اعلموا معاشر الناس


في حجة الوداع وجه الرسول الأعظم (ص) نداءه إلى المسلمين كافة يدعوهم فيه إلى أداء فريضة الحج وتعلم مناسكه منه، فانتشر نبأ سفره، وصدى ندائه في المسلمين جميعاً، وتوافد الناس إلى المدينة المنورة، وانضموا إلى موكب الرسول (ص) حتى بلغ عدد الذين خرجوا معه (120) ألفاً على أغلب الروايات، وفي بعض مصادر العامة (180) ألفاً، والتحق بالنبي (ص) ناس كثيرون من اليمن ومكة وغيرهما، ولما أدى الرسول (ص) مناسك الحج انصرف راجعاً إلى المدينة، وخرجت المسيرة التي كانت تربو على (120) ألفاً من المسلمين، حتى وصلت إلى أرض تسمى (خم)، وكان وصولهم إليها في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من عام حجة الوداع.
وعندما وصلت المسيرة العظيمة إلى هذه المنطقة هبط الأمين جبرئيل من عند الله على رسول الله (ص) هاتفاً بالآية الكريمة: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) أي: في علي (ع)، فأبلغ جبرئيل الرسول (ص) رسالة الله إليه بأن يقيم علي بن أبي طالب (ع) إماماً على الناس وخليفة من بعده ووصياً له فيهم، فتوقف النبي (ص) عن المسير وأمر أن يلحق به من تأخر عنه ويرجع من تقدم عليه، ومدت ظلال على شجرات ووضعت أحداج الإبل بعضها فوق بعض حتى صارت كالمنبر، فوقف الرسول (ص) عليها لكي يشاهده جميع الحاضرين، ورفع صوته ملقياً فيهم خطبة ما زالت تصك سمع الدهر، ذكر فيها مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وفضائله ومنزلته الرفيعة عند الله ورسوله، وأمر الناس بطاعته وطاعة أهل بيته، وأكد أنهم حجج الله الكاملة، وأولياؤه المقربون، وأمناؤه على دينه وشريعته، وأن طاعتهم طاعة الله ورسوله ومعصيتهم معصية لله، وأن شيعتهم في الجنة ومخالفيهم في النار.
وكان مما قال (ص): "يا أيها الناس، إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعى فأجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟". فقالوا: "نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً". فقال (ص): "ألستم تشهدون أن لا إله الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور". قالوا: "بلى نشهد بذلك". فقال (ص): "اللهم اشهد"، ثم قال: "أيها الناس ألا تسمعون؟". قالوا: "نعم". فقال (ص): "فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين". فنادى منادٍ: "وما الثقلان يا رسول الله؟". قال (ص): "الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله (عزوجل) وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا". ثم أخذ النبي (ص) بيد الإمام علي (ع) فرفعها حتى بان بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون. فقال (ص): "أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟". فقالوا: "الله ورسوله أعلم". فقال (ص): "إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه". ثم قال: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب". ثم تابع رسول الله (ص) خطبته فقال: "فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإن الله قد نصَّبه لكم إماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماضٍ حكمه جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صذَّقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله مولاكم وعلي إمامكم، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، لا حلال إلا ما حلله الله وهم، ولا حرام إلا ما حرمه الله وهم، فصلوه، فما من علم إلا وقد أحصاه الله في ونقلته إليه. لا تضلوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر له، حتم على الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكراً أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعون من خالفه".

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم