تعلّم ثقافة أهل البيت سلام الله عليهم وتعريفها للعالَم واجب على المؤمنين جميعاً

المرجع الدينى سماحة السيد الشيرازي دام ظله يؤكد:
تعلّم ثقافة أهل البيت سلام الله عليهم وتعريفها للعالَم واجب على المؤمنين جميعاً

قام بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في بيته المكرّم يوم الخميس الموافق للأول من شهر ذي القعدة الحرام 1427 للهجرة الخطيب والأستاذ في الحوزة العلمية فضيلة السيد حجت الأبطحي مع جمع من الفضلاء والمبلّغين، فأفاض سماحته عليهم بتوجيهاته القيمة فأشار في بدايتها إلى سابق معرفته بالمرجع الفقيد آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي قدس سره ومكانته العلمية وتقواه ودعا الله سبحانه له بالدرجة الرفيعة وقال:
لقد رحل المرجع التبريزي وأغلقت صحيفة أعماله، أما صحائف أعمالنا نحن جميعاً فما زالت مفتوحة، فعلينا أن نمليها بما يرضي الله تبارك وتعالى.
ثم بيّن سماحته الفرق بين خدمات رجال الدين والحوزة والمراجع الأعلام وخدمات باقي طبقات المجتمع وأهمية العلم ودوره وقال:
لو كان المرجع التبريزي رحمة الله عليه مهندساً بارعاً متديناً أفضل أم ما كان عليه؟ ولو كان تاجراً أميناً متديناً أو طبيباً حاذقاً هل كان سيخدم أكثر مما قدّم من خدمات؟
لا شك أن الجواب كلا، فهو قدّم خدمات كثيرة حينما أوقف نفسه في خدمة علوم أهل البيت سلام الله عليهم. فعلى هذا يجدر بنا أن نرغّب الشباب بتعلّم العلوم الدينية، وخدمة تعاليم أهل البيت سلام الله عليهم، وأن نحثّ الآباء على تشجيع أبنائهم في سلوك هذا الطريق المبارك.
وأشار سماحته إلى سعة ما يبذله أعداء الدين في إعداد من يروّج لأفكارهم الضالة وقال:
إن أعداء الدين يعدّون العدة لما بعد عشرات السنين، تراهم يسخّرون الملايين من الأشخاص ويعدّونهم كي يخدموا أفكارهم المنحرفة. وصحيح أن الباطل زائل لا محالة كما قال الله سبحانه: «كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»(1) ولكن أليس من الأولى أن يعدّ المؤمنون العدّة في تعليم الناس علوم أهل البيت سلام الله عليهم، ويسعوا في تعريفها للعالم أجمع؟
وأضاف سماحته:
نقل لي أحد المبلّغين وقال: كنت أمارس العمل التبليغي في بلد من بلاد أهل العامة، وفي يوم في الأيام استدعتني القوى الأمنية لحكومة ذلك البلد وقالوا لي: إنك قد أهنت (صحيح البخاري) بقولك ليس كل ما في البخاري صحيحاً. فقلت لهم: إذن هل تعتقدون أن كل ما ذكره البخاري فهو صحيح؟ قالوا: نعم.
فقلت: لقد ذكر البخاري حديثاً عن رسول الله صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله يقول فيه وهو يشير إلى بيت عائشة: «هاهنا الفتنة ـ ثلاثاً ـ من حيث يطلع قرن الشيطان»(2) فهل هذا الحديث صحيح؟
فسكتوا ولم يجيبوني وأخلوا سبيلي.
ووصف سماحته فكر التشيّع بأنه مطابق للفطرة السليمة ومليء بتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم وقال:
ذكرت كتب الروايات الشريفة خطباً عديدة لمولاتنا الزهراء سلام الله عليها ومنها خطبتها سلام الله عليها المشهورة في مسجد رسول الله صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله. هذه الخطبة هي عصارة أصول الدين وأخلاقه وأحكامه، وحوت مفاهيم راقية جداً لو عرفها الناس لاهتدى الملايين منهم بنور أهل البيت سلام الله عليهم. وهذا يستدعي منّا جميعاً وخصوصاً الشباب العمل لنشر ذلك بين الناس كافّة. فالتاريخ قد سجّل لنا أن كثيراً من غير المعاندين استبصروا وصاروا من خواص أصحاب الأئمة الأطهار بمجرد محادثة واحدة لهم مع الشيعة الواعين والمتعلّمين.
وقال سماحته:
كان سليمان بن خالد من أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه وروى الكثير من الروايات وهو راوية ثقة لدى مراجع وعلماء التشيّع، فأكثرهم يستند في فتاويه إلى ما رواه سليمان. كان سليمان في بداية أمره غير متمسّك بولاية أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، لكنه استبصر بواسطة بعض الشيعة، وعندما استبصر بدأ يعيد كل ما أدّاه من الفرائض. وذات مرّة قال للإمام الصادق سلام الله عليه:
«إني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفته. قال: لا تفعل فإن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة»(3).
وهذه الرواية إن دلّت على شيء فإنها تدل على شدّة طاعة سليمان لله تعالى وللمعصومين سلام الله عليهم إضافة إلى دلالتها على عمق الهاوية التي هوى فيها المنحرفون عن خط أهل البيت سلام الله عليهم. وكثيرون كانوا أمثال سليمان في بداية أمرهم بعيدين عن فكر أهل البيت، لكنهم بعد ذلك اهتدوا وصاروا من خلّص أصحاب الأئمة الهداة كسلمان، وأبي ذر، وزرارة، وأبي حمزة الثمالي، وعلي بن مهزيار، وأبي خالد الكابولي وألوف آخرين ممن كانوا من اليهود والنصارى والملحدين.
والحالة نفسها تتكرّر اليوم وبالمئات حتى باتت ترعب المنحرفين عن أهل البيت فبدأوا يعدّون العدّة علّهم يستطيعون منع توسّعها، فشرعوا بجذب الملايين وإعدادهم كمروّجين لأفكارهم الضالة. فقد قال لي أحد علماء التشيع في إحدى البلاد العربية: لقد جنّد الوهابيون في البلد الذي أقطنه ما يربو المليون ونصف المليون من الشباب وهم الآن يعدّوهم لما بعد عشرات السنين.
إذاً ألا يكون هذا الأمر محفّزاً للمثقفين المؤمنين بولاية أهل البيت سلام الله عليهم كي يعدّوا العدّة لخدمة تعاليم آل الرسول الأطهار؟
وفي جانب آخر من حديثه أشار سماحته إلى مقام مولاتنا الزهراء سلام الله عليها وعظمة شأنها وقال:
جاء في الروايات الشريفة عن سلمان المحمدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن الله خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم، فلما أراد الله عزّوجلّ بدو خلقنا تكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلّم كلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما واعتدلا، فخلقني وعليّاً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش، ثم فتق من نور علي نور السماوات فعليّ أجلّ من السماوات، ثم فتق من نور الحسن نور الشمس ومن نور الحسين نور القمر فهما أجلّ من الشمس والقمر، وكانت الملائكة تسبّح الله تعالى وتقول في تسبيحها: «سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى»، فلما أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلا ما كشفت عنّا. فقال الله عزّوجلّ: وعزتي وجلالي لأفعلن؛ فخلق نور فاطمة الزهراء سلام الله عليها يومئذ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، [و] من أجل ذلك سميت فاطمة الزهراء، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه، فقال الله: وعزتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها»(4).
ثم عقّب سماحته قائلاً: لا شك أن سيدتنا فاطمة سلام الله عليها كان تتبع أباها رسول الله صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله وهي ليست بأفضل منه، بل إنها فدت نفسها لدين أبيها. لكن عند التأمل في هذا الحديث الشريف نجد أن الله تعالى قد عرّف الرسول الأكرم وأهل البيت الأطهار بالزهراء صلوات الله عليهم أجمعين وجعلها المحور لهذه الذوات المقدسة. وليس جزافاً إن قلنا إن كل ما يعرفه العلماء والحكماء والمفكرون عن مقام مولاتنا فاطمة سلام الله عليها هو ظلّ من أصل حقيقتها، ولعله في يوم الآخرة يمكن معرفة كنه حقيقة مقامها الرفيع. ويمكن القول: إن إحدى الخصائص الأصلية للمنظومة المعرفية لثقافة أهل البيت الفريدة هو أن الزهراء سلام الله عليها المركز والمحور في هذه المنظومة.
وأكّد دام ظله:
من الجدير بل يجب على المؤمنين أن يسعوا في تعلّم علوم هذه المنظومة المعرفية السامية وأن يعلّموها للآخرين. فبعض المراجع الأعلام سلك في بداية أمره حرفة الكسب، وفي الثلاثين من عمره أو أكثر شرع في تحصيل العلوم الدينية، وصحيح أن التعلّم في هذا العمر يكون صعباً لكنهم بالإخلاص إلى الله والتوكل عليه والتوسّل إليه برسوله الأعظم وأهل بيته الأطهار وصلوا إلى درجات عالية من العلم وحازوا على مقامات رفيعة، ومنهم صاحب الرياض رحمة الله تعالى عليه.
فيجدر بكل من يشعر بأنه يستطيع أن يوقف نفسه لخدمة أهل البيت سلام الله عليه أن يجدّ ويجتهد في تعلّم علومهم سلام الله عليهم ويسعى في تعريفها للبشرية جمعاء، فربما يهتدي بنور أهل البيت على يديه ممن يصبح بعد ذلك كعلي بن مهزيار أو زرارة وغيره. فمن يسعَ في ذلك ينل التوفيق من الله تعالى والرعاية من أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين.


(1) سورة الرعد: الآية 17.
(2) البخاري/ ج4/ ص 46.
(3) وسائل الشيعة/ ج1/ باب 31 عدم وجوب قضاء المخالف عبادته/ ص 127/ ح320.
(4) بحار الأنوار/ ج43/ باب2 أسمائها وبعض فضائلها .../ ص17/ ح16.
 

 

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها