علي الأكبر فتىً يشبهُ النّبي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 بحمدك يا بارئ العالمين

انت الرحيم ، و انت المعين...

و اياك يا ربّنا نستعين...

بنعماك نحيا و انت الاله

تعاليت يا ارحم الراحمين...

حياة البحار ، و صخر الجبال

تنادي بحمدك يا ذا الجلال...

تباركت يا أحسن الخالقين

 

الاهداء

إلى كل الذين سارو على خط الحسين في الطريق إلى كربلاء ...

 

انتصف النهار ... و حان موعد صلاة الظهر ... طلب الإمام الحسين ايقاف القتال لاداء الصلاة ... و لكن العدو الغادر رفض ذلك ... و استمرت المعارك ... و استشهد العديد من أصحاب سيدنا الحسين ( عليه السَّلام ) . و استشهد حبيب بن مظاهر ، و الحرّ الرياحي .

كان لابدّ من أداء الصلاة رغم هجمات العدو ... فنهض الإمام يصلّي . و صلّى خلفه نصف أصحابه ، أما النصف الآخر فقد استمرّ في القتال ، ريثما تتم الصلاة .

كانت السهام تنهال كالمطر . و كان أصحاب الحسين يحمون سيدهم ... فسقط أحد أصحابه و اسمه سعيد من كثرة ما نبتت في جسمه السهام فنادى قائلاً :

ـ أوَفيت يابن رسول الله ؟

قال الإمام و هو يبكي من أجل صديقه و ناصره :

ـ نعم ... أنت أمامي في الجنّة .

و عندها ابتسم سعيد ثمّ أغمض عينيه , و صعدت روحه الطاهرة إلى السماء .

هتف الإمام الحسين بأصحابه يحثّهم على الاستبسال حتى الشهادة :

ـ يا كرام ! هذه الجنّة قد فتحت أبوابها ... و اتّصلت أنهارها و أينعت ثمارها ، و هذا رسول الله ، و الشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومكم ، و يتباشرون بكم ، فحاموا عن دين الله ، و دين نبيه ، و ذبّوا عن حرم الرّسول .

فصاح أصحاب الإمام بحماس :

ـ نفوسنا لنفسك الفداء ...

و هكذا بدأ أصحاب الحسين يخرج الواحد بعد الآخر . فيودّع سيدنا الحسين ( عليه السَّلام ) و يواجه الأُلوف وحيداً ، ليقاتل حتى الشهادة .

و تساقط أصحاب الحسين في ميدان الشرف و الكرامة ، بعد أن سجّلوا أكبر ملحمة في الفداء .

لم يبق مع سيدنا الحسين أحد أصحابه ، لقد استشهدوا جميعاً ... لم يبق معه سوى أهل بيته .

و في تلك اللحظات الرهيبة تقدّم علي الكبر مستعدّاً للهجوم .

ها هو يتقدّم راكباً فرساً لأبيه يسمى " لاحقاً " و جهه المضيء يشبه وجه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) ... ها هو ينطلق ليقاتل جيشاً مؤلّفاً من آلاف الجنود . كان ظامئاً . و كان متعباً . لأنّه كان يقاتل منذ الفجر !

لندع ذلك البطل يقاتل لوحده الآلاف ، و نعود لنعرف من هو علي الأكبر ؟

علي الأكبر

هو ابن الإمام الحسين الأكبر .

ولد في المدينة المنورة في 11 / شعبان / سنة 33 هجري ، و كان عمره سبعة أعوام عندما استشهد جدّه عليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، و عندما بلغ السابعة عشرة من عمره استشهد عمّه الحسن بن عليّ مسموماً على يد معاوية بن أبي سفيان .

و هو الآن في السابعة و العشرين من عمره ، يقف إلى جانب والده العظيم في محنته مع يزيد بن معاوية ... يزيد الشاب الفاسق ، شارب الخمور ، الذي يقضي وقته في اللعب مع القرود و الكلاب .

لقد أصبح يزيد خليفة على المسلمين بقوّة الحديد وا لنار .

فاستغاث الناس بسيدنا الحسين ليخلّصهم من ظلم بني أُمية .

تذكروا عدالة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، لهذا بعثوا آلاف الرسائل إلى ابنه الحسين ( عليه السَّلام ) .

وهبّ الإمام يلبّي استغاثة الناس في مدينة الكوفة . وفي شهر ذي الحجة غادرت قافلة الإمام الحسين مدينة مكّة المكرّمة في طريقها إلى الكوفة .

ركب عليّ الأكبر فرسه ، و راح يطوي الصحاري مع والده العظيم . كان عليٌ مُضيءُ الوجه يشبه سيدنا محمّداً و هو لا يشبهه في الشكل فقط ، بل يشبهه في أخلاقه ، و منطقه أيضاً . كان أصحاب سيدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) و أهل بيته ، عندما يشتاقون لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأتون لرؤية علي الأكبر .

رؤيا

و تمرّ الأيام و الليالي ، و القافلة تقطع المسافات . و في منطقة تدعى " قصر بني مقاتل " ، أمر الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) بالتوقّف ، للتزوّد بالماء . توقفت القافلة للاستراحة و الاستسقاء ، ثمّ استأنف و حلتها في الصحراء .

ركب الجميع جمالهم و أفراسهم ، و سارت القافلة باتّجاه قرية تدعى " نينوى " .

كان الإمام ( عليه السَّلام ) متعباً فأغمض عينيه قليلاً .

رأى سيدنا الحسين في عالم النوم فارساً يقترب من القافلة و يقول : القوم يسيرون و المنايا تسري إليهم .

اِنتبه الإمام ( عليه السَّلام ) من نومه و قال :

ـ إنّا لله و إنّا إليه راجعون .

قالها ثلاث مرّات .

سمع عليّ الأكبر والده يسترجع ، أي يقول : إنا لله و إنا إليه راجعون . و هي آية قرآنية يقولها المسلم عندما تحلّ به مصيبة .

لهذا سأل علي أباه قائلاً :

ـ يا أبت لم استرجعت ؟

قال سيدنا الحسين :

ـ يا بني خفقت برأسي خفقة ( أي نمتُ لحظات ) فعنّ ( ظهر ) لي فارس فقال : القوم يسيرون و المنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّ أنفسنا نُعيت إلينا .

فقال الابن المؤمن :

ـ يا أبت لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحق ؟

فقال الأب ، و هو يقسم بالله :

ـ بلى ! و الذي إليه مرجع العباد .

عندها انبرى عليّ الأكبر ليقول بشجاعة أهل الحقّ :

ـ يا أبت ، إذن لا نبالي .

اِبتسم الإمام فرحاً بشجاعة ابنه و إيمانه و قال :

ـ جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده .

و مضت القافلة تطوي المسافات حتّى وصلت منطقة تدعى " كربلاء " .

الحصار

و في هذه المنطقة حوصرت قافلة سيدنا الحسين ، و لم يسمح لها بالعودة إلى المدينة المنورة .

و في يوم السابع من المحرّم منع جيش يزيد سيدنا الحسين و أُسرته و أصحابه من الاقتراب من نهر الفرات ، ليموتوا عطشاً . و كان منظر الأطفال و هم يصيحون : العطش ! مؤثراً .

و في السماء و بينما كان الأطفال يبكون و يطلبون الماء ، أمر سيدنا الحسين أخاه العباس ، أن يتوجّه إلى نهر الفرات ، و أن يملأ عشرين قربة بالماء . اِمتطى العباس جواده و معه ثلاثون من الفرسان ، و عشرون من المشاة ، كانت مهمّة المشاة ملء القرب بالماء ، و كانت مهمّة الفرسان الدفاع عنهم ، و صدّ هجمات العدو .

اِشترك علي الأكبر في هذه المهمّة ، كان يسير إلى جانب عمّه العباس .

و تقدّم الأبطال باتّجاه الشواطئ . كان عمر بن سعد قد نشر أربعة آلاف جندي على الشريعة ، و هي الشاطئ المناسب لارتياد النهر .

صاح عمر بن الحجّاج :

ـ من أنتم ؟!

أجاب نافع بن هلال ، و كان من فرسان الإمام الإبطال :

ـ جئنا لنشرب من هذا الماء ، الذي منعتموه عنّا .

قال عمرو بن الحجّاج :

ـ اشربوا هنيئاً ، و لا تحملوا إلى الحسين و آله منه !

هتف نافع :

ـ لا والله لا نشرب منه قطرة و الحسين و آله و صحبه عطاشى !

و التفت نافع إلى حاملي القرب :

ـ املأوا أسقيتكم .

و هنا شنّ جنود يزيد هجوماً فتصدّى لهم فرسان الإمام ، و دارت معركة قرب الشاطئ ، انتهت بانتصار أصحاب الإمام الذين عادوا إلى المعسكر ، و معهم القرب المليئة بالماء .

و في تلك الليلة فرح الأطفال ، لأنّهم شربوا الماء بعد ساعات طويلة من العطش .

يوم عاشوراء

و في فجر العاشر من المحرم اشتعلت المعركة بين الحقّ و الباطل ، بين الحسين و معه أصحابه السبعين ، و يزيد و معه جيشه الجرّار .

و لكنّ سيدنا الحسين و أهل بيته و أصحابه لم يهابوا جيش العدوّ ، لأنّهم لا يخافون الموت . كانوا مع الحقّ . و كان الحقّ معهم .

و كانوا لا يفكّرون إلاّ في مرضاة الله سبحانه ، لهذا قاتلوا ببسالة .

فتساقط أصحاب الحسين شهداء في ميدان الشرف و لم يبق مع الحسين إلاّ أهل بيته . فكان أوّل من تقدّم إلى الموت ابنه الأكبر عليّ .

استأذن عليّ أباه في القتال فأذن له . ثمّ ذهب ليودّع أمّه " ليلى " و عمّته " زينب " .

بكت أُمه كثيراً ... كانت تحبّ ابنها ... قالت :

ـ اِرحم غربتنا . لا طاقة لي على فراقك .

سكت عليّ و قبّل يد أُمه . و عانق أباه العظيم ... و امتطى صهوة جواده . و تقدّم وحيداً يقاتل جيشاً جرّاراً مدجّجاً بالسلاح . و عندما أصبح قريباً من تلك الأُلوف نادى معرّفاً نفسه :

ـ أنا عليّ بن الحسين بن علي

نحن و ربّ البيت أولى بالنّبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدّعي

لقد أقسم عليّ أن يرفض يزيد ... يرفض ظلمه و فساده .

كان سيدنا الحسين يراقب ابنه ، و هو يتقدّم إلى الموت .

صاح الإمام بعمر بن سعد :

ـ مالك ؟ قطع الله رحمك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله .

و نظر الإمام إلى السماء و قال بحزن :

ـ اللهم اشهد هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمّد خَلقاً و خُلُقاً و مَنْطقاً ... و كنّا اذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه .

ثمّ تلا الإمام قوله تعالى : " إنّ الله اصطفى آدم و نوحاً و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين ، ذرية بعضها من بعض ، و الله سميع عليم " .

الهجوم الأوّل

صهل الفرس قبل أن ينطلق إلى آلاف الأعداء ... أعداء الإسلام و الإنسانية . كانت السهام تنهال كالمطر ، و كان عليّ الأكبر ينطلق هو الآخر كالسهم باتجاه العدوّ . و دارت معركة ضارية . فارس واحد يقاتل آلاف الفرسان ، و الأعداء يتساقطون تحت ضرباته المدّمرة .

استمرت المعركة ساعات ، و شعر عليّ بالعطش الشديد ، جفّ حلقه ، و أصبح قلبه كالجمر ، فعاد ليستريح .

عاد عليّ إلى والده ، كان والده ينظر إليه ، و عيناه تفيضان حبّاً و شوقاً .

قفز عليّ من فوق جواده ، و اتّجه إلى والده ليعانقه مرّة أُخرى .

قال عليّ و هو يعانق أباه العظيم :

ـ لقد أجهدني العطش يا أبي ، فجئت لأستريح .

بكى سيدنا الحسين من أجل ولده ... ليست لديه قطرة ماء يسقي بها ولده العطشان ، و الفرات يحاصره الأعداء كالذئاب .

قال الأب و هو يبكي :

ـ اصبر يا ولدي الحبيب ... بعد قليل ستلقى جدّك المصطفى ... و سوف يسقيك من ينابيع الجنّة .

الهجوم الأخير

ودّع عليّ أباه و امتطى صهوة جواده . صهل الجواد ، و انطلق كالسهم باتّجاه العدوّ ، و مرة أخرى جسّد الأكبر ملحمة الفداء من أجل الإسلام ، و الحق و العدالة .

اخترق الفارس العلويّ خطوط العدوّ ، و غاص في قلب الجيش ، و راح يقاتل ببسالة فريدة .

لم يصمد الفرسان أمامه . لهذا فكّر أحدهم بالغدر . حمل رمحه ، و انتهز فرصة انشغال عليّ بالقتال . فجاءه من جهة الخلف . الغادر الجبان ، كان يخاف مواجهة عليّ وجهاً لوجه .

سدّد الغادر رمحه إلى ظهر عليّ ، و هجم آخر عليه فضربه بالسيف . شعر عليّ أنّها نهايته فصاح مودّعاً أباه :

ـ عليك منّي السلام يا أبا عبد الله .

اِعتنق عليّ جواده تصوّر الجواد أن عليّاً يريد مواصلة الهجوم ، فغاص في قلب آلاف الجنود .... السيوف تنهال على جسد عليّ دون رحمة .

رأى عليّ في تلك اللحظات جدّه رسول الله و هو يسقيه من شراب الجنّة . سمع الحسين نداء ابنه الأكبر ، فقفز فوق جواده ، و انطلق الجواد نحو قلب المعركة .. كان الهجوم قويّاُ ، و فرّ الأعداء خائفين من غضب الحسين .

جلس الأب عند رأس ولده الحبيب .

قال الابن و هو يحاول أن يبتسم لأبيه :

ـ لقد سقاني جدّي بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً ... و قال إن لك كأساً مذخورة .

وضع الحسين خدّه على خدّ ولده و قال بحزن :

ـ على الدنيا بعد العفا . ما أجرأ هؤلاء على الرحمن ، و على انتهاك حرمة الرسول .

كانت جراح عليّ ما تزال تنزف بشدّة . أغمض عليّ عينيه كأنّه ينام . لقد آن له أن يستريح بعد كلّ تلك المعارك الضارية .

ملأ الحسين كفّه من دماء ولده الطاهرة .. و رمى بها نحو السماء .

لم تسقط من دماء عليّ قطرة واحدة فوق الأرض ، كأنّ الملائكة تحمل تلك الدماء الزكية نحو السماء ، تشكو إلى الله ظلم يزيد و اليزيديين .

الموكب الحزين

حمل سيدنا الحسين جسد ابنه الشهيد و وضعه فوق جواده ، و عاد .

من بعيد كانت النسوة يراقبن الموكب الحزين ، و شيئاً فشيئاً كان الموكب يقترب ، و رأى الجميع منظراً مؤثراً .

كان سيدنا الحسين يقود الجواهر ، و هو يبكي بصمت ، و كان جسد الشهيد ينزف الدماء ، عشرات الجراح تنزف دماً طاهراً .

وُضع الجثمان الطاهر في خيمة الشهداء ، جاءت عمّته زينب ، و صاحت .

ألقتْ عمّته المفجوعة بنفسها على جسد الشهيد ، و راحت تبكي بلوعة ، تبكي من أجل الشاب الذي قدّم نفسه قرباناً في سبيل المبادئ التي آمن بها والده العظيم .

جاء سيدنا الحسين و قاد أُخته إلى خيمتها . و في خيمة " ليلى " أم عليّ الأكبر ، كانت النسوة تبكي من أجل الشهيد .

المجد للشهداء

و اليوم لم تعد كربلاء صحراء على شاطئ الفرات . أصبحت مدينة الشهداء ، يزور الأحرار في العالم .

من بعيد تلوح قباب ذهبية و مآذن ، هنا يرقد سيد الشهداء ، سيدنا الحسين ، و بالقرب منه و على مسافة أشبار يرقد ابنه الشهيد عليّ الأكبر ، و لكن لِمَ سمّي علي الأكبر ؟

لقد كان له أخ أصغر منه هو الآخر اسمه عليّ ، كان يصغره بأربعة أعوام ، و عليّ الأصغر هو السجاد ، زين العابدين رابع أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كان في كربلاء ، لم يشترك في المعارك ، كان مريضاً ، جسمه يلتهب بالحمّى ، و بين ساعة و أخرى كان يصاب بالإغماء ، و في كلّ مرّة كان يحاول النهوض للدفاع عن أبيه الحسين ابن رسول الله .

عندما هوى أخوه الأكبر شهيداً ، نهض ليقاتل . أمسك بسيفه ، و لكنّه لم يستطع رفعه ، و لم يستطع أيضاً الاستمرار في الوقوف . لهذا كان يتوكّأُ على عصا ، و يجرّ بسيفه .

عندما شاهده سيدنا الحسين ، نادى أُخته زينب ، و قال لها :

ـ اِحبسيه حتى لا ينقطع نسل رسول الله .

و جاءت زينب ، فأخذت ابن أخيها و أعادته إلى فراشه .

كانت المعارك ما تزال مستمرّة .

الوقت ما يزال عصراً . تُرى ماذا حدث بعد استشهاد عليّ الأكبر ؟..

إلى صحراء كربلاء لنعرف ماذا يجري هناك ؟

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها