وبغض النظر عن صحة الاتهامات الموجهة الى ابن العلقمي من عدمها،
وما اذا كان نعته بالخيانة صحيحا ام لا؟ وعما اذا كان هو بالفعل من
سبب في سقوط دولة بني العباس، الا انني احاول هنا ان اتتبع خطواته
لاتعرف، ومعي القارئ الكريم، على احفاده خلال المئة عام الماضية،
خاصة احفاده الذين قادوا (الربيع العربي).
وقبل ان ننطلق في جولتنا التفقدية هذه، اود ان اشير الى الملاحظات
التالية:
اولا: ان طاغية ليبيا هو الديكتاتور الرابع الذي يسقط من الحكام
العرب، وليس الثالث، فبعد الطاغية الذليل صدام حسين وبن علي
ومبارك، يكون القذافي هو الديكتاتور الرابع الذي يرحل عن السلطة
غير ماسوف عليه.
ولنحذر، فان ايتام الطاغية الذليل من (المثقفين والكتاب والصحفيين)
العرب ومن لف لفعهم، يحاولون خداعنا وتضليل ذاكرتنا عندما يحتفلون
بسقوط ديكتاتور ليبيا كونه الثالث في سلسلة الساقطين، في محاولة
منهم لنسيان الطاغية الذليل، بل في محاولة منهم لتصويره وكانه بطل
من ابطال العروبة وشهيد من شهداء الاسلام، ولذلك لم يعدوه ضمن
قائمة الحكام المستبدين الذين سقطوا في العالم العربي.
حذار اذن من التضليل والخداع، ولنقلها وبالفم المليان ونكررها صباح
مساء: ان طاغية ليبيا هو الديكتاتور (العربي) الرابع وليس الثالث
الذي سقط لحد الان في مزبلة التاريخ.
ثانيا: للانصاف، ينبغي القول بانه لولا سقوط ديكتاتور العراق لما
تحركت الشعوب العربية لاسقاط انظمتها المستبدة، ولولا ان العرب،
تحديدا، راوا الطاغية الذليل خلف القضبان، يحاكم على جرائمه
الشنيعة ضد شعبه، لما تجرا احد منهم على التفوه ببنت شفة ضد
ديكتاتور بلاده، ولولا انهم راوا بأم اعينهم جثته متدلية من حبل
المشنقة، لما وعوا على حالهم الماسوف عليه البتة.
لولا خريف بطل العروبة والقائد الضرورة والزعيم الاوحد، لما شهد
العالم العربي ربيعا يذكر ابدا.
لقد حول العراقيون بتضحياتهم وانجازهم التاريخي العظيم الحلم الى
واقع ممكن، فسارت عليه بقية الشعوب العربية، انهم غذوهم الجرأة على
السلطان.
ليشكر العرب، اذن، العراقيين الذين كانوا اول من تجرا على حاكمه،
ليسقطه ويلقي عليه القبض ويحاكمه ثم يعدمه، ليس في التاسع من نيسان
عام 2003، وانما اثر سلسلة من الانتفاضات الشعبية التي بدات في صفر
عام 1977 ولم تنته في انتفاضة العام 1999 اثر استشهاد الصدر الثاني
وولديه، مرورا بانتفاضة شعبان (آذار) الخالدة التي تمثل المنعطف
وحجر الزاوية في القضاء على الطاغية ونظامه.
ان سقوط طاغية العراق كان المفتاح الحقيقي الذي فتحت به الشعوب
العربية باب التغيير على مصراعيه امام رياح الثورة التي ستاتي على
النظام السياسي العربي الفاسد بالكامل، ان عاجلا ام آجلا، واذا كان
بعض الحكام، مثل آل سعود وآل خليفة، يتصورون بان سياسات القمع
والقتل وانتهاك الاعراض وتدمير البيوت على رؤوس اصحابها والاعتقال
والتعذيب وتدمير المساجد والحسينيات سيساعدهم في القضاء على تطلعات
شعوبها في الانعتاق من ربقة العبودية والديكتاتورية والاستبداد،
فانهم واهمون، فلقد دمر الطاغية الذليل اكثر من (200) حسينية ومسجد
في مدينة كربلاء المقدسة لوحدها ابان انتفاضة شعبان الخالدة في
محاولة منه للقضاء على جذوة الثورة، فماذا كانت النتيجة؟ اسالوا
الحفرة التي اختبأ فيها الجرذ لتعرفوا النتيجة.
ثالثا: من الذي يقرر ما اذا كان هذا الحاكم بطلا من الابطال ام
ديكتاتورا مستبدا وطاغية قاتل؟.
برايي، فان المصدر الوحيد الذي ينبغي الاعتماد عليه لتحديد هوية اي
حاكم هو الشعب المحكوم بسلطته فقط، فليس من حق احد ان يقرر ما اذا
كان الحاكم في اي بلد عادلا ام ظالما، رحيما بعباد الله ام
ديكتاتورا، مستبدا ام ديمقراطيا، الا الشعب المحكوم بسلطته.
فحاكم مثل صدام حسين لا يحق لاحد ان يقرر ما اذا كان طاغية ام لا
الا العراقيين انفسهم، فهم الذين اكتووا بنيران ظلمه، وهم الذين
دفنوا احياء في مقابره الجماعية، وهم الذين ماتوا خنقا بالسلاح
الكيمياوي في حلبجة وفي غيرها، وهم الذين تحولوا الى وقود لحروبه
العبثية الداخلية منها ومع الجيران.
ان العراقيين هم الذين يقررون ما اذا كان مستبدا ام ديكتاتورا؟
عادلا ام ظالما؟ وليس من كان يستلم منه كوبونات النفط ليمدحه بمقال
او تحقيق او موضوع، او من حصل منه على شقة فاخرة في العاصمة
الاردنية عمان وغيرها، او سيارة آخر موديل او ساعة ذهبية او آلاف
الدولارات، فهؤلاء ليس من حقهم ابدا ان يقرروا من اي نوع كان هذا
الحاكم طوال النيف والثلاثين عاما من حكمه الاسود.
ليس من حق الموظفين والمفتشين في هيئة الامم المتحدة او في الجامعة
العربية او في بقية المؤسسات الدولية والاقليمية، ان يقرروا ما اذا
كان صدام حسين طاغية اهبل ام حاكما عادلا؟ فالمترف المستفيد من
الحاكم لا تقبل شهادته ابدا، لانه يميل اليه بالفطرة كونه مستفيدا
من عطاياه.
وهكذا بالنسبة الى بقية الحكام في البلاد العربية، فالشعب الليبي
وحده هو الذي يحكم على حاكمه، ومن اي نوع من الحكام كان طوال النيف
والاربعين عاما من سلطته؟ وكذا الشعب المصري والتونسي واليمني
والبحريني وغيرهم من الشعوب العربية، فهي وحدها التي تقرر من اي
نوع كانوا حكامها الذين سقطوا بثوراتها في اطار الربيع العربي، او
الذين سيسقطون حتما.
اسالوا الدم الذي اريق في الشارع والروح التي ازهقت في المعتقلات
والعرض الذي انتهك في السجون والطفولة التي ضاعت في الازقة
والطرقات، ولا تسالوا البطون التي تكرشت والرقاب التي غلظت والجيوب
التي امتلات والقصور التي شيدت.
رابعا: مشكلتنا، نحن العرب، والمسلمين بشكل عام، لا نتصف
بالموضوعية باي شكل من الاشكال عندما نريد ان نصدر حكما على احد،
خاصة اذا كان جزءا من التاريخ والماضي السحيق، واقصد بالموضوعية
هنا هو دراسة الظروف السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية
المحيطة بالحدث او الموقف او الشخص الذي نريد اصدار الحكم عليه،
ولعل خطا من اتهم ابن العلقمي بالخيانة هو انه اصدر حكمه اما بدافع
طائفي يتلفع بالحقد الدفين، او انه قراه مجردا عن كل الظروف
والملابسات التي احاطت بالوزير في تلك المرحلة، او انه فتح عينا
واغمض اخرى عندما اراد ان يقراه، فاستغرق بالتفاصيل والجزئيات وهو
يقرا الوزير، وغض الطرف عن الكبريات وعظائم الامور وهو يقرا
الخليفة، ولذلك لم يات حكمه صائبا، وانما هو الى الخطا اقرب.
هنا، ساحاول ان اكون موضوعيا جدا، وانا اتتبع (احفاد ابن العلقمي)
خلال السنين المئة الاخيرة.
فاول احفاده هم الشريفيون، بقيادة جدهم الاكبر الشريف الحسين، الجد
الاكبر لملك الاردن الحالي الملك عبد الله الثاني، فلقد تخابر
الشريف حسين مع (الكفار) وهم بريطانيا العظمى آنئذ، لتدمير دولة
(الخلافة الاسلامية) المتمثلة آنذاك بالخلافة العثمانية، في اطار
ما يعرف بالثورة العربية الكبرى، والتي اسميها انا بالخيانة
العربية العظمى.
فعندما قرر البريطانيون تدمير (دولة الخلافة) بحثوا كثيرا عن احفاد
ابن العلقمي هنا وهناك، فلم يجدوا الا الشريفيون في الجزيرة
العربية والذين ابدوا استعدادا منقطع النظير لمساعدة البريطانيين
في مهمتهم التاريخية هذه، مقابل وعود كاذبة لم يف بها الانجليز،
وبالفعل فقد شكل (الكفار) جيشا سموه بالجيش العربي بقيادة احد
انجال الشريف حسين وهو الامير فيصل، الذي نصبه البريطانيون فيما
بعد ملكا على دولة العراق حديثة التاسيس، ليذروا به الرماد في عيون
الشعوب العربية المخدوعة بالشعارات البراقة ولافتات التحرير
الكاذب، وحصان طروادة يدفع به البريطانيون الى الامام وهم يدفعون
بجيوشهم الجرارة خلفه لفتح بلاد (المسلمين) الواحدة تلو الاخرى،
كان آخرها فلسطين التي سلموها فيما بعد لليهود ليقيموا دولتهم
القومية.
بعد اقل من عقد من الزمن، بدا الشريف حسين يلعب بذيله ضد المصالح
العليا للدولة العلية، بريطانيا العظمى، وكانه يفكر في لي ذراعها
ببعض الحركات البهلوانية، فبدا (الكفار) يبحثون عن احفاد ابن
العلقمي مرة اخرى فوجدوا في آل سعود وحزبهم الوهابي خير معين على
تنفيذ خطتهم الرامية الى القضاء على نفوذ الشريفيين في الجزيرة
العربية، وبالفعل وضع احفاد ابن العلقمي، آل سعود هذه المرة،
ايديهم بايدي الانجليز ليشنوا الغارات تلو الغارات فيقتلوا ويدمروا
ويسلبوا ويذبحوا كل من مر في طريقهم حتى استتب لهم الامر فاستولوا
على الجزيرة العربية برمتها، بالقتل والبطش والتدمير، ليعلنوا عن
قيام دولتهم الثالثة، الحالية، ويطلقوا عليها اسم الاسرة، وهي اول
بادرة تاريخية لم يشهد مثلها العالم لا القديم ولا الحديث،
فيسمونها بـ (المملكة العربية السعودية) وذلك في اواخر العشرينيات
من القرن الماضي.
ولمزيد من التفاصيل المتعلقة باحفاد ابن العلقمي، آل سعود، بهذا
الشان، يمكن العودة الى كتاب الباحث وعالم الاجتماع المرحوم
الدكتور علي الوردي (الشريفيون وآل سعود) ففيه ما يثلج الصدر.
ولقد وقع احفاد ابن العلقمي، آل سعود، وبخط يد كبيرهم، على وثيقة
يتعهد فيها بخدمة مصالح (الكفار) هو واسرته واولاده واحفاده لازال
فيهم نفس، وانه يتعاطف مع اليهود في معاناتهم وانه سيبذل كل ما في
وسعه من اجل مساعدتهم على اقامة وطنهم القومي في فلسطين، مقابل
حماية (الكفار) لعرشه الجديد.
وتمر الايام والسنين، ليحتل احد زعماء (الاخوان) وهي القوة المسلحة
التي شكلها جد الاسرة الكبير (سعود) لمحاربة القبائل في الجزيرة
العربية لبسط نفوذه عليها، واسمه جهيمان العتيبي، بيت الله الحرام
في اليوم الاول من شهر محرم الحرام عام 1400 للهجرة، ومعه المئات
من انصاره واعوانه، فلم يكن من احفاد ابن العلقمي، آل سعود، الا ان
اتصلوا بالكفار مرة اخرى، ولكن هذه المرة لم يكونوا البريطانيين
وانما الفرنسيين، ليبعثوا بقوات التدخل السريع مدججة بكل انواع
الاسلحة الفتاكة للقضاء على حركة التمرد هذه التي يقودها العتيبي
من داخل الحرم المكي، ظنا منه بان من دخله او لاذ به كان آمنا، اذا
بقوات (الكفار) تنفذ اكبر عملية انزال جوي على سطح بيت الله
الحرام، وتطلق النار في الاتجاهات الاربعة لتصيب البيت العتيق
وجدرانه واسطواناته، والتي لازالت ثقوب الرصاص شاهدة على خيانة
احفاد ابن العلقمي، آل سعود لبيت الله الحرام.
وفي عام 1980 جمع احفاد ابن العلقمي فلولهم مرة اخرى ليقفوا خلف
الطاغية الذليل صدام حسين ليشن حربه الضروس ضد الجمهورية الاسلامية
الفتية في ايران، لانها اسقطت عرش شرطي الخليج، الشاه، الذي كانت
ترتعد من ذكر اسمه فرائص الحكام في المنطقة، خاصة الاسر الحاكمة في
الخليج، فقضت بذلك على اقوى حليف لاسرائيل في المنطقة والعالم بعد
الولايات المتحدة الامركية، واغلقت سفارة اسرائيل في طهران ثم
سلمتها لممثل الشعب الفلسطيني الوحيد آنذاك، واقصد به منظمة
التحرير الفلسطينية، ولان احفاد ابن العلقمي مجبولون على مساعدة
اليهود والنصاري ضد المسلمين، لذلك شحذوا هممهم هذه المرة للدفاع
عن البوابة الشرقية من الهجمة الفارسية الصفراء، وقالوا للطاغية
الذليل منك الدم، والمقصود هو دماء العراقيين، ومنا المال.
ولم يكتف احفاد ابن العلقمي بذلك، فلتوكيد طبيعتهم الخيانية
الخسيسة المبنية على التآمر مع اليهود والنصارى ضد المسلمين،
تعاهدوا مع الولايات المتحدة والدول الاوربية على اهداء هذه الحرب
لهم مقابل ان تقدم واشنطن وعواصم الغرب كل الدعم اللوجستي
والاستخباراتي والعسكري للطاغية لديمومة الحرب، وبالفعل فلقد سخرت
السي آي أي جهازها الاستخباراتي وطائراتها التجسسية المنتشرة في
اجواء المنطقة لصالح الطاغية، من خلال تسخير كل المعلومات
الاستخباراتية التي تحصل عليها من ارض المعركة له ليستفيد منها في
خططه العسكرية، من دون ان تبخل الاسر الفاسدة الحاكمة في الخليج،
خاصة آل سعود، باغداق المال الوفير على كل انواع الدعاية التضليلية
التي حركت ماكينتها لصالح حرب الطاغية.
ثم يغزو الطاغية الذليل صدام حسين الجارة دولة الكويت، في الثاني
من آب 1990، وهي الفرصة الذهبية التي قدمها للولايات المتحدة
الاميركية وحليفاتها للتدخل عسكريا في المنطقة، والاستيطان فيها
الى ما شاء الله، ولكن، كيف لهم ان يحققوا حلمهم هذا وفي وضح
النهار؟.
مرة اخرى كان احفاد ابن العلقمي، آل سعود، رهن الاشارة وفي الخدمة
لتنفيذ المهمة، فاتصل كبيرهم، فهد بن عبد العزيز، بالادارة
الاميركية طالبا منها نصف مليون جندي (كافر) ليستعين بهم على
(المسلمين) الخونة الذين نقضوا العهد ولم يراعوا حرمة الجار، الذي
اوصى به رسول الله (ص) بقوله {ما نزل علي جبرائيل الا واوصاني
بالجار، حتى ظننت انه سيوثهم}.
ولشرعنة الخيانة، بادر احفاد ابن العلقمي، آل سعود، الى استصدار
فتاوى شرعية من فقهاء البلاط، وهي عادة فتاوى تحت الطلب، اجازوا
فيها لاحفاد ابن العلقمي الاستعانة بالكفار لدفع ضرر اكبر، الغزو
هنا، فيما قرراوا في فتاواهم تلك بان صدام حسين كافر لا يستتاب،
وهو من اصحاب السعير مهما اعتذر او تاب.
ومن اجل ان يتستر احفاد ابن العلقمي، آل سعود، على جريمتهم
النكراء، بادروا الى توزيع الاموال الطائلة على كل الحكام العرب
ليشاركوهم خيانتهم، وبالفعل فقد صوتت المجموعة العربية في مجلس
الامن الدولي على قرار الغزو الاميركي للعراق وتدميره وتحطيم بناه
التحتية وقتل الملايين، وبذلك تكون دائرة احفاد ابن العلقمي قد
اتسعت لتشمل كل العرب هذه المرة، وليس آل سعود فحسب.
ولان من طبيعة احفاد ابن العلقمي الخيانة التي تسري فيهم سريان
الدم في العروق، فقد اصطفوا خلف بعض وحشدوا كل السبل للتصدي لكل
مقاومة ضد اسرائيل، سواء في فلسطين او في لبنان، ولقد كشف موقع
ويكيلكس مؤخرا بعضا من جوانب خيانة احفاد ابن العلقمي للقضية
الفلسطينية، خاصة آل سعود الذين تبين فيها بعد انهم متهمين
بالتخابر مع دولة اجنبية (اسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني المسكين
والمخدوع باحفاد ابن العلقمي وشعاراتهم، او الساكت عن خياناتهم
باموال البترودولار التي اماتت ضمائرهم.