بعد الحرية يأتي دور العلم في بناء الفرد الصالح حيث حصر سبحانه
الخشية منه في أعلى مراتبها بالعلماء، وإن الدين والدنيا يتقدمان
بالعلم المتوج بالضوابط الإنسانية، لذلك أوجب الإسلام الاهتمام
برفع المستوى الثقافي (الديني – الدنيوي) للمجتمع، وإن الذي أوتي
نفوذ كلمته ببركة الدين ينبغي له أن ينصِّب من نفسه قائماً بمهام
الناس، فإنما جعل عالم الدين للدين والدنيا، والناس يلتفون حول من
يحل لهم مشاكلهم .. لكن بعض الذين ينتسبون الى المؤسسة الدينية
يعيشون بعيداً - في تفكيرهم ومعيشتهم - عن واقع مجتمعاتهم
المهمومة، وغالباً، الذي يكون بهذه الصفات من الصعب عليه أن يفهم
الناس فضلاً عن القيام بخدمتهم، فالنبي وآله الأطهار (ع) كانوا
يعيشون كما يعيش الناس، ويشاركونهم هموم الحياة وتطلعاتهم نحو
مستقبل أفضل، ولذا تمكنوا (ع) من قيادة المجتمع.
وإيماناً بأن مسؤولية علماء الدين كبيرة ودقيقة، وفي ظل تنامي
الحريات، وتطور وسائل الإعلام والاتصال، وتسارع إبداعات الإنسان
الحياتية ينبغي للحوزات العلمية العمل على إعادة إنتاج مناهجها
العلمية والتعليمية، وتحديث وسائلها البحثية، وتنمية كفاءاتها
الإدارية، وخلق آلية تفكير تواكب التطور المعرفي العالمي، كما
ينبغي الاهتمام بالتأليف والتصنيف، وإيصال ثقافة الإسلام الصحيحة،
وأن يشمر المبلغون عن ساعد الجد - قولاً وعملاً - لبث الحياة في
مجتمعاتنا عبر تأسيس منظومة اجتماعية ترسخ قيم العدل والفضيلة لا
سيما وأن لكل زمان منطق يوافقه، ولكل مكان أسلوب يلائمه.
وبالرغم من إن "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، وإن من مهام
علماء الدين تنمية المجتمع فكرياً وأخلاقياً، نرى الكثير من
المسلمين من الأميين أو الذين لا يقرؤون، كما إن مؤسساتنا العلمية
تعيش حالاً لا يسُّر كثيراًً، وهو ما يدعو الى التساؤل عن السبب في
كل ذلك: هل أصبحت قدراتنا مسخرة للتعايش مع الأزمات دون حلها أم
لأن أحدنا بات يهتم بالنظر الى القشة التي في عين غيره ولا يبالي
بالخشبة التي في عينه؟! إنها دعوة بمسؤولية ومحبة لإحياء "أمر آل
محمد" في ذكرى مولد الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع). "وقل اعملوا".