السيدة الزهراء(سلام الله عليها) .. مواقف استثنائية

 

بعد شهادة رسول الله(صلى الله عليه وآله) كانت السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) تعيش مع زوجها الإمام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) في أعلى مراتب الجهاد من أجل الحفاظ على الإسلام والدعوة الإلهية التي أسسها وأرسى دعائمها سيد البشر(صلى الله عليه وآله)، بعد أن أصبحت مسؤوليتهما(سلام الله عليهما) أكبر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فوقفت بوجه الاستبداد والانحراف، وكانت(سلام الله عليها) تعتبر موقف القوم بداية للتراجع إلى الجاهلية، ومحاولة لطمس حضارة الإسلام المتنامية، فكان وقوفها هذا بداية الجهاد والاستشهاد الذي استمر مع أبنائها وذريتها، فكان جهاد الإمام الحسين سيد الشهداء(عليه السلام) في كربلاء واستشهاده، امتداداً للوقفة الفاطمية الخالدة بوجه الانحراف عن الإسلام. يقول الإمام الشيرازي(قده): (مواقف مولاتنا الزهراء(سلام الله عليها) بوجه التسلط والانحراف انعكست على صحتها كثيراً، حتى أصيبت(سلام الله عليها) بجروح عديدة بعد مداهمة القوم بيتها الشريف، وما تبع ذلك من كسر ضلعها وإسقاط جنينها، فكان ذلك سبباً في استشهادها، وهي في الثامنة عشر من العمر). 
جاء في الروايات: (مرضت فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) مرضاً شديداً، ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت(سلام الله عليها)، فلمّا نعيت إليها نفسها، دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف أمير المؤمنين(ع) وأحضرته، فقالت: يا بن عمِّ انه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي…). وبعد أن سمع الإمام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) وصاياها ومنها أن يتخذ لها نعشاً، وان لا يُشهِد جنازتها من ظلمها وسلب حقها، وان تدفن ليلاً وسراً… قال لها: (من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر، والوحي قد انقطع عنا، فقالت: يا أبا الحسن رقدت ساعة فرأيت حبيبي رسول الله(ص) في قصر من الدر الأبيض، فلما رآني قال: هلمي إلي يا بنية فإني إليك مشتاق. فقلت: والله إني لأشد شوقاً منك إلى لقائك. فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد). يقول(قده): (بالرغم من أن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) فارقت الحياة وهي بعمر قصير، لكنها باقية إلى ما شاء الله مدرسة للأجيال، ومشعل نور يكشف عن الزيف والاستبداد، ويقارع الطغاة الظالمين، ويقف بوجه كل من يريد طمس معالم هذا الدين الحنيف، فالأمة تستلهم الدروس والعبر من مواقفها(سلام الله عليها) وبطولاتها، كما تستلهم الدروس والعبر من مواقف أبنائها المعصومين(عليهم السلام) ببطولاتهم وحملهم هموم الإسلام، حيث مثلوه خير تمثيل).
إن تراث أهل البيت(عليهم السلام) الموجود بين أيدينا يتضمن منظومة قيمية ومعرفية متجددة تخاطب العقل والروح، وهو تراث يتناول قضايا الدين والإنسان فضلاً عن أنه عطاء علمي يثري معارف البشرية في مختلف مجالات الحياة، وقد ضم هذا التراث العظيم علوماً ومسائل لم يتطرق إليها أحد. ورغم تطور وسائل تبادل المعلومات ما زال معظم الإعلام الإسلامي يتجاهل هذا التراث وأصحابه فضلاً عن تغييبه للأحاديث الشريفة التي تتحدث عن فضائلهم(عليهم السلام). والغريب أن هذا التجاهل وهذا التغييب يصلان الذروة مع كل ما يتعلق بالسيدة الزهراء(سلام الله عليها)، وهي فريدة النبي(صلى الله عليه وآله)، وزوجة من تحدثت الدنيا عن علمه وعدله، وهي أم سيدي شباب أهل الجنة الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، فضلاً عن أنها كانت رفيقة الدعوة، وراعية النبي، وأم أبيها، وسيدة الفقه، والمربية الكبرى، وقد كتب التاريخ عن كل صفة من تلك الصفات الباهرة صفحات مضيئة، كما أن للسيدة الزهراء(سلام الله عليها) خصوصية عند الباري(عزوجل)، ومن يسمع أحاديث السيدة الزهراء(سلام الله عليها) وأقوالها، ويعيها ويعمل بها، فإنه يحظى بخصوصية ومنزلة متميزة عند الله(عزوجل)، ذلك لأن رضى السيدة الزهراء(سلام الله عليها) هو رضى الله(عزوجل)، وغضبها وبغضها، هو غضب الله(عزوجل) وبغضه. 
إن سياسة طمس فضائل بيت النبوة انعكست آثارها – نوعاً ما - على الذين يعدون خدمة أهل البيت(عليهم السلام) أزكى الأعمال وأفضلها، فقد تكثفت معظم جهودهم على رد أباطيل الآخر سواء أكان خارجياً أم تكفيرياً أم جاهلاً، ويتضح ذلك من خلال ما يتناوله المنبريون الأفاضل في مجالسهم المباركة، حيث تختزل حياة السيدة الزهراء(سلام الله عليها) في أحداث محددة، وعلى الرغم من محورية تلك الأحداث إلا أن حاجة الناس للمعصوم لكل ما لدى المعصوم، وبالتالي فإن من الضروري تسليط الضوء على الجوانب الأخرى في حياة السيدة البتول(سلام الله عليها) من خلال قراءة تفصيلية لتراثها، يقول المرجع الشيرازي(دام ظله): (كلنا نتحمل ديناً تجاه السيدة الزهراء(سلام الله عليها)، ويجب علينا جميعاً أن نبذل قصارى جهدنا لأجل الوفاء بهذا الدين. وهذا الأمر واجب على المسلمين فرداً فرداً، وبلا استثناء، وللأسف أن هناك أشياء كثيرة للسيدة الزهراء(سلام الله عليها) ينبغي أن يذكرها الخطبـاء وأصحاب المدائـح والمراثي ويبينـوها، إلا أنهم لم يفعلوا، فإن عليهم في أيام ذكرى استشهاد أم الأئمة السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) أن يذكروا الأمور التي لم تذكر، فيما يرتبط بمصائب ومظلومية الصديقة الطاهرة الزهراء البتول(سلام الله عليها)، والتي أثبتتها الأحاديث والروايات).
إن العالم الإسلامي اليوم يعيش صراعاً فكرياً وسياسياً تتخلله مشاهد عنف مروعة، وأساس هذا الصراع المدوي هو الفصل بين من يتدين بالإسلام وبين من يتخذه وسيلة للتسلط والفساد في الأرض، وحري بجميع المسلمين اليوم استنقاذ أنفسهم من سوء أحوالهم وتردي أوضاعهم، وهذا الاستنقاذ يكون من خلال التزود من تراث أهل البيت(عليهم السلام)، فلقد سعى أئمة أهل البيت(عليهم السلام) الى الفرز بين الحكومات الجائرة التي تدعي الإيمان بالإسلام ولا تتدين بأحكامه وبين الإسلام الذي هو دين العدل والحرية ومكارم الأخلاق، إلا أن موقف سيدة نساء العالمين(سلام الله عليها) – في هذا المنحى - له أهميته الرسالية الاستثنائية، يقول الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي: (موقف الزهراء(سلام الله عليها) كان يحظى بأهمية مضاعفة لأنها هي التي بدأت بحل عقدة الخلط بين الدين وتصرفات الحكام الظلمة، فأنقذت الإسلام من خطر الزوال، لقد قالت الزهراء(سلام الله عليها) بالموقف واللسان إن هؤلاء لا يمثلون الإسلام والدين والنبي(صلى الله عليه وآله)، وهو من المواقف المهمة التي فصلت بين الممارسات الخاطئة لحكام مسلمين وبين الفكرة النقية للإسلام، فقد أشارت(سلام الله عليها) الى أن هؤلاء الأشخاص لا يمثلون الدين، وإنما هم حكام متخلفون حكموا المجتمعات الإسلامية بالحديد والنار، ونحن إذ نحيي ذكرى الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) فإننا نحيي هذه الحقيقة، فهي(سلام الله عليها) أعطت المقياس والحد الفاصل بين الفكرة والتطبيق، وأنقذت الإسلام من خطر التشويه والزوال بسبب تصرفات الحكومات المنحرفة).

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم