ونحن نرفض أن
نعيش بالذل والهوان يا حسين، لأنك علمتنا أن تكون لنا كرامة
وإباء وأنوف حمية لا تطأطأ لشهوات النفوس وسياسات الخصوم...
من رحم الرسالة
الإسلامية وُلدت ثورة إسلامية، في أول عقود الرسالة الإسلامية،
قادها الحسين مسدَداً بقران الله بيمينه، وسنة جده النبي محمد
بشماله، وسيف وثبات أباه علي بجنبه، وصبر ودعاء فاطمة له من
خلفه، فأنتصر...
فثورة أولئك
قوامها لا يصح لها إلا النصر...
لذلك تنتصر
ثورة الحسين وفكره في كل زمان ومكان وفي كل حربٍ ضد ظالمٍ
ومستبد، معلناً ولادة الأحرار والواعين والخالدين في كل زمان
ومكان...
لذلك نبكي على
الحسين، فبكاؤنا عليه ذكرى تلهم العزيمة...
ذلك نبكيه
خالداً وثائراً وشهيداً ليصحح الدين الذي حرّفوه وزيفوه وركبوه
بالسياسة ركباً أعوجاً بالرغم من مرور سنوات معدودة على وفاة
الرسول (ص)، فهنا تكمن أهمية ثورة الحسين الذي حارب بالدين ضد
الدين...
ثورة إصلاحية
لا تقل أهمية عن ثورة الرسالة الإسلامية نفسها، لأن الحسين وجد
الإسلام يتحول من دين الله ورسوله، لدين السلطة والسياسة
والشهوة...
ثار الحسين ولم
يحنيه خذلان الناصر من الصحب والأصدقاء، ولم يحنيه نفاق
وتبريرات العلماء والمحدّثين والمفسرين ومنهم من بايعوه
مناصرين فانقلبوا عليه قاتلين...
ولليوم هنالك
منافقين وحتى ممن يظهر الحزن على الحسين وعلى قتله ويمارس
شعائر وطقوس حزناً عليه، من يدٍ تبذل المال على خدمة الشعائر
الحسينية من أموال الرشوة والفساد الإداري، وأيدٍ تلطم على
الصدور وهي لا تؤدي فروض الله، وأرجلٍ تمشي لمرقد الحسين وكم
مشت لفعل الذنوب الكبار فضلاً عن صغارها، وأعينٍ بكت على
الحسين ونفس العين ملئوها بنظرات شهوة محرمة، وممن سيرمي
الحسين وثورته ونهجه وراء ظهره، كما سيرمي الشعائر الحسينية
وراء ظهره بعد نهاية الشهر...
ذلك فيمن يحب
الحسين، فكيف بمن يعاديه أو ينصب له العداء...!!
ها هو الحسين
يصرخ فيّ وفيكم وفي الناس أجمعين: (لم أخرج أشراً-أي طالب شر-
ولا بطراً –أي متبطراً- ولكن خرجت لطب الإصلاح في أمة جدي رسول
الله)...
هنا يكمن
التجدد في فكر الثورة الحسينية بأنها ثورة إصلاح، والإصلاح
تجدد لأنه يواكب كل عصر، والإصلاح يبدأ من الذات ليعم القريب
ومن ثم البعيد...
لا يتصور أحد
أن الذين قتلوا الحسين كانوا لا يعبدون الله؟!
فقد كان أولئك
القتلة يعبدون الله أكثر بكثير من الكثير من عبادنا اليوم،
وكانوا يصلون ويصومون ويتلون القران ويبكون كثيراً، مثل الذين
يبكون اليوم...
ولكن لم ينفعهم
كل ذلك التظاهر العبادي والدين السلبي لما حانت ساعة الحقيقة
وأختبرهم الله بثورة الحسين التي أصبحت المحك الحقيقي للأيمان
فكشف حقيقتهم الأمام الحسين صارخاً يوم كربلاء:
(الناس عبيد
الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا
محصوا بالبلاء قلّ الديانون).
حارب الحسين من
أجل الأخلاق والإسلام الحقيقي لكي لا يصبح خليفة المسلمين
وعلماء الدين ممثلين وناطقين باسم الإسلام المزيف، ففضحهم
الحسين على الملأ بلسان الإسلام المحمدي الأصيل...
الإسلام الأصيل
الذي دخل يوماً رجل على مجلس النبي متسائلاً في المجلس (أيكم
محمد) لعدم وجود ما يميز النبي عن غيره...
واليوم جرب
وأنتقد أو تكلم برأي وفكرة إصلاحية عن شيء رفضته ويؤيده بعض
العلماء أو عن رجل دين بارز أو غير بارز سني أو شيعي لينتفضوا
عليك رافضين ومهينين ومنهم من يهدد ويتوعد...
وإذا كان بعض
رجال دين اليوم كذلك، فكيف بالسياسيين والأحزاب والناس...
لذلك صرخ
الحسين بأن دين محمد لن يكتمل حتى يسفك دمه الطاهر بكربلاء
ليصرخ بالناس: صحصحوا وفكروا لكي لا تكونوا من عباد الله
الغافلين كالذين قتلوني، بل كونوا كعباد الله الواعين الذين
نصروني...
يقول الحسين
يوم عاشوراء: (إن كان دين محمد لن يستقم إلا بقتلي فيا سيوف
خذيني)...
نبكي على
الحسين ونحزن عليه لأنه مظلوماً فأنتصر، فنتذكر كيف إننا
مظلومين فهو يلهمنا الثورة والسخط على الظالم، كما يلهمنا
الصبر والفكر، ولا صبر إلا بفكر، ولا فكر إلا بصبر...
نبكي عليه لأن
في البكاء عليه إحياء ونهضة وخلود لذكرى العزة والكرامة
والثبات على الحق...
وهذا لا يعني
أن كل من يحيي تلك الشعائر مؤمن ملتزم، ومتى كان الكل في
الأمور قياس...!!
ومتى كان
الباحث عن الحق ينظر لتصرفات البعض ويترك الجوهر...
نبكي عليه لأنه
نور وهدى قد قتلوه شر قتلة وجزروه جزراً كالأضاحي، بل حتى
الذبيحة يرويها القصاب ماءاً قبل ذبحها، ولكنهم كانوا قساة
بقتل الحسين إلى درجة أن يقتلوه عطشاناً ومن ثم يسرقون ملابسه
ويتركونه عارياً على رمضاء كربلاء دون غسل ولا كفن ولا دفن
ثلاثة أيام بلياليها...
تلك القلوب
التي هي أشد من الحجارة قسوة...
(ثم قست قلوبكم
من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر
منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما
يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون * أفتطمعون أن
يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من
بعدما عقلوه وهم يعلمون)اية74-75/سورة البقرة.
نبكي على
الحسين لا بكاء الفارغي العقول بل بكاء من جعل الحسين قدوة
يقتدي بها...
كان الحسين
قدوة في تصرفاته وكان يدعو الناس لنهج الله القويم حتى من دون
أن يتكلم فقد كانت تصرفاته تتكلم عنه...
لو حضر الحسين
وشاهد ما يفعل البعض بحجة نصرته وشعائره لأخرسهم وردعهم ولكن
ولات حين مناص...
ولماذا أصبحت
عدد ليس بالقليل من المجالس الحسينية فارغة لا من الناس بل من
الفكر المتجدد والإصلاح المتقد...
لماذا أصبحت
عدد ليس قليل منها لا يوجد فيها فكرة جديدة أو نصائح هادفة
ومتجددة، ولماذا الكثير من الوعاظ والمحاضرين يرددون محاضرات
دينية روتينية مكررة وكأنها (إسقاط واجب)...
فارغة من أي
تجدد وفكر نير...
عادة يمارسونها
كأي عادة...
موروث يتوارثوه
دون تفكير وتدبر...
ومن البعض ممن
يمارس شعائر تؤذي الناس والجيران بأصوات مكبرات الصوت مثلاً،
وتنتهك حقوق الآخرين، وتستغل الأماكن العامة وتقطع الشوارع
المخصصة للناس كافة...
النبي (ص)
يقول: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) هذا هو تعريف
المسلم، وأما المؤمن فتعريفه مختلف كما جاء بقول مختلف عن
النبي محمد (ص): (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب
لنفسه)...
ثار الحسين
برسالة النبي محمد (ص) الإسلامية ليحارب نهج يزيد بأسم
الإسلام...
ومن الشعائر
الدخيلة على الفكر الديني والتي يفعلها البعض عناداً، لنهي بعض
الواعين منها ومن أثرها السلبي، فيعاندون ليعملوها لا قربة لله
تعالى، بل عناداً لمن أراد أن يوعيّهم...!!
نحن نحزن على
الحسين ليس إسقاط واجب، ولا لعادة بل لأنه ملهم للعطاء والنبل
والفكر المستنير ومقاومة الطيش والخسة ونحن في وقت نحتاج إلى
الكثير من القدوات الصالحة والملهمة للصبر ونيل الظفر...
النبي محمد (ص)
أسوة حسنة للناس والحسين (ع) كذلك اسوة، فالنبي يقول: (حسين
مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً)...
فهل من المعقول
أن يحب الله شخصاً أحب الحسين من دون قصد...
ألا تفكر لماذا
وضع الله به هذه الأهمية على لسان جده رسول الله (ص)...؟!
ألا تفكرون
لماذا وضع الله أهمية لفاطمة الزهراء (ع) حينما قال فيها
الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحي: (الله يغضب
لغضبها ويرضى لرضاها)...؟!!
ألا تفكر لماذا
وضع الله بها هذه الأهمية... لدرجة أن الله يغضب لغضبها وويل
لمن غضب الله عليه وأن يرضى الله لرضاها، والجنة لمن رضي الله
عنه...؟!
سيعيها ويعقلها
من تفكر وبحث وتدبر، وسيدعها ويتركها ويغير الموضوع ويحرف
الحقيقة من من مات قلبه وعقله وإدراكه...
ليأتي اليوم
قتلة جدد وبأساليب جديدة كقتلة التاريخ القديم، بتفجيراتهم
ووسائل إعلامهم وسياساتهم وكتاباتهم البائسة...
ولكن هيهات
منّا الذلة كما قالها الحسين ثائراً وشهيداً...
ينزعجون من ذكر
الحسين وثورته بعد أن أخفاها التاريخ، فإذا بالذكرى تثور كما
ثار صاحبها لتفجر صفحات التاريخ صرخات حقٍ عند تاريخٍ جائر...
تلك الصرخات
التي لم يستطع التاريخ أن يغفلها وإذا بها تلهم الأجيال عطاءاً
وحكمة...
علماء ومؤرخين
نقلوا وأثبتوا أحاديث فضائل وكرامات بحق محمد واله بعد أن
أخفاها علماء السوء اليوم والبارحة كراهة وظلماً وعدواناً
وبغضاً... لأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويتركون بعض...!!
وإذا زوّر
سلاطين بين أمية وبني العباس بعض التاريخ وبعض السنة النبوية،
ليفرقوا بين الناس بمبدأ (فرق تسُد) ليسود سلطانهم، وليضفوا
على عروشهم شرعية وهمية، وليكون كل من حاربهم وخرج عليهم
خارجاً على الدين لا عليهم...
فمالكم يا شعوب
اليوم ومسلميها خصوصاً، تنجرون لسياسة أسس أساسها سياسيين
وسلاطين ليبقوا بالعرش وكرسي الحكم فقط مهما كان الثمن ولو
بتزوير أحاديث الرسول محمد (ص)...
هنالك تاريخ
صحيح مبحوث علمياً شاهد على فظاعة التزوير والتزييف فأقرؤه على
أقل تقدير، لو كنتم تعقلون.
أو دعوه ولا
تنجروا وراء سياسة القوم...
والعلم يُكتسب
ويُتبع، ولا ينجر إليه إنجراراً كالحمير ...
وروايات اخرى
صحيحة نقلها كتّاب الحديث والتاريخ، ولكن إذا حلت الشهوة
والسياسة فلا ينفع لا حديث ولا تاريخ ولا كُتّاب، فحيثما حضرت
الأحقاد والشهوات والأمزجة والسياسات، غابت العقول...
فلو أن الأشجار
أقلاماً والبحار مداداً وكتبت بها لهم ليقنعوا، لا يقنعوا ...
لماذا تعيبون
علينا بكاؤنا على الحسين وقد بكاه قبل قتله الرسول العالم بأذن
الله وحدث به أباه علياً وأمه فاطمة وأخيه الحسن وأم المؤمنين
أم سلمة كما في رواية روتها...
سيقولون البكاء
بدعة واللطم من الجزع، فبالبكاء بدعة ابتدعها الرسول وأئمة أهل
البيت السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي
والعسكري المهدي المنتظر، الذين أظهروا الحزن كلما سمعوا
بالحسين (ع).
بكى على الحسين
وتأثر بثورته السني والشيعي والمسيحي واليهودي والصابئي
والهندوسي ومن ليس له عهداً بدين ولا بعقيدة لمّا سمع قصة
ومظلومية الأمام الحسين وأهداف ثورته، ولكن المنافقين
والحاقدين والقاسية قلوبهم لا يتأثرون...