عالم "علي"
ليس من المبالغة, وفي العشرة الثانية من شهر رجب من كل عام, أن تشد رحال
الملايين من العلماء والمفكرين والأدباء وأتباع أهل البيت (ع) ومعهم أحرار
من العالم للاحتفال بمولد رمز إنساني فريد, وعقل حير العقول, وبطل مغوار,
وصاحب قلب كبير, هوت إليه أفئدة الناس وآمال المظلومين وآهات الأيتام ودعاء
الأرامل! وانتعشت به أمنيات المحرومين والمهمشين, فهو لكل أولئك المعذبين
الحامي والأمين والشفيق! وهو من ارتوى من فراته الباحثون عن حقيقة الكون
والإنسان والموت والحياة, وما بعد ذلك! ولجأ إليه – طوعاً وكرهاً -
الحالمون بحياة العدل والحق والخير والجمال .. إنه "علي بن أبي طالب" ..
ذلك المولود في وسط الكعبة, ولا "وليد" غيره! وإنه الفتى صاحب "ذو الفقار"
ولا "سيف" ولا "فتى" غيره! وإنه الشاب الذي وهب حياته لله على فراش مربيه
المهاجر من كيد الأعداء الى ربه, ولا "صِدّيق" مثله! وهو الحل لكل معضلة,
فلا "فاروق" مثله! وهو زوج بتول النبوة والإمامة, ولا صهر غيره! وهو امتداد
رسول الله وابن عمه وأخوه ونفسه! وإنه وقبله سيد الأنبياء أبوا هذه الأمة,
ولا أبا حسن وحسين غيره! وهو العليّ الذي سما وعلا ولا "علي" غيره.
إن يوم الثالث عشر من رجب, ما زال – للأسف - يوماً كسائر الأيام فلم يرتقي
به من ينبغي لهم في مهرجاناتهم ومؤتمراتهم الى ما يواكب تطور الحياة
والإنسان, بل لم يجدّوا للوصول ولو الى مستوى ما يحتاجون, وكل ما ينتمي الى
"علي" يُحتاج إليه! فما زال "علي" ومن وسط ليل تلك الصحراء يفيض بعلمه الجم
الى سكنة تلك البئر الموحشة فليس هناك وهنا مَنْ يسمع! وما زال "علي" يردد
قولته التي لم يقلها أحد قبله ولا بعده: "سلوني قبل أن تفقدوني" فكرم "علي"
لا ينضب, وصبر "علي" لا ينفد! وما زالت كلمة "علي" الإنسان: الناس "صنفان
إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" لم تجد صداها إلا لعقاً على ألسنة
(الديّانين)! وما زال "علي" ينتظر أن نكون أحراراً كما جعلنا الله فما زال
هناك منا عبيد! وما زال "علي" وحيداً فلم يُبْقِ الحق له – بالأمس - من
صديق .. كما اليوم لم يبق عدل "علي" لـ "علي" من تابع أو رفيق, "وَقُلِ
اعْمَلُواْ"..!