في مساء يوم الثلاثاء الموافق للعاشر من
شهر محرّم الحرام 1433 للهجرة (ليلة
الحادي عشر) التي تسمّى بـ(ليلة الوحشة
والغربة على أهل البيت صلوات الله عليهم)،
وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني
سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني
الشيرازي دام ظله كلمة مهمّة قيّمة حول
القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين،
بالمئات من المعزّين، وذلك في بيته
المكرّم بمدينة قم المقدسة, قال فيها:
أرفع تعازيّ بذكرى عاشوراء الإمام الحسين
صلوات الله عليه إلى المقام الشامخ
لمولانا الإمام بقيّة الله عجّل الله
تعالى فرجه الشريف، حيث هو صلوات الله
عليه وليّ دم الإمام الحسين صلوات الله
عليه، وهو الذي أبقاه الله تبارك وتعالى
كي ينتقم لدم الإمام الحسين صلوات الله
عليه على صعيد الدنيا، وإلاّ فإن الانتقام
للإمام الحسين صلوات الله عليه في الدنيا
لا يعادل فضاعة الجريمة الكبرى التي
ارتُكبت بحقّ الإمام الحسين صلوات الله
عليه. وأسأل الله تعالى ببركة الشعائر
الحسينية أن يجعلنا من القائمين بخدمة
الإمام والمنتقمين معه للإمام سيد الشهداء
صلوات الله عليه.
كما اُعزّيكم أنتم أيها الإخوة واُعزّي
المؤمنين والمؤمنات كافة، في كل مكان من
الدنيا، الذين شاركوا في إقامة الشعائر
الحسينية، سواء في تأسيسهم للعزاء الحسيني
أو المواكب، أو في حضورهم، أو بمشاركاتهم
المالية ونحو ذلك، وأسأل الله تعالى بمقام
الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه
الشامخ أن يتقبّل من الجميع.
وقال سماحته: هناك روايتان مفصّلتان حول
القضية الحسينية المقدّسة, مذكورتان في
كتاب الكامل في الزيارات, وهو من المصادر
الشيعية المعتبرة والمهمة جداً, وذكرهما
العلامة المجلسي قدّس سرّه في البحار
أيضاً.
الرواية الأولى هي: عن أبي بصير قال: كنت
عند أبي عبد الله [الإمام الصادق] صلوات
الله عليه اُحدّثه, فدخل عليه ابنه فقال
له: مرحباً, وضمّه وقبّله وقال: حقّر الله
من حقّركم وانتقم ممن وتركم وخذل الله من
خذلكم ولعن الله من قتلكم وكان الله لكم
وليّاً وحافظاً وناصراً, فقد طال بكاء
النساء وبكاء الأنبياء والصدّيقين
والشهداء وملائكة السماء, ثم بكى وقال: يا
أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني
ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم. يا
أبا بصير إن فاطمة صلوات الله عليه لتبكيه
وتشهق, فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة
يسمعون بكاءها وقد استعدّوا لذلك مخافة أن
يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل
الأرض فيحفظونها [فيكبحونها] مادامت باكية
ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على
أهل الأرض, فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة
الزهراء, وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل
بعضها على بعض, وما منها قطرة إلاّ بها
مَلَك موكّل, فإذا سمع الملك صوتها أطفأ
نارها بأجنحته وحبس بعضها على بعض مخافة
على الدنيا وما فيها ومن على الأرض, فلا
تزال الملائكة مشفقين يبكونه لبكائها
ويدعون الله ويتضرّعون إليه ويتضرّع أهل
العرش ومن حوله وترتفع أصوات من الملائكة
بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض, ولو أن
صوتاً من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل
الأرض وتقطّعت الجبال وزلزلت الأرض
بأهلها. قلت: جعلت فداك إن هذا الأمر
عظيم؟ قال: غيره أعظم منه ما لم تسمعه. ثم
قال لي: يا أبا بصير أَما تحبّ أن تكون
فيمن يُسعد فاطمة صلوات الله عليها؟
فبكيتُ حين قالها, فما قدرتُ على المنطق
وما قدر على كلامي من البكاء. ثم قام إلى
المصلّى يدعو, فخرجت من عنده على تلك
الحال فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم
وأصبحت صائماً وجلاً حتى أتيته, فلما
رأيته قد سكن سكنت وحمدت الله.
وأوضح سماحته: إن الإمام المعصوم هو أشرف
الأولين والآخرين، حتى الأنبياء، عدا
مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله،
فالإمام لا يختلف عن النبي إلاّ في
النبوة. والإمام ليس كسائر الناس فهو
معصوم ومرتبط بالله تعالى ومعلّم الأكوان
كلها بما فيهم الملائكة والأنبياء، فإذا
تألّم الإمام وبكى أو تغيّر حاله فإن ذلك
لا يكون لأمر عاطفي بل لأمر عظيم وأعظم.
فتغيّر حالة الإمام الصادق صلوات الله
عليه وتألّمه كما في الرواية المذكورة كان
سببه لتألّم مولاتنا الزهراء صلوات الله
عليها.
وبيّن سماحته معنى كلمة (تشهق) في قول
الإمام الصادق صلوات الله عليه: (إن فاطمة
صلوات الله عليه لتبكيه وتشهق) وقال: لقد
قال القرآن الكريم عن جهنّم بأن لها شهيق
وزفير, وبالنسبة للإنسان هو أنه إذا
أصابته مصيبة وتألّم لها وتوجّع فإنه
لايستطيع أن يتنفّس بشكل طبيعي, أي يتنفّس
تنفّساً عميقاً, وهو التنفّس الممتدّ الذي
يسبقه حالة من حبس التنفّس لمدّة ويصاحبه
التألّم والتوجّع. وقال أهل اللغة بأن
الشهيق هو الأنين الشديد المرتفع جدّاً.
وخروج هذا التنفّس يسمّى زفيراً.
إن رجال الدين وأهل العلم يعلمون أن
الجملة الفعلية تدلّ على الدوام, بالأخص
إذا كان فعلها مضارعاً. وعليه فإن عبارة:
(إن فاطمة صلوات الله عليه لتبكيه وتشهق)
تعني أن مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها
تشهق وتتألّم دائماً لمصيبة عاشوراء.
وشهقتها سلام الله عليها وتألّمها يؤثّران
على الأكوان كلّها وما فيها سوى الله
تعالى. ومن الموجودات التي تتأثر بتألّم
الزهراء صلوات الله عليها هي جهنم، فتثور
ويشتدّ نارها, ولولا أن الملائكة
الموكّلين على جهنم يسدّون أبوابها لأحرقت
الأرض, وذلك غضباً لغضب مولاتنا الزهراء
صلوات الله عليها.
وعقّب سماحته: إن تشهق مولاتنا الزهراء
صلوات الله عليها يعني أن عاشوراء لا
تنتهي أبداً، حتى في عصر ظهور مولانا
الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه
الشريف, وحتى في يوم القيامة فإن عاشوراء
تتجسَّد للخلائق.
إن عاشوراء لا يمكن جبرها، ودم الإمام
الحسين صلوات الله عليه لا يمكن جبره
أبداً، فالله تعالى هو الذي يعلم قيمة كلّ
ذرّة من كلّ قطرة من قطرات دم الإمام
الحسين صلوات الله عليه. ونحن وأنتم
بإقامتنا للشعائر الحسينية وتعظيمها، نكون
في الواقع نحن المستفيدين, حيث نبغي بذلك
علوّ الدرجات، ولكي نزداد قرباً إلى الله
تعالى وإلى أهل البيت وأن تشملنا رعايتهم
ودعاءهم صلوات الله عليهم، وإلاّ فإنّ
أيَّ شيء وأيَّ عمل, مهما كبر وعظم, فإنه
لا يجبر دم الإمام الحسين صلوات الله عليه
أبداً,كما صرّحت بذلك الروايات الشريفة.
وقبل أن يذكر سماحته الرواية الشريفة
الثانية التي تذكر المظالم التي يتعرّض
لها المحيون للشعائر الحسينية, بالأخصّ
زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه,
قال: قبل قرابة ثمانين سنة تصدّى لرئاسة
الوزراء في العراق ياسين الهاشمي، وكان
تصدّيه معاصراً لتصدّي البهلوي الأول (رضا
شاه) للحكم في إيران. وقد حكم الأخير
ايران حوالي 19 سنة، وقام في الخمس
الأخيرة منها بمحاربة الشعائر الحسينية,
فمنع إقامة مجالس العزاء, وحبس الخطباء
وضربهم وغرّمهم غرامات مالية, وكذلك ضرب
وغرّم المشاركين في العزاء والمجالس
الحسينية. ولكني ما سمعت ولم أسمع عن
البهلوي الأول أنه أهان الفقهاء والعلماء
في الإذاعة وغيرها. وهذا ما فعله ياسين
الهاشمي الذي كان أعنف من البهلوي الأول..
فقد قام ياسين الهاشمي, علاوة على محاربته
للشعائر الحسينية, قام ببثّ أغنية عبر
الإذاعة حوت إهانة للعلماء, ولازلت أتذكّر
معظم تلك الكلمات المهينة. فقام حينها
السيد أبو الحسن الأصفهاني قدّس سرّه,
لدرايته وكفاءته, قام مع باقي العلماء
كالشيخ النائيني قدّس سرّه بحماية الشيعة
والدفاع عنهم مما أدّى ذلك إلى صدّ
محاولات الهاشمي وإفشالها.
في ايران أيضاً قام كبار العلماء كالمرحوم
الشيخ عبد الكريم الحائري والسيد حسين
القمي قدّس سرّهما بحماية الإسلام
والشعائر الحسينية والدفاع عنها والتصدّي
لمحاولات البهلوي الأول، وتعرّض الكثير من
الناس بسبب ذلك إلى السجن والقتل.
لكن رغم كل تلك المحاولات في محاربة
وعرقلة الشعائر الحسينية نرى ونجد اليوم
أن العزاء الحسيني قد انتشر في الدنيا
كلها. فالبهلوي الأول وياسين الهاشمي
وأمثالهما ظنوا أنهم يقدرون على عرقلة
الشعائر الحسينية ومنعها، ولكنهم خابوا
وفشلوا، فلو كان بإمكانهم اليوم أن
يُخرجوا رؤسهم من قبورهم ويروا اتساع
العزاء الحسيني لرأوا خيبتهم وخسرانهم
وفشل محاولاتهم.
وأكّد سماحته بقوله: إن البهلوي الأول
وياسين الهاشمي ومن تبعهم ويتبعهم في
محاربة الشعائر الحسينية، هؤلاء في الواقع
هم تعساء بل لا عقل لهم ومجانين، بل أسوَأ
من المجنون الذي يتغذّى على فضلاته.
وحول ما تضمّنته الرواية الثانية قال
المرجع الشيرازي: جاء في هذه الرواية
الشريفة وموردها هي زيارة الإمام الحسين
صلوات الله عليه: عن أبي عبد الله [الإمام
الصادق] صلوات الله عليه في حديث طويل
أنه: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول الله
هل يُزار والدك [أي الإمام الحسين صلوات
الله عليه]؟ قال: فقال: نعم. قال: فما لمن
أتاه؟ قال: الجنّة. ... وقال: قلت: فما
لمن قُتل عنده, جار عليه سلطان فقتله؟
قال: أول قطرة من دمه يُغفر له بها كل
خطيئة وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة
حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين
ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين
أهل الكفر, ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ
إيماناً فيلقى الله وهو مخلص من كل ما
تخالطه الأبدان والقلوب, ويكتب له شفاعة
في أهل بيته وألف من إخوانه, وتولى الصلاة
عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت,
ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنة, ويوسَّع
قبره عليه, ويوضع له مصابيح في قبره,
ويفتح له باب من الجنة, وتأتيه الملائكة
بالطرف من الجنة, ويرفع بعد ثمانية عشر
يوماً إلى حظيرة القدس, فلا يزال فيها مع
أولياء الله حتى تصيبه النفخة التي لا
تبقي شيئاً, فإذا كانت النفخة الثانية
وخرج من قبره كان أول من يصافحه رسول الله
صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلوات
الله عليه, والأوصياء ويبشّرونه ويقولون
له الزمنا, ويقيمونه على الحوض فيشرب منه
ويسقي من أحبّ. قلت: فما لمن حُبس في
إتيانه؟ قال: له بكل يوم يُحبس ويغتم فرحة
إلى يوم القيامة. فإن ضرب بعد الحبس في
إتيانه كان له بكل ضربة حوراء, وبكل وجع
يدخل على بدنه ألف ألف حسنة, ويمحى بها
عنه ألف ألف سيئة, ويرفع له بها ألف ألف
درجة, ويكون من محدّثي رسول الله صلى الله
عليه وآله حتى يفرغ من الحساب فيصافحه
حملة العرش ويقال له سل ما أحببت, ويؤتى
ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب
بشيء ويؤخذ بضبعيه حتى ينتهي به إلى
مَلَك يحبوه ويتحفه بشربة من الحميم وشربة
من الغسلين ويوضع على مقال (جمع مقلاة) في
النار فيقال له: ذق بما قدّمت يداك, فيما
آتيت إلى هذا الذي ضربته سبباً إلى وفد
الله ووفد رسوله, ويؤتى بالمضروب إلى باب
جهنم ويقال له: انظر إلى ضاربك وإلى ما قد
لقي, فهل شفيت صدرك وقد اقتُصّ لك منه؟
فيقول الحمد لله الذي انتصر لي ولولد
رسوله منه.
وأوضح سماحته: إن من يتعرّض للحبس والسجن
يوماً واحداً في سبيل الإمام الحسين صلوات
الله عليه فله أجر كبير، وكلما طال بقاؤه
في السجن، وكلما تعرّض للأذى والتعذيب،
ازداد أجره, لأن الذي يقوم بخدمة القضية
الحسينية المقدّسة يقوم ـ في الواقع ـ
بإدخال السرور على قلب مولاتنا الزهراء
وإسعادها صلوات الله عليها, كما بيّن ذلك
الإمام الصادق صلوات الله عليه لأبي بصير
بقوله صلوات الله عليه: أما تحب أن تكون
فيمن يسعد فاطمة؟
بل إن خدمة القضية الحسينية تُسعد كل
المعصومين الأربعة عشر, من رسول الله صلى
الله عليه وآله إلى مولانا الإمام المهدي
صلوات الله عليه وعليهم وعجّل الله تعالى
فرجه الشريف.
وشدّد سماحته بقوله: إن اللامبالاة تجاه
الشعائر الحسينية وتجاه كل ما يرتبط
بالإمام الحسين صلوات الله عليه، لا معنى
لها. فلذا يجب علينا أن نقوم بخدمة القضية
الحسينية وتعظيمها وإحيائها بكلّ ما نملك
ونقدر عليه، فاللامبالاة والخذلان، مهما
كان نوعهما، توجبان اللعنة على أصحابهما.
كما على المعزّين الحسينيين وعلى المقيمين
للشعائر الحسينية أن يعلموا جيّداً بأنهم
إذا لحقهم ظلم فإنهم سيُثابون عليه، مهما
كان نوع هذا الظلم، وسواء كان هذا الظلم
من ظلم بني أمية أو بني العباس أو ياسين
الهاشمي أو غيره من الحكّام.
إنّ الذين يُلحقون الأذى بالمقيمين
للشعائر الحسينية في الدنيا، سينالون وبال
أذاهم في نار جهنم. كما ذكر ذلك الإمام
الصادق صلوات الله عليه في الرواية
الشريفة الثانية, وكما صرّح القرآن الكريم
بقوله عزّ من قائل: (يأتيه الموت من كل
جانب وما هو بميّت).
وأوصى سماحته بتحمّل الصعوبات في طريق
إقامة الشعائر الحسينية وقال: إن مولانا
رسول الله صلى الله عليه وآله تعرّض لأذى
كثير من قبل المشركين والكفّار، ومنها
أنهم كانوا يلقون ماء أفواههم على وجهه
الطاهر، لكنه صلى الله عليه وآله صبر على
ذلك وتحمّله. فيجب علينا أن نقتدي برسول
الله صلى الله عليه وآله كما أمرنا الله
تعالى حيث قال: (ولكم في رسول الله اُسوة
حسنة). فعلينا أن نقيم الشعائر الحسينية
وأن نصبر ونتحمّل الصعوبات التي تواجهنا
في سبيلها.
إذن يجب علينا أن لا نستسلم وأن لا ننسحب
من خدمتنا للشعائر الحسينية إذا واجهتنا
أدنى صعوبة أو أذى. وأنا أوكّد على
الجميع، بالخصوص الشباب, إن لم يكن لديهم
استطاعة مالية يقدّمونها في سبيل القضية
الحسينية المقدسّة، فليرهنوا ويقدّموا ماء
وجوههم لإقامة المجالس الحسينية وإحياء
الشعائر الحسينية المقدّسة.
وأعرب سماحته عن تألّمه بقوله: إن عزاء
طويريج المعروف بـ(ركضة طويريج) ـ وكما
نقل المرحوم العلاّمة السيد بحر العلوم
قدّس سرّه ـ يشارك فيه مولانا الإمام صاحب
العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه
الشريف، ولكن انظروا إلى القنوات الفضائية
كيف تتصرّف تجاه هذا الحدث الكبير؟ هذه
القنوات تقوم تعمّداً بعدم بثّ حتى ثوان
معدودة عن هذا العزاء المهمّ. في حين إذا
تنازع بضعة أشخاص في مكان ما من الدنيا,
أو اُجريت مسابقة كرة القدم, تقوم هذه
القنوات ببثّ ذلك النزاع أو تلك المسابقة
بحرص وولع شديدين.
وعقّب سماحته بقوله: لا شكَّ أن أيَّ شخص
وأيّة جماعة وأيَّ نظام يعادي الشعائر
الحسينية أو يتّخذ موقف اللامبالاة
تجاهها، لاشك بأنهم سينزون ويُنسَون. وأما
الشعائر الحسينية فإنها تزداد يوماً بعد
يوم وتنتشر أكثر وأكثر، كما حصل في
الأزمان السالفة من بعد سلطة الطواغيت من
الأمويين والعباسيين، والبهلوي وصدام.
وهذه حقيقة ثابتة للجميع. فأولئك الطغاة
أمثال هارون والمتوكّل والبهلوي وياسين
الهاشمي وصدام هم الآن رهائن ما اقترفوه،
فهم في عذاب أليم وعظيم جرّاء عداوتهم
للشعائر الحسينية ومحاربتهم لها، وأما
القضية الحسينية فهي حيّة وخالدة.
وتطرّق سماحته إلى ذكر نموذج من محاولات
وممارسات الأعداء في محاربتهم وعداوتهم
لأهل البيت صلوات الله عليهم, فقال: ذكرت
الروايات عن أبي مالك الأحمسي أنه قال:
خرج الضحّاك الشاري بالكوفة فحكم وتسمّى
بإمرة المؤمنين ودعا الناس إلى نفسه,
فأتاه مؤمن الطاق فلما رأته الشراة وثبوا
في وجهه, فقال لهم: جانح. قال: فأتي به
صاحبهم فقال له مؤمن الطاق: أنا رجل على
بصيرة من ديني, وسمعتك تصف العدل, فأحببت
الدخول معك. فقال الضحّاك لأصحابه: إن دخل
هذا معكم نفعكم. قال: ثم أقبل مؤمن الطاق
على الضحّاك فقال: لِمَ تبرّأتم من عليّ
بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله؟ قال:
لأنه حكَّم في دين الله! قال: وكل من
حكَّم في دين الله استحللتم قتله وقتاله
والبراءة منه؟ قال: نعم. قال: فأخبرني عن
الدين الذي جئت أناظرك عليه لأدخل معك فيه
إن غلبت حجّتي حجتك أو حجّتك حجّتي من
يوقف المخطئ على خطائه ويحكم للمصيب
بصوابه, فلا بد لنا من إنسان يحكم بيننا.
قال: فأشار الضحّاك إلى رجل من أصحابه,
فقال: هذا الحكم بيننا فهو عالم بالدين.
قال: وقد حكمت هذا في الدين الذي جئت
أناظرك فيه؟ قال: نعم. فأقبل مؤمن الطاق
على أصحابه فقال: إن هذا صاحبكم قد حكّم
في دين الله, فشأنكم به. فضربوا الضحّاك
بأسيافهم حتى سكت.
جدير بالذكر، أن معاداة أهل البيت بالأخص
المعاداة للإمام أمير المؤمنين صلوات الله
عليه استمرَّت في كل العصور التي حكم فيها
بنو امية وبنو العباس، حتى أن الناس كانوا
يواجهون عقوبة السجن والقتل إذا سمّوا
أولادهم باسم علي وباسم باقي الأئمة
وخصوصاً في زمن الإمامين الجواد والهادي
صلوات الله عليهما، ولهذا ترى القليل أو
لا تكاد ترى أن أحداً من أصحاب الأئمة كان
اسمه عليّاً. فانظروا كم حاربوا أهل البيت
صلوات الله عليهم وأتباعهم كي يقضوا
عليهم، ولكنهم لم يفلحوا وفشلوا.
وبيّن سماحته: إن بني أمية أرادوا من
فعلتهم في يوم عاشوراء أن يقضوا على أهل
البيت صلوات الله عليهم وأن يحكّموا على
الناس وعلى دينهم أمثال الضحّاك. ومن
المسلّم به, وكما ذكر الإمام صلوات الله
عليه, أن الأعداء قد تجاوزوا الحدّ
وبالغوا في ظلمهم لأهل البيت صلوات الله
عليهم في عاشوراء، بحيث لو أن ظلمهم لأهل
البيت كان بوصية من رسول الله صلى الله
عليه وآله لما استطاعوا أن يقترفوا أكثر
وأكبر من الظلم الذي اقترفوه في عاشوراء.
وفي ختام كلمته القيّمة أكّد المرجع
الشيرازي دام ظله بقوله: إن وسائل إعلام
الأعداء اليوم، بمختلف أنواعها، تبذل
قصارى طاقاتها وقدراتها لنشر الثقافة
الأموية ومضادّة الشعائر والقضية
الحسينيتين المقدّستين أو التقليل من
شأنهما وعظمتهما، مستعينين في ذلك بتأييد
أصحاب الأفكار المنحرفة لهم.
إذن فلماذا لا تستفيدون أنتهم أيها
المؤمنون والموالون لأهل البيت صلوات الله
عليهم من مثل هذه الإمكانات والقدرات في
إيصال نداء الحق ونداء مجابهة الظلم الذي
نادى به الإمام سيد الشهداء صلوات الله
عليه، وفي إيصال رسالة عاشوراء وما
أثمرته.
علينا أن نستفيد من التكنلوجيا الجديدة,
المتيسّرة اليوم للجميع, أحسن وأفضل
استفادة, في إيصال ثقافة عاشوراء إلى
البشرية كافة, بمختلف لغاتهم. وعلينا أن
لا ننسى بأن العمل الإعلامي هو نصف القضية
والنصف الآخر والمكمّل لها بل والأهم هو
الدفاع والحماية.
إذاً إن العمل على توسيع رقعة إقامة
الشعائر الحسينية المقدّسة بحاجة إلى
الحماية والدفاع من قبل الجميع، وبالخصوص
الشباب. فلا شك كلما كثر المحامون
والمدافعون، ازدادت الشعائر الحسينية
نمواً, واتسعت رقعتها وانتشرت في الدنيا
أكثر. وهذا الأمر لا يتحقق إلاّ بالجدّ
والاهتمام.
لذا اسعوا في هذا المجال كثيراً كي تسعدوا
مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها
وتسعدوا باقي الأئمة المعصومين صلوات الله
عليهم، فإن سعادتكم في الدنيا والآخرة
رهينة خدمتكم للقضية الحسينية المقدسة.
وكلما تكثرون من خدماتكم، تنالون ثواباً
أكبر وأجراً أكثر.
أسأل الله تبارك و تعالى أن يوفّق الجميع
في حشد الطاقات والقدرات والإمكانات في
سبيل نشر الشعائر الحسينية المقدّسة
وتعميمها في العالم كلّه.