إحياء ذكرى مراجع الدين والعلماء الأعلام لاسيما المجددين منهم والمؤسسين
أمر له أهميته، حيث توطد – هذه النشاطات - احترام العلم في نفوس الناس،
وترسخ مكانة (العلماء العاملين) الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الدين وإصلاح
أمور الناس، وهو ما يعزز الثقة بالعلماء المخلصين ويميزهم عن غيرهم، ويقشع
غبار الشك والريبة المتراكم على ذهنية بعض الناس نتيجة تصرفات خاطئة لبعض
مَنْ في المؤسسة الدينية، لذلك ينبغي أن تكون هذه المهرجانات بمستوى يليق
بصاحب الذكرى، وتخدم الهدف الأكبر الذي عمل من أجل تحقيقه علماؤنا (قدس
الله أسرارهم) والذي نسعى نحن إليه. وهذا كله لو كانت الظروف غير مأزومة،
فكيف الأمر بنا والإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته) يقول: "الإسلام الذي
أنزله الله على رسوله موجود أمامنا، لكننا لا ننظر إليه، ويواكب حركة
الإنسان والزمن، لكننا أطفأنا سرجه، وشوهنا بعض حقائقه بتطبيقنا السيئ
له"!. وما وصفه (أعلى الله درجاته) بالأمس هو حالنا اليوم! حيث إن الصفة
الأكثر شيوعاً عند بعضنا هي تبرير حدوث المشاكل، بل تبرير التعايش معها
بدلاً من حلها.
من النادر أن تقدّم (علناً) شخصية مرجعية عليا تشخيصاً ناقداً كالذي قدمه
الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) لما يتطلب ذلك التشخيص من قراءة
دقيقة وشجاعة في طرحه. وهذا ما يدعو الى استثمار أفضل للمناسبات العلمائية،
وعدم الاكتفاء بحشد الناس فقط وإنما التأثير بهم فكراً وخلقاً وعملاً، فإن
جل المهرجانات ما زالت في دائرة إحياء ذكرى الرحيل دون الراحل، وتعنى
بأخلاقيات الراحل (وهي ضرورية) دون نتاجه الفكري والنقدي والتنموي، وربما
تهتم بمصلحة المحتفين أكثر من اهتمامها بهدف المحتفى بهم، ويبقى السؤال:
أين مبادرات العلماء الذين رافقوا أولئك الراحلين من هذا الواقع المريض؟
وأين كتابات مفكري المؤسسة الدينية ومثقفيها لتقديم تراث الراحلين بلغة
العصر وبما ينفعنا اليوم؟ هل هو عجز أم ماذا؟! "وإذا علمتم فاعملوا، فالعلم
مقرون بالعمل".