مشاركات
الدكتور هادي الوراق
بسم
الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
كنا جلوساً في
مجلسٍ في مسجد
رسول الله
(ص) ،
فتذاكرنا
أعمال
أهل بدر وبيعة الرضوان ،
فقال أبو الدرداء
:
يا قوم !.. ألا
أخبركم بأقلّ
القوم
مالاً وأكثرهم ورعاً وأشدّهم اجتهاداً في العبادة ؟.. قالوا : من ؟.. قال
: أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
.
قال : فوالله إن
كان في جماعة أهل المجلس
إلا
معرضٌ عنه بوجهه ، ثم انتدب له رجلٌ من الأنصار فقال له : يا عويمر !.. لقد
تكلّمت
بكلمة ما وافقك عليها أحدٌ منذ أتيت بها .. فقال أبو الدرداء
:
يا قوم
!.. إني
قائلٌ ما رأيتُ وليقلْ كلّ قوم منكم ما رأوا ، شهدت علي بن أبي طالب
بشويحطات
( أي شجر يُتّخذ منه القسّي ) النجار ، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن
يليه ،
واستتر بمغيلات ( الشجر الكثير ) النخل ، فافتقدته وبَعُد عليّ مكانه ،
فقلت :
لحِقَ
بمنزله ، فإذا أنا بصوت حزين ، ونغمة شجيّ وهو يقول
:
"
إلهي !.. كم من
موبقة
حلمتَ عن مقابلتها بنقمتك ، وكم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك .. إلهي
!.. إن
طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي ، فما أنا مؤمّل غير غفرانك ، ولا
أنا
براجٍ غير
رضوانك
" .
فشغلني الصوتُ
واقتفيت الأثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب
(ع)
بعينه ، فاستترت له وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثم
فرغ
إلى
الدعاء والبكاء والبثّ والشكوى ، فكان مما به الله ناجاه أن قال
:
"
إلهي
!.. أفكّر
في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخْذك فتعظم عليّ بليّتي
" .
ثم قال : " آه!..
إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها ،
فتقول :
خذوه ، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملأ
إذا أذن
فيه بالنداء
" .
ثم قال : " آه
!.. من نارٍ تنُضج الأكباد والكلى ، آه
من نارٍ
نزّاعة للشوى ، آهٍ !.. من غمرة من ملهبات لظى
" .
ثم أنعم في
البكاء
فلم أسمع
له حسّاً ولا حركة ، فقلت : غلب عليه النوم لطول السهر ، أُوقظه لصلاة
الفجر ،
قال أبو الدرداء :
فأتيته فإذا هو
كالخشبة الملقاة ، فحرّكته فلم يتحرك ،
وزويته
فلم ينزو ، فقلت
:
{
إنا لله وإنا
إليه راجعون } مات والله علي بن أبي
طالب ..
فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم
،
فقالت
فاطمة (ع)
:
يا أبا
الدرداء
!..
ما كان من شأنه ومن قصته ؟.. فأخبرتُها الخبر ، فقالت : هي والله يا أبا
الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله
.
ثم أتوه بماء
فنضحوه على وجهه فأفاق
، ونظر
إليّ وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الدرداء ؟!.. فقلت : مما أراه
تُنزله
بنفسك ،
فقال
"
ع "
يا أبا
الدرداء !.. فكيف ولو رأيتني ودُعي بي إلى الحساب
،
وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفتُ
بين
يدي
الملك الجبار ، قد أسلمني الأحباء ورحمني أهل الدنيا ، لكنتَ أشدّ رحمةً لي
بين
يدي
من لا تخفى عليه خافية ،
فقال أبو
الدرداء : فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب
رسول
الله (ص)
.
بحار الانوار ج
41 ص12// أمالي الصدوق ص48
|