الحسين عليه السلام في مواجهة الفتن والتحديات ج١

 

بعد كفاح طويل وجهاد مضن ومرير ومواجهة جميع اشكال المحن والآلام والتحديات استطاع النبي صلى الله عليه واله ان يرسى دعائم اعظم الأديان واشرفها وخاتمتها على الأرض وان يؤسس لامة شعارها توحيد الله وطاعته وعبادته وسلخ ربقة العبودية عن من سواه وان يحطم بنيان الشرك والالحاد وعبادة الاوثان والأصنام الحجرية والبشرية  وان يؤسس اعظم نظام اجتماعي بني على العقيدة الصادقة والتوحيد الخالص والشريعة المتكاملة والأخلاق الحميدة وان يرسى قواعد العدل والانصاف ويكافح الظلم والطغيان والتعدي والاستبداد وبذل في سبيل ذلك أغلى الجهود والتضحيات حتى قام الإسلام على قواعده وقويت اركانه وشيد بنيانه ولكن التحديات في داخله وخارجه و التي كانت تهدد وجوده واستمراريته لاتزال قائمة وكان اعظمها خطرا هو استهداف الإسلام من داخله في عقيدته وشريعته وأخلاقه واسسه واركانه ومقوماته وحرفه عن مساره وتزوير مبادئه وقيمه وأهدافه وتفريغه من جوهره ومضمونه ومحتواه  ومصادرته من قبل عصابة من الجاهليين والفاسدين والمنافقين الذين كانوا يتربصون به الدوائر وينتظرون الفرصة المؤاتية للانقضاض عليه وامتطاء صهوته ومصادرة كيانه والانتقام من مؤسسه في شخصه ودينه ورسالته ومكتسباته وأهله وصحابته وحرماته فما كان أمام النبي صلى الله عليه واله والحال هذه وهو الرسول المسدد و القائد الملهم والبعيد الرؤية والنظر سوى العمل على تأمين مستقبل الإسلام وضمان بقائه واستمراره واستقامته ومواجهته لأنواع الفتن والتحديات المحدقة به فلم يجد ضمانة لذلك سوى تأمين خلافته وضمان زعامته وقيادته ووضعها في ايد مؤهلة وقادرة وأمينة تمتلك جميع المقومات والمؤهلات لقيادته وحمايته وصيانته وتأمين مستقبله وتحقيق أهدافه فكان الخيار والاختيار الإلهي نصيب اهل بيته وعترته عليه السلام لما يتميزون به من استعداد واعداد تربوي وروحي واخلاقي ومقومات  ومؤهلات قيادية عالية تجعلهم الأقدر على قيادة الأمة من بعده وحماية الإسلام وصيانته ومواجهة خصومه واعدائه والفتن والمؤامرات التي تتربص به وكان على النبي صلى الله عليه وال ان يكون صريحا وواضحا في هذا الامر المحوري الحساس وان يقطع الطريق فيه على الطامحين والطامعين والمتربصين والمتآمرين الذين يتحينون الفرص للانقضاض على الإسلام والانتقام منه وتصفية الحساب معه فكان ان عمل صلى الله عليه واله على تحديد خلفائه واوصيائه من بعده و قادة الامة بعد رحيله ونص عليهم وأشار اليهم بمختلف النصوص والأساليب وابان فضلهم ومنزلتهم ومكانتهم وحرمتهم ومقاماتهم وحقوقهم على ألأمه وعلى رأسها مقام الامامة والرئاسة والزعامة والسيادة والقيادة وحق المحبة والطاعة والولاية وأخذ البيعة منهم عليه وحذر من مزاحمتهم فيه و التقدم عليهم او التأخر عنهم لما في ذلك من فساد امورهم واضطراب حالهم وتأخر مسيرتهم وسوء عاقبتهم وهو صلى الله عليه واله يعلم علم اليقين ان الامة سوف تنكث عهدها و لن تفي ببيعتها وسوف تغدر بهم وتصادر حقوقهم وتسيمهم الظلم والحيف والجور وتذيقهم مرارة  الجفاء والقسوة والاضطهاد والعدوان وتعزلهم عن قيادة الامة لتقع فريسة سهلة في أيديهم يسمونها العسف ويمنعونها النصف ويسلكون بها مسالك الجهل والتخبط والتحلل والفساد ويذيقونها مرارة الظلم والجور والطغيان ويؤسسون لها عهدا جديدا من الجاهلية الجهلاء بلبوس الإسلام يفصلونه على مقاسهم كما يشاؤون ويتصرفون فيه كما يشتهون و لينالوا من عقيدته وشريعته وأخلاقه ومبادئه وقيمه وأهدافه ويفرغونه من  روحه وجوهره و مضامينه العالية وقيمه الإنسانية السامية ويبقونه شكلا فارغا وهيكلا باليا  وجسدا خاويا وكيانا هزيلا ينتحله كل منتحل ويطمع فيه كل طامع.

 

ان هذه الحقيقة المرة و الواقع الأليم هو ما تنبأ به النبي صلى الله عليه واله وحذر من وقوعه لكنه حدث وتكرس وتراكم وهيمن على حياة الامة فأصابها بالضعف في روحها والشلل في ارادتها والاستسلام لقدرها ومصيرها فسايرت حكامها المستبدين في كفرهم والحادهم وزندقتهم وردتهم وانحرافهم وفسادهم وظلمهم وطغيانهم وعدوانيتهم وعبثهم واستهتارهم فأصبحت خير امة أخرجت للناس- كما يدعون اذنابا تابعين وذيولا تافهين وجبناء مستسلمين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر بل انقلبت عندهم الموازين فاصبحوا يرون المعروف منكرا والمنكر معروفا بل بلغ بهم التحلل والانحدار ان اصبحوا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ففسدت امورهم وساءت احوالهم وانحرفت مسيرتهم وانحطت أفكارهم وقيمهم وماتت ضمائرهم وعمهم البؤس والشقاء وشملتهم الجاهلية الجهلاء  وهو الواقع الذي تنبأ به نبيهم صلى الله عليه واله وحذرهم من المصير اليه فما كان امام اهل بيته عليه السلام وأصحابه الاوفياء المخلصين واتباعهم من المؤمنين سوى خيار المعارضة والرفض والمقاومة لهذا الارتداد الفاضح والانقلاب الواضح  والواقع الأليم والنهوض لإصلاحه وتغييره وإنقاذ الإسلام و الامة من تبعاته ومآسيه وآلمه وشروره وارجاع الأمور الى مسارها الصحيح بمختلف الوسائل والطرق وان كلفهم هذا كل غال ونفيس من أعمارهم وجهودهم و أموالهم وانفسهم وارواحهم قربانا لله تعالى وفداء لدينه ورسالته وعملا بتكليفه وطاعته جيلا بعد جيل.

 

ان حدثا مدويا وصارخا في تاريخ المسلمين كنهضة  الامام الحسين عليه السلام واهل بيته وأصحابه وثورته في وجه الطغمة الفاسدة من الأمويين الجاهليين ماهي الا استمرارا  لجهود المرسلين واستكمالا لأدوار الصديقين ووراثة لرسالة النبيين  وقياما بواجب المصلحين وانتصارا لله ورسوله صلى الله عليه واله وعباده المستضعفين و مواجهة للتحديات و للفتن والمفتنين والتآمر والمتآمرين والظلم والظالمين والطغاة المستبدين  وقد بين عليه السلام منطلقات ثورته واهداف نهضته ومنهاج دعوته وحركته بمواقفه المشهودة و أقواله المشهورة حين قال عليه السلام  : ( ألا واني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله صلى الله عليه واله اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وابي فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي ذلك أصبر حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين).

 

وقال عليه السلام:  (لقد سمعت جدي رسول الله  صلى الله عليه وآله يقول :(من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لكتاب الله عاملا في عباده بالإثم والعدوان فلم يغير ما عليه بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله)  .

وقال عليه السلام (وأنا احق من غير).  الى غير ذلك الكثير من أقواله ومواقفه عليه السلام .

  ان الامام الحسين عليه السلام كان خليفة ووارثا لجده رسول الله (ص)في علمه وصفاته ومناقبه ومكارمه ومقوماته ومؤهلاته وهو وارثه في رسالته ودعوته و منهجه  وحكمته وجهوده وجهاده وتضحياته وبسالته وشجاعته وصبره وصموده ومقاومته ولم يترك كأسلافه وسيلة سلمية لإصلاح امة جده صلى الله عليه واله الا اتبعها ولا دعوة حكيمة الا بلغها حتى اجهد في النصيحة و اقام الحجة فكانت حركته حركة نبوية سلمية في منطلقاتها ووسائلها وأهدافها و في جميع مراحلها وفصولها غير ان اعداءه الاموين الفاسدين واتباعهم من المرتزقة والمضلين ابوا الا ان يكونوا كأسلافهم من الجهلة المعاندين و العتاة المجرمين والمردة الحاقدين فردوا عليه دعوته وانكروا فضله و منزلته واستخفوا بحقه ومكانته وحرمته وقرروا استئصاله وعترته وصحابته فما كان منهم الا ان واجهوا الأمر الواقع بفتنه وتحدياته وشروره وآلامه وقسوته و انتصروا لله تعالى ونبيه صلى الله عليه واله ورسالته ورفضوا الإذعان والاستسلام والذل والهوان وتبعاته ومرارته وواجهوا الشيطان في حزبه وجنوده وزمرته واقتحموا الموت المفروض عليهم في ثورانه وغمرته ونالوا ارفع اوسمة عرفتها البشرية برغم انوف الظالمين والحاقدين واتباعهم من المشككين والمرجفين وسطروا للحياة الحرة الكريمة اعظم منهاج يسلكه المجاهدون في سبيل الله والحق والحرية والعدالة والكرامة الى يوم الدين واستحقوا من الله تعالى وعباده اعلى اوسمة المجاهدين و الشرفاء والمخلصين  والشهداء الخالدين.

 فسلام الله عليك يا سيدي يا أبا عبد الله يوم ولدت ويوم خرجت ويوم جاهدت وصبرت واحتسبت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا وعلى اهل بيتك الطاهرين وأصحابك المخلصين المنتجبين ورحمة الله وبركاته.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم