مسؤولية الشعب العراقي اليوم هي تعلّم ثقافة أهل البيت سلام الله عليهم

 

 

سماحة السيد دام ظله في كلمة قيمة بجمع من أهالي الكاظمية المقدسة:
 

قام بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة يوم الخميس الموافق للرابع والعشرين من شهر شوال المكرّم 1427 للهجرة، جمع من العلماء الأفاضل، وشيوخ العشائر، وشخصيات علمية وثقافية ودينية أخرى منهم مسؤولي وأعضاء موكب عقيلة بني هاشم سلام الله عليها الذين وفدوا من مدينة الكاظمية المقدسة لتقديم التعازي لسماحة السيد بمناسبة حلول ذكرى استشهاد سادس أئمة الهدى الأطهار، مولانا صادق آل طه، الإمام جعفر بن محمد صلوات الله عليهما، فألقى سماحته عليهم كلمة قيمة قال فيها:
أسأل الله تعالى بفضله الشامل والعميم أن يتقبّل من الجميع الطاعات والعبادات، والخدمات المبذولة في سبيل أهل البيت سلام الله عليهم، وأن يرعى سيدنا ومولانا بقية الله الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله وسلامه عليه الجميع برعايته، وأن يجعل الله سبحانه سيدنا ومولانا الإمام الرضا وأخته كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة سلام الله عليهما شفعاء للجميع في حوائج الدنيا والآخرة.
قال مولانا الرسول الأعظم صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته»(1). ومعنى ذلك أن المسؤولية للجميع وعلى الجميع. فالآباء والأمهات مسؤولون عن أبنائهم، والأبناء لهم مسؤولية تجاه آبائهم وأمهاتهم، وهكذا بالنسبة لأفراد العشيرة، وللعالم، والكاسب، والموظّف، والشيخ، والشاب، والمرأة والرجل.
نعم قد تختلف المسؤوليات، فمسؤولية العالم مثلاً أكبر من مسؤولية الجاهل، ولكن بالنتيجة الكل مسؤول في هذه الدنيا، والحساب سيكون في الآخرة حيث قال تعالى: «وقفوهم إنهم مسؤولون»(2). فإن أدّى المرء ما عليه من مسؤوليات أخذ طريقه إلى الخير، وإن لم يؤدِّ حقَّ المسؤولية فلينتظر ما سيجعله الله تعالى للمفرِّطين والمفرطين. فالزوجة إن كانت غير مصليّة فسيُسأل زوجها يوم القيامة عن سبب عدم التزام زوجته بالصلاة، وإن كان الزوج غير مصلّ فستُسأل الزوجة عن ذلك أيضاً.
ثم تطرّق سماحته إلى العراق وقال:
لقد مرّ العراق الجريح والشعب العراقي المظلوم المهتضم بعقود سوداء حالكة، وعنيفة، وعنيدة، وما تزال ذيول تلك العهود المظلمة باقية، ولكن كل ذلك سينتهي ويزول بالقريب العاجل إن شاء الله تعالى ببركة مولانا الإمام أمير المؤمنين، والإمام الحسين، والإمامين الجوادين، والإمامين العسكريين صلوات الله عليهم أجمعين، وببركة سيدنا ومولانا وليّ الله الأعظم الإمام المهدي المنتظر عجّل ‏الله‏ تعالى‏ فرجه ‏الشريف وصلوات الله عليه. وسيتفضّل الله جلّ شأنه على العراق ببركة أهل البيت ـ حيث إن العراق بلدهم سلام الله عليهم ـ بلملمة جراح شعبه المظلوم وتخليصه من المظالم والمحن. ولكن هنالك أمران مهمان ينبغي للعراقيين جميعاً أن يهتموا بهما جيداً وهما: أصول الإسلام وأخلاقه.
وأضاف سماحته: خلال العقود السوداء الماضية كان قد فُصل بين الشعب العراقي وبالخصوص الشباب وبين تعلّم أصول الدين وأخلاقه. لكن الآن الفرصة مواتية ليؤدي الجميع مسؤوليتهم تجاه أصول الإسلام وأخلاقه. فالمسألة المهمة في العراق اليوم هي السعي في إقامة الدين. ويتحقّق ذلك عبر تعلّم ثقافة أهل البيت سلام الله عليهم وتعليمها لكل الشرائح وعلى الأصعدة كلّها.
وأوضح سماحته: إذا ثبت عند الشاب الاعتقاد بالله سبحانه وبعدله، وبالنبوة والإمامة ويوم الحساب فإنه سيندفع من ذاته لتعلّم أحكام العبادات والمعاملات. إذاً على كل فرد من أفراد الشعب العراقي الغيور أن يعتبر نفسه مسؤولاً عن الكل، وقد قيل: (ما حكّ ظهرك مثل ظفرك).
فينبغي لكل فرد أن يساهم في تعميم أصول الإسلام وأخلاقه بما أوتي من طاقة وإمكانية وفهم وإدراك، فالعالم بعلمه، والغني بأمواله، وهكذا. فإذا أدى كل فرد مسؤوليته فإن الكل سيتعلّم وبالتالي يتحقق قوله تعالى: «أقيموا الدين»(3). وهذا بحاجة إلى عزم ثابت وإرادة قويّة، فقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الكاظم صلوات الله عليه قوله: «إنما هي عَزمة» والتاء في (عزمة) هي تاء التأكيد.
وحول ضرورة تعلّم أخلاق الإسلام قال سماحته:
إن مولانا رسول الله صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله هو الذي جاء بالأحكام والتشريعات كالصلاة والصيام والحجّ وقال: «خذوا عنّي مناسككم»(4). لكن لم ينقل عنه أنه قال: بعثت لأُعلّم الناس الصلاة أو الصيام أو الوضوء أو التيمّم أو الخمس ونحو ذلك، وإنما قال صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(5). وهذا دليل واضح وجليّ على أهمية الأخلاق ودورها البالغ في بناء مجتمع متدين وسليم. ولبيان ذلك بصورة أدقّ أذكر لكم الرواية التالية:
لما قَتل المنصورُ الدوانيقي الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه عزم أيضاً على قتل الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه، ظناًً منه أنه يستطيع القضاء على سلسلة الإمامة، غافلاً عن أن إرادة الله تعالى فوق كل شيء. وكان الإمام الكاظم سلام الله عليه يعلم بعزم المنصور، فأخفى (الإمام) نفسه حتى أن القريبين منه لم يعرفوا عنه شيئاً. فقد خرج من المدينة إلى مكّة، واختفى في بيت، وكان يخرج في الليل فقط إلى المسجد الحرام ويصلّي فيه. وعلى أثر ذلك نشر المنصور الدوانيقي جلاوزته وشرطته في كلّ الأزقة والشوارع علّه يستطيع أن يجد الإمام.
في إحدى أيام تلك الفترة ورد عن ابن البطائني عن شعيب العقرقوفي أنه قال: قال أبو الحسن [الإمام الكاظم] سلام الله عليه مبتدئاً من غير أن أسأله عن شي‏ء: يا شعيب غداً يلقاك رجل من أهل المغرب، يسألك عنّي فقل: هو والله الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله [الإمام الصادق] سلام الله عليه، فإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه منّي.
فقلت: جعلت فداك فما علامته؟ قال: رجل طويل جسيم يقال له يعقوب، فإذا أتاك فلا عليك أن تجيبه عن جميع ما سألك فإنه واحد قومه، فإن أحبّ أن تدخله إليّ فأدخله.
قال: فو الله إني لفي طوافي إذ أقبل إليّ رجل طويل من أجسم ما يكون من الرجال فقال لي: أريد أن أسألك عن صاحبك؟
فقلت: عن أي صاحب؟
قال: عن فلان بن فلان.
قلت: ما اسمك؟
قال: يعقوب. قلت: ومن أين أنت؟
قال: رجل من أهل المغرب.
قلت: فمن أين أنت عرفتني؟
قال: أتاني آت في منامي: الق شعيباً فسله عن جميع ما تحتاج إليه، فسألت عنك فدللت عليك.
فقلت: اجلس في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي وآتيك إن شاء الله تعالى.
فطفت ثم أتيته فكلّمت رجلاً عاقلاً، ثم طلب إليّ أن أدخله على أبي الحسن سلام الله عليه، فأخذت بيده فاستأذنت على أبي الحسن سلام الله عليه، فأذن لي. فلما رآه أبو الحسن سلام الله عليه قال له:
يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك شرٌّ في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضاً وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نأمر بهذا أحداً من الناس، فاتّق الله وحده لا شريك له، فإنكما ستفترقان بموت. أما إن أخاك سيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله، وستندم أنت على ما كان منك وذلك أنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما.
فقال له الرجل: فأنا جعلت فداك متى أجلي؟
فقال: أما إن أجلك قد حضر حتى وصلت عمَّتك بما وصلْتها به في منزل كذا وكذا فزيد في أجلك عشرون.
قال (ابن البطائني): فأخبرني الرجل ولقيته حاجّاً أن أخاه لم يصل إلى أهله حتى دفنه في الطريق
(6).
وحول ضرورة اغتنام الشعب العراقي فرصة الحرية الموجودة حالياً في العراق قال سماحته: لقد عاش مولانا النبي الأكرم صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله بعد البعثة ثلاثاً وعشرين سنة. ثلاثة عشر منها عاشها في مكّة، والعشر البواقي عاشها في المدينة. وكانت حصيلة من أسلم على يديه في مكة زهاء مئتين شخص لأنه كان صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله مضطهداً.
أما في المدينة حيت كانت الحرية فقد ذكر التاريخ أنه وفي آخر سنة من حياة رسول الله صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله والتي سمّيت بـ (عام الوفود)(7) كان يفد على المدينة كل يوم المئات ويسلمون على يده صلّى ‏الله ‏عليه‏ وآله. والعراق الآن فيه نوع من الحرية لكن المستفيد منها هم الظالمون وأصحاب التيارات الضالّة والأخلاق المنحرفة والفاسدة.
إذاً أليس من الأولى أن يستفيد المؤمنون من هذه الحرية الموجودة في تعميم ثقافة أهل البيت سلام الله عليهم حتى ينعم العراق وشعبه بحكومة كحكومة الإمام علي سلام الله عليه التي أسّسها الإمام قبل أربعة عشر قرناً في العراق، وضرب فيها أرقى الأمثلة في العدل والحرية والمساواة والتي لم نجد لها نظيراً إلى يومنا هذا؟
وأكّد دام ظله: ينبغي للمؤمنين والمؤمنات في العراق أن ينهضوا بالشعب العراقي المظلوم في طريق أهل البيت سلام الله عليهم وذلك بأداء المسؤولية المهمة اليوم وهي تعليم الشعب كلّه فكر وثقافة آل البيت الأطهار سلام الله عليهم عبر الكتب والمجلات، وإلقاء الخطب، والتدريس، والإذاعة، والتلفزيون، والانترنت، والفضائيات.
وختم دام ظله حديثه قائلاً: أسأل الله سبحانه وتعالى ببركة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين وبالخصوص الإمام الصادق صلوات الله عليه ونحن نعيش مناسبة ذكرى استشهاده، أن يتفضّل على الجميع بالتوفيق في أداء المسؤولية، وأن يصلح أمر العراق قريباً وعاجلاً، وأن يستتب فيه الأمن والسلام ببركة المعصومين سلام الله عليهم وأن يتخلّص شعبه من المشاكل والمحن.
وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
يذكر، أن الوفد الزائر حضر إلى بيت سماحة السيد دام ظله في موكب عزاء انطلق من حسينية (دار الحسين سلام الله عليه).


(1) إرشاد القلوب/ للديلمي/ الباب الحادي والخمسون/ ص 184.
(2) سورة الصافات: الآية 24.
(3) سورة الشورى: الآية 13.
(4) غوالي اللآلي/ للإحسائي/ ج1/ الفصل التاسع في ذكر أحاديث .../ ص 215/ ح 73.
(5) مستدرك الوسائل/ ج11/ باب 6 استحباب التخلّق بمكارم الأخلاق/ ص 187/ ح 12701.
(6) بحار الأنوار/ ج 48/ باب 4 معجزات الإمام الكاظم سلام الله عليه واستجابة دعواته و.../ ص 35/ ح7.
(7) راجع بحار الأنوار/ ج21/ باب 35 قدوم الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله و.../ ص 364.
 

 

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها