شعلة نار خرجت منه !
إن الانتماء اليهودي لشولمان قربوزي أمر ليس عصيـّا ً على
التتبـُّع والملاحقة ، طبقا ً للمصادر المتوفرة و القليلة جدا
ً حد ّ الندرة ، وطبقا ً ، أيضا ً ، للتاريخ الشفاهي المتداول
على ألسن البدو ، الذين التقيت بعضهم في الكويت مطلع
الثمانينات من القرن الماضي ، ولم تكن رواياتهم تختلف كثيرا ً
عمـّا ذكره المناضل المرحوم ناصر السعيد في كتابه الضخم "
تاريخ آل سعود " ( سنحيي لاحقا ً ذِكرى هذا المناضل الفقيد من
خلال الحديث ولو بإيجاز عن تاريخ ونضاله وظروف اختطافه ومقتله)
.
وثمة حقائق أخرى تتعلـّق بيهودية قربوزي ، لم يـُشـَر إليها
في مصادر سابقة . منها أنه في حين كانت الجهات الموالية للحزب
الوهابي تنسب إمامها إلى قبيلة تميم ، فإن الرجل نفسه كان
يدّعي أنه من قبيلة ربيعة ، وأن والده سافر به إلى المغرب وهو
صغير ، ثم عاد في أوقات أخرى وزعم أنه من مواليد المغرب ( 1 )
بالرغم من كونه تركيـّا ً من أهالي بورسا كما مرّ آنفا ً .
فإذا كان من ربيعة ، فما محل تميم من الإعراب ؟ ولماذا أشاع
الوهابيون في الخفاء وأوعزوا إلى مؤرخيهم وكتـّابهم أن يذكروا
في بعض المراجع والمصادر أن نسب محمد بن الوهاب يعود إلى تميم
وأصله من المشرق ( 2 ) ؟ سؤال يمكن العثور على إجابات عديدة له
من خلال شيء من التأمل في السطور التي ستأتي لاحقا ً . وللوقوف
على أن تميم هي غير ربيعة ، نذكر نسبيهما هنا مشيرين إلى أن
تميما ً تتفرع عن مضر بن نزار : قبيلة تميم : تميم بن مر بن أد
بن عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وعدنان من
ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل .
أما قبيلة ربيعة ، فهي أحد أركان نزار الأربعة التي تتألف
منها القبائل العدنانية : مضر ، ربيعة ، إياد وأنمار . وربيعة
هو ربيعة الفرس بن نزار بن معد بن عدنان وعدنان من ولد إسماعيل
بن إبراهيم الخليل كما مر ّ .
هذا التناقض والتضارب في نسب شولمان يشكـّك في صحة تحدّره من
قبيلة عربية . وربما كان يقول تارة أنه من ربيعة ، وأخرى من
تميم ، حسب قوة ومنعة هذه القبيلة أو تلك ، لكي يأمن " شر ّ "
سكان البادية ويسكتهم ويقطع إلحاحهم عليه ، لمعرفة حقيقته
وحقيقة نسبه ومعتقده . وعندنا في جنوب العراق مثل جميل كانت
الألسن تتداوله وهو " لو ضاع أصلك قول عبودي " أي تستـّر
بالانتماء إلى عشيرة العبودة إذا كنت تجهل أصلك ، لأن العشيرة
المذكورة ذات سطوة ومنعة ، تجبر المتسائل عن نسبك على السكوت
والإحجام عن تكرار تساؤله !
شولمان قربوزي ، إذن ، يهودي أتى إلى شبه الجزيرة العربية
لأهداف تتجاوز زمانه وحجمه . ولعل تنقلاته في مختلف الأقطار
العربية منذ مغادرته بلدته التركية بورسا لم تكن إلا لذر ّ
الرماد في العيون . فوجهته الأساس ، الجزيرة العربية ، حيث
الديار المقدسة لدى المسلمين ، وهي المكان المناسب للإنطلاق
بالدعوة المرتقبة ، التي لم يخالج دهاقنة وأقطاب اليهودية
العالمية أدنى ريب في حتمية نجاحها ، مادامت محاطة بهالة من
القدسية ، نظرا ً لنشوئها في الأرض المقدسة ، ومادامت ، أيضا ً
، ستتخـّذ من رعاع ودهماء البوادي قاعدة وعمادا ً لها .
والمرجـّح ، أن شولمان لما وجد نفسه عاجزا عن إنشاء الحركة
التي شاءت اليهودية العالمية خلقها في مهد الإسلام ، لفقره
الثقافي وهوان شخصيته لدى الناس ، فلاشك أنه حاول بادي الرأي
تهيئة ولده عبد الوهاب للقيام بذلك ، ولكن لما كان عبد الوهاب
هذا رجلا صالحا ( 3 ) فلم يبق أمام قربوزي إلا حفيده محمد
للنهوض بهذا العبء . ونحن وإن صعب علينا القطع بمعاصرة محمد بن
عبد الوهاب لجده ، إلا أن ماذكره " ملطبرون " في جغرافيته
المترجمة من قبل رفاعة بك ( لعله رفاعة الطهطاوي ) ناظر مدرسة
الألسن وقلم الترجمة بمصر ( 4 ) يشير إلى نوع من الإحتمال بأن
يكون شولمان قد علـّق آمالا ً عريضة على واحد من أبناء أسرته ،
لخدمة اليهودية ، وإذا استثنينا ولده الوحيد ( حسب المصادر
التاريخية ) أي عبد الوهاب ، الذي كان صالحا ً ، مثلما مر ّ ،
فلا يتبقى أمامنا إلا نجل عبد الوهاب ، أي محمد ، أو أخوه
سليمان ، مع العلم بأن الأخير كان صالحا ً كأبيه ( 5 ) .
قال " ملطبرون " في جغرافيته : " أصل المذهب الوهابي أن العرب
[ لا ] سيما أهل اليمن ، تحدثوا بأن راعيا ً فقيرا ً اسمه
سليمان [ لاحظ كيف يرضى تاجر البطيخ الغني بأن يصبح راعيا ً
فقيرا ً خدمة ً لدعوته وهدفه المقدس ] رأى في منامه كأن شعلة
نار خرجت منه وانتشرت في الأرض وصارت تحرق من قابلها ، فقصـّها
على معبـّر [ مفسر أحلام ] فعبـّرها بأن ولدا ً له يحدث دولة
قوية ، فتحققت الرؤيا في حفيده محمد بن عبد الوهاب . فلما كبر
محمد صار محترما عند أهل بلده بسبب هذه الرؤيا التي لايـُعلـَم
أنها كانت [ صحيحة ] أم لا " !
وما أسهل على من ينسب نفسه إلى قبيلة عربية مسلمة وهو اليهودي
الذي " أسلم " حديثا ًً أن يبتدع خبرا ً مختلقا ً عن شعلة نار
خرجت منه ، خصوصا ً وأنه يحيا بين أعراب سذ ّج لايفرّقون بين
الناقة والجمل ويمكن أن تنطلي عليهم أية خدعة .
( 1 ) آل سعود من أين وإلى أين ، ص 11 .
( 2 ) أنظر : كشف الإرتياب ص 5 ، وفتنة الوهابية للسيد أحمد بن
زيني دحلان ص 4 ، وسياست واستعمار در خاور ميانه ( السياسة
والإستعمار في الشرق الأوسط ) – بالفارسية – للدكتور عبد
الصاحب يادگاري ص 99 .
( 3 ) فتنة الوهابية ، ص 5 .
( 4 ) حسبما ينقل عنه السيد محسن الأمين العاملي في كشف
الإرتياب في أتباع محمد بن الوهاب ، ص 4 .
( 5 ) فتنة الوهابية ، ص 5 .