في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة الرابعة عشرة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: العفو عن المعارضة المجرمة والحربي

تقرير: علاء الكاظمي
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
في فتح مكّة، لما أشرف رسول الله صلى الله عليه وآله بالألوف من أصحابه على مكّة، كانت راية النبيّ بيد سعد بن عبادة الذي كان من الأنصار، أي من أهل المدينة المنوّرة من أسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة، وكان سعد زعيماً في الأنصار. وقبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكّة، دخلها سعد براية رسول الله صلى الله عليه وآله منتصراً وجعل يهزّها ويسير في أزقّة مكّة وسككها ويصيح: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة.

العفو عن الحربيين المجرمين

هاتان الكلمتان كانتا إنذاراً مرعباً ومخيفاً للجميع. فالملحمة كناية عن انّنا سنقتل بمقدار حيث يقع القتلى بعضهم فوق بعض. وتسبى الحرمة يعني لا تبقى حرمة في مكّة، ونتجاوز الحرمات. وبهذا النداء من سعد، وكما ورد في الروايات والتواريخ، دخل الرجال والنساء في مكّة بيوتهم من الخوف والذعر، لأنّ معظم أهل مكّة كانوا قد تعاملوا سلبياً مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم كان في مكّة، وكانوا ضدّه وكانوا يتعاملون معه بخشونة، واشتركوا في العشرات من الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانوا يتوقّعون انّ هذا المظلوم المنتصر وهو رسول الله صلى الله عليه وآله والمظلومون المنتصرون الذين لحقهم من المشركين في الحروب الظالمة مختلف أنواع الأذى، انّهم سينتقمون من أهل مكّة. فجاء أبو سفيان الذي أسلم قبل ساعات من فتح مكّة، مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لأنّه يعرف نفسية رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من الآخرين، ويعرف انّ هذا النداء من سعد لا يناسب أسلوب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي هو أسلوب القرآن الكريم (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) سورة المؤمنون: الآية96. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما يقوله سعد وأخبره بأنّ الأخير قد أرعب الجميع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين صلوات الله عليه أن اذهب وخذ الراية من سعد وأدخلها رفيقاً أو ادخلها رفيقاً (أيّ مكّة) يعني برفق ولين ولطف. فذهب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأخذ الراية من سعد ودخل مكّة المكرّمة وجعل يسير برفق ولطف في أزقّتها وينادي: اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة.

الرحمة للجميع

المعنى من (المرحمة) أي اليوم نظهر الرحمة بالنسبة لمن ظلمونا. و(تصان الحرمة) أي لا نتجاوز الحرمات. فخرج الناس من بيوتهم، رجالاً ونساء، حتى اولئك الذين اشتركوا في الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وأمنوا على أنفسهم وأموالهم ونسائهم. ولكن كبار قريش الذين كانوا هم وراء العشرات من الحروب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله فإنّهم قد لجؤوا إلى الكعبة المقدّسة ودخلوا فيها لعل هذا المكان المقدّسة يحفظهم من أن يصيبهم شيء. وكما ورد في أحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم والتاريخ، ومنها ما ذكره العلاّمة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في بحار الأنوار، انّ الذين دخلوا في الكعبة المقدّسة كان يعلمون انّهم سيقتلون لأنّهم عارضوا رسول الله صلى الله عليه وآله وآذوه لمدّة عشرين سنة، ولحقوا رسول الله صلى الله عليه وآله بالحروب، وأثاروها ضده في الثمان سنوات التي كان فيها النبيّ صلى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، وقتلوا أصحابه.

جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وهو راكب ووقف أمام الكعبة، ونظر إلى الداخلين فيها، وعاتبهم بعتاب كان برفق ولين، وقال: (ألا لبئس جيران النبي كنتم، لقد كذّبتم وطردتم، وأخرجتم وآذيتم، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني). فهؤلاء كانوا قد آذوا النبي وطردوه وأخرجوه من مكّة وتبعوه بالحروب ومنها بدر وغيرها، وبعضهم اشترك في مؤامرة قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وهو على فراشه حينما كان في مكّة التي على أثرها ترك النبي صلى الله عليه وآله مكّة وهاجر إلى المدينة.

العفو العام

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لهم كلمة هي عديمة النظير في طول تاريخ البشر، إلاّ في تاريخ أمير المؤمنين صلوات الله عليه حيث قال الإمام الكلمة نفسها في بعض حروبه التي فرضت عليه. فقد قال النبي صلى الله عليه وآله لاولئك الذين كانوا داخل الكعبة: (فاذهبوا فأنتم الطّلقاء). والمقصود من الطلقاء يعني ليس لي معكم أمر سلبي، أي لا قتل ولاسجن ولا مصادرة لأموال وممتلكات ولا تعذيب ولا ولا. وورد في التاريخ والأحاديث الشريفة انّه لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله تلك العبارة خرج من كان في داخل الكعبة وكأنّما انشروا من القبور، يعني كالذي دفن وهو حي في القبر، وبعدها فتحوا عليه القبر وخرج منه، وكثير منهم دخلوا في الإسلام في تلك الساعة. وهذا هو الفتح الإسلامي، بالفضيلة والأخلاق. وهذه هي النظافة مع الأعداء في الحروب، وهذه هي الإنسانية مع الأعداء في الحروب، وهذه هي الفضيلة مع الأعداء في الحروب. فأهل مكّة وبالأخصّ الزعماء والرؤوس من المشركين فيها قد قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وصادروا وباعوا دار رسول الله صلى الله عليه وآله في مكّة التي كانت مسكنه من آبائه وأجداده وملكه بعد أن هاجر منها إلى المدينة المنوّرة، حيث باعوا وأخذوا أموالها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصادر حتى درهم واحد ولا شيئاً آخراً. ومع شديد الأسف، يعرض في التاريخ ولا يزال ولهذا اليوم الفتوحات الإسلامية في الحروب التي أوجدها ملوك وحكّام باسم الإسلام والإسلام منهم بريء، حيث كانت فتوحاتهم بالمظالم والقتل والحرق وهدم البيوت على أهلها وهم أحياء ودفنهم.

الإسلام الصحيح

إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هو الممثّل للإسلام الصحيح والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي هو بصريح القرآن الكريم نفس رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله عزّ من قائل (وأنفسنا). وأمّا بقيّة ما عرض ويعرض مع شديد الأسف في كثير من البلاد الإسلامية هذا اليوم باسم الإسلام فهو ليس من الإسلام. فملاك الإسلام هو رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلوات الله عليه، كما قال النبيّ صلى الله عليه وآله: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

إذن، ليتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله، البشر والحكّام في الدنيا، وخصوصاً الحكّام في البلاد الإسلامية، والقرآن الكريم يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب: الآية21. وفي هذا الزمان واليوم، قد امتلأت الدنيا بالمشاكل في كل مكان، وهي أحوج ما تكون إلى تطبيق ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله، وتطبيق سنّته في التعامل بالحروب وبعدها، ومنها قوله صلى الله عليه وآله: اذهبوا فأنتم الطّلقاء.

أسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّق المسلمين وخصوصاً الشباب المؤمن الغيارى في بلاد الإسلام وغيرها لعرض النقاط المهمّة من تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله، وكلّها مهمّة. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

 

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم