ليس من الصعب حتى على الذين يقفون على مسافة من واحة الإيمـان وأجوائها
العبقة بالانقطاع الى الله تعالى واتباع سنة نبيه وآله الأطهار (ع) وما
تحفزه تلك الأجواء في النفس المؤمنة من اخلاص واطمئنان وحكمة وسكينة وعزم
وثقة, ليس من الصعب, على أحد, إدراك حلاوة (شهر رمضان) ومذاقه الخاص المادي
والمعنوي على حد سواء حيث إن ساعاته أفضل الساعات وأيامه أفضل الأيام, وهو
شهر الله "الذي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَىَ وَالْفُرْقَانِ" حيث يدأب الصائم على عرض أعماله وأقواله وظاهره
وباطنه وانجازاته وإخفاقاته على كتاب الله ليبحث الصائم بذلك عن موقعه في
القرآن: هل هو من القارئين له حيث يقول رسول الله (ص): "أنت تقرأ القرآن ما
نهاك فإذا لم ينهك فلست تقرؤه"؟! وأيضاً, ليستكشف الصائم موقع القرآن فيه:
هل هو من الذين يتدبرون آياته فيهديهم للتي "هِيَ أَقْوَمُ", فيكون القرآن
لهم ذكراً في السماء ونوراً في الأرض؟!
إن (شهر رمضان) رحلة تطهر واستنقاء, ومراجعة واستقراء, وتأمل واستقراء,
ومكاشفة ومحاسبة, وندم وعزم وتجديد وإلا فإن صوم الصائم سيكون "صوماً
رمضانياً" وليس "صوماً قرآنياً" يستحث الصائم إرادته على كف السمع والبصر
واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام بل وكف القلب عن الهمم
الدنيئة, وقد قال علي (ع): "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ".
ومن وحي مستحقات شهر الإصلاح وتنظيم أمور البلاد والعباد, ينبغي الالتفات
العملي الى عمق الأزمات التي يعاني منها معظم المسلمين لاسيما التي تخنق
حياة الإنسان وتنهش إيمانه وتنال من معنوياته وتصابره حيث لاحت ومنذ عام –
تقريباً – (أزمة الغداء) المتقاقمة فيما يتوقع خبراء اقتصاديون بأن ارتفاع
أسعار المواد الغذائية في أنحاء العالم سيستمر وعلى مدى خمس سنوات قادمة,
وهو ما يشير الى الى أن وحش الفقر يطرق الأبواب فيما يقول شهيد شهر الله
علي بن أبي طالب (ع): "كاد الفقر أن يكون كفراً, ولو تمثل لي الفقر رجلاً
لقتلته", ويقول: "ما رأيت نعمة موفورة إلا والى جانبها حق مضيّع", "وَقُلِ
اعْمَلُواْ".