موقع يازهراء سلام الله عليها
القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز

 

مظلومية الزهراء سلام الله عليها؛ منهج البحث ومنطلقاته*
من محاضرات الفقيد السعيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي قدّس سرّه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
حيث إنّ هذين الشهرين (جمادى الأولى وجمادى الثانية) يتعلّقان بسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين الصدّيقة الكبرى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله(1)، لذلك نتحدّث باقتضاب حول الظلامات التي وقعت عليها بعد شهادة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله. ونجعل حديثنا بإذن الله تعالى ضمن نقطتين:
النقطة الأولى: منهج البحث.
النقطة الثانية: منطلقات البحث والشبهات المثارة.
1. منهج البحث
أمّا بالنسبة إلى منهج البحث فمقدمةً نقول: إنّ إحدى المشكلات التي تعاني منها الأمّة هي مشكلة التشكيك في الحقائق التاريخية، وهذه الظاهرة لا تقتصر بالطبع على الحقائق التاريخية ولا تتوقّف عندها وإنّما تتعدّاها لتشمل مجالات أخرى. فحالة التشكيك لها أول وليس لها آخر؛ إذ قد يبدأ شخص بالتشكيك في حقيقة تاريخية، ولكن حيث إنّ هذه الحالة لها اطراد، نرى التشكيك يتقدّم عنده ليشمل الحقائق التاريخية والفقهية والعقائدية والفكرية، حتى يلفّ التشكيك أخيراً جميع الأسس الدينية وكلّ شيء.
يقول أحد الفلاسفة عن التشكيك: «الشكّ معبر رائع ولكنّه موقف سيّئ».
إنّ الشخص إذا شكّ ثمّ قام بالبحث والتحقيق ليعبرَ من الشكّ إلى الحقيقة، فهذا معبر رائع، ولكن أن يتردّد في حالة الشكّ وأن يتحوّل الشكّ عنده إلى منهج في الحياة بأن يشكّك في كلّ شيء ويظلّ يدور في حلقة مفرغة فهذا موقف سيّئ.
ولكي يتمّ التغلّب على التشكيك في الحقائق التاريخية نذكر ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: إنّ كلّ علم من العلوم له منهج معيّن، وأهمّ شيء في كلّ علمٍ هي المنهجية المستخدمة فيه. فالقضايا العقلية مثلاً لها منهج معيّن، وقد يكفي لبحث وتحليل قضية عقلية أن تجلس في غرفتك المغلقة وتقوم بذلك.
ومن الخطأ أن يقوم الباحث بتطبيق منهج علم على منهج علم آخر، وهذا خطأ وقع فيه بعض الفلاسفة الأقدمين حين حاولوا أن يحلّلوا القضايا الطبيعية وفق المنهج العقلي والطريقة التي يتبعونها للوصول إلى الحقائق.
إنّ القضايا الطبيعية لها منهج آخر ولا يمكن أن تحلّل بالتحليل العقلي. فمهما كان الفيلسوف كبيراً وعظيماً في علمه ولكن بالمنهج العقلي والتفكير المجرد لا يمكنه معرفة الأكوان والمادّة التي تألّفت منها.
يقول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «في التجارب علم مستحدث»(2) وهذا هو منهج بحث القضايا الطبيعية. أمّا أن تجلس في غرفتك أو في برجك وتفكّر: ما هي المادة التي تتألف منها الكواكب والشمس والقمر؟ فهذا المنهج خاطئ لا يؤدّي إلى نتائج صحيحة ولو كان صاحبه مفكّراً عظيماً، ومن ثم ينتهي ـ كما انتهوا بالفعل ـ إلى قاعدة «الخرق والالتيام» وأنّ هذه الأفلاك مكوّنة من ذرّات غير قابلة للخرق والالتيام، فتحيّروا في تفسير قضية المعراج عندما بلغتهم، إذ كيف عرج النبي صلى الله عليه وآله إلى السماوات؟ فالمفروض في المعراج أن السماوات تنشقّ، ثمّ يلزم أن تلتئم بعد ذلك، فكيف هذا والخرق والالتيام محالان من الناحية العقلية ـ كما زعموا ـ !
نقول: هذا خطأ في المنهج ومن يُخطئ في المنهج ينتهي إلى نتائج خاطئة ولو كان فيلسوفاً عظيماً؛ بينما نرى عالماً بسيطاً قد لا يُقارن بذلك الفيلسوف وربما لا يُمثّل واحداً بالألف بالقياس إليه، يتوصّل إلى نتائج صحيحة؛ لاتباعه المنهج الصحيح في الطبيعيات.
فها هي الطائرات اليوم تخرق هذه الأجواء وتسخر بنظرية الخرق والالتيام التي اختلقتها عقول فلاسفة كبار، اتبعوا منهج علم في مجال علم آخر.
من الموارد الأخرى التي أتذكّرها في تطبيق الفلاسفة المنهج العقلي في البحوث الطبيعية وتحليل ظاهرة طبيعية بمنهج عقلي ـ كما جاء في كتاب شرح حكمة الإشراق ـ معرفة حقيقة هذه الصور التي نشاهدها في المرآة، حيث كان الفيلسوف يختلي بنفسه ويفكّر ثمّ يذكر عدّة احتمالات: الاحتمال الأول، الاحتمال الثاني، و... لينتهي بعد ذلك إلى أنّ هناك عالماً يقال له عالم المثال، فيه توجد الحقائق، وأنّ حقيقتنا موجودة فيه، وأننا عندما نشاهد المرآة إنما نرى الحقائق الموجودة في عالم المثال ذاك!
أيضاً: يُنقل أنّ الحاجي السبزواري عندما قيل له إن الغربيين اخترعوا آلة للتصوير عجِب وقال: لقد تحوّل علمنا جهلاً لأنّنا بنينا ـ من الناحية العقلية ـ على استحالة انفصال العكس عن العاكس والظلّ عن ذي الظل، فكيف فصلوا العكس عن العاكس بأن تكون صورة الشخص موجودة هنا وهو في مكان آخر، أو أنّ صاحب الصورة تحوّل إلى تراب وصورته موجودة؟
لقد تحوّل علمهم جهلاً لأنهم طبّقوا المنهج العقلي على العلوم الطبيعية، وهذا خطأ؛ فالقضايا الطبيعية لا تحلّل وفق المنهج العقلي، بل إنّ منهجهم في القضايا العقلية والإلهيات لم يخل ـ هو الآخر ـ من خطأ في كثير من موارده، ولقد انتهوا فيها إلى نتائج عجيبة. وذلك بحث آخر لا شأن لنا به الآن.
إذن يجب أن نبحث ـ في كل علم ـ عن المنهج الصحيح أولاً؛ وللبحث في الحقائق التاريخية منهجية معيّنة، أمّا إذا حاول فرد أن يطبّق منهجّية علم آخر على علم التاريخ أخطأ الطريق. ولكن هذا شيء متداول الآن مع الأسف، حتى أنك ترى بعض الشباب المبتدئين الذين لا باع لهم ولا إلمام سوى قليل من الثقافة ولا يعرفون منهج تحليل القضايا التاريخية يريدون أن يحللوا قضية تاريخية مهمّة.
من القضايا التاريخية المهمّة القضية التي نريد بحثها وهي ظلامة الزهراء عليها السلام والعدوان الذي وقع عليها، فلننظر كيف وبأيّ منهج حلّلوا هذا القضية التاريخية؟ قالوا ـ في الإطار السنّي ـ هل يوجد في صحيح البخاري دليل على ذلك؟ كما قالوا في الإطار الشيعي: هل هناك رواية كل رواتها عدول إماميون ضبّاط تثبت هذا المطلب؟
وهذا برأيي خطأ منهجي؛ لأنهم تصوّروا أنّ التحليل التاريخي يعتمد على منهج علم الفقه. فإذا كنّا نبحث في علم الفقه عادةً عن رواية ما هل هي صحيحة؟ فلماذا نأتي ونطبّق في التاريخ هذا المنهج أيضاً ونقول: هل هناك رواية في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تدلّ على هذا المطلب الذي تزعمونه وهو قضية الهجوم على بيت فاطمة سلام الله عليها؟
أقول هذا المنهج خطأ في الأصل، فإن المهاجم أخطأ حين طرح السؤال بهذه الطريقة وكذلك أخطأ المدافع أو بعض المدافعين أيضاً حين وقعوا في شرك هذا السؤال والبحث عن رواية بهذا الخصوص؟
إننا نسأل هؤلاء: كم رواية توجد في البخاري؟ وهل احتوى البخاري كل الروايات الصحيحة؟ يحتوي البخاري على زهاء سبعة آلاف وخمسمائة رواية، هذا كل ما في البخاري، أي أقلّ من ثمانية آلاف رواية، أما صحيح مسلم فيحتوي على ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثين رواية، فالمجموع عشرة آلاف رواية، وهذا شيء قليل، فهل الدين كلّه بني على عشرة آلاف رواية ونيّف؟ إنّ البخاري نفسه ـ كما كتبوا في كتبهم ـ كان يقول إني أحفظ مائة ألف حديث صحيح(3)، فأين ذهبت هذه الروايات؟ ولِمَ ينبغي أن يتلخّص الدين في الروايات التي رواها هو ومسلم فقط؟
إنّ للتاريخ منهجاً آخر، يعتمد تجميع القرائن الذي يقوم به المحلّلون الجنائيون حين تقع جريمة في مكان ما.
ما الذي يفعل المحقق القانوني لو وقعت جريمة قتل؟ إنه يجمع القرائن؛ ينظر مثلاً: من كان يعادي هذا المقتول ؟ ومع من احتدّ في الكلام في الأيام الماضية ؟ من المستفيد من قتله؟ من هو آخر شخص التقى به الضحية؟ وهكذا يجمع القرائن.
وليس كلّ قرينة لها قيمة قطعية، إنّما القرينة الواحدة تُمثّل قيمة احتمالية وقد تكون قيمتها الاحتمالية متواضعة في منطق حساب الاحتمالات، ولكن هذه القرينة الأولى لها قيمة احتمالية على أيّ حال مهما ضؤلت ولو كانت واحداً بالألف، وبضمّ القرينة الثانية والثالثة، والرابعة و... ينتهي المحقق الجنائي إلى اليقين العلمي أو اليقين الرياضي.
اليقين العلمي هو اليقين الذين بنيت عليه العلوم المتداولة، حيث الاحتمال يصل إلى مرحلة لا يعتنى بخلافها، أي أنّ الاحتمال المضادّ تقل نسبته إلى حدّ لا يعتني به العقلاء ولا يعتني به العلم، كالواحد بالمليون مثلاً.
فنحن عندما نركب الطائرة ألا نحتمل سقوطها؟ بلى يوجد احتمال، لكن كم قيمة هذا الاحتمال؟ إنه احتمال لا يعتني العقلاء لأنه من النسب الاحتمالية الضئيلة.
فبعد تجميع القرائن نصل إلى اليقين العلمي أو اليقين الرياضي الذي لا يمكن أن يتطرّق إليه الشك ولا يوجد احتمال مضادّ له، ولا بنسبة واحد إلى عشرة ملايين مثلاً. هذا هو المنهج.
إذاً نحن عندما نريد أن نبحث في ظلامة الزهراء عليها السلام وقصة الهجوم على دارها، لا ينبغي أن نسأل عن وجود رواية صحيحة في البخاري، فإنّ هذا الكلام غلط من الناحية المنهجية، بل علينا أن نقوم بعملية تجميع القرائن، فمثلاً: ندرس أولاً شخصية المهاجم ونفسيته؛ أي نفسية هذا الشخص الذي هاجم الدار وانتهك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله. فإذا اكتشفنا عبر تجميع القرائن من خلال الحقائق التاريخيه أنّ هذا الرجل المهاجم رجل فضّ غليظ؛ فلا نستبعد أنّ المرأة الحامل عندما تراه تسقط حملها.
ونحن لا نكتشف هذا من موقف واحد بالطبع، بل من الأشباه والنظائر أيضاً أي ننظر في المواقف المماثلة مع من اعتبرهم خصوماً له، ونرى كيف تعامل معهم؟
لست الآن في صدد البحث التفصيلي، ولكن كمجرّد نموذج، أشير إلى ما ذكره أحد علماء العامّة وهو ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، فهو ينقل قضايا عجيبة حول شخصية هذا الرجل وتصرّفاته في المواقف المشابهة؛ يقول:
«إن أخت عمر وبعلها أسلما سرّاً من عمر ، فدخل إليهما خباب بن الأرت يعلّمهما الدين خفية، فوشى بهم واشٍ إلى عمر، فجاء دار أخته، فتوارى خباب منه داخل البيت، فقال عمر: ما هذه الهينمة عندكم؟ قالت أخته: ما عدا حديثاً تحدّثناه بيننا. قال: أراكما قد صبوتما. قال ختنه: أرأيت إن كان هو الحقّ! فوثب عليه عمر فوطئه وطئاً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عنه، فنفحها بيده، فدمي وجهها»(4).
وهذا يعني أنّ منطق الوطء والدوس بالأرجل والإدماء كان موجوداً عنده من البداية ومستمرّاً لديه إلى النهاية.
يقول ابن أبي الحديد أيضاً:
«لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وشاع بين الناس موته، طاف عمر على الناس قائلاً: إنه لم يمت، ولكنه غاب عنا كما غاب موسى عن قومه، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، يزعمون أنه مات؟ فجعل لا يمر بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه(5) ويتوعّده»(6).
وهذا موقف يثير الشكوك، وهو الآخر بحاجة إلى تحليل، لأنه يخالف صريح القرآن (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)(7).
لسنا في مجال الانتقاد الآن، إنما نحن نقوم بدراسة شخصية هذا الرجل ـ المسؤول عن قضية الهجوم على دار فاطمة عليها السلام ـ وكيف كان يتعامل مع من يقول ما قاله القرآن؟
يقول ابن أبي الحديد أيضاً:
«وعمر هو الذي شدّ بيعة أبى بكر، ورقم المخالفين فيها، فكسر سيف الزبير لما جرّده، ودفع في صدر المقداد، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة، وقال : اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً. وحطّم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب. وتوعّد من لجأ إلى دار فاطمة عليها السلام من الهاشميين، وأخرجهم منها. ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر، ولا قامت له قائمة»(8).
لاحظوا الأشباه والنظائر. فوطء السقيفة كالوطء الأول والوطء الأخير. وهكذا هي نفسية الرجل.
وما ذكرناه يصلح لأن يكون قرينة أولى. ولا يهمنّا التبرير، فنحن في مقام دراسة نفسية الرجل لا الردّ على التبريرات، فليبرّر من شاء أن يبرّر له. المهم أنّ الرجل عنده منهجية تنظيم القاعدة الإرهابي، والأدقّ أنّه يمثّل منهجية القاعدة، ففكر القاعدة يستند إليه ومنهجها يبتني على منهجيته.
القرينة الثانية حول معاملة الرجل خصومه بمنتهى الشدّة والعنف هي تصرّفه مع سعد بن عبادة، هذا الذي وطئوه في السقيفة، لقد قتلوه بعد ذلك وقالوا: قتله الجنّ، ووضعوا بيتين على لسان الجنّ أنّهم قالوا:
نحن قتلنا سيد الخررج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم تُخطئ فؤاده.
يبدو أنّ الجنّ يرمون بدقّة، لذا لم تُخطئ الرمية فؤاده!! (9)
القرينة الثالثة حول عنفه وغلظته هي خصوصية رواة روايات الهجوم على الدار. لقد روى هذه الرواية الصديق والعدوّ. فكون العدوّ يروي رواية فهذا له قيمة احتمالية معيّنة، ولكن إذا كان الصديق يروي، والمدافع يروي، والذي يعتقد به يروي، والذي تكون الرواية في ضرره يروي، ... فالقيمة الاحتمالية لهذه الرواية ـ والحال هذه ـ ترتفع ارتفاعاً كبيراً؛ لأنه حسب القاعده الفقهية والقانونية: إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ أو جائز.
إن أردتم أن تعرفوا من الذي روى هذه الروايات، فلاحظوا كتاب «الهجوم على بيت فاطمة صلوات الله عليها»(10)، ففي أكثر من 60 صفحة من هذا الكتاب (من صفحة 154 إلى صفحة 217) يذكر الكاتب اعترافات أربعة وثمانين من علمائهم، أحدهم ابن تيمية المعروف بتشدّده ضدّ أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم والذي له منهجية خاصّة.
وإذا كان ابن تيمية يعترف فهل هناك مجال للتشكيك؟ وهل يتمكن أحد أن يأتي ويردّ علينا بدعوى أنّ هذه القضية غير موجودة في صحيح البخاري؟ إنّ ابن تيمية يعترف في كتابه (منهاج السّنة النبوية) المجلد الثامن صفحة 219، بالهجوم على الدار فهو لا ينكر أصل الهجوم وإنّما يبرّره.
أقرأ لكم عبارة ابن تيمية بالنصّ، يقول:
«نحن نعلم يقيناً أنّ أبا بكرلم يُقدم على عليّ والزبير بشيء من الأذى، ولا على سعد بن عبادة المتخلّف عن بيعته أوّلاً وآخراً، وغاية ما يقال إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسّمه وأن يعطيه لمستحقّه»(11).
إنّه يزعم: هناك احتمال أن توجد أموال مجمّدة من أموال المسلمين في بيت علي وفاطمة اللذين قال الله عنهما (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(12) فلعلّ فاطمة خبّأت في بيتها أموالاً من أموال المسلمين!
حسناً: لعلّ في بيت فاطمة أموالاً، ولكن من أين جاءتها هذه الأموال؟ إذا كان في بيت فاطمة سلام الله عليها أموال فرسول الله أعطاها أيّاه.
ثم ـ لو سلّمنا بذلك ـ فلِم لَم يرسلوا وفداً أو هيئة لكي يذهبوا ويفتّشوا الدار، ولماذا الهجوم، أم أنّ ابن تيمية يرى أنّ علياً وفاطمة حبسا هذه الأموال عن مستحقّيها وأنّ ذلك الرجل كان يفكّر في الفقراء أكثر من الباقين لئلا يضّوروا جوعاً وألماً سيّما في وقت الظهيرة، فأطفالهم جائعون وزوجاتهم تطالبهم بالمال، ومن ثم فهو يريد أن يأخذ هذه الأموال من بيت علي وفاطمة المانعين لها ويعطيها لمستحقّيها؟!
يضيف (ابن تيمية):
«وأمّا إقدامه عليهم أنفسهم بأذى فهذا ما وقع فيه قطّ باتفاق أهل العلم والدين وإنما ينقل مثل هذا جهّال الكذّابين»(13).
الحاصل: عندما تجمعون تينك القرائن وقرائن أخرى لا مجال ذكرها الآن ـ لأننا لسنا بصدد البحث التفصيلي بل هذه مجرّد أمثلة ـ تصلون إلى مرحلة اليقين العلمي بل تصلون إلى مرحلة اليقين الرياضي وإن لم توجد رواية في صحيح البخاري أو صحيح مسلم بهذا المعنى.
أما ما يقوم به البعض هذه الأيام من تطبيق المنهج الروائي على المنهج التاريخي فهو خطأ علميّ فاحش.
الملاحظة الثانية: لا يصح الحكم بعدم وجود رواية ما قبل البحث المستفيض. إنّ علينا أن نبحث وسوف نجد روايات صحيحة في هذه المجالات.
لقد قرأت قبل عدّة أيام مقالة كتبها شخص ينفي قضية عقائدية لأنه كان قد راجع كتاباً لأحد الأشخاص وقد رأى فيه روايات هي في زعمه ضعيفة، مع أنّه كانت هناك أكثر من ثلاثة آلاف رواية حول ذلك الموضوع، لكن هذا الشاب طالعَ كتاباً وحداً وشاهد بضع روايات ثم شرع يُفنّدها بزعمه وينتهي إلى بطلان عقيدة مهمّة، فهل هذا منهج علمي؟
الخلاصة
أولاً: التحليل التاريخي يعتمد على منهج تجميع القرائن وحساب الاحتمالات.
ثانياً: إننا لو بحثنا فسوف نجد الروايات الصحيحة في كلّ الحقائق التاريخية والعقائدية أو في كثير منها. هذا باختصار ـ مع أنني ارتأيت حذف مجموعة من الملاحظات الفنية حول النقطة الأولى ـ.
2. منطلقات البحث والشبهات المثارة
القضية المثارة هذه الأيام هي: أنّه لماذا هذا البحث؟ فالأشخاص التاريخيون ماتوا ووفدوا على ربّهم ولم يعد لهم وجود الآن، فلماذا ننبش التاريخ ونبحث في طبائع الأشخاص؟ أي ثمة سؤال بل مطلب مُلحّ بأن نترك التاريخ وننشغل بهموم الحاضر.
للإجابة على هذه الإثارة أحيلكم إلى كتاب نهج البلاغة ففيه كلمة من أروع الكلمات تجيب على هذا السؤال. طبعاً هناك أجوبة كثيرة على هذا السؤال ولكني أقرأ لكم هذه الكلمة من نهج البلاغة فهي تبيّن جانباً من الإجابة.
يقول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
«واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسّكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه. فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنّهم عيش العلم وموت الجهل...»(14).
لا تقل أنا أسير في طريق الحقّ ولا شأن لي بالذين يرفعون راية الباطل، لأن الإمام عليه السلام يقول: كلا «لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه» أي يلزم أن تعرف بأنّ فلاناً على حقّ أو على باطل حتى تعرف الحقّ، وإلا لن تعرف الحقّ. فمن يقول أنا أسير في طريق الحقّ ولا أعرف أن فلاناً على حقّ أو باطل، فهذا لم يعرف الحقّ.
أمّا: ما هي الرابطة بين عرفان الحقّ والرشد ومعرفة الذين حملوا راية الباطل؟
في شروح نهج البلاغة كلمات ذكروها للإجابة عن هذا التساؤل ولكن الشيء الذي يبدو في بادئ النظر أنه إذا لم يعرف الشخص أئمة الضلال وأن فلاناً منهم فهو لا يعرف الحقّ، وذلك لأن هؤلاء الأئمة ـ أعني أئمّة الضلال ـ سوف يتحوّلون عنده إلى مصادر إلهام واستلهام.
فهذا الاسم اللامع؛ وذلك الصحابي الكبير، الذي عاش مع النبي صلى الله عليه وآله، سيعطي الأمة خطّاً.
فإن أنت لم تعرف أنّ معاوية مثلاً من أئمة الضلال ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار فسوف تأخذ دينك منه بالطبع، فيكون ملهماً لك، أمّا إذا كنت تعرف بأنه من أئمة الضلال فستبتعد عنه وتبتعد عن خطّه ولا تستلهم منه ولا ترى قيمة لا لكلمة منه ولا موقف.
سأضرب لكم مثلاً وهو مثال خطير جداً. لقد قرأت لأحد الكتّاب المعاصرين مقالة تنتهي إلى هدم الدين كلّه. هذا الكاتب يقول: لماذا نعيش حالة الجمود على النصّ الديني؟ يجب أن تكون عندنا حالة انطلاق بل يجب أن تكون عندنا شجاعة الروّاد الاوائل. لنكن نحن شجعان مثلهم.
إنه في الحقيقة يريد أن نكون شجعاناً أمام الله تعالى والقرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وآله، لأن الذين يقتدي بهم كانوا هكذا.
لذلك تراه يقول: لقد ألغى أولئك الروّاد العمل ببعض الآيات فضلاً عن العمل بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله، فمثلاً ـ كما يقول ـ: ألغى الأوّل آية المؤلّفة قلوبهم؛ فالله تعالى يقول (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)(15) والنبي عمل بذلك ولكن جاء الأول وبكلّ شجاعة (!) شطب على هذه الآية وقال بإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم، لأنه رأى اختلاف الظرف، ففي أول الأمر كان الدين ضعيفاً وكان يجب أن نعطي للمؤلّفة قلوبهم مائة بعير مثلاً حتى نكسبهم، أمّا الآن والدين قويّ فلا نحتاج للعمل بالآية.
والثاني كان شجاعاً (!) أيضاً عندما شطب آية من القرآن، وهي قوله تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(16).
الآية واضحة، هو كذلك يقول إنها واضحة، فالطلقات الثلاث تعني ثلاث تطليقات حقيقية، ولكن ـ يقول الكاتب ـ وقّف الثاني العمل بهذه الآية لّما رأى بأنّ الناس أكثروا من الطلاق؛ وقال: يجب أن نردعهم، فكلّ من قال بعد الآن لزوجته: «أنت طالق ثلاثاً» حرمت عليه، وإنما عمل بهذا ردعاً عن ظاهرة الطلاق.
وهكذا نرى أن القرآن يقول بثلاث مرات لكن الثاني يقول تكفي مرة واحدة بأن يقولها الرجل ثلاثاً، فهذا يؤدّي مؤدّى ذاك.
فالكاتب يدعونا للاقتداء بهؤلاء الروّاد الأوائل الذين كانوا شجعاناً وجريئين على الله ورسوله، ويقول فلنكن نحن كذلك. فهنيئاً للطواغيت جميعاً!
فمثلاً قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(17) يعود لظرف سابق، فما البأس لو أنّ حاكماً مسلماً اتبّع الروّاد الأوائل في شجاعتهم وقال إنّ الصوم يؤثّر هذه الأيام في معدّلات الإنتاج ويؤدّي إلى تدهورها فلنلغي الصيام. وبالمناسبة هذه قضية حقيقية، فقد رفع أحد الحكّام(18) في إحدى البلدان الصيام عن العمال بجرأة وشجاعة.
وهكذا بالنسبة إلى الحج، فما المشكلة في أن يأتي حاكم شجاع ثانٍ فيلغي الحج. فلئن ألغى الأول حكم المؤلفة قلوبهم مع قدسه وورعه وتقواه ـ كما يقول ـ فلماذا لا نلغي نحن الحج؟ ولماذا يصرف الإنسان الأموال ويذهب إلى حج بيت الله الحرام بمكة؟ يمكنه أن يأتي ويطوف حول قصر الخليفة، كما قال عبد الملك الأمويّ.
وهذا يعني أن كل طاغوت يتسلّط يقوم بشطب بعض الدين حتى لا يبقى منه شيء.
وهؤلاء الإرهابيون الذين شوّهوا اليوم صورة الدين في العالم وأعطوا انطباعاً سيئاً عنه، ممن يستلهمون؟ أليسوا يستلهمون من أولئك الروّاد الأوائل، ولكن كلٌّ يعمل بما يتناسب وعصره، فذاك يضرب من يخالفه الرأي على أنفه فيحطّمه وهذا يصنع أو يرتدي حزاماً ناسفاً فيقتل حتى من لا يخالفه الرأي. المنهج نفس المنهج.
إذن لابد أن تعرفوا من هم أئمة الضلال لئلا تتأثروا بهم ولكيلا تأخذوا دينكم منهم، وهذا معنى قول الإمام أميرالمؤمنين سلام الله عليه (واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا أهله).
لوكان هناك ولد فاسد في المحلّة فماذا تقول لطفلك عنه؟ قد يقول لك شخص معوجّ الفهم: تستّر على ولد الجيران.
لكنك إذا تستّرت عليه فإن ابنك هذا لن تكون لديه مناعة ويذهب ويصادقه فيفسد، إذاً يلزم أن تقول لابنك إنّ ابن الجار هذا خطير وإنه فاسد ومفسد وإنّه يدمّر دينك ودنياك.
وقد يأتي شخص آخر ويقول لك: يلزم أن تصمت حفاظاً على وحدة المحلّة ولا تقل شيئاً عن هذا عند ابنك.
ولكنك ترى أن مصلحة ابنك وصونه عن الانحراف بل المصلحة العامة أيضاً تقتضي منك أن تخبره بالحقيقة.
وهل هناك أهمّ من صورة الدين في العالم؟ إنّ من أهمّ مصادر الإرهاب العقائدية تلك الكلمات التي قرأتها؛ أعني ذلك الوطئ الأول وذلك الوطئ الأخير وذلك التجاسر على بيت النبي صلى الله عليه وآله نفسه! هذه المواقف تمدّ الإرهاب مدّاً.
لا تقولوا هذه بحوث تاريخية بل هي بحوث الحاضر وبحوث المستقبل. فـ«إنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه» كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقال: «ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه». من الذي نقض الكتاب؟ من الذي غيّر وضوء النبي صلى الله عليه وآله مع أنه كان يتوضّأ أمام المسلمين؟ ومن الذي غير صلاته ؟
قدم معاوية إلى المدينة ووقف للصلاة فقال: «الله اكبر، الحمد لله رب العالمين...» فحذف البسملة، وبعدما أكمل اعترض المسلمون عليه، قائلين: لماذا يا معاوية أنسيت أم سرقت؟
قد يقولون: لا لا، لاتتكلم عن معاوية.
فأقول: من لا يعرف حقيقة معاوية يأخذ من معاوية دينه ويُصبح عنده كاتب الوحي فيحذف البسملة أيضاً اقتداء به.
ثم إنّ إشكالكم هذا إشكال على أمير المؤمنين صلوات الله عليه. الطريف في الأمر أنه في الخطبة التي بعدها ينتقد الإمام طلحة والزبير بكلّ صراحة.
يقولون: لا تنتقد طلحة والزبير، وأقول: أوليس الإمام علي عليه السلام انتقدهما؟
قبل أيّام كان شخص يقول إنّ الزبير صحابيّ كبير فلا تجرحوا قلوبنا بتجريحه، فأقول له: ماذا نفعل وأمير المؤمنين عليه السلام هو الذي جرّحه.
انظروا كيف تحدّث الإمام عنه وعن طلحة؛ قال: «كل واحد منهما يرجو الأمر له» أي يريد أن يصبح هو الحاكم «ويعطفه عليه دون صاحبه، لا يمتّان إلى الله بحبل ولا يمدّان اليه بسبب» أي ليس لهم أي ربط بالله تعالى.
ثمّ يأتي ابن أبي الحديد في شرحه الخطبة ويقول: «قالها في شأن طلحة والزبير رضي الله عنهما»! ولا أعرف كيف يستقيم «لا يمتّان إلى الله بحبل» مع «رضي الله عنهما»؟!.
ثم يضيف الإمام في وصفهما: «كلّ منهما حامل ضبّ لصاحبه» والضبّ رمز الحقد في اللغة العربية أي أنّ الواحد منهما يحقد على الثاني، الاثنان هذان قائدا جيش واحد ويحقد أحدهما على الثاني، وحين أرادا أن يصليا صلاة الصبح، صار هذا يدفع ذاك ، وذاك يدفع هذا، وظلاّ هكذا حتى كادت الشمس أن تشرق، فنادى الناس: الله الله يا صحابة رسول الله ستشرق الشمس. فعيَّنوا شخصاً ثالثاً صلّى بهم.
يقول الامام عنهما أيضاً:
«وعمّا قليل يكشف قناعه به، والله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعنّ هذا نفس هذا وليأتين هذا على هذا»(19).
أي إذا أصبحت القدرة بيدهما فهذا يقتل ذاك و ذاك يسعى لقتل هذا.
انظروا أيضاً إلى الخطبة الشقشقية فإن كان عندكم انتقاد فانتقدوا أمير المؤمنين، فهو القائل عن الأول: «وإنه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير» إلى أن يقول عنه وعن الثاني: «لشدّ ما تشطّرا ضرعيها» ويقول عن الثاني أيضاً: «فصيّرها في حوزة خشناء» إلى أن يقول «إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه» فهل هناك أمضّ من هذا الذنب؟!.
أنقل لكم هذه القضية وأختم بها الحديث. هذا القضية ينقلها ابن أبي الحديد المعتزلي السنّي في شرح نهج البلاغة؛ يقول:
«وحدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني قطفتا [اسم مكان] بالجانب الغربيّ من بغداد، وأحد الشهود المعدّلين بها، قال: كنت حاضراً الفخر إسماعيل ابن علي الحنبلي الفقيه المعروف بغلام بن ابن المنى ، وكان الفخر إسماعيل بن علي هذا، مقدّم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف، ويشتغل بشيء في علم المنطق، وكان حلو العبارة وقد رأيته أنا وحضرت عنده، وسمعت كلامه، وتوفّى سنة عشر وستمائة.
قال ابن عالية: ونحن عنده(20) نتحدّث، إذ دخل شخص من الحنابلة، قد كان له ديَن على بعض أهل الكوفة، فانحدر إليه يطالبه به، واتّفق أن حضرت زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور بالكوفة، وهذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام من الخلائق جموع عظيمة، تتجاوز حدّ الإحصاء.
قال ابن عالية: فجعل الشيخ الفخر(21) يسائل ذلك الشخص: ما فعلت؟ ما رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك منه بقية عند غريمك؟ وذلك يجاوبه، حتى قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير، وما يجرى عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة وسبّ الصحابة جهاراً بأصوات مرتفعة من غير مراقبة ولا خيفة!
فقال إسماعيل: أيّ ذنب لهم! والله ما جرّأهم على ذلك ولا فتح لهم هذا الباب إلاّ صاحب ذلك القبر!
فقال ذلك الشخص: ومن صاحب القبر؟
قال: علي بن أبي طالب!
قال: يا سيدي، هو الذي سنّ لهم ذلك، وعلّمهم إياه وطرّقهم إليه!
قال: نعم والله.
قال: يا سيدي فإن كان محقّاً فما لنا أن نتولّى فلاناً وفلاناً! وإن كان مبطلاً فما لنا نتولاّه! ينبغي أن نبرأ إما منه أو منهما.(22)
قال ابن عالية: فقام إسماعيل مسرعاً، فلبس نعليه، وقال: لعن الله إسماعيل الفاعل(23) إن كان يعرف جواب هذه المسألة. ودخل دار حرمه، وقمنا نحن وانصرفنا»(24).
تعليقي على هذه القضية التي ينقلها ابن أبي الحديد أن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ليس هو الذي فتح لهم هذا الباب، بل الله فتح لهم هذا الباب، فإن كان عندكم انتقاد فانتقدوا القرآن الكريم.
إنّ في القرآن الكريم هجوماً لاذعاً وحادّاً على بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه. ففي سورة الأحزاب يقول الله تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُورًا)(25) فمن هم هؤلاء المنافقون الذين قالوا إن الله خدعنا؟ أليسوا من صحابة رسول الله (أي بعضهم)؟ ـ طبعاً بعضهم وإلاّ فأبو ذر وسلمان ومقداد وعثمان بن مظعون وأمثالهم هؤلاء لهم مقام شامخ عظيم.
هناك سورة كاملة باسم المنافقين، وكذلك في سورة التوبة ورد ذكر كثير عنهم حتى قالوا إن بعض الصحابة كانوا يخافون من سورة التوبة ويقولون إن الله ما أبقى أحداً من المنافقين في هذه السورة إلاّ وفضحه. يقول الله تعالى في سورة التوبة (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ). أي إن في صحابة النبي منافقين فيهم من أخلف الوعد مع الله تعالى، وإن في صحابة النبي فسقة، لاحظوا سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فمن هذا الفاسق؟ إنه أحد صحابة النبي صلى الله عليه وآله وهو الوليد بن عقبة.
إذاً فالذي فتح لهم هذا الباب ليس علي بن أبي طالب في الخطبة الشقشقية وإنما الله في القرآن الكريم.
يقول الإمام: «واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه ولن تمسّكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه». فمن أين نعرف ذلك؟
يقول الإمام : «فالتمسوا ذلك من عند أهله». وابن أبي الحديد يقول شارحاً: «عنى نفسه» أي: خذوه من علي بن أبي طالب.
ويضيف: «فإنهم عيش العلم وموت الجهل. هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين والقرآن ولا يختلفون فيه» بل كلامهم كلام واحد لأنّه كلّه عن منبع الوحي «فهو بينهم شاهد صدق، وصامت ناطق»(26).
وصلَّى الله على محمد وآله الطاهرين


*  ألقى قدّس سره هذه المحاضرة في غرّة شهر جمادى الأولى 1429 للهجرة في بيت سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بقم المقدسة.
[1] حيث تدور روايات وفاتها سلام الله عليها بين الثالث عشر من جمادى الأولى والثالث من جمادى الثانية، وتسمى هذه الفترة بالأيام بالفاطمية. 
[2] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج 20 ص 259، الحكمة رقم 24.
[3] انظر: لسان الميزان ج3 ص404، وتاريخ بغداد، ج2 ص25، وتذكرة الحفاظ، ج2 ص556.
[4] شرح ابن أبي الحديد المعتزلي على نهج البلاغة، ج10، ص177، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط 1، 1378 هـ
[5] أي يضربه ضرباً شديداً.
[6] المصدر نفسه، ج10 ص178.
[7] سورة آل عمران: الآية 144.
[8] شرح ابن أبي الحديد ج10، ص174.
[9] المصدر نفسه، ج10 ص111.
[10] تأليف عبد الزهراء مهدي.
[11] منهاج السنة ج8 ص 291.
[12] سورة الأحزاب: الآية 33.
[13] منهاج السنة، مصدر سابق.
[14] نهج البلاغة الخطبة رقم 147.
[15] سوة التوبة: الآية 60.
[16] سورة البقرة: الآية 229 ـ 230.
[17] سورة البقرة: الآية 183.
[18] وهو ابو رقيبة حاكم تونس المقبور.
[19] نهج البلاغة، الخطبة 148.
[20] أي عند مقدّم الحنابلة في بغداد.
[21] مقدّم الحنابلة.
[22] أما الجمع بين الله وبين اللات غير ممكن، الجمع بين محمد صلى الله عليه وآله وأبي جهل غير ممكن، وهكذا بين موسى وفرعون من باب صلح الكلّ أو بين قابيل وهابيل، بل ينبغي أن نبرأ إما من أحدهما أو منهما.
[23] أي لعن إسماعيل نفسه.
[24] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج 9  ص 307 – 308.
[25] سورة الأحزاب: الآية 12.
[26] نهج البلاغة الخطبة: 147.


موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه