يتفق الباحثون في الأديان على تفرد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في كلامه عن التوحيد بأبعاده الكونية والكلامية والفلسفية, وفهمه (ع) للجانب العملي في التوحيد بآفاقه الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية بالشكل الذي تكون فيه "قيـم التوحيـد" وإشراقاته المعنوية أقرب ما تكون الى وجدان الإنسان ونواميس فطرته, فالتوحيـد في "المنهـج العلـوي" يدعو الى وعي يستند الى أسس معرفية تجمع رسالة السماء ببنودها الإيمانية والرساليـة والعباديـة الى جانب مسؤولية الإنسان الخيرية تجاه نفسه وبقية المخلوقات والطبيعة, ومجموع قيم التوحيد (المعنويـة والعمليـة) تلك هي التي ترتفع بالفرد ليكون إنسانـاً نقيـاً, وذا "إيمان يتجدد" صعوداً الى مستوى الرضا الإلهي ومواكبة العصر, ويكون أكثر استجابة لاهتمامات الإنسان وطموحاته ليكون فرداً منتجاً للأمل والحياة .  

وكما تفرد الإمام علي (ع) في كلامه عن التوحيد تفرد في حديثه عن الفقر ومنهجه في مكافحة هذا الوحش الذي يفتك بالنفس والقلب والعقل, ويخرس الفطن عن حجته, ويجعل الإنسان غريباً في بلدته وفي موضع أقرب الى الكفر إلا من رحم الله, لقد عاش الإمام علي (ع) زاهداً يتحسس آلام الفقراء ومعاناتهم, وسعى الى سد احتياجاتهم بعد أن انتزع الأموال من المنتفعين باسم الدين أو الدولة الذين يغطون بنعم وافرة تراكمت من حقوق الفقراء المضيعة. 

ان من المفترض أن يتكثف دور "المؤسسـة الدينيـة" في الجانب الإيماني - الأخلاقي "التبليـغي" الذي يستوعب العمل الإنساني, ومراقبة مؤسسات الدولة والمجتمع للنهوض بدستوريتها والارتقاء بعملها لذلك وفي ظل الحرج السياسي الذي تعاني منه معظم دول المسلمين وتفاقم أزمات شعوبها لم يبق للمؤسسة الدينية أن يقتصر تعاطيها مع "أزمـة الفقـر" الخانقة على ما يأتيها من حقوق شرعية وتبرعات المتبرعين وإنما ينبغي تقنين عمل هذه المؤسسة, والشروع بعملية تأهيل إنفاقي واستثمار مالي تعنى بالتزايد السكاني وتوسع متطلبات "الإنسـان والحيـاة" المتنامية لتساهم المؤسسة الدينية عبر ذلك في صناعة أجواء تسمح بتحقيق توازن الإنسان بين روحه وجسده ودنياه وآخرته, ولا يتحقق ذلك للمؤسسة الدينيـة إلا بعد الإيمان بأولوية إكـرام الإنسـان واحترام وجوده وأحلامـه.. وقل اعملوا!