دأب أتباع الرسالات السماوية بشتى أديانهم ومذاهبهم على انتظار يوم موعود
يعيش فيه بنو البشر في ظلال عالَم الإيمان والعدل والسلام والرفاه بعد
ظلامات القرون الغابرة ومعاناتها وآلام أيامنا التي نعيشها بحيرتها وخوفها
وجورها, حيث (الأمل الموعود) ينتقل ويورث من نبي الى نبي ومن وصي الى وصي
ومن أتباع الى أتباع, وحتى يومنا هذا, فما زال ذلك اليوم يتقد حضوره في
وجدان (المنتظِرين), فالموعد سيتحقق لأنه حق يقتضيه عدل جبار السموات
والأرضين, والواعد هو المنان على الذين "اسْتُضْعِفُوا" في الأرض, ويريد أن
يجعلهم "أَئِمّةً" ويجعلهم "الْوَارِثِينَ", لذلك فالثقة بالواعد والوعد
والموعود ليس لها حدود, وإن ذلك الأمل المتجدد في الوجدان هو بفعل تلك
الثقة التي تشرق في النفس المعاهِدة مع كل صباح, وتتوهج في قلوب المنتظِرين
للفرج مع كل دعاء وفي ساعات الانقطاع من كل يوم, فإنهم يرونه قريباً وغيرهم
يرونه بعيداً.
إن الانتظار للإمام المهدي (ع) عمل له عمقه الإيماني والتاريخي بقدر ما له
آفاق حركية ونهضوية للحاضر والمستقبل, وبذلك فهو عمل يحتاج الى قدرات عقلية
واعية وملكات نفسية متوازنة تحصِّن (المنتظِر) من الانزلاق الى هاوية
الأوهام التي وقع فيها – على مدى التاريخ – مَنْ وقع, وإن عمود ذلك
الانتظار ترقب قدوم ذلك المُخلِّص الذي سيأتي "رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ"
فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً, كما إنه ليس أدوات ذلك
الانتظار سوى تقوى الله, والتمسك بالثقلين, كتاب الله والعترة الطاهرة,
وحسن الخلق في كل حال, والتزام كل بمسؤوليته فـ"كلكم راع وكلكم مسؤول عن
رعيته", والتنافس في المعروف للناس, وقضاء حوائج المحتاجين.
إن انتظار ظهور الإمام الحجة بن الحسن (ع) منهجية إيجابية تدعو من يفقهها
الى عمارة الأرض لا الاستسلام للخراب والفساد, والتعاون على البر والتقوى
مع العباد لا الخضوع للظالمين والمستبدين, ونشر الحرية والفضيلة وتعميم
المحبة والرفاه لا الركون الى "انتظار" ما أنزل الله به من سلطان, والذي
يتسرب بين حين وآخر الى بعض من الذين قلوبهم مع الإمام وسيوفهم عليه.
"وَقُلِ اعْمَلُواْ".