الأخوة الإسلامية

قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)

آية الأخوة والتدبر فيها:

وهنا لا بأس بأن نتوقف عند هذه الآية المباركة: (آية الأخوة) لنتدبر في مفرداتها، قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)

فنقول: إن كلمة (إنما) الواردة في الآية الكريمة، تفيد الحصر في اللغة العربية، حيث ذكروا أن أبرز أدوات الحصر اثنتان هما: (إنما) و(ما) مع(إلا) في جملة واحدة، كقوله تعالى: (وما توفيقي إلا بالله).

ومعنى الحصر هنا، أنه سبحانه يقول: إن المؤمنين ليسوا إلا إخوة بعضهم لبعض، فلا يكونون  متباغضين ولا متناحرين ولا متنازعين ولا غير مبالين بعضهم ببعض، بل إنهم إخوة متحابين متبارين كما في الحديث الشريف عن أبي عبد الله عليه السلام: (اتقوا الله وكونوا إخوة بررة متحابين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا، وتذاكروا أمرنا وأحيوه)

وإذا كانت أخوتهم هذه في الله، فما أحراها أن تدوم، وما أجدرها أن تسلم من تقلبات الزمن... كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (الإخوان في الله تعالى تدوم مودتهم لدوام سببها).
وأما (الفاء) في قوله: (فأصلحوا) فهي للتفريع، فيكون المعنى إذا حصل اختلاف بين الأخوة فأصلحوا ذلك الأختلاف واجعلوا الاخوة قائمة بينهم على قدم وساق.

 فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله (إصلاح ذات ابين أفضل من عامة الصلاة والصوم)
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (لئن أصلح بين أثنين أحب إلي من أن أتصدق بدينارين)

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: (صدقة يحبها الله، إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقريب بينهم إذا تباعدوا).
 وربما يستفاد من هذه الآية الكريمة أنه في الوقت الذي تكون فيه مشاريع المسلمين بصورة جماعية مترابطة، يلزم حل نزاعاتهم، وجمع شملهم، لأنهم إخوة، فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول في وصيته لكميل بن زياد (يا كميل، المؤمنون أخوة، ولا شيء آثر عند كل أخ من أخيه)

والإمام الصادق عليه السلام يقول: (إنما المؤمنون أخوة بنو أب وأم، وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون).

 

أخوة المسلمين الأوائل:
قال معلى بن خنيس لأبي عبد الله عليه السلام: ما حق المسلم على المسلم؟
قال عليه السلام: (له سبع حقوق وواجبات، ما منها حق إلا هو واجب عليه، إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه نصيب)
قلت له: جعلت فداك، وماهي.؟
قال عليه السلام (يا معلى، إني عليك شفيق، أخاف أن تضيع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل)

قلت له: لا قوة إلا بالله.

قال عليه السلام (أيسر حق منها: أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

 والحق الثاني: أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره.

والحق الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.
والحق الرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته.

والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى.

والحق السادس: أن يكون لك خادم، وليس لأخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهد فراشه.

والحق السابع: أن تبر قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجة فبادره إلى قضائها، ولا تلجئه إلى أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك)
ولقد جسد المسلمون الأوئل الأخوة الإسلامية بأسمى معانيها، حيث كان يشد بعضهم أزر البعض الآخر، يعطف ويعين ويساعد ويحنو، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة وحاجة لما يعطي، وكان هذا كله من بركات الإسلام وتعاليمه السماوية، وقد أثمر ذلك انتشار الاسلام في بدايات الدعوة المباركة انتشارا سريعا حتى كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا افواجا، ووحدانا وزرافات.

فقد روي من قصص الإيثار والمعونة بين المسلمين ما ملأ بطون الكتب، وما لم نجد له مثيلا في عالم اليوم، وكان من أجلى مصاديق تلك الأخوة ما بينته روايات وأحاديث أهل اليبت عليه السلام.

 

الرسول صلى الله عليه وآله يؤاخي بين المسلمين:
لقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين المسلمين مرتين مرة في مكة قبل الهجرة، ومرة في المدينة المنورة بعد الهجرة.

وفي كل مرة كان صلى الله عليه وآله يستخلص لاخوته أمير المؤمنين عليه السلام حتى كان علي عليه السلام يقول: (أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها بعدي إلا كذاب)

ففي المؤاخاة الأولى والتي كانت قبل الهجرة، آخى صلى الله عليه وآله بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان وبعد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وابن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله، وبين علي عليه السلام وبينه صلى الله عليه وآله.

أما المواخاة الثانية فقد كانت بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، حيث آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين والانصار على المواساة والحق، فكانوا يتوارثون بالأخوة التي كانت بين المهاجرين والانصاري إلى أن نزلت آيات أولي الأرحام في الإرث.

 

الحدود المصطنعة بين الدول الإسلامية

 إن أهم عامل يقوض الأخوة الإسلامية فيما بين المسلمين المنتشرين شرق الأرض وغربها، هو عامل الفرقة والتفريق بين الأمة، من خلال تأجيج النزعات القومية والقبلية والعرقية وما أشبه فيما بين المسلمين، حيث دأب أعداء الإسلام منذ زمن بعيد على ذلك من خلال إنشاء أحزاب قومية، أو إيجاد خلافات على حدود مصطنعة، إلى غير ذلك مما يرسخ الفرقة بين المسلمين أنفسهم.

إن هذه الحدود المصطنعة التي جاء بها الغرب وفرق بها المسلمين من أهم أسباب ضياع الأخوة الإسلامية؛ ولذا من الواجب السعي إزالة هذه الحدود المصطنعة وإرجاع الأمة الواحدة.

إن الحكام المرتبطين بالدوائر الاستعمارية والذين تسلطوا على دفة الحكم في البلاد الإسلامية بالانقلابات العسكرية وما أشبه، عملوا كل ما بوسعهم لإيجاد وتعميق هذه الحدود بين البلاد الإسلامية، وهذه الحدود ليست الباعث في تزايد الاختلاف بين الأمة الإسلامية فقط، بل إنها تبعثر قوى المسلمين وقدراتهم وتشتت وحدتهم هذا بالإضافة إلى زرع بؤر فتن واختلاف حول هذه البقعة من الأرض أو تلك وتشعل نيران الحرب بين فترة وأخرى.

وقد ترسخ تقسيم البلاد الإسلامية عبر معاهدات واتفاقات ومؤتمرات استعمارية فرضت على المسلمين من القوى الكبرى عبر علماء الاستعمار، ومن أشهر هذه الاتفاقيات اتفاقية سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو ووعد بلفور المشؤوم، وغيرها.

 

السبيل إلى الأخوة

قال الإمام عليى عليه السلام: (.... فإياكم والتلون في دين الله، فإن جماعة فيما تكرهون من الحق خير من فرقة فيما تحبون من الباطل، وإن الله سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا من مضى، ولا ممن بقى)

إذا أراد المسلمون أن يتمسكوا بدينهم ويسيروا بسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليه السلام، فإنه يلزم عليهم أن لا يعترفوا بهذه الحدود التي وضعت فيما بينهم لإبعادهم عن دينهم وعقيدتهم، وتسهيل السيطرة عليهم، وأ، يعملوا كل ما من شأنه إزالة هذه الحدود المصطنعة التي تهدف إلى تحجيمهم وإيجاد الفوارق القطرية والقومية والعرقية واللغوية بين أبناء الأمة الواحدة.

وقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كما مر ـ :(أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على اسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى).

فهذا هو معيار الأفضلية لا الحدود الجغرافية واللون ولا القومية، وما أشبه.

إن الاستعمار تنبه بشكل جيد إلى ما تعنيه هذه الآية حيث ترُكز الأخوة بين المسلمين، تيقن أنه باتحاد وتماسك المسلمين تحت نهج الإسلام لن يتمكن من السيطرة عليهم وجعلهم خاضعين أذلاء تابعين له؛ ولذا درس وخطط وجرب كل الطرق والمخططات الملتوية التي توصله إلى السيطرة على مقدرات الأمة الإسلامية، فهو يعلم جيدا ما تمتلكه هذه الأمة من الطاقات البشرية والفكرية والمادية والمعنوية، ومنابع الثروة، فكان أول ما حاول تحقيقه هو بث الفرقة والتنافر وتجزأة الأمة والقضاء على الإخوة الإسلامية.

ومنذ حوالي ما يزيد على مائة سنة تراه قد أحكم وضع أسس التفرقة بين المسلمين بوضع الحدود غير الشرعية بينهم.

إنه لمن المؤسف جدا أن نرى المسلمين اليوم تشتتوا وتفرقوا، فصار كل منهم يفتخر ببلده وقوميته وانتمائه، ناسيا أو متناسيا الأخوة التي شرفه الله بها، فأحدهم يقول: أنا عربي، والآخر: أنا أفغاني، والآخر: أنا إيراني، والآخر: أنا باكستاني، وكل يرى نفسه أفضل، ونسوا قوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة وأحدة وأنا ربكم فاعبدون).

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها