ببكة وكربلاء بان نقاء النسب وصفاء الحسب

د. نضير الخزرجي 

من تبعات الهجرة لشاب خرج من بلده أعزباً وعاد اليه أباً، أن يكون زواجه في بلد ونسله في البلد نفسه أو في بلد آخر، وعندما تستقر الأمور ويؤوب الى مسقط رأسه لاستخراج أوراق رسمية ضمن سياقات إدارية وقانونية، سيجد نفسه كما هو الحال عليه في العراق بعد عام 2003م وسقوط نظام صدام حسين، أن يقيد زواجه في السجل المدني، وأن يستحصل لأولاده هويات شخصية وأوراق ثبوتية، ولا تخلو مراحل اثبات الشخصية من بعض المفارقات،  ولعل أولها أن مكان ولادة الأبناء غير معترف به في القانون العراقي، فكلهم عند تقييد الأسماء من مواليد مسقط رأس الأب حتى وإن كان أحدهم ولد في دمشق أو طهران أو لندن أو نيويورك او سدني او ستوكهولم اوكوبنهاجن، ربما تكون في العملية جوانب ايجابية لا نلحظها آنيا، ولكنها مفارقة لا نجدها في البلدان المتمدنة التي تحترم خصوصيات الإنسان، وهي مفارقة شاهدتها في بعض البلدان الإسلامية، فكانت الصحافة الورقية اذا نشرت قائمة بالوزارة الجديدة تترك حقل الولادة فارغاً لمن ولد خارجاً حتى لا تثير حفيظة شارعها، في حين أن هناك رؤساء أحزاب وعمد بلديات ووزراء في بلدان مدنية تعود اصولهم لبلدان اخرى وأديان أخرى، لا يجد المجتمع غضاضة في مساقط رؤوسهم أو قومياتهم أو دياناتهم أو ألوانهم مادامت المواطنة تحكم الجميع وإن حمل الواحد منهم أكثر من جنسية ووثيقة سفر، وهذه واحدة من عوامل قوة المجتمع الغربي ومن ينهج نهج قوانينه المتمدنة.

ومن مفارقات تقييد إبني البكر في السجلات العراقية عام 2012م بعد عقود الهجرة والاغتراب، أن القاضي في محكمة كربلاء المقدسة طلب مني جلب قيد عام 1957م، ولأني غائب عن الواقع الإداري العراقي وحاضر في المشهد السياسي وأزعم اني متمعن فيه، فقد أُسقط في يدي وحُرت فهماً لطلبه، فقلت للقاضي واثقاً: ولماذا تطلب مني قيد عام 1957م وأنا الأب مولود عام 1961م، فظن الرجل أني أعاكسه في الكلام وأمانعه، فرد متهجماً: اذهب وآتني بسجل 1957م وإلا حولتك الى بغداد لإثبات نسب ابنك وعائديته إليك عبر فحص الدي أن أي (DNA).

وقفت مستغربا ومنزعجاً في آن معاً، لأن الذهاب الى العاصمة لمن يسكن في المحافظات، وفي عرف العراقيين وحياتهم اليومية، تعني المغامرة الأمنية حيث يتربص المسلحون المناوئون للوضع السياسي الجديد في المزارع والبساتين لكل سيارة قادمة من المحافظات الوسطى والجنوبية، وتعني الركض هنا وهناك والصعود والنزول في الدوائر الرسمية لأيام وأسابيع وأشهر وربما لسنوات، فهمت رسالة القاضي وعرفت مغزاها وترحمت في داخلي على حال العراقيين مع أمثاله، ولكني رغم هذا بقيت حينها جاهلا بطلبه لمن ترك العراق شاباً قسراً وعاد اليه كهلاً طوعاً، وحينما حاولت الاستفسار اكثر، تسلمت الكاتبة التي كانت بجنب القاضي، مقبض الحديث وفتحت لي باب الدلالة على معنى قيد 1957م ومكان استخراجه حينها ادركت طلب القاضي وتوجهت الى دائرة الجنسية لاستخراج سجل اثبات الشخصية المرقم بعام 1957م، وهذا العام يُعرف عند الشيبة وكبار السن بـ (عام الكرصة) أي المكوث القسري في المنازل لتقييد أسماء أفراد الأسر العراقية، وذلك في العهد الملكي في 1/7/1957م!

 

أظهر من اللون

مسألة اثبات النسب لاستخراج أوراق ثبوتية لولدي وتهديد القاضي باجراء فحص الدي أني أي، قفزت الى ذهني وأنا أبري قلم التمهيد للكتابة عن الجزء الثاني من كتاب "الحسين نَسَبُه ونَسْلُه" الصادر عام 2014م للعلامة المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 420 صفحة من القطع الوزيري. 

وهذا الجزء في واقعه مكمل للجزء الأول الذي تناول في قسم كبير منه الطبقة الثامنة من سلسلة أجداد وجدات الإمام الحسين(ع) ليستأنف الجزء الثاني السلسلة من الطبقة السابعة حتى الطبقة الأولى المتمثلة من جهة الأب بحامي النبوة أبو طالب (عبد مناف) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الفهري القرشي وزوجته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الفهري القرشية، ومن جهة الأم متمثلاً بالنبي الأكرم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب الفهري القرشي وزوجته خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الفهري القرشية.

ولا أجلى من هذا النسب الذي فيه الإمام الحسين(ع) حيث تنقل من الأصلاب الطاهرة المطهرة إلى الأرحام المطهرة الطاهرة، وكما جاء في زيارة وارث المشهورة الخاصة بسيد الشهداء(ع) المروية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): (أشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الأصْلابِ الشَّامِخَةِ، وَالأرْحامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَم ْتُنَجِّسْكَ الْجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِها، وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّات ِثِيَابِها).

وهذا النسب الشريف ومن ينتمي اليه أظهر من الزي الخارجي لمن يعتم بالعمامة السوداء او الخضراء للدلالة عليه، وكما قال الشاعر ابن جابر عبد الله بن ابراهيم الخويطر المتوفى ببغداد عام 1292هـ، من الكامل:

جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إنَّ العلامة شأنُ مَنْ لم يُشْهَرِ

نورُ النبوة في وسيم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر

في إشارة الى العصائب الخضر التي تزينت بها عمائم الأشراف في القرن الثامن الهجري.

وهذا النسب الطاهر أشار إليه الإمام الحسين(ع) في كربلاء عندما عزم الجيش الأموي على قتاله فقام في أصحابه خاطبا، ومما قاله عليه السلام: (اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي)، فطهر النسب الشريف عُرف به البيت العلوي الفاطمي من لدن آدم (ع) حتى الأجداد المباشرين مروراً بالوالدين، وما يزيد قولنا من شيء أو ينقص عند مداولة الحديث عن نسب الإمام الحسين(ع)، ولكن الجهد المعرفي للعلامة الشيخ محمد صادق الكرباسي، في بيان طبقات النسب الشريف ودوائرها، يكشف في حقيقة الأمر عن غوره العلمي وهو يبحر في الأنساب حتى يقف بعربة التحقيق عند جبل الصفا والمروة حيث هبطا عنده آدم وحواء، كما يكشف في الوقت نفسه عن الروح الرياضية لدى المؤلف الذي لا يتوانى عن تذكير القارئ بوجود صفحات من سجل النسب يصعب معها التعرف على أصحابها رغم امتلاكه لأدوات البحث والتنقيب وتمرسه بها، فنجد في غضون الصفحات عبارات من قبيل: (ولم نعثر على ترجمتهما أو اسميهما في كتب السير والنسب والتاريخ رغم البحث المضني والمتواصل)، (رغم كل المحاولات لم نجد لهما ذكراً)، (ولا ذكر لهما في الكتب التي راجعناها رغم كثرتها)، (لقد أوصدت الأبواب أمامنا لمعرفة اسميهما)، فهذه العبارات وأضرابها التي يتجنب الكثير ايرادها لتلافي تقييمات القراء السلبية، تنم عن طبيعة المؤلف وسريرته ونشدانه الحقيقة وتسقطه المعلومة بشتى الطرق والوسائل، حتى إذا تقطعت به سبل الوجدان في عالم الامكان، ترك الأمر للزمان ربما وجد في آخر النفق بصيص نور، وهو بذلك يفتح الطريق أمام غيره من الباحثين والمحققين ليشاركوه الهم العلمي فلعلّ في كوامن المصادر وبواطن المراجع من المعلومات ما يشفي الغليل لم يدس اليها العلامة الكرباسي يداً، أو تباعدت بها غير الأزمان ورمتها في أقاصي الأوطان.

 

تطويع المفردة

لم يترك الكرباسي أسماء أجداد الإمام الحسين(ع) دون الوقوف عندها وبيان معناها ونشأتها، فعدد غير قليل من أسماء الأعلام المتداولة تبدو غريبة على الأذهان، وبخاصة تلك التي تعود بجذورها الى اسم حيوان من الحيوانات وبخاصة الوحشية والسبعية منها، أو كاشفة عن وضع خاص ولأجله سمي به الوليد، ففي الوضع الطبيعي فإن الأب يختار لوليده ما اشتهر من الأسماء ذات الدلالات اللطيفة والظريفة والمحببة للأسماع ولاسيما مع أسماء الإناث، بيد أن العرب عمدوا الى تسمية مواليدهم آخذين بنظر الاعتبار صفات معينة موجودة في جماد أو حيوان أو نبات، أو حتى ظروف او وضعيات معينة، فعلى سبيل فإن الجد الأعلى للإمام الحسين(ع) قصي بن كلاب بن مرة الفهري اشتهر بهذا الاسم أو الكنية في حين أن الاسم الاول عند الولادة هو (زيد)، وقُصي مأخوذ من الإقصاء والبعد والتغرب حيث أن زيداً (قصياً) كان يتيما انتقل الى الشام من جزيرة العرب بعد هجرة والدته مع زوجها، ومن هذه الهجرة الاقصائية وانتزاعه من مسقط رأسه جاء اسم (قُصي).

وقصي هذا الذي عاد الى مكة بعد سنوات طويلة، له الفضل في اعادة بناء الكعبة الشريفة، وكان يردد عند البناء (من الكامل):

أبني لقومي بيت رفعتها ... وليبنِ أهلُ ورّاثُها بعدي

بنيانها وتمامها وحجابها ... بيد الإله وليس بالعبد

ولإن النسب شريف، فقد بنى دار الندوة الذي يمثل مركز القرار السياسي والعسكري، وآلت اليه سقاية الحاج والرفادة واللواء وسدانة البيت الحرام ورئاسة الندوة، ومن حكمه وقصار كلماته: (من استحسن قبيحاً نزل الى قبحه)، (من أكرم لئيماً أشركه في لؤمه)، (من طلب فوق قدرته استحق الحرمان)، و(من لم تصلحه الكرامة أصلحه الهوان).

ومن المفارقات أن النبي محمداً (ص) نشأ يتيماً، ومثله جده عبد المطلب وجده الأعلى قصي، وأن النبي موسى نشأ يتيماً وأن النبي عيسى ولد لأم دون أب، فأنبياء الديانات السماوية الثلاث قضوا المراحل الأولى من حياتهم بعيداً عن رعاية أب، لكنهم وهبوا للبشرية رعاية الأبوة.

ومن أجداد النسب الشريف (هاشم) هو عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة الفهري، ولصقت به تسمية هاشم نسبة الى فعله الجميل في سد المجاعة والقحط الذي حل بمكة عبر شراء الكعك من الشام وجلبه وتكسيره وعمل الثريد، وإليه يعود الفضل في سن رحلتي الشتاء والصيف اللتين جاء ذكرهما في القرآن الكريم.

وفيه قال الشاعر الجاهلي مطرود بن كعب الخزاعي:

عمرو الذي هشم الثريـد لقومه ... قـوم بـمكـة مسنتــيـن عجــاف

سنت إليه الرحلتــان كــلاهمـا ... سفر الشتـاء ورحلة الأصيـاف

وهاشم هذا الذي رعى البيت العتيق وأهله وحجاجه، إليه يُنسب بنو هاشم، وإليه تُنسب مدينة غزة في فلسطين حيث يقال لها غزة هاشم وفيها دفن وقبره يُزار.

ومن الأجداد عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة الفهري، والاسم على وزن ثُعبان ومنه جاءت التسمية في بعض الأقوال، ولهذا استخدم كنية للثعبان فيقال له (أبو عثمان).

وهكذا تتعدد أسماء الحيوانات ولكل منها دلالتها استخدمت للعلمية والأسماء، من قبيل: (بُهثة) وهو اسم ذكوري أي البقرة الوحشية، و(دعد) وهو اسم ذكوري من ألقاب الحرباء، و(رِزام) وهو اسم ذكوري يوصف به الأسد للدلالة على الشجاعة، و(الحِسْل) وهو اسم ذكوري مأخوذ من ولد الضب فهو ليس بالسهل اليسير، و(عوف) وهو اسم ذكوري من أسماء الأسد الذي يتعوف في الليل يلتمس الفريسة لافتراسها، و(ثعلبة) وهو اسم ذكوري مأخوذ من الثعلب المعروف بالحنكة والمراوغة.

في الواقع ان استخدام اسماء الجمادات من قبيل (صخر ونهر)، والنباتات من قبيل (زهرة ووردة)، والحيوانات من قبيل (أسد ونمر)، والأوضاع والحالات من قبيل (ساهر وقصي)، تظهر قدرة اللغة العربية على تطويع المفردة لتدخل عالم الأسماء العَلَمية، فيشيع تداولها، ولكن لما كان في التطويع إفراط يتعارض مع شخصية الإنسان وكرامته، فإن نبي الإسلام جاء وشذب الأسماء وغيّر من بعضها في عملية تربوية هادئة تدفع بالآباء الى اللطف بالأبناء بأسماء حسان، وفي الحديث النبوي الشريف: (من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ).

 

ومضات في النسب

أفرد المؤلف في باب النسب والنسل أربعة أجزاء مناصفة بين نسب الحسين (ع) من الأجداد والجدات والآباء والأمهات، ونسله (ع) الذين انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، اشتمل الجزء الأول من (الحسين نسبه ونسله) على تمهيد وفصل في ترجمة عدد من أجداد الحسين(ع) المتقدمين، والفصل الثاني تناول الأجداد والجدات في الطبقة الثامنة، وفي الجزء الثاني من نسب الحسين(ع) تناول في الفصل الثالث الطبقة السابعة، وفي الرابع الطبقة السادسة، وفي الخامس الطبقة الخامسة، وفي السادس الطبقة الرابعة، وفي السابع الطبقة الثالثة، وفي الثامن الطبقة الثانية، وفي التاسع الطبقة الأولى، وفي العاشر والدي الإمام الحسين، وألحق لبيان دوائر الطبقات عشرين مشجرة نسبية تغطي الجزء الأول والثاني، منهياً شطر النسب من باب (الحسين نسبه ونسله) بخمس ومضات أخذ من الكتاب ثُمن صفحاته، تعكس علاقة المكان بالمكين والفرع بالأصل والحدث بالمُحدث.

وهذه الومضات، كما تتبع المؤلف مصدرها، تساقطت أنوارها في في خمس مرايا، ألّفت بمجموعها لوحة طاهرة النسب ناصعة الحسب:

الومضة الأولى: مكة المكرمة: البلد الأمين، وعندها هبط الجد الأول وأبو الأنبياء آدم(ع)، وفيها ولد الجد المباشر وخاتم الأنبياء محمد(ص).

الومضة الثانية: الكعبة المشرفة: رمز العبادة في الأرض، ومنها دحوها، وإليها محج الناس، يقصدونها راجلين وعلى كل ضامر يأتون من كل فج عميق يطوفون بالبيت العتيق، ولأجل خدمة حجاج الرب الجليل تقلد أجداد الإمام الحسين(ع) مفاتيح الرفادة والسقاية والريادة والقيادة.

الومضة الثالثة: سلسلة الأنبياء: من أبي البشر آدم (ع) إلى سيد البشر محمد بن عبد الله(ص) مرورا بالنبي هبة الله شيث بن آدم(ع)، والنبي أخنوخ إدريس بن يرد، وشيخهم نوح عبد الملك بن لمك، وهود عابر بن شالخ، وخليل الرحمن ابراهيم بن تارخ(ع)، والذبيح اسماعيل بن إبراهيم(ع)، هذه السلسلة من الأنبياء وأولي العزم تقلب الإمام الحسين(ع) في أصلابهم.

الومضة الرابعة: التاريخ المكي والمديني: لا تخلو أمة من حدث تعود اليه في نشأت تاريخها وبيان تعاقب الأيام والسنين، وحوادث مكة والمدينة منشأ تاريخ العرب والمسلمين، ولكل جد من أجداد الإمام الحسين(ع) في نشأة هذه التاريخ نصيب، فعام الهبوط يبدأ من مكة وبآدم وزوجه حواء(ع)، وعام الطوفان يعود الى نوح(ع) الذي طال صبره في قومه ألف عام إلا خمسين سنة حتى أخذهم الطوفان، وعام بناء الكعبة بدأ بسواعد إبراهيم(ع) إذ يرفع القواعد من البيت الحرام واسماعيل(ع)، وعام الفيل شهد انقاذ الكعبة من بين أقدام الأفيال بحكمة عبد المطلب فآوى الى الجبل يرى أسراب طير الأبابيل وهي تقصف جنود أبرهة بحجارة من سجيل، وفي المدينة المنورة حيث حطت رحال النبوة الخاتمة وانبثقت دولة الإنسان على يد من أرسله الله رحمة للعالمين تحدد معالم التاريخ الإسلامي الإنساني الجديد.

الومضة الخامسة: المجتمع المكي: تحرك جد السبط الشهيد، في رحلة الهجرة إلى يثرب، وعينه على مكة تدمع، فهي مسقط الرأس ومهبط الوحي، ومدينة الأجداد، وفي وديانها وشعابها تواجد وتحرك أجداد الإمام الحسين(ع) منذ أن مصّرها النبي إبراهيم(ع) وهوت إليها أفئدة الناس، في مثل هذا المجتمع ولد جد ومات آخر، فالمجتمع المكي هو: (من أهم الحواضن لهذه السلسلة الذهبية وطهارة النسب الحسيني وما يتعلق بذلك).

ومضات خمس التقطها المحقق الكرباسي من عمق الفضاء الحسيني وعرج في مداراتها، ينبئك عن تسلطه في مسك مقبض قيادة البحث والتحقيق، وهو ما لفت نظر رئيس الوزراء السابق لإقليم پدوچيري (Puducherry) جنوب شرق الهند، السيد آر أف جاناكيرامان (R. V. Janakiraman)، وهو يسطر مقدمة عن الجزء الثاني من (الحسين نسبه ونسله)، حيث يكتب باللغة التلگوية: (في البدء لم أكن مندهشاً عما يكتب عن الحسين، فأعرف أن هناك اصدارات كثيرة عن هذه الشخصية الخالدة، ولكن الدهشة عقدت لساني، عندما علمت أن المطبوع من دائرة  المعارف الحسينية هو 90 مجلداً من أصل 900، وصدقت ما كنت أشك فيه عندما اطلعت على أجزاء الموسوعة، فلقد أتى الكرباسي بما هو كبير وعظيم جداً).

وحول هذا الجزء قال رئيس وزراء إقليم پدوچيري السابق: (اكتشفت من خلال اطلاعي على هذا الجزء، عمق البحث والتحقيق، ولا غرو فإن الموسوعة الحسينية هي كنز معرفي رائع ليس لها مثيل في التحقيق إن كان ما يتعلق بالحسين أو أي موضوع آخر، فهي متفردة ومتميزة  كما هي شخصية الحسين المتفردة والمتميزة).

وحول واقعة الطف قال السيد جاناكيرامان: (لقد تركت واقعة الطف على خارطة البشرية الكثير من الآثار والدروس، فقد تمثلت في معسكر الحسين الأخلاق الحميدة وقيم الخير في أرفع حالاتها، وفي الجانب الآخر برزت نقاط القسوة والوحشية وعوامل الشر في أعلى مستوياتها).

في الواقع ان ما نطق به مداد السياسي الهندي هو الحق بعينه، فالحسين بن علي(ع) هو رمز الإنسانية الذي يجعل من غير أهل ملة الإسلام يقر بما جاء به الإسلام من قيم، ويجعله يقف مشدوهاً أمام موسوعة معرفية أفرغ فيها العلامة الكرباسي كل جهده لتنضيدها تأليفا وتوثيقاً وتحقيقاً.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم