لم تنحسر تداعيات الأزمة المالية العالمية بإفلاس بنوك وخسارات فادحة
لمؤسسات مالية، وإنما تفاقمت الى واقع يهدد استقرار النظام العام للدولة
والمجتمع, ولا تختص آثار هذا الواقع ببلد دون آخر ولا بمجتمع دون غيره، وإن
كان بنسب متفاوتة حيث إن الاقتصاد فيما إذا كان قائماً على أسس علمية
وضوابط أخلاقية وفي إطار إنساني سيشكل عصب ديمومة حياة الأمم وتنامي
قدراتها ونجاحاتها.
لقد كشفت الأزمة المالية العالمية عن تراكم هائل للعديد من الأخطاء التي
ارتكبتها أنظمة حكومية ومؤسسات مالية من خلال اتباعها سياسة مالية تفتقر
الى ما يكفي من (الفضيلة الإنسانية) حيث إن أبرز أسباب حصول الأزمة
العالمية: المصالح السياسية الضيقة، والفساد المالي والإداري، وشره الحصول
على أعلى ما يمكن من أرباح!! إن الاعتماد على (رصيد غير حقيقي) كان المشجع
الأكبر لمضي البنوك والمؤسسات المالية في تحقيق أطماع غير نبيلة، كما كان
ذلك (الرصيد الوهمي) السبب في اندفاع الناس (غير المنضبط) لتوفير متطلبات
حياتهم ولاقتناء حاجيات ربما يكون بعضها ليس ضرورياً، الأمر الذي يكشف عن
كم خطير من الأزمات لها جذورها الدينية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية
والاجتماعية.
لقد بدأت الأزمة المالية نتيجة توفر ما يعرف بالأموال الرخيصة وانخفاض سعر
الفائدة حتى وصل إلى واحد بالمائة في عام 1424هـ، مما رفع الطلب على القروض
خاصة القروض العقارية، كما أسرفت المؤسسات المالية في إصدار ما يعرف
بـ(الأصول المالية أو حق الملكية) بأكثر من حاجة (الاقتصاد العيني أو
الثروة الحقيقية)، وبذلك زاد عدد المدينين، وزاد بالتالي حجم المخاطر إذا
عجز أحدهم عن السداد!! ومن هنا فإن جشع الدائن وجشع المدين دفع أصحاب
البنوك الاستثمارية والناس - في آن - الى الوقوع بفخ الربـا الذي هو "شـر
المكاسب".
لقد حذر الإسلام من الكسب الحرام وإضاعة المال والتبذير، والأكثر من هذا،
وحيث إن الإسلام جاء ليعالج مشاكل الإنسان ويضمن سعادته فإن الرسول الأعظم
(ص) أشار الى (تقنين) الطمع فيما إذا ابتلي به الإنسان حيث يقول (ص): "من
مشى منكم الى طمع فليمش رويداً" .. "وقل اعملوا".