قصة الهاشمي في أدراج العدالة والسياسة

 لطيف القصاب

 

مع إعلان قناة العراقية الفضائية مشاهد إقرار متهمين بمسؤولية نائب رئيس الجمهورية عن أعمال جنائية مروعة ارتكبت بحق مواطنين أبرياء، ومن ثم صدور مذكرة توقيف قضائية بحق الهاشمي، أثيرت وما تزال جملة تساؤلات كان من أبرزها ما يتعلق بكون الإجراء المتخذ ضد هذا المسؤول العراقي الكبير (طارق الهاشمي) يأتي على خلفية جنائية أم أن غرضا رئيسيا ما يقف خلف إثارة هذا الموضوع.

الرواية الحكومية شددت منذ الوهلة الأولى على أن المسألة برمتها تدخل في نطاق العدالة التي تسعى إلى تجريم المتسببين بقتل عشرات المواطنين من دون ذنب ارتكبوه سوى أنهم من مكون اجتماعي معين. وقد سبق الإعلان عن إدلاء المتهمين باعترافاتهم الخطيرة مدة تريث وجيزة نسبيا إلى حين موافقة مجلس القضاء الأعلى على بث تلك الاعترافات في وسائل الإعلام، الأمر الذي حدث بالفعل بدليل وقوف الناطق الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار البيرقدار إلى جوار الناطق باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا والناطق باسم وزارة الداخلية اللواء الركن عادل دحام وهو من تولى مسؤولية الإعلان عن الخبر الذي ما لبث أن تحول الى قضية رأي عام كبرى مثيرة للجدل ولانقسام شعبي حاد بين جمهور شيعي مؤيد لمذكرة الاعتقال وجمهور سني رافض.

أما الرواية المضادة للطرف الحكومي فقد اعتبرت القضية مجرد تسقيط سياسي لأحد خصوم رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، وكانت هذه الرواية متبناة أول الأمر من قبل المتهم نفسه (طارق الهاشمي) وسرعان ما انتقلت عدوى هذه الرواية إلى أعضاء في القائمة العراقية متعاطفين مع الهاشمي لتصل في نهاية الأمر إلى موقف تضامني واضح مع المتهم ظهر جليا على لسان رئيس القائمة العراقية إياد علاوي.

الحقيقة أن ملاحقة المتهمين بقضايا الجريمة والإرهاب من أهم أولويات أي حكومة حقيقية على وجه الأرض لاسيما في بلد مثل العراق شهد وما يزال أحداثا مؤسفة من مسلسل إزهاق الأرواح في حمامات دم بغيضة، ولاشك أن أي كشف لقصص عصابات الجريمة والإرهاب وفضح تفاصيلها على الملأ سيحظى بدعم داخلي وخارجي بشرط مجيئه في ضمن سياقات قانونية مهنية لا تشوبها شوائب السياسة. لكن حساسية الوضع العراقي وفقدان الثقة فيما بين الفرقاء السياسيين، وافتراق المجتمع العربي العراقي الى طائفتين مسيستين تبعا لتناحر زعمائهما السياسيين والدينيين، فضلا عن القصور في بعض جوانب إخراج قصة الهاشمي حكوميا، كل هذا أسبغ على القضية لونا سياسيا أكثر منه لونا قضائيا بحتا.

لقد ظهرت الحكومة لاسيما بشخص رئيسها كما لو أنها تخوض معارك متعددة بدلا من التركيز على معركة واحدة، إذ لم ينحصر الصراع مع جبهة الهاشمي بل تجاوز ذلك إلى التعريض بشخصيات سياسية أخرى مثل نائب رئيس الوزراء صالح المطلك ووزير المالية رافع العيساوي ما أضفى على القضية مزيدا من ظلال الشك السياسية بخصوص توجهات رئيس مجلس الوزراء الفعلية، ومع فتح تلك الجبهات بصورة مستعجلة خرج إلى الوجود عامل شد وتماسك يرمم زوايا القائمة العراقية التي بدت قبل قضية الهاشمي كما لو أنها تلفظ أنفاس وحدتها الأخيرة.

إن ما أضعف من فرضية أن قضية الهاشمي لم تتعد الطابع الجنائي هو قرار مجلس القضاء الأعلى بإعادة التحقيق في حيثياتها مجددا بالإضافة الى تصريحات رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد صدور مذكرة الاعتقال (الأولى) والتي أكد فيها امتلاكه ملفا يدين نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي منذ ثلاث سنوات الأمر الذي فتح المجال واسعا أمام سؤال كبير مفاده: أين كنت يا دولة الرئيس اذن ولماذا هذا التوقيت بالذات ؟

وعلى الرغم من أن المالكي أجاب عن هذا الأشكال متعللا بأن الظرف العراقي الحالي مختلف عما كان عليه الحال قبل ثلاث سنوات بيد أن أي ظرف من الظروف لا يمكن له أن يعفي الرجل الأول في الدولة من مقاضاة أي شخص آخر تحوم عليه شبهات القتل والإرهاب مهما كانت صفة ذلك المتهم الرسمية. إلى ذلك فإن إيراد المالكي لحكومة الأغلبية السياسية في المؤتمر الصحفي نفسه كاحتمال وارد لتشكيل حكومة جديدة كان من جملة الدواعي التي شككت في تجرد قضية الهاشمي من الغرض السياسي وأنها تحمل بعدا يتعدى شخص الهاشمي إلى سائر زملائه المشاركين في الحكومة تحت عنوان القائمة العراقية أو تحت لبوس المكون السني.

بطبيعة حال السياسة فإن من حق رؤساء الحكومات في جميع دول العالم أن يفكروا بإطالة مددهم في الحكم والسعي لزيادة وتائر شعبياتهم بين الجماهير. ومن حقهم ايضا تغيير الطابع العام لحكوماتهم سواء من حكومة الشراكة إلى حكومة أغلبية سياسية وما إلى ذلك من صيغ حكم معروفة لكن من المهم لمن يخطط لأهدافه وطموحاته أن ينتبه مليا لجميع احتمالات اللعبة لاسيما المزعجة منها، فهناك الخطر دائما من انحدار شعبية على خلفية تناقض المواقف وعدم الوفاء بالوعود، وهناك عشرات الاحتمالات الأخرى لأشكال الحكومات السياسية حيث تظل فيها صيغ الإدارة ثابتة وما يتغير فيها هم الرؤساء فحسب، فضلا عن احتمال إجراء انتخابات مبكرة وما يتضمنه من تغيير شامل لكامل الكابينة الحكومية عادة.

 وليس هذا السيناريو ببعيد جدا عن الحالة العراقية الراهنة، فقد بدأ احتمال إجراء انتخابات مبكرة يتلمس طريقه إلى البرلمان حثيثا مع اقتراحه أولا من قبل كتلة الأحرار الشريك الحكومي الذي بدا كما لو أنه سيغدو ذراع المالكي الأطول قبل أن تطفو على سطح الأحداث قصة الهاشمي الطويلة هذه.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم