيلة والأنسانية والنبل الرفيعة. وبدأت حرب الجمل من أصحاب الجمل، وبدأ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بمجرد الدفاع فقط، وذلك بعد ثلاث مراحل من التعدّي والقتل والظلم من أصحاب الجمل. فالإمام أعطاهم الفرصة ثلاث مرّات.

لتتمّ البيّنة على العالم

ينبغي أن يُنشر هذا التاريخ في عالم اليوم، وأن يعرف الإسلام ويعلمه الجميع، خصوصاً شباب المسلمين، أن يعرفوا ما هو الإسلام، وكذلك يعرفوا انّ الإسلام ليس مع الحرب، بل الإسلام مع السلم والصلح والأمان، ومع عدم الإكراه ومع عدم الإجبار، في أيّ مجال من المجالات، عندها (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) سورة الكهف: الآية29، وحتى تتمّ الحجّة وتتمّ البيّنة.

أسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع، خصوصاً الشباب الغيارى من المؤمنين والمؤمنات، وخصوصاً في الأيّام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، بعرضهم للإسلام الصحيح، وأن يبدؤوا حملة ثقافية فكرية واسعة على شتّى الأصعدة لنشر ثقافة الإسلام الصحيح، وهي ثقافة رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، في جميع الجوانب، ومنها وأهمّها في الحروب. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم