الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
مواقع اسلامية
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز

كي لا ننسى _ ذكريات الزمن المرّ ...الحلقة السادسة :


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

حيدر محمد الوائلي 

* كي لا ننسى رعب وظلام الماضي من أجل تصحيح وتقويم الحاضر من أجل غدٍ مشرق في العراق و..... ( أغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين )

 

كي لا ننسى جرائم وأهوال الماضي ، ولنعرف كيف نتصرف في الحاضر من أجل تحقيق مستقبل أفضل وأكمل ...

هي مجموعة من المقالات من أجل توعية الناس من خطرٍ قادم ... وشرٍ آثم  ... وكي لا يعود ظلم الظالم ...

كنا إذا أردنا أن نتكلم وننقد وضعا سياسياً أو نناقش مسألة معينه في زمن قبل زمننا هذا  ألا وهو زمان الوحوش الصدامية البعثية ... فهي الطامة الكبرى والخبر اليقين في المقر الحزبي ومعتقلات الأمن والاستخبارات ...

ولا داعي لسرد ما يفعلون فأكثر من أربعين عاماً كانوا هم الحاكمين المُطلقين أظنها كافية لئلا تغيب عن الذكرى طرفة عين  أبداً حتى تخرج الروح من الجسد ...

وحتى يهرم الكبير وهو يتحدث عنها ...

ويشيب الصغير وهو يتعجب منها ...

ويأتي جيلٌ آخر عسى أن يتعظ منها ويتجنب مقدمات حدوثها وحصولها ...

وها نحن اليوم نضحك بحزن كبير عند ذكر تلك الأحداث الدموية ، فقد ولى ذلك الزمن لا محزون عليه ولا مأسوف ، والى غير رجعه إنشاء الله ...

وطبعاً هذا سيتحقق إذا أراد الشعب الحياة بكرامة وبحرية وبشرف وإلا فلا ... رحلوا إلى مزبلة الدنيا وجحيم الآخرة بعد أن قتلوا خيرة رجال العراق ومفكريه ومبدعيه وملايين من الأبرياء قضوا نحبهم على مذبح الحرية ... 

 

** هذه الكتابات مقتبسة من سلسلة كتب : (العراق وأزمة الماضي والحاضر والمستقبل) لكاتب المقال ، وهي قيد التنقيح والطباعة .

 

(( 6 ))

 

 

# قيل : " من حفر حفرة لأخيه وقع فيها "

 

وهو ما حصل حيث بعد ان خسر صدام الحرب مع ايران قام بالتدخل والتحرش بالنظام السعودي وقيامة باجتياح الكويت وتهديد أمن المنطقة وتهديد المصالح الأمريكية –مؤقتاً- لتكون الحرب هذه المرة ضد نظامه ومن دعم وإسناد نفس تلك الدول التي ساندته ضد إيران ولكن هذه المرة مع أمريكا ودول الحلف ضده وليس معه !!

 

ولم يكتف عراق البعث بذلك بل أجرى مئات التجارب البيولوجية على المجاهدين الإسلاميين المحكومين بالإعدام في مركز البحوث الخاصة الكائن في (15 كم) من مدينه سلمان باك والذي اشرف عليه حينذاك المجرم برزان التكريتي والأسلحة البيولوجية .

 

الأسلحة البيولوجية هي :

" هي ميكروبات وبكتريا وفيروسات مستخلصه من سموم بعض النباتات والأعشاب والحيوانات وهي لا تقل خطورتها على الأسلحة الكيماوية "    .

 

كذلك بدأ النظام البعثي بإنتاج المواد السامة للأغراض العسكرية من بداية السبعينات تحت اسم مؤسسة (ابن الهيثم ) شرق بغداد والتي تطورت في سنين الحرب المفروضة على إيران الى منشأة لإنتاج السلاح الكيماوي والمسماة منشأة المثنى العامة، ومن السموم المنتجة (الثاليوم ، والسيانين ، والزرنيخ ) وكلها كانت من اجل تعذيب السجناء وجعلهم فئران تجارب ... ونعود الآن للدول الأساس المصدرة لهذا المواد المحظورة دولياً الى منشاة المثنى في العراق وهي : " المانيا الغربية وامريكا ثم بريطانيا وفرنسا " ، فقد اتهمت صحيفة صندي تايمز(Sunday Times) البريطانية في عددها الصادر في 4/8/1991 الحكومة البريطانية بإعطاء تصريحات إذن كمركية لنقل (8600) كيلو غرام من اليورانيوم والمواد المشعة الأخرى الى العراق وعلى شكل ثلاثة وجبات كبيرة خلال سنين  الحرب مع ايران ، كما صدر كتاب في المانيا الغربية -وهو باللغة الألمانية- ذكر فيه ان اربعين شركة أوربية متورطة بتزويد العراق بالمواد الكيميائية وبالأجهزة المصنعة للأسلحة الكيماوية وبكلفه (80) مليون دولار للفترة من 1980-1989 والجدير بالذكر أن رئيس فريق خبراء التفتيش التابع للأمم المتحدة (جيمس ناب) فقد أكد عام 1992 من تدمير (20) ألف قنبلة وصاروخ ورؤوس حربية قادرة على حمل ذخائر غازات كيماوية سامة !! ...

 

هذا بالإضافة الى بيع النفط للغير وفضيحة كوبونات النفط الذي لا زال جرحاً غائراً في قلب العراق حيث ان صدام قام بإعطاء كوبونات من عائدات النفط تبلغ قيمتها عشرات آلاف الدولارات متمثلة بكوبون يتضمن مئات البراميل النفطية كحصة لحامله وقد تم إعطاءها لصحفيين ومثقفين ووسائل الإعلام وسياسيين عرب وأجانب ايام الحصار على الشعب العراقي وذلك من اجل دعم صدام ...

وكانت هنالك نوعان من الكوبونات:

1- الكوبون الفضي :

وهو حصة كمية من النفط تقل عن العشرة آلاف برميل.

2- الكوبون الذهبي :

وهو حصة كمية من النفط تزيد عن العشرة آلاف برميل.

 

هذا بالإضافة لفضيحة النفط مقابل الغذاء وهو برنامج الأمم المتحدة لمساعده الشعب العراقي وإذا كان فساد البعثيين واضح وجلياً فما بال الأمم المتحدة لكي تفسد هي الأخرى كما فسد حزب البعث في ذلك !! ... ولقد تورط ابن الأمين العام في وقته (كوفي عنان) بهذه الفضيحة ومسؤولين كبار آخرين فهذا فساد أشد واكبر !!

لو كان بإمكان هؤلاء الطغاة والمجرمين الرجوع الى الحياة الدنيا ليخبروا الجميع بأهوال ومرارة ما قد ارتكبوه الذي وجدوه حاضراً حيثما حلوا فما الذي سيقولونه لمن بايعهم أو سار على نهجهم أو يريد أن يسير على نهجهم ؟!!

أكيداً بعد أهوال القبر والنار والجحيم سيقولون (رب إرجعون أعمل صالحاً .. كلا إنها كلمة هو قائلها وبينهم برزخ الى يوم يبعثون)!

فهل من متَّعِظ ؟!

ولنا في الامام علي(عليه السلام) وقصته مع أخيه عقيل العبرة الكبيرة حين دخل عليه وكان الأمام (ع) الخليفة ، وطلب منه بعضاً من النقود فوق ما هو مقرر له وقد كان عقيل أعمى فأراد الأمام علي (ع) أن يضرب مثالاً للأجيال والحُكام وكل ذو عقل وأراد أن ينصح الناس والدنيا بأسرها حول ضرورة العدالة والمساواة فأحذ الأمام بعضاً من الدراهم فأحماها في النار حتى أحمرت فطلب من عقيل أن يمد يديه ليلتقطها فلما أمسكها عقيل صرخ صرخة مدوية لشدة حرارتها فخاطبه الأمام (ع) قائلاً :

" يا عقيل أتأن من نار سجّرها عبدُ لِلَعبه، وتريد أن تدخلني بنار سجّرها جبار لغضبه ".

 

 

مرّ الأمام علي (ع) أيام خلافته وكعادته اليومية في تفقد أحوال الناس ومشاكلهم ، وفي أحد الأيام مرّ بدار فسمع صوت أطفال يبكون ، فطرق الباب مستفهماً فجاء جواب امرأة هي أم اولئك الأطفال بأنه الجوع ، فأخذت هذه الحالة من نفس عليٍ مأخذاً عظيما ، فذهب ليجلب بعضاً من الدهن والطحين ولوازم الطعام لإطعام أهل ذالك البيت وعند رجوع الأمام (ع) طرق الباب وطلب من المرأة أن تعمل أحد أمرين : أما أن تُسكت ألأطفال ويطبخ هو (ع) الطعام أو يلاعب (ع) الأطفال وهي تطبخ !! فقالت :

أنها ستطبخ الطعام ظناً منها بأنه أكثر إحتراماً لشخص الخليفة ولم تعلم بأن الأمام لا يعير أدنى أهمية لتلك ألألقاب والأسماء فبينما المرأة مشغولة بالطبخ إذ سمعت الأطفال هادئين ويمرحون ولدى تفقدها للأمر وجدت أن الأمام عي (ع) كان يًقلد لهم مشية الخروف وهم يقفزون على ظهره وهو معهم مسرور" !!

هذا وهو حاكماً للأمة الإسلامية جمعاء.   

 

وقصة أخرى في عدم تقديمه الوساطة والمحسوبية ومثل هذه الأشياء على حساب مصلحة الأمة والكفاءة في مداراة أمور الناس فيروى أن طلحة والزبير أيام بداية خلافة الأمام علي (ع) ألمحوا له بأن يُسَلِم لهم إمارة بعض المدن الإسلامية فأبى الأمام ألا أن يسلمها لأشخاص أختبرهم في إدارة الأمور ومداراة أمور الناس وعدم حبهم للدنيا وبهرجها لا انتقاصاً من الزبير وطلحة ولكن مسألة كفاءة ومصلحة عامة وهو الأعلم بها لكونه خليفة الإسلام ، فما كان جواب القوم ؟!!

كان جوابهم بأن أرادوا أن يُقلقوا حُكم الأمام وخلافته بأن أثاروا حرب الجمل ومعهم عائشة بتحريض من معاوية ومروان بن الحكم وبحجة المطالبة بدم عثمان والذي قتله الثوّار المصريين والأمام من دمه بُراء ، ولكنه مجرد عذر للإيقاظ حرب الجاهلية فأضطر الأمام (ع) لمواجهتهم لإخماد نار الفتنة بعد أن لم تثمر النصيحة والموعظة الحسنة .

 

وفي أحد الأيام دخل ابن عباس على الأمام علي (ع) وهو بذي قار في طريقه لحرب الجمل في البصرة فوجد أبن عباس الأمام يخصف بنعلٍ له بالية ، عند ذاك التفت الأمام علي (ع) لأبن عباس وقال له :

" يبن عباس ما قيمة هذه النعل"

فأجابه ابن عباس :

" انها نعل بالية "-لا تساوي شيئاً- ...

فقال (ع) :

" فأعلم إنها عندي خير من خلافتهم إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً "

 

نعم هذا هو هم علي (ع) وهمه الأساس هو أن يقيم العدالة والمساواة بين الناس ولو زعل الآخرين عليه ولو كان ابن خالته الزبير أو صديقة القديم طلحة أو زوجة رسول الله (ص) فالحق حق ويسري على الجميع ولا فضل لعربي على أعجمي ولا ابيض على أسود ولا غني على فقير إلا بالتقوى وحب الخير للآخرين والعدالة والحرية .

إن كل نعمة ورائها مسؤولية ، فكل فلس يضاف إلى رصيد المرء يعتبر ثقلاً جديداً يضاف إلى كاهله ، و لابد أن يتحمل أمانة هذا الثقل طيلة سيره في طريق الحياة المظلمة المتعرجة المخيفة ، وحتى لقاء الله ... و لكن ظهر الإنسان أضعف من أن يتحمل وزر المال و الثروة ، أمام قوة أهوائه و شهواته ، فلا بد أن يحافظ بين ثقل الحمل و ضعف الظهر ، فلا يحمل من الثقل أكثر من قدرته ، ولابد أن يعرف قدرته على التحدي ، و تحمله المسؤولية ...

 

و أن لا يحمل على ظهره ما يزيد ، بالطبع لكل إنسان الحق في أن يكسب ما يريد من المال والثروة ، و لكن بشرط أن لا تحرق بها حياة الناس في الدنيا ومن ثم حياتك في الآخرة .

 

أسمعت وصية الإمام علي (ع) إلى ولده الإمام الحسين (ع) التي تقول :

" لا تحمل على ظهرك فوق طاقتك فيكون وبالاً عليك و إذا وجدت من أهل الفاقة و الفقر من يحمل زادك و ثقلك هذا إلى يوم القيامة ، فيوافيك بها فاغتنمه ، و أكثر من إعطائك له و تزويده ، فلعلك تطلبه يوم القيامة فلا تجده " .

إن بريق المال يسلب الكثيرين القدرة على تفهم الحياة و الاستعداد للمصير ، و يجرهم إلى الضياع في عالم المناقصات و المزايدات . و يتيهون بين خطوط الدينار و الدرهم ثم يهوون إلى الحضيض ...

إن عبادة المادة تحصر المرء في مجالات ضيقة ، و لا تدعه يرى الحياة والأشياء إلا من خلال ثقوب المصلحة الضيقة ...

و للحيلولة دون سيطرة المادة على الإنسان لا بد أن ينفقه في سبيل الله و المحتاجين !!

ولا يسعى وراء المال الحرام فإن في ذلك نهاية الإيمان .

 

ما كان يمنع أبو ذر الغفاري (رض) وهو من كبار صحابة الرسول (ص واله) ومن صحابة الإمام علي (ع) المخلصين ، ما كان يمنعه من جلب الثروة شيء ، فهو صاحب رسول الله ، و خامس المسلمين ، و في طليعة المجاهدين مع صاحب الرسالة طيلة عمره.

إلا أن الإيمان كان يمنعه من ذلك ، ففي ذلك العصر الذي عاشه أبو ذر حيث كان الناس يعيشون في أشد حالات الفقر و الحرمان كانت حاشية الخليفة تقضم مال الله قضم الإبل لنبتة الربيع ( كما يقول الإمام علي (ع) ) .

يقول الأحنف بن قيس :

" كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر رضي الله عنه و هو يقول : بشر الكانزين بِكّيٍ في ظهورهم يخرج من جنوبهم و بِكّيٍ من أقفيتهم يخرج من جباههم ...

قال : ثم تنحى فقعد إلى سارية ،

فقلت : من هذا ؟ ...

قالوا : هذا أبو ذر فقمت إليه ،

فقلت : ما شيءٌ سمعتك تقول قبيل ...

قال : ما قلت إلا شيئاً سمعته من نبيهم ...

قلت : ما تقول في هذا العطاء ؟ ...

قال : خذه فإن فيه اليوم معونة ، فإذا كان ثمناً لدينك فدعه " / الغدير ص 320 ...

 

على أبواب الشام وقف أبو ذر الغفاري (رض) يودع أهلها ... و كان جمع غفير من الطيبين قد تجمهروا لوداعه في مظاهرة واضحة على جور معاوية والخليفة في البلاد ...

هناك وقف أبو ذر يخطب فيهم قائلاً :

" أيها الناس :

إني موصيكم بما ينفعكم ، و تارك الخطب و التشقيق .... احمدوا الله عز وجل .

فقال الناس :

الحمد لله ...

ثم قال : أشهد أن لا إله الله و أن محمد عبده و رسوله ،

فأجابوه بمثل ما قال ...

فقال : أشهد أن البعث حق ، و أن الجنة حق ، و أن النار حق و أُقر بما جاء من عند الله و أشهدوا عليّ بذلك ... فقال الناس :

نحن على ذلك من الشاهدين .

قال : ليبشر من مات منكم على هذه الخصال برحمة الله و كرامته ما لم يكن للمجرمين ظهيراً ، و لا لأعمال الظلمة مصلحاً ، و لا لهم معيناً ... أيها الناس اجمعوا مع صلاتكم و صومكم غضاً لله عز وجل إذا عصي في الأرض ، و لا ترضوا أئمتكم –يقصد الولاة والحاكمين- بسخط الله ، و إن أحدثوا ما تعرفون فجانبوهم –أي اتركوهم- ، و ازرئوا عليهم ، و إن عذبتم و حرمتم و سيرتم ، حتى يرضى الله عز وجل ، فإن الله أعلى و أجل ، و لا ينبغي أن يسخط برضى المخلوقين ، غفر الله لي و لكم ...استودعكم الله ، و أقرأ عليكم السلام و رحمة الله ....

 

أين كل تلك الأخلاق العالية والمراتب الرفيعة والحكم العادل الذي حصل في العراق قديماً وإذا بجيل أسود وقذر يخلف ذلك الجيل الذهبي من حكومات عاثت في العراق فساداً وقتلاً وظلماً حتى كان أشدها في زمن الوحوش البعثية ... وقتلوا عباد الله في السر والعلانية وأفراداً وجماعات ... وتودد إليهم الآلاف من أجل زهو المال والسلطة التي لم تدم لهم ... ولم تنفعهم وهم يساقون الى حبال المشانق حين نالوا جزائهم العادل لجرائمهم البشعة ...

قيل :

( من رفع نفسه فوق قدرها ، صارت محجوبة عن نيل كرامتها )

 

حيث إن الأمام علي (ع) بحر واسع لم يغترف الناس منه الا القطرات فما خفي كان أعظم وكما قال له الرسول (ص) :

" يا علي ما عرف الله الا أنا وأنت ، وما عرفني الا الله وأنت ، وما عرفك الا الله وأنا " 

 

ويقصد بالمعرفة هنا المعرفة الحقيقية والجوهرية ، ولكن هذا لا يعني أن يتم إقصاء هذه الأمثلة الجليلة والعظيمة بحجة أنه الرسول أو الإمام علي أو أبو ذر وغيرهم ونحن لا نستطيع أن نكون مثلهم ؟!!

 

وهذا صحيح فنحن لا نصل الى أخلاقهم العالية .. وتقواهم العظيمة .. ومعارفهم الجليلة .. وتقواهم الكبيرة .. ولكن نستطيع أن نحذو حذوهم في مبادئ العدالة والإنصاف وحرية الإنسان والأخلاق الحميدة العامة وهي متاحة لنا جميعاً ... وهي سهلة مع حفظ الالتزام بها ... أليس كذلك ؟!!

 

نعم هي سهلة إذا أخلصنا النية والرغبة في حفظ تلك الحقوق وواظبنا عليها وثابرنا في سبيل صيانتها .... ولكنها ستصبح صعبة جداً إذا انشغلنا عنها بأمور فردية ومصالح فردية ضيقة ونسينا أننا مجرد بشر !!

فعلينا التمسك بتلك الحقوق والتنبه لأمثلة حكم من هم كانوا قبلنا وكيف كانت حياتهم وأن نجعلهم مصباحاً يُنير دربنا ...

وبالنسبة للظالمين منهم فعلينا أن نجعل ما قد حصل لهم عبرة لنا كي لا نرتكب الخطأ نفسه ... وكما قيل بأن " أغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين "

 

لقد إتسمت فترة الزعيم عبد الكريم قاسم بشيء جيد من العدالة والإنصاف والحرية وغياب الدكتاتورية والظلم ... لقد حاول عبد الكريم قاسم نشر العدالة والإنصاف قدر المستطاع إلا أن الوحوش البعثية والعرب وامريكا لم تسمح له أن يكمل مسيرته الإصلاحية وهي من فترات الحكم الجيدة التي مرت على العراق إذا ما قورنت بفترات سابقة ظالمة وفترات لاحقة أظلم .

 

 

يقول عبد الستار النفاخ في مقال له :

( لا نأتي بجديد عندما نقول أن أرض العراق ، أرض الخير والعطاء وهي أرض السواد والهلال الخصيب، وفيها من الموارد الاقتصادية ما يكفي لحاجة سكان شبه القارة الهندية -بأكملها- وكلها صارت في قبضة النصف شيعي من جهة الأم ، والنصف سني من جهة الأب وأمه كردية -فيلية- عبد الكريم قاسم ، الا أنها لم تحرك نوازعه قيد أنملة ، ولم يطلق العنان لها ، كما أطلقها غيره فالمال الذي حرك أذني الجماد كما يقول المثل :

" لو وضع المال في جرة لحركت أذنابها "

 

لم يعر عبد الكريم قاسم إهتماماً له ولم ينظر له بمنظار الحرمان كما نظر إليه غيره ، فراح يفك به من قيود حرمانه .

 

لقد ظل يسكن داراً بسيطة في منطقة البتاويين ببغداد تابعة الى الأموال المجمدة ، بإيجار قدرة عشرة دنانير شهرياً ، حتى لحظاته الأخيرة - وهو ملتزم بدفع الإيجار- وظل شقيقه النائب ضابط ، نائب ضابط ولم يُرَّفع درجة واحدة في حياة شقيقه رئيس الجمهورية عبد الكريم قاسم ، كما فعل غيره حين أوصل ساقي الشاي إلى رتبة وزير !!

 

لقد نظر عبد الكريم قاسم الى الثورة العراقية بمنظار المسؤولية الأخلاقية والدينية والأمانة التاريخية ، شعاره :

( لا أبيت مبطاناً وحولي بطون غرش ) .

يروى أن أحد قادة الجيش العراقي دخل على عبد الكريم قاسم في مكتبة بوزارة الدفاع فقال له :

هل أنت شيوعياً .. حتى نكون معك شيوعيين ؟! ، هل أنت بعثياً حتى نكون لك بعثيين ؟!، هل أنت قومياً حتى نكون معك قوميين ؟!

فرد علية قائلاً :

( بعد سبعة أيام ستعرف من أنا )!! ...

وفي اليوم السابع إتصل عبد الكريم قاسم بالضابط العراقي وأحضره الى وزارة الدفاع ولمّا حضر، جرّده من رتبته العسكرية وأقتاده الى السجن !!

أتدري لماذا ؟!

 

لأن هذا الضابط أراد أن يستأثر بالأموال عندما يكون عضواً في حزب عبد الكريم قاسم ولكن أراد عبد الكريم قاسم أن يعطيه درساً إنه لا ينتمي الى حزب معين وإنما حزبه الوحيد هو الشعب العراقي عموماً بقومياته ومذاهبه وعقائده وطوائفه ، وإنه يرفض رفضاً قاطعاً الانتماء الى تكتل سياسي أو الى حزب أو قبيلة ....

 

دخل عبد الكريم قاسم يوماً الى معسكر الرشيد فأستقبله أبناء الجيش العراقي بالتهليل والتصفيق وكلٌ يهتف باتجاهه السياسي ولمّا هدأت عاصفة الاستقبال ،

قال الزعيم بما معناه :

" لقد سمعت هتافاتكم وأود أن أقول لكم إنني خادم العراق " ...

لو أراد عبد الكريم أن يستأثر بالأموال لأستأثر بها ولا يستطيع كائن من يكون أن يقول له ( على عينك حاجب ) ...

 

يقول هادي حسن عليوي في كتابه ( عبد الكريم قاسم الحقيقة ) ص 47 :

" كان زاهداً في المال فلم يستغل منصبه لأقتناء الأموال والعقارات وإنما جاء بملابسه العسكرية ومات بها ، وكان في جيبه ساعة إعدامه –مبلغ- " ربع دينار " ولم توجد له عقارات أو مال في البنوك سواء داخل العراق أو خارجه "

فلينظر القارئ الكريم ، وليتذكر السيارة الذهبية التي كان يمتطيها من كان يحيك الدسائس ضده -لإقلاق حكومته وزعزعة استقرارها- ويرقص على الأشلاء المتناثرة ويهز السيف في وجه الجماهير.

 

يقول جمال مصطفى مردان في كتابه ( عبد الكريم قاسم / البداية والنهاية ) ص 152 :

كان عفيفاً لا يطمع في مال ، قنوعاً مع أنه كان في متناول يده متى شاء وحيثما أراد " - جريدة العهد الجديد العدد (1045) لسنه 2004  

يقول حسن العلوي في كتابه (عبد الكريم قاسم نظرة بعد العشرين ) :

عبد الكريم قاسم شخصية غلّفها الغموض وتجنّى عليها الأعلام العربي والعراقي وتأمرت عليه التيارات السياسية وحاربته الزعامات العربية .

حاربوه لأنة : ( ظالم ومستبد !!) ...

لأنه كان يؤمن بنظرية الرحمة فوق القانون ويكرر في خطاباته عفا الله عما سلف ولم يؤسس منظمات قمعية وأجهزة أمن خاصة به.

حاربوه : (لإنكاره حقوق الشعب !!) ...

لأنه سن قانون الإصلاح الزراعي وقانون المصرف الصناعي  وحرية الصحافة ونّفذ إجراءات التأمين الاجتماعي ضد المرض والبطالة وخفض أجور الطحين وإجازات المنازل والمحال التجارية ....

حاربوه : ( لأنة مخالف للوحدة العربية !!) ...

لأنه كان يقول : " ليست الوحدة شيئاً يقرره إنسان بمفردة بل يجب أن تقرره شعوب الدول العربية "

حاربوه : ( لعمالته وتمرده !!) ...

لأنه تمرد على حلف بغداد وعلى القواعد العسكرية البريطانية وعلى شركات النفط الأجنبية ...

حاربوه : لأنه وقف ضد الإقطاع والاحتكار وكان يعلن دوماً انتماؤه للفقراء وانتسابه للشعب وإنه فوق الميول الطائفية والانتساب العشائري ...

كان يقول :

" إني قمت بالثورة لصالح كل الناس إني دوماً مع الناس كلهم أني فوق الميول والتيارات إنما أنتمي الى الشعب بأسره " ...

حاربوه : ( لأستئثاره بأموال العراق !!) ...

لأنة مات ولم يكن في حسابه المصرفي سوى دينار ومائتا فلس !!!

يقول المقدم محمد يوسف طه :

( إنه لدى تفحص أوراق عبد الكريم قاسم بعد الاستيلاء على مكتبه أكتشف أنه –أي عبد الكريم قاسم- كان يوزع راتبه بإنتظام على بعض الأسر المحتاجة في بغداد !!! ) - العراق / حنا بطاطو جزء 3 ص 130 و ص 156 و ص 296 -ويتابع العلوي في كتابه قائلاً :

" رفع عبد الكريم قاسم شعاراً طالما كرره في خطاباته مما جعله مثلاً سائراً في الناس ومما جعل الأطفال في الأحياء الشعبية إذا أخطأ أحدهم ، قال :

" عفا الله عما سلف" ...

فقد عفا عن الأشخاص الذين اشتركوا بإطلاق النار عليه وإصابته إصابة بالغة يوم 7/ تشرين الأول / 1959  في شارع الرشيد ببغداد ، وكان القرار بإعدامهم قد حُدد في يوم فجر معين لكن عبد الكريم قاسم لم ينم ليلته ، فأمر بفتح أجهزة التلفزيون الساعة الثانية من فجر ذلك اليوم ليعلن قراره بالعفو عن المشتركين في تلك المحاولة وإطلاق سراحهم ، فكان عرساً مشهوداً خرجت فيه سيارات معارضيه تجوب الشوارع ، والموسيقى تصدح ، ليس تأييداً له بل إستقبالاً عن المعفو عنهم !! ...

 

كما عفا عن عبد السلام عارف الذي أُدين بمحاولة قتله ، وقد أعترف عبد السلام عارف فيما بعد ، بمذكراته التي نشرتها مجلة روز اليوسف المصرية ، إنه كان ينوي بالفعل إغتيال عبد الكريم قاسم بمسدس كان يخفيه تحت ملابسه وحين تمكن عبد السلام عارف منه -أي عبد الكريم قاسم- في 14/ رمضان عام 1963 أبدى تحمسه الشديد لإعدامه – وقام بقتلة في مبنى الإذاعة والتلفزيون رغم عفو الزعيم ولأكثر من مرة عن عبد السلام عارف وإخراجه إياه من السجن ولكن أبت الخسة والنذالة أن تفارق أهلها- ...

كان عبد الكريم فوق ذلك يؤمن بنظرية تقول :

" الرحمة فوق القانون " ...

 

كان عبد الكريم قاسم لا يفكر بأساليب الإيقاع بخصومه ولهذا لم يستعمل على الإطلاق طريقة زرع الجواسيس وأجهزة التنصت ضد أحد منهم ، كما كان يأنف من إشغال نفسه بقراءة التقارير الأمنية ضد الآخرين ، وقد ترك الأمر لمسؤولي تلك الأجهزة...

 

لم تكن شخصية عبد الكريم تتأثر بردود الفعل الانتقامية إزاء منتقدي سياسته ومعارضيه الشخصيين ، ففي الوقت الذي كان فيه الشاعر عدنان الراوي يقدم برنامجه اليومي من إذاعة صوت العرب في القاهرة والموجهة ضد عبد الكريم قاسم ، كانت عائلته تتمتع بكامل حقوقها المدنية والإنسانية –في العراق- ، وفي الوقت الذي كان فيه الشاعر محمد مهدي الجواهري ، يتعرض بقصائده في الخارج بشخصية عبد الكريم قاسم ، كان الجواهري موضوعاً يُدَّرس في كتاب الأدب العربي لطلبة الصف الثالث المتوسط – في العراق - ، وكانت الصحف –العراقية- تنشر قصائده الجديدة ...

 

وبينما يتمرد " الشواف " بحركة عسكرية مسلحة ضد حكم عبد الكريم قاسم وينتهي " الشواف " تلك النهاية المفجعة ، كان عبد الكريم قاسم يتمسك بوزير الصحة اللواء " الشواف " وهو شقيق قائد الحركة العسكرية ضد عبد الكريم قاسم ... لم يحدث خلال فترة حكم عبد الكريم قاسم أن تعرض أحد معارضيه لعملية إغتيال أو إختطاف سواء داخل العراق أم خارجه بل كان عبد الكريم قاسم نفسه عرضة لمحاولات إغتيال ... خرجت مظاهرة احتجاج كبيرة من الأعظمية إحتجاجاً على إعدام العميد ناظم الطبقجلي والعقيد رفعت الحاج سري ، واخترقت شارع الضباط في راغبة خاتون ، ومرت أمام بيوت ضحايا الأعدام في الخامس والعشرين من أيلول عام 1959، ومن هتافات المظاهرة الثأر للشهداء :

"هذا البعثي يهز جبال إسمع يكرَّيِم" ، و "هذا البعث يهز جبال إسمع يالخاين" ...

ولم يتحرك عبد الكريم قاسم لضرب المظاهرات بالدبابات أو قصفها بالطائرات ولم يتعرض لها شرطي أو جندي ...

 

شيئان لم يستطع صديق لعبد الكريم قاسم أن يكشفهما فيه على طول العِشرة وهو :

إنتسابه العشائري ، وولائه المذهبي ...

وشيئان يقودان العراق الى الكارثة منذ سنوات ولا يستطيع أحد أن يوقف الانحدار اليهما -وهما- :

إنتساب الحاكم الى العشيرة ، وولاؤه للطائفة ...

 

طعام الزعيم المُفّضل هو التمن ...

لم يتزوج وكان شديد التعلق بوالدته ...

تمكن من اللغة العربية نحواً وصرفاً وأطلع على آدابها ، وأحب من القدماء شعر المعري ومن المحدثين شعر الرصافي ... كما أتقن اللغة الإنكليزية التي كانت لغته اليومية المطلوبة في المجلات والصحف التي يطالعها ....

لم يكن ميّالاً نحو ما يزيد حاجته من اللباس ...

لم يكن يدّخن كما لم يكن محباً للسهرات ...

ولم يكن يعرف طريقة الحُكام العرب في تخصيص جزء من النفط لأغراض الدعاية والأعلام الشخصي له ولحكومته ، مم أثار عليه تياراً ناقماً من الصحفيين العرب الذين يعيشون على ما تخصصه لهم المخابرات أو وزارات الأعلام العربية من أموال ونفقات ، سواء لهم أم لأغراض إصدار صحف الدعاية في الخارج ...

وقد أخضع نفسه للتدرج القانوني في حمل الرتبة ، وحتى يوم مقتله بعد فترة وجيزة على حمله رتبة فريق ركن ... وقد أختار عبد الكريم قاسم سنبلة الحنطة شعاراً للعراق " .

- عبد الكريم قاسم رؤية بعد العشرين / حسن العلوي ص1و ص56 وص111وص117وص135-

 

حدثني والدي العزيز بهذه القصة الجميلة عن عبد الكريم قاسم حيث قال :

" في أحد المرات وبينما كان الزعيم يتفقد شوارع بغداد ومحالها كعادته اليومية فصادف أن رأى صاحب مخبز معلقاً صورة كبيرة للزعيم عبد الكريم قاسم فأوقف الزعيم سيارته وترجل منها وذهب لرؤية صاحب المخبز لتفقد نوعية الخبز، فرأى الزعيم أن حجم رغيف الخبز كان صغير نسبياً فقال لصاحب المخبز :

" زَغِّر الصورة وكَبّر الخبزة " !!  ...

 

وحادثة أخرى مفادها أن الزعيم كان قد أعتاد أن يأكل إحدى الأكلات الشعبية العراقية وهي " الباچة " في أحد المطاعم الشعبية القديمة والرخيصة واستمرت هذه العادة حتى بعد أن أصبح رئيساً للوزراء ...

وفي أحد المرات ولأن المطعم كان شعبياً ورخيصاً فقد كان ممتلئ بالجنود وكانوا منشغلين بالطعام وفجأة دخل رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة لنفس المطعم فعم الذهول المكان فما كان من الزعيم إلا أن بادرهم بقوله بكل تواضع :

" أخذوا راحتكم " ...

ولمعرفة صاحب المطعم بالزعيم فأنه قام على الفور بإعداد طبق " الباچة " كالمعتاد وقدمه للزعيم ، ولمّا همّ الزعيم بالانصراف طلب من جميع من كان بالمطعم عدم دفع أي شيء مقابل ما قد أكلوه من طعام لأنه وكما قال الزعيم :

" حسابكم واصل أبو خليل !! - أبو خليل هي كنية تدل على الجندي العراقي –

فلماذا لا يتعظ الحكام العراقيين الجدد بمبادئ تلك الرجالات العراقية النزيهة وهي ليست صعبة كما تقدم لأنه وكما يُقال :

" أثر الشيء يدل على وجوده "