موقع يازهراء سلام الله عليها                          www.yazahra.org

تحرير المرأة ... الواقع والطموح

 

• إن الشعارات التي تُرفع حول قضية تحرير المرأة ليست سوى ظواهر وضجيج فارغ

• العقل هو الذي يحدد العاطفة ويؤطّرها, والحياة لا تستقيم لو كانت خلواً من العاطفة وكانت كلّها عقلاً

• لم يغفل الإسلام, أنّ المرأة قد تحتاج ولا تطلب من الرجل حياءً, أو قد يمتنع الرجل من الإنفاق عليها

• لم يتجاهل الإسلام كرامة المرأة واختيارها في مجال الطلاق، فقد ترك لها الإرادة كاملة قبل الزواج

 

· هناك في العالم حقائق وواقعيات، وهناك ظواهر وشكليات. قد ترى شخصاً يكلمك عن موضوع ما كلاماً جميلاً جداً, ولكن هذا الكلام لا عمق له في قلبه, لأنه لا يلتزم به. وعندما نأتي إلى قضية المرأة نلاحظ أنّ الشعارات التي تُرفع باسمها ليست سوى ظواهر وضجيج فارغ, فتحرير المرأة مثلاً كلمة جميلة ولكن عندما تنبش قلب هذه الكلمة لكي تعرف حقيقتها والواقع الذي تعيشه المرأة المعاصرة في ظلها تكتشف أنّ فيها تقييد المرأة وإذلالها وليس حريتها كما يزعمون. أما قول الله تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾ فكلمة جميلة الظاهر عميقة المحتوى, فلو بحثت التاريخ كلّه لما وجدت كلمة في جمال هذه الآية تجمع بين الواقع العميق وبين المظهر الجميل, إنّها عبارة جميلة وذات مضمون رائع حقاً, إنها تتألف من أربع كلمات فقط ولكن لو أُعطيت لأي عاقل ملتفت لقال إنها أحسن ما قيل في حق المرأة, ولو أردنا أن نوجز بتفكير وعمق كلّ ما للمرأة من حقوق وما عليها من واجبات لما وجدنا أجمل ولا أجمع من هذه الكلمة. ولو عرضت هذه الكلمة على عقلاء العالم وحكمائه سيقول لك كلّ منهم: إنها تعبر عن تقسيم عادل.

· إنّ الحياة مزيج من العقل والعاطفة، فإنّ الحياة لا تبنى بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها, فلو أنّ الحياة سُلب منها العقل عادت فوضى لا نظام فيها، فإنّ العقل هو الذي يحدد العاطفة ويؤطّرها, كذلك لا تستقيم الحياة لو كانت خلواً من العاطفة وكانت كلّها عقلاً. ومَثل المرأة والرجل في الحياة كمثَل العاطفة والعقل، ولكن ذلك لا يعني أنّ المرأة عاطفة بلا عقل، وأنّ الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعنى أنّ المرأة كيان عاطفي تترجّح فيه كفة تأثير العاطفة, خلافاً للرجل ـ في الغالب ـ فهو كيان يتغلب فيه العقل على العاطفة من أجل تسيير الحياة. ومن الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما, كما تختلف واجبات العاطفة عن العقل. ولو أردتَ أن تساوي بينهما فمعناه أنّك شللت البدن. ولذلك قال الله تعالى: ﴿ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف﴾ أي بما يتناسب وطبيعة كلّ منهما.

· جعل الإسلام نفقات المرأة على الرجل سواء أكانت بنتاً أم زوجة أم أمّاً. فحتى أدوات التجميل يحقّ لها تقاضي ثمنها من الزوج بما يتناسب وشأنها طبعاً، ناهيك عن الغذاء والمسكن واللباس والدواء والترفيه, وحتى كفن الزوجة إذا ماتت وماء غسلها وثمن الأرض التي تُدفن فيها وأجور الدفن و…، كلّ ذلك على الزوج حتى إذا كانت الزوجة ثرية تملك الملايين والزوج معسراً، ولكن في حدود المعروف، كما قيَّدت الآية. ولولا لطف الإسلام ورفقه بالمرأة لاقتضى أن يجعل الإرث كلّه للرجال كما كان الأمر في الجاهلية ـ قبل الإسلام ـ وكما هو موجود في بعض الجاهليات الحديثة. ولو تركنا نحن وعقولنا ولم نستضئ بهدي الإسلام لبدا اختصاص الرجل بالإرث كلّه معقولاً، فلماذا نعطي المال للمرأة والرجل يصرف عليها كلّ ما تحتاجه. ولكن الإسلام لم يغفل أنّ المرأة قد تحتاج ولا تطلب من الرجل حياءً, أو قد يمتنع الرجل من الإنفاق عليها, ولا يريد الإسلام للمرأة أن تستعطي، ولذلك جعل لها حصة من الإرث. هذا بالإضافة إلى أنّ في منحها حصة من الإرث يمثل نوعاً من تطييب نفسها لا سيما وأنها مفجوعة أيضاً بموت قريبها. فهل يعدّ حكم الإسلام في إرث المرأة بعد هذا ظلماً في حقها وحطّاً من كرامتها ؟!

· لما كان كلّ فكرين يصطدمان بطبعهما، حتى الأخوين قد يختلفان أو الأب والابن، فكذلك حال الرجل والمرأة فإنّ الاختلاف أمر طبيعي في الحياة، وإلاّ لو لم يكن الاختلاف فلماذا يحصل الطلاق؟ وهل يصح أن نقول للزوجين المختلفين، تفاهما وقررا الطلاق معاً فهو بيدكما معاً وليس لأحد منكما دون الآخر، فكيف يتصوّر أن يتّفقا ويتفاهما وهما مختلفان؟ فأكثر حالات الطلاق إنما تنتج لأنّ الزوجين غير متناغمين، فالزوج قد يكون ثائراً إلى حد الرغبة بالطلاق أما الزوجة فغير ثائرة إلى ذلك الحد. وربما كان الأمر بالعكس، فكيف يتفقان على الطلاق وهما مختلفان. إن التشاجر والنّزاع والصدام هو الذي يؤدي إلى الطلاق، فإذا كان هناك تشاجر ونزاع وصدام فكيف يتصور التفاهم وهو على النقيض من تلك الحالات؟ إذن لابدّ أن يكون الطلاق بيد أحدهما أو بيد شخص آخر غيرهما ولا احتمال آخر. أمّا الاحتمال الأخير وهو أن يكون الطلاق بيد شخص أو جهة غيرهما، فهذا أمر مرفوض بالكامل لأنّ أياً من الزوجين قد لا يبدي كلّ ما في قلبه تجاه الآخر للغير كما يبديه لزوجه، فكيف نترك شأن حياتهما المشتركة بيد شخص ثالث لا يعيش تجربتهما؟! يبقى عندنا أحد احتمالين، إما أن يكون الطلاق بيد المرأة أو بيد الرجل وقدّمنا أنّ المرأة عاطفية أكثر من الرجل، وهذا التكوين العاطفي للمرأة قد يدفعها لاتخاذ قرار مستعجل بالطلاق سرعان ما تندم عليه بعد زوال أسباب الإثارة، على العكس من الرجل فطبيعته ـ في الغالب ـ لا تجعله يثور بسرعة وإذا ثار واتّخذ قراراً فلا يتراجع عنه بسرعة لأنّه لم يتخذه بتأثير عاطفي سريع الزوال؛ فثورة الرجل عن خلفية وامتداد وإذا حدثت تعمقت وتجذرت، أما ثورة المرأة فكزبد البحر ، فلو وضع الإسلام الطلاق بيد المرأة لكان خلاف الحكمة والتكوين الطبيعي لها. ويتبين أنّ حكمة التشريع في وضع الطلاق بيد الرجل هو التقليل من حالات الطلاق والدعم لأواصر المحبة بين الزوجين وبالتالي إدامة الحياة الزوجية. كما أن الإسلام لم يتجاهل كرامة المرأة واختيارها حتى في هذا المجال، فقد ترك لها الإرادة كاملة قبل الزواج، والحرية في أن لا تتزوج إلاّ بشرط أن تكون وكيلة عن الزوج في الطلاق، فيصبح لها هذا الحق كما للزوج، ولكنه مع ذلك يشجع في خطه العام على الزواج، ويقول للمرأة: أنا أضع أمامك طريق الحياة السعيدة حتى مع كون الطلاق بيد الرجل، ولكن في الوقت نفسه، ولكي لا تشعري بالإجبار والإكراه، لا أجبركِ على شيء، وبإمكانك أن تضعي هذا الشرط قبل الزواج.

 من محاضرات سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه