رسالة تثقيفية الى القرضاوي‎

جعفر رجب :

قبل ايام كتبت مقالات عن الشيعة والسنة، للعامة من الناس وكان هدفي بيان ان السنة والشيعة جناحان لهذه الأمة التعيسة التي لا تحسن الطيران، وتكتفي بالحفر في أطلال الماضي، ولكن يبدو ان مصيبتنا ليس في العامة من الناس بل في العقلاء منهم، ومن «عقلاء» الأمة الشيخ القرضاوي
، الذي صرح محذرا المسلمين من المسلمين الشيعة المبتدعة الذين يملكون المليارات... لذلك سأحكي قصتي للشيخ القرضاوي! شوف يا شيخنا... كنت في الصف الثاني الابتدائي عندما صليت أول صلاة... بعد نصائح المدرس، رجعت من المدرسة الى البيت، بعد أن غسلت رأسي وأذني ورجلي في المغسلة وأنهيت وضوئي، وقفت في الغرفة ووضعت يداي على صدري، وصليت الصلاة وفقا للمذهب السني! دخل أبي رحمه الله الغرفة، وانا ارمقه بطرف عيني منتظرا الاستحسان منه على صلاتي وتقواي، ابتسم وانتظر حتى انهي الصلاة... ثم أجلسني وتحدث معي، لا اذكر ما قال حينها - رغم ان الوالد بالمفهوم العصري كان ليبراليا ووفقا للمفهوم الجديد «اللي طالعين فيها» شيعي متستر بالعلمانية - ولكن اذكر انه كان يعيد لنا قراءة التاريخ مرة أخرى، وبقصص مختلفة عما ندرسه، فقد كنا ندرس التاريخ بروايتين رواية الأستاذ زهدي مدرس الدين ورواية أبي، ومازلت رغم السنوات التي مرت، ورغم ما قرأت من كتب في التاريخ، الا انه وحدها تلك القصص مازالت عالقة في ذاكرتي! لم يقل أبي - رحمه الله - يا ولدي «هؤلاء غزو سني» ولا «انهم مبتدعون، وخطر عليك» ولا «لا تلعب مع عيال السنة» ولا «حط بالك من السنة» ولا «ححرمك من الميراث اذا صرت سني» كل ما قام به هو انه كان يعيد لنا قراءة التاريخ وفقا لمعلوماته، وبعدها نذهب لنلعب الكرة في الفريج دون أن نقسم الفريقين على حسب المذهب! بعد ذلك يا شيخ كانت المرحلة الثانوية في ثانوية الدوحة، في بداية الثمانينات، كانت مرحلة المراهقة حيث ثورة الشباب والتعصب للرأي والانتماء، كانت تتحول حصص التربية الاسلامية الى معارك طائفية لا تبقي ولا تذر مع المدرسين المصريين خاصة، فاغلبهم كانوا حديثي العهد بالبلد، ويكتشفون فجأة ان هناك بشرا اسمهم شيعة، ولهم آراء مختلفة عن مسلماته التاريخية التي طالما امن بها، لهذا كان المدرس المسكين بعد عدة معارك يكتفي بالقول «مش عاوزين نقاش احفظ اللي قدامك لأنه هو اللي حتمتحن فيه» وكنا نتفاخر بتسجيل نقاط انتصاراتنا على المدرسين عندما كنا نجتمع في الفرصة بالقرب من محول المدرسة، كنا نتصور ان الصراع في العالم محوره السنة والشيعة خاصة مع بدء حرب الخليج الأولى وبسبب الوضع السياسي في البلد... كانت مراهقة فكرية يعيشها كل فرد في حياته ويكبر وتكبر معه أفكاره، وتتحول مراهقته الفكرية الى ذكريات وتجارب طريفة يرويها لأبنائه.... هذا المفروض، أما في هذه الامة فانها مستمرة في مراهقتها الفكرية، الأمم تكبر وتكبر أفكارها وقيمها وطموحاتها، ونحن امة نترهل وتصغر أحلامنا ومعاركنا! أوضح لي يا شيخنا، أنت قلت ان الشيعة مسلمون، وبعد ذلك تقول على المسلمين الحذر منهم... بذمتك يا شيخ وأنا متأكد انه عندك ذمة، هل يحق لنا بعد ذلك أن نتحدث عن مؤامرة صهوينية وأميركية وماسونية لتمزيق الأمة،وطعن خنجر في خاصرتها وبث السموم في شوربتها،ووضع صابونة في حمامها حتى تتزحلق وتنكسر راسها!! يا مولاي الشيخ هل بالفعل هولاء «المعترين» يملكون المليارات؟ أقصد هل شفت بعينك حساباتهم البنكية في سويسرا؟ وأنت ذاهب لفتح حساب شخصي هناك هل اكتشفت حسابا خاصا لمليارات للشيعة!؟ يا شيخ... هل شاهدت قصورهم المذهبة أم شاهدت ناطحات سحابهم في بني جمرة بالبحرين؟ أم وصلتك صور من الأقمار الصناعية لمصانع الأسلحة التي يملكونها في أهوار العراق؟ أم ركبت احدى طائراتهم التبشيرية التي تقل دعاتهم من مطار بانيان في أفغانستان؟ أم تعاملت مع شركاتهم المتعددة الجنسيات التي أقاموها في قرى الجنوب اللبناني؟ أم تصورت ان جبال ووديان صعدة في اليمن منتجعات سويسرية؟.... يا مولاي الشيخ انهم يعيشون في أحزمة الفقر حالهم كحال السنة الذين استفقرهم الملوك والأمراء والعسكر! غريب يا شيخنا الفاضل من عمره قليلا، كيف يمكن ان تخوف مليار سني من عشرات الملايين من الشيعة هنا وهناك،يحفون سنوات طوالاً من اجل أن يحصلوا على رخصة بناء لمسجد،ثم يمنعون لخوف أن يؤثر بناء المسجد على أنانيب النفط،وقد يؤثر بناؤه على السوق النفطية...لا اسخر يا مولاي ولكنه ما يحصل عندنا في الكويت الدولة التي تسعى جاهدة أن تزيل الفوارق بين مواطنيها فما بالك في دول قامت على ارث طائفي! يا مولانا أحدثك من بلد منفتح كان مثالا يحتذى في التعايش الطائفي والعرقي، يدرس طلبته الآن في الصف العاشر ان ثلث مواطنيه، وعشر نوابه، وعشر حكومته، مشركون كفرة لأنهم يزورون القبور... فما بالك ببلاد تنام وتعيش على الطائفية! يا مولاي الشيخ لا اعرف عن غزوات الشيعة الا صاحبي الأندلس احدهما اسمه موسى بن نصير والآخر طارق بن زياد.. غزوا الاندلس وفتحوها... وماذا حصل بعدها... في كتب التاريخ لا نجد سوى انه تم استدعائهما الى دار الخلافة في الشام بعد أن «شكوا» في ميولهما الشيعية، وفتحوا لهما «مطعم فلافل» بعد أن فتحوا الاندلس! طلعوا شيعة يا مولاي، فهل كان هؤلاء وأمثالهم خطرا على الأمة! تحبون التاريخ يا مولاي نرجع للتاريخ، في زمن التعصب المذهبي، دخل «النسائي» عالم الحديث السني المعروف الى مسجد من مساجد الشام وكان شيخا كبيرا، فسأله المتعصبون من السنة «لماذا الفت كتابا تروي فضائل علي ولم تؤلف كتابا تروي فضائل (فلان الصحابي)»؟ وردد عليهم وأفحمهم فضرب واخرج من المسجد ومات بسبب كتاب الفه! في نفس الوقت الذي كان الحشاشون - شيعة اسماعيليون - يشجعون قتل السلاجقة وجواز العمليات الانتحارية! فهل أنت يا مولاي مشتاق الى تلك الأيام التي كانت تكثر فيها الفتن لتلك! يا مولاي الشيخ هؤلاء الشيعة ابتلوا بأمثالكم من الصالحين الذي يعتبرون الشيعي، اذا بكى كفر، واذا صلى اشرك، واذا زار فسق، واذا دعا مرق، واذا صام تزندق، واذا اتقى نافق واذا اعترض فجر... فماذا يفعلون حتى ترضى عنهم يا شيخ وتعطيهم صكا تدخلهم الجنة معك! يا شيخنا امقت الحديث عندي أحاديث الطائفية، وتغييب العقول، وان نعيش في صراعات القرن الأول، ونتناقش في الأحق بالخلافة والحكم، وتسعة أعشار الأمة لا يستطيعون اختيار زوجاتهم فما بالك بحكامهم، ليصبح من يريد أن يصبح شيعا او سنيا... لن يصلح حالنا، ولن تتغير احوالنا، ولن تشفى امراضنا... وما دمت أنت يا مولاي من عقلاء الأمة، فليرحمنا الله من مجانينها!

قول الحق لم يبقي لي صديق

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم