في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة الثالثة عشرة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: درس للحكّام

تقرير: علاء الكاظمي
 


بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
شروط بيعة النساء

في فتح مكّة المكرّمة، عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبايع الرجال والنساء، ورد في الأحاديث الشريفة وفي التواريخ، أنّه صلى الله عليه وآله جلس في المسجد الحرام وبايع الرجال، صباحاً إلى صلاتي الظهر والعصر. وبعدها صار الدور لبيعة النساء، فقال صلى الله عليه وآله أنّه لا يصافح النساء، لأنّ البيعة مع الرجال كانت بالمصافحة، أي كان صلى الله عليه وآله يفتح يده الكريمة ويصافح الرجال. وفي بيعة النساء أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يوضع طشت فيه ماء، ويضع رسول الله صلى الله عليه وآله أصابعه الكريمة في طرف الطشت في الماء، والنساء يضعن أطراف أصابعهنّ في الطرف الآخر من الطشت.

ثم نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة الممتحنة: الآية 12. وهذه الشروط جعلها الله عزّ وجلّ لبيعة النساء مع رسول الله صلى الله عليه وآله. فذكر النبيّ هذه الشروط للنساء وقت البيعة. فكان النساء في الجاهلية يقتلن الأولاد وليس البنات فقط، بل كانوا يقتلون الإناث والذكور أيضاً. فالولد في اللغة العربية أعمّ من الذكر والأنثى. وكانوا يقتلون الإناث والذكور للفاقة أي للفقر كما ذكره القرآن الكريم أيضاً. وكانت هند بنت عتبة زوجة أبو سفيان وأمّ معاوية موجودة في النساء، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قوله تعالى: (وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ)، قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله بكل جرأة وجسارة: ربّيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً. ويعني أنت قتلت الأولاد وهم كبار. فلقد كان من قتلى حرب بدر حنظلة ابن هند والأخيرة قصدته بكلامها.

عائلة .. عدوّ كلّها

إنّ أبي سفيان وهند وأبناؤهما حاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من عشرين سنة، من أوّل البعثة حتى فتح مكّة المكرّمة، بأنواع الحروب، وفي أول الحروب ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وهي حرب بدر، اشترك أبو سفيان وهند وابنهما حنظلة وقتل فيها. وعلى التاريخ أن يسأل من هند: أين قُتل حنظلة ابنك؟ فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، وكانت هند وأبو سفيان وأولادهما في مكّة، ولم يقتل حنظلة في مكّة أو في أطرافها. وعلى التاريخ أن يسأل أيضاً: وهل جاء رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة إلى مكّة وقتل حنظلة أم انّ حنظلة قتل في بدر؟ وأين كانت بدر؟ فلقد كانت بدر في أطراف المدينة المنوّرة، وهم، أي أبو سفيان وهند وحنظلة والمشركون، قد جهّزوا الجيش ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وأرادوا قتل النبيّ، وكانوا يشجّعون على قتله، وخرج رسول الله صلى الله عليه من المدينة للدفاع. ولكن الله تعالى نصر نبيّه في الحروب ومنها بدر.

جواب الأحمق!

إنّ الذي يتعرّض لهجوم، من البديهي أن لا يقف مكتوف اليد، بل عليه أن يدافع، وهكذا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه إلى الدفاع. وفي حال الدفاع عن أنفسهم وعن المسلمين وعن الإسلام وعن الدين، قُتل حنظلة وغيره من المشركين الذين أثاروا الحرب وبدؤوها ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله. ولكن هكذا تتجرّأ هند على أن تخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك الخطاب. ولم يردّ رسول الله صلى الله عليه وآله عليها حتى بكلمة واحدة. وقد ورد في الآثار: (ما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه). والأحمق هو الذي يتكلّم بشيء غير صحيح. فأي عرف هذا وفي أيّ عرف وأيّ منطق أن يسمّى من يتعرّض للهجوم ويدافع عن نفسه بأنّه قاتل؟! ولكن خلق رسول الله صلى الله عليه وآله الرفيع وأنّه (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) جعل مثل هند وهي في موقع الذلّ والضعف، تستطيع أن تتجرّأ بمثل ذلك الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وآله.

درس للحكّام كافّة

رسول الله صلى الله عليه وآله أسوة يُقتدى به، ويتعلّم منه، وقد أمر القرآن الكريم البشر جميعاً، والمسلمين خاصّهم وهم أولى بذلك، بأن يتعلّموا منه صلى الله عليه وآله. فالنبيّ صلى الله عليه وآله ليس للمسلمين فقط، بل هو كما ذكر القرآن الكريم: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) سورة الأعراف: الآية158. فعلى البشر أن يتعلّموا من رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان في ذلك الوقت في موقع الحاكم الشرعي، واقعاً وظاهراً.

لذا، على الحكّام في العالم، أن يتعلّموا من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وخصوصاً في البلاد الإسلامية. فإذا تكلّم أي شخص بكلمة على الحكّام أن لا يثوروا ولا يعاقبونه، بل عليهم أن يتحمّلوا ويتحلّوا بالتحمّل. فيجب على رئيس الجمهورية، سواء في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، أن يكون حليماً ويتحمّل، ويتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله.

آكلة الأكباد

لقد كانت هند وأبو سفيان وعائلتهما في طليعة المحرّضين على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وإبادة الإسلام. فقد جاء في التاريخ، أنّه في وسط المعركة والقتال، كانت هند موجودة وبيدها مكحلة، وكانت كلما ترى أحد من المشركين قد تعب من القتال ويولّي فارّاً ومنهزماً، كانت تأتيه بالمكحلة وتخاطبه بأنّك أصبحت كأمرأة ويجب عليك أن تكتحل عينيك. وهند هي التي أمرت وحشي في حرب اُحد أن يشقّ صدر حمزة سيد الشهداء عليه السلام عمّ الرسول صلى الله عليه وآله وأخرجت كبد حمزة وجعلته في فمها وأرادت أن تأكله ولكنها لم تستطع، حتى لُقّبت في التاريخ والأحاديث الشريفة وفي شتى كتب المسلمين بآكلة الأكباد وأبناؤها بأبناء آكلة الأكباد.

لكي ينجو العالم من المشاكل

إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أسوة في كل شيء، للجميع، وبالخصوص للحكومات والحاكمين. فيجب على الجميع نشر آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وأخلاقه وفضائله وتاريخه، حتى لعلّه وشيئاً فشيئاً، يتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله البشر أمثال ذلك. فبمقدار نسبة ما يتعلّمون، تقلّ المشاكل المختلفة في المستقبل وتخفّ، التي ابتلي بها العالم كلّه وبأسره، وتزيد يوماً بعد يوم، من مشاكل اقتصادية واجتماعية وعائلية مختلفة ومن حروب.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع للقيام بهذه الفريضة. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم