في ليالي شهر رمضان العظيم 1441 للهجرة

الكلمة الثانية عشرة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: في الإسلام لا يُقتل الجاسوس!

تقرير: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم
 
من مفاخر النبيّ

من مفاخر الإسلام، بل من مفاخر التاريخ، قصّة تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله مع حاطب بن أبي بلتعة وسارة المشركة.

كان حاطب بن أبي بلتعة من المشركين الذين أسلموا على يد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان في المدينة المنوّرة مع النبيّ صلى الله عليه وآله، وكان له أقرباء في مكّة المكرّمة وكانوا من المشركين، كمجموعة أخرى من المسلمين في المدينة المنوّرة الذي لهم أقرباء مشركون في مكّة.

بعد مضي سنوات عن بقاء رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، وإثارة مشركي مكّة الحروب على رسول الله صلى الله عليه وآله، الواحدة تلو الأخرى، في بدر واُحد وحنين وغيرها وغيرها، وقيام النبيّ صلى الله عليه وآله بالدفاع في كل جميع تلك الحروب، وانتصاره فيها، وانكسار المشركين، تعب المشركون قبيل فتح مكّة المكرّمة، ولم يثيروا بعد حرباً على رسول الله صلى الله عليه وآله، على الأقلّ من مكّة، وإن كانوا يثيرون اليهود والذين كانوا في أطراف المدينة المنوّرة من غيرهم أيضاً وبعض قبائل المشركين في خارج مكّة.

قصّة جاسوس وجاسوسة

مضت فترة ليست بالقصيرة ولم يكن للمشركين في مكّة علم بما يقوم به رسول الله صلى الله عليه وآله للمستقبل. فجاؤوا إلى بعض أقرباء حاطب بن أبي بلتعة في مكّة، وطلبوا منهم أن يكتبوا إلى حاطب ليكتب لهم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وأنّه ماذا يصنع وماذا يريد. فكتبوا إلى حاطب باعتباره في المدينة المنوّرة وعند رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعثوا الرسالة مع امرأة مشركة وكانت مغنّية ومعروفة في ذلك الوقت بمكّة بما لا يحمد وكان اسمها سارة، وأعطوها الرسالة.

جاءة سارة بالرسالة إلى المدينة وأوصلتها لحاطب، فكتب الأخير في جواب الرسالة للمشركين كلمات وهي انّ النبيّ يريدكم فخذوا حذركم. وأعطى الرسالة إلى سارة لتذهب بها إلى المشركين في مكّة. ومنذ قبل يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله كل شيء بإذن الله عزّ وجلّ، كما تذكر الروايات الشريفة، ومنها: (كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين). ولكن لم تك من عادة المعصومين صلوات الله عليهم أن يظهروا علمهم الواقعي غالباً إلاّ نادراً.

كانت سارة قد جاءت إلى المدينة وفي الطريق التقت برسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لها: هل جئت مؤمنة؟ أي هل آمنت وأسلمت وتركت مكّة؟ قالت لا. فقال لها هل جئت مهاجرة؟ قالت لا، فقال لها فما الذي جاء بك. فلم تقل بأنّها تحمل رسالة إلى حاطب من المشركين بل قالت جئت من الفقر إلى المدينة. فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال لها كلمة تدلّ على ما لاتحمد عليها سارة في مكّة. ولكن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يعطوا لسارة ركوب وأموال وملابس، وهي حاملة لرسالة فيها كشف الأسرار الحربية في وقت الحرب. فلم تك هناك هدنة بين رسول الله صلى الله عليه وآله والمشركين. فالمشركون لم يتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن في ذلك الوقت لا يملكون أن يثيروا حرباً أخرى على رسول الله صلى الله عليه وآله.

النبيّ يكشف التجسّس

ذكرت كتب التفاسير والأحاديث والتواريخ، انّ حاطب أعطى سارة عشرة دنانير من ذهب، وأوصاها بأن تتنكّب الجادة، أي الطريق المعروف بين المدينة ومكّة، وأن تسلك طريقاً آخراً غير معروف، حتى لا ينكشف أمرها. فسلكت سارة طريقاً غير مألوف، وبعد مدّة أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع جماعة آخرين من الأصحاب وكان فيهم الزبير، وأخبرهم بأنّ سارة تحمل رسالة من حاطب إلى المشركين في مكّة فاذهبوا إليها وستجدونها في فلان المنطقة، وخذوا الرسالة منها وأتوني بها. فذهب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومن معه إلى سارة، والتقوا بها وهي تذهب مسرعة إلى مكّة، فأوقفوها وطلبوا منها أن تخرج الرسالة، فنكرت ذلك. وكلما قالوا لها أخرجي الرسالة أنكرت أشدّ الإنكار. فطلب بعض الأصحاب منها أن تنزل، فنزلت وفتّشوها وفتشّوها ما على راحلتها فلم يجدوا شيئاً، فقالوا لأمير المؤمنين صلوات الله عليه لنرجع فلم نجد عندها شيئاً. فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يقول شيئاً خلاف الواقع، فقطعاً معها رسالة. فجاء الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى سارة وتكلّم معها بشدّة، فقالت تنحّوا عنّي، فانعزلت في أمتار، وفتحت غطاء رأسها وأخرجت الرسالة من داخل شعر رأسها وأعطتها للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

العفو عن الجاسوس!

إنّ جاسوسة مشركة تحمل أسرار الحرب في وقت الحرب، وجاسوس مسلم في داخل المسلمين يكشف أسرار الحرب إلى المحاربين المشركين، في مكّة، فما حكمهما، في القوانين الدولية وقوانين العالم وقوانين ذلك الزمان وهذا الزمان الحالي؟ ولكن ومع علمه بذلك لم يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً سلبياً مع سارة، ولم يصنع مثله مع حاطب بن أبي بلتعة ولم يقتله، بالرغم من انّ بعض المسلمين اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وآله قتله. ولكن وعلى العرف المعروف في ذلك الزمان، لم يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله حاطب ولم يسجنه ولم يعذّبه ولم يأذن بشيء سلبي بالنسبة إليه ولم يصادر أمواله.

أليست هذه مفخرة من مفاخر التاريخ؟ وأين يوجد مثلها في التاريخ؟

أليس رسول الله صلى الله عليه وآله رسول الفضيلة والإنسانية؟

الملاك في الإسلام

إنّ هذه المفردة الواحدة هي من المئات والمئات من الفضائل في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله. وهو صلى الله عليه وآله الملاك في الإسلام. فالملاك في الإسلام ثلاثة فقط وفقط، وهي:

الأول: كلام الله عزّ وجلّ أي القرآن الكريم. ويقول عزّ من قائل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب: الآية21.

الثاني: رسول الله صلى الله عليه وآله.

الثالث: العترة الطاهرة من رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. ولا رابع لذلك، وهذا هو الملاك فقط.

بلى، لم يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله الجاسوسة المشركة، ولا الجاسوس المسلم. ولم يك حاطب جاسوس فقط بل إنّه كشف أسرار الحرب في وقت الحرب.

نظام فيه سعادة البشرية

إنّ هذا النظام الذي صنعه نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، إذا حكم به العالم أو يحكم على العالم، فهل ستبقى هناك مشكلة حروب في العالم؟ وهل سيبقى هناك قتل وظلم وحرمان؟ وما الذي يجب على المسلمين أن يصنعوا بتاريخ رسول الإسلام صلى الله عليه وآله؟ سوى أن ينشروا هذا التاريخ في أوسع وأعمق نشر، وخصوصاً في هذا الزمان. فهذه القصّة وحدها، وهي تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله مع جاسوسة مشركة وجاسوس مسلم، إن تعرض على العالم في أفلام وفي الفضائيات وفي مختلف الوسائل، ستؤثّر في العالم؟ ومقدّمات هذا التأثير هي وظيفة كفائية ومادام من ليس فيه الكفاية تكون هذه الوظيفة واجب عيني.

إنّ مجموعة من كبار فقهاء الإسلام بالنسبة إلى عمل رسول الله صلى الله عليه وآله الذي مرّ ذكره، صرّحوا أنّه لا يجوز قتل الجاسوس في الإسلام، ومنهم الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في كتابه المبسوط، يقول: وإذا تجسّس مسلم لأهل الحرب لم يحلّ قتله، لأنّ حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكّة كتاباً يخبرهم بخبر المسلمين فلم يستحلّ النبيّ صلى الله عليه وآله قتله. وأما الذين قالوا بقتل الجاسوس فهي قوانين البشر لا قانون السماء. ومع الأسف رأيت في الآونة الأخيرة بعضاً من المسلمين كتب في قصّة حاطب وحكم بأنّه يجب قتل مثل حاطب!

بلى، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقتل حاطب، والملاك هو، وهذا الملاك.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق المسلمين، وخصوصاً الشباب الغيارى في البلاد الإسلامية وغيرها، لنشر ثقافة رسول الله صلى الله عليه وآله. فبمقدار ما يُنشر منها وتعمّ في أرجاء الأرض، يكون التأثير في رفع المشاكل المختلفة عن العالم. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

 

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم