مصطلحات ومفاهيم:الإحباط

 

الإحباط

Frustation

حالة من يُحرم من إشباعٍ مشروع، من خابت آماله.

الإحباط معنى مبتذل يواجه الموجود الإنساني يومياً، ذلك أن كل شيء في الحياة نزوع إلى إشباع الحاجات. وربما يكون الإحباط ناجماً عن غياب شيء (نقص الغذاء، الماء، النقود، العمل...) أو عن وجود مانع، خارجي أو داخلي، يحول دون الوصول إليه (حائط، ناطور، تربية أخلاقية...). وتعريف الإحباط لا يتم مع ذلك بالحرمان ولا بالمانع ولكن بالدلالة التي يتّخذها وضع معيّن بالنسبة لشخص معيّن؛ مثال ذلك أن المرض سيستقبله بارتياح أولئك الذين يرغبون في أن يهتمّ الآخرون بهم؛ وسيبدو الحمل حدثاً كارثياً في أسرة معينة؛ ويصبع الاعتقال فرصة مؤاتية لإنقاذ حياة شخص يعلم أنه مهدّد. فليس بمقدورنا إذن أن نعلم إذا كان أحد الأشخاص محبطاً إلا إذا سألناه أو لاحظنا سلوكه. والارتكاسات على الإحباط متغيّرة. إنها ذات علاقة بطبيعة عامل الإحباط وشخصية من يعانيه. والاستجابة تكون بعدوانية على وجه العموم. فبعضهم تمكّن أن يبرهن على أن عدد أعمال العنف كانت تزداد في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية عندما كان سعر القطن ينخفض، أي عندما ينخفض مستوى الحياة لدى ((البيض الصغار)). وربما تكون العداوة متّجهة نحو المانع (يغضب الطفل الصغير على أمه التي لا تستسلم لنزوته) أو تتحول على بديل (يضرب دبّه المخملي)، أو ترتدّ أيضاً على الذات (يعاقب نفسه: ثمة بعض حوادث الانتحار لدى التلاميذ، التي تتلو تعنيفاً، تشرحها هذه الآلية). ويحلّ محل العدوان المكفوف كلياً، في بعض الحالات، نكوص إلى مرحلة سابقة من النمو (ظهور جديد لتصرّف قديم: سلس البول على سبيل المثال). وتسبب الإحباطات، حسب أهميتها واللحظة التي تحدث فيها، عواقب دائمة قليلاً أو كثيراً لدى الذين يعانونها. وهي خطيرة بمقدار ما تظهر مبكّراً.

والإحباطات الأكثر خطورة هي التي تنجم عن الحرمان من صلة قوية بموجود عزيز وعن غياب الأمن.. وأثبت ر. سبيتز، من جهته، أن الأطفال المحرومين من أمهم، في حاضنة نموذج، كانوا يظهرون حساسية متنامية لضروب العدوى المبتذلة (نسبة الوفيات أعلى ب37 بالمئة منها في منزل الأم). ويعتقد مؤلفون آخرون أن الإحباطات الوجدانية المبكّرة مسؤولة أيضاً عن ضروب من عدم التوازن الخطير في الشخصية، وعن ذهانات كالفصام والأمراض النفسية الجسمية: فالقرحة المعدية تنشأ على الغالب من رغبة مشبعة في أن يكون المرء مدعوماً، محبوباً، تابعاً؛ والحمل العصبي ينشأ من أمل معاكس، أمل الحصول على طفل؛ إلخ. ويجد الجنوح، أخيراً، مصادره في الإحباط. ومثال ذلك أن يتيماً يتعلّق بأبوين معيلين ربّياه عدة سنين، وينويان تبنّيه. ولسوء حظّه مات الأب، ووضع الطفل في أسرة أخرى. وسرعان ما شرع يسرق من المنزل أشياء ثمينة ولكنه يلقيها في النهر إذ لا يعلم ما يصنع بها. إنه كان يلوم بصورة لا شعورية أبويه الجديدين على أنهما حرماه من معيليه السابقين. فالسارقون، يقول أ. هيسنار (1886- 1969)، [ليسوا على الأغلب سوى صور كاريكاتورية من أناس غير شرفاء. إنهم أفراد يعتبرون أنفسهم، على نحو غامض قليلاً أو كثيراً، أحبطوا في حقهم بوصفهم أفراداً. وذلك بدءاً من الطفل الذي يشرع في أن يسرق أقلام حبر بسذاجة عند ولاة أخٍ صغير، أثير الأبوين، حتى رئيس العصابة أو العضو فيها، اللذين يجدان في الرشيش و[الاندفاع إلى الأمام]جهاز العدالة الملائم  ضدّ مجتمع يحتقر حاجتهم إلى أن يعيشوا حياتهم بكل اتساعها]. وينصبّ كثير من المجرمين أنفسهم قضاة، ذلك أنهم يشعرون أن حقّهم الشخصي قد مسّ، وأنّهم مهددون في قيمتهم الخاصّة. والجريمة العاطفية هي الإبانة بالمثال لذلك: فالزوج المهان يمنح نفسه حق إنزال العقوبة، بل واجب إنزال العقوبة بالخائن: [كل قاتل غيور يجد في تلك التي لا يستطيع امتلاكها وحده تلك الإثمية التي لا يريد أن يراها لديه، على صورة دونية مهينة]. فالجريمة، في كثر من الحالات، تنشأ إذن من آلية سحرية تنزع إلى أن تلغي جرحاً خفيّاً أصاب القيمة الشخصية، وذلك ما يشرح الهدوء والسكينة لدى المجرمين عندما ينجزون فعلهم.

ونحن نرى أن الإحباطات تشارك في تكوين اضطرابات عديدة، جسمية، وعقلية، وسلوكية. ولكن الإحباط لا يكتسب قدرته على إثارة المرض إلا بدءاً من شدة معيّنة ومدة معيّنة، ومن خاصة معيّنة (عتبة تتغيّر حسب الأفراد). وتتيح الإحباطات التي تقع تحت هذه العتبة للفرد أن يتكيّف مع الواقع؛ إنها تساهم في أن تمنحه القوة الضرورية لاكتساب ما سيكون بحاجة إليه. فالطفل الذي يوضع في منجى من كل إحباط ستفوته هذه الطاقة فيما بعد.

وسيحرص ضرب جيّد من قواعد الصحة العقلية على استبعاد الإحباطات الكثيفة، غير المجدية والمؤلمة كالوضع غير الضروري في منشأة استشفائية أو منشأة ذات طابع صحي أو اجتماعي، ذلك أن الطفل المبعد عن أسرته ليس محروماً من المحبة والأمن اللذين يؤمّنهما الوالدان له فحسب، بل يشعر أنه مهدّد في حقّه أن يكون محبوباً، حق هو كل حياته.. فالتربية لا تكمن في إلغاء الإحباطات بل في أن تُجرَّع تبعاً لمقاومة الفرد (انظر في هذا المعجم: التطلّع، القصور العاطفي، مفعول زيغارنيك).

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها