في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة الخامسة عشرة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: أسلوبان متناقضان

تقرير: علاء الكاظمي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يشير إلى الإمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهما: هذان ابناي إمامان، قاما أو قعدا. أي سواء قاما بأمر الحكومة أو لو يقوما بها وتركوا القيام بها.

بنود مهمّة

بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، اختبر الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه الأصحاب خلال قرابة ستة أشهر، ولم يفي الأصحاب بالإمام صلوات الله عليه، ولذا اضطرّ إلى الصلح مع معاوية. وكتب الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه في ورقة الصلح بنود، كان منها:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما، معاوية بن أبي سفيان على أن يعمل بكتاب الله وبسنّة رسوله. وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده، وعلى أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله. ووقّع معاوية على هذه البنود، ولكنه لم يعمل بها وبأيّة واحدة من البنود التي وقّع عليها.

إنّ أسلوب القرآن الكريم وأسلوب رسول الله صلى الله عليه وآله وأسلوب العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، كلّها مثل الآخر، وكلّها للأمن والأمان للناس، وكلّها ولجميع الناس على الحقّ وعلى الفضيلة. بالعكس من معاوية وأمثاله.

رذائل معاوية

أما بالنسبة للقرآن الكريم، فكانت مخالفات معاوية للقرآن بالعشرات والعشرات والعشرات، وكذلك لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله بالعشرات والعشرات. والذي ورد عن تلك المخالفات لمعاوية في التواريخ لو جمعت ستكون مجلّدات وموسوعة.

مثلاً، من سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله، أي قوله وعمله وتقريره صلوات الله عليه وآله، أنّه طيلة حكومته التي كانت قرابة عشر سنوات، لم يك عنده قتيل سياسي واحد، أي لم يأمر صلى الله عليه وآله ولم يقتل حتى شخص واحد لأمور سياسية. ومعاوية كان قتلاه السياسيون بعشرات الألوف. ففي قصّة واحدة، وكما هي مذكورة في مختلف التواريخ، بعث معاوية بسر بن أرطأة وأمره بأن لا يدع القتل والمصادرة وحرق المزارع وحرق الناس. فلقد جاء بسر إلى الحجاز وأطرافه مرّة واحدة فقط، وخلال فترة قصيرة قتل أكثر من ثلاثين ألف من الرجال والنساء والأطفال. وذكر التاريخ أنّه كان في يده خنجراً وكان يذبح به الأطفال. وكان يحرق الناس وهم أحياء، ويهدم البيوت على أهلها وهم أحياء.

هل انّ مثل تلك الممارسات كانت من سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فلم يكتب في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله حتى سجين سياسي واحد، ومعاوية امتلأت سجونه بالألوف والألوف من المظلومين الذين لم يكونوا يستحّقون السجن لأنهم لم يجرموا ولم يجنوا.

كما كان من بنود الصلح التي وقّع عليها معاوية أنّه لا يعهد إلى أحد من بعده، أي لا يعيّن بعده شخص، ولكنه عيّن يزيد.

كذلك من البنود المهمّة وقليلة النظير في التاريخ، إلاّ في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم، هو ماذكره الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه على انّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله. والمقصود من الناس البشر كلّهم، من مسلمين وغير مسلمين، والرجال والنساء، والصغار والكبار. فالأمان هو أصل مهمّ عند القرآن الكريم وعند رسول الله صلى الله عليه وآله، وعند العترة الطاهرة صلوات الله عليهم. ولكن معاوية خالف هذا البند آلاف المرّات وألوف وألوف. فلقد عاش الناس الذين كانوا في الأماكن التي يحكمها معاوية غير آمنين، غير الذين سجنهم وعذّبهم وقتلهم.

أسلوب الإنسانية والرحمة والأخلاق

إنّ أسلوب الإنسانية والفضيلة والرحمة والأخلاق يمثّله القرآن الكريم في آياته الشريفة، ويمثّله رسول الله صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم في أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم. فهم صلوات الله عليهم والقرآن الكريم يمثّلون الفضيلة في كل مجال، حتى في الحروب التي هي عادة لا مجال للفضيلة فيها عند سائر الناس، بينما الفضيلة هي الأساس عند رسول الله والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين. فالحكومة عندهم تُبنى على الفضيلة، والحرب على الفضيلة، بل الحرب عندهم تبتدئ بالفضيلة دفاعاً، لأنّه ليس من الفضيلة أن يقف الإنسان مكتوف الأيدي ولا يدافع عن نفسه، بل يجب عليه الدفاع عن نفسه، والدفاع عن النفس فضيلة. وكذلك تنتهي الحرب عند القرآن والنبي وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم بالفضيلة عندما تضع الحرب أوزارها. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتركون الناس آمنين، حتى الذين أثاروا الحروب، كما هو في تاريخ أهل البيت صلوات الله عليهم.

ثم هناك أسلوب آخر وهو أسلوب معاوية وبني أميّة وبني العباس وأمثالهم، الذين ملئ تاريخهم هي الرذيلة إرعاب الناس وتخويفهم، والقتل والسجن والتعذيب.

ما يجب القيام به

إذن، يجب أن يُفصل بين الأسلوبين، خصوصاً في هذا الزمان، حيث يمكن الفصل بين الفضيلة والرذيلة، وكذلك بين رجال الفضيلة ورجال الرذيلة، وأسلوب الفضيلة وأسلوب الرذيلة. ولذا، على الجميع أنّ لا يقصّروا في هذا المجال، كل بمقداره، وأن يفصلوا بين ما يأمر به القرآن الكريم وما عمله وقاله وقرّره رسول الله صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة. وإذا جمعت المفردات لهذين الأسلوبين، فستكون مجلّدات وموسوعة.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع لذلك، خصوصاً في الشهر الفضيل شهر رمضان. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

 

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم