في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة السابعة عشرة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: المصيبة العظمى الشاملة

تقرير: علاء الكاظمي
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
خطب الإمام الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، خطبة قال فيها جملتين عن مصاب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، هما بحاجة إلى شرح وبسط وذكر أمثلة ومصاديق. وهذا لوحده يكفي أن يكون موسوعة ضخمة مفيدة لمستقبل التاريخ. فقد قال صلوات الله عليه في ضمن الخطبة المذكورة: (ولقد اُصيب به الغرب والشرق).

مصيبة عظمى شاملة

إنّ الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه هو إمام معصوم، لا يسهو ولا يشتبه ولا يُخطئ. والمراد من الغرب والشرق في ذلك الزمان، هو البلاد الإسلامية التي كانت ممتدّة حتى عمق أوروبا وإلى عمق أفريقيا والشرق الأوسط كلّه. وفي ذلك اليوم، غير البلاد الإسلامية، كانت دول الرومان التي كانت أقلّ من البلاد الإسلامية، حيث كانت الأخيرة أوسع وأكبر. ويعني انّه بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقعت البلاد الإسلامية، كلّها، غربها وشرقها، بالبلاء والمهالك والمظالم والمشاكل. فالبلاد الإسلامية في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كانت تعيش الإيجابيات، ولكن بعد الإمام عليّ صلوات الله عليه صار وحدث من السلبيات ما جعل الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه يقول (اُصيب به الغرب والشرق). وهذا التعبير وهذا النوع من الكلام بمعنى أنّه لم يبقى في طول البلاد الإسلامية وعرضها، مكان وشخص لم يصبهما مشكلة بسبب استشهاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حكم معاوية لمدّة عشرين سنة، أي من سنة أربعين إلى سنة ستين للهجرة، وخلال هذه السنين ما الذي صار بحيث جعل الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه أن يقول تلك العبارة؟

ذلك يعني، انّ السلبيات التي صارت في البلاد الإسلامية لم تك محصورة في جهة سياسية فقط، أو اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو عائلية فقط، وكما يقال (حذف المتعلّق يفيد المعلوم) وأهل البيت الأئمة المعصومون صلوات الله عليهم والإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليهم منهم هم أسس البلاغة وجذور الفصاحة والبلاغة. فعندما يقول الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه (اُصيب به الغرب والشرق) فيعني اصيب الغرب والشرق في كل شيء، أي إنّ كل الإيجابيات التي كانت في زمن حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه انقلبت إلى سلبيات.

في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يكن حتى قتيل سياسي واحد، ولكن في حكومة معاوية كان القتلى بالمئات والآلاف، بل بالألوف والألوف، من قتلى سياسيين. وهذا الأمر بحاجة إلى أن يُجمع من التواريخ المختلفة. فالإمام المعصوم صلوات الله عليه لا يقول (اُصيب به الغرب والشرق) إلاّ عن مصيبة عظمى تكون السبب لمختلف وشتّى المصائب.

من مفاخر عليّ

أما الجملة الثانية التي قالها الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في تلك الخطبة، هو قوله: (ولم يترك صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمئة درهم من عطائه ادّخرها لخادم لأهله). وحقّاً إنّها جملة عظيمة وعظيمة، وعديمة النظير، في تاريخ البشر، إلاّ تاريخ مثل رسول الله صلى الله عليه وآله، وعليّ نفس رسول الله صلوات الله عليهما وآلهما.

لقد كانت البلاد الإسلامية كلّها تحت حكم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وكانت كل الأموال تجتمع عنده أو تصرف بأمره من الخيرات الكثيرة التي كانت في البلاد الإسلامية، وملأت كل شبر، ومفرداتها موجودة في التاريخ. ويستشهد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ويذهب عن الدنيا وكل ما يملكه هو سبعمئة درهم، أي تقريباً ما يعادل كيلو واحد من الفضة ونصف الكيلو. وكانت هذه السبعمئة درهم من عطاء الإمام وليس من أموال المسلمين. فما هو العطاء؟

العطاء في الإسلام

في الجواب، هكذا نوضّح ونقول: كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أيّام حكومته هو بنفسه يقسّم الأموال، أو يأمر بتقسيمها العمّال والولاة. وكانت الأموال بعضها من الزكوات والخراج والمقاسمة والفيء، وتحصل من أطراف البلاد الإسلامية، ولم تكن في حكومة الإمام وكذلك في حكومة النبي صلوات الله عليهما وآلهما الضرائب أبداً. فكانت هذه الأموال تصرف أولاً على الحاجات، أي لمن يريد الزواج والسكن وللمريض ولمن له حاجات غيرها، وتصرف للمسلمين وغير المسلمين، أي حتى لليهود والنصارى والمشركين والملحدين الذين كانوا يعيشون في بلاد الإسلام. وبعدها على حاجات البلاد الإسلامية من شوارع ومصالح إسلامية ومشاكل مختلفة، وللسلم والحرب، أي الحرب الدفاعية، لأنّه لا حرب ابتدائية في الإسلام، وهكذا كانت حروب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلوات الله عليه، أي دفاعية كلّها، بلا استثناء. وإن كان يفضل من تلك الأموال، كان الإمام صلوات الله عليه يوزّعها بالسوية، ولهذا ذكرت الزيارات لأمير المؤمنين صلوات الله عليه (القاسم بالسويّة) وكذلك في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان يفضل من الأموال في حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه ويفضل ويفضل، لأنّه صلوات الله عليه لم يأخذ حتى درهم لنفسه استثناء، بخلاف بني أمية وبني العباس الذين كانوا يأخذون لأنفسهم بالملايين والملايين والملايين.

القاسم بالسويّة

أما بالنسبة للحاجات فكانت لا تقسّم بالسويّة بل حسب مقدار الحاجة. وكان لأمير المؤمنين صلوات الله عليه خادم اسمه قنبر، وكان الإمام يعطي لقنبر مثل ما يأخذه لنفسه، وفي بعض موارد التاريخ انّ الإمام صلوات الله عليه قسّم على المسلمين كلّهم ثلاثة دنانير، وأخذ هو مثلها وكان هو حينها الحاكم الأكبر والأعلى للحكومة الإسلامية، وأعطى مثلها أي ثلاثة دنانير لخادمه قنبر! فجمع الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه من عطائه سبعمئة درهم، لكي يعطيها لخادم لعائلته التي كانت تحتاج إلى خادم، ولم يك لعائلته ذلك، أي خادم، إلى اليوم الذي استشهد فيه الإمام صلوات الله عليه! فأين تجد مثل هذا في التاريخ؟

وظيفة إلهية

إذن، ألا يجب علينا أن ننشر هذه المفاخر العظيمة النظير التي هي مفاخر الإسلام ومفاخر التاريخ ونحن ضمن هذا التاريخ. فعلى الجميع، كل بحسب ما يمكنه، أن يكثّفوا الجهود والطاقات لجمع هذه المطالب من مختلف الأحاديث الشريفة ومن مختلف التواريخ وعرضها على العالم، حتى لا يتكرّر ما أصاب غرب البلاد الإسلامية وشرقها بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولا يزال هكذا إلى هذا اليوم مع شديد الأسف في الدنيا، ومع أشدّ الأسف في بلاد الإسلام، أو يقلّ تكراره.

أسأل الله تبارك وتعالى التوفيق للجميع. وهذا شهر رمضان، هو موسم هذه الأمور التي هي وظيفة إلهية على الجميع. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم