كان الوقت ضحى ، و قد
جلس بعض المسلمين في مسجد النبيّ
(
صلى الله عليه و آله )
ينتظرون أذان الصلاة ليؤدوا فريضة الظهر .
دخل " سلمان " المسجد
و سلّم على إخوانه من المؤمنين .
أرادوا أن يعرفوا نسب
هذا الرجل الفارسي ، فتحدّثوا مع بعضهم البعض بصوت يسمعه " سلمان " .
قال أحدهم أنا من
قبيلة تميم .
و قال آخر أنا من قريش
.
و قال ثالث : أما أنا
فمن الأوس . . و هكذا .
ظلّ سلمان ساكتاً ،
فأرادوا يعرفوا نسبه ، فقالوا :
ـ و أنت يا سلمان ، ما
هو نسبك و حسبك ؟
أجاب ليعلمهم معنى
الإيمان :
أنا ابن الإسلام . .
كنتُ ضالاً فهداني
الله بمحمّد .
و كنت فقيراً فأغناني
الله بمحمّد .
و كنت مملوكاً فاعتقني
الله بمحمّد .
فهذا حسبي و نسبي .
سكت الرجال و قد
تعلّموا درساً من دروس الإيمان و الإسلام .
من هو سلمان ؟
و لكن حقّاً ، من هو
سلمان الفارسي ؟ و ما هي قصة إيمانه بالإسلام ؟
كان اسمه " روزبه " أي
" سعيد " . ولد في قرية من قرى مدينة اصفهان .

كان أبوه رئيس القرية
و كان رجلاً ثريّاً ، و في ذلك الوقت كان أهل فارس يعبدون النار لأنّها رمز النور .
فالنار مقدسة عندهم ،
لهذا كانت عندهم معابد توقد فيها النار لتبقى مشتعلة دائماً ، و هناك رجال مقدّسون
يتولّون المحافظة على اشتعالها ليل نهار .
عندما كبر " روزبه " و
أصبح فتى أراد أبوه أن يكون له شأن ، فعهد إليه أن يتولّى المعبد و يحافظ على
اشتعال النار .
فكّر روزبه في شأن
النار ، فأبى ذهنه المتوقد أن تكون النار إلهاً : لأن الإنسان هو الذي يتولّى
رعايتها حتى لا تنطفئ .
و ذات يوم خرج الفتى
يتجوّل في المروج البعيدة .
شاهد من بعيد بناءً
جميلاً فقصده ، و كان البناء كنيسة بناها الرهبان لعبادة الله .
و كانت النصرانية في
ذلك الزمان هي دين الله الحقّ .
تحدّث الفتى مع
الرهبان ، و دخل قلبه حبّ الدين الإلهي ، فسأل عنه ، فقالوا : أصله من بلاد الشام .
الهجرة
قرّر روزبه الهجرة الى
الشام فانتظر عودة إحدى القوافل .
وافق تجّار القافلة
اصطحابه الى بلادهم . و عندما وصلها راح يبحث عن دين الله فدلّوه على كنيسة كبيرة .
حلّ الفتى ضيفاً على
الأسقف و عاش معه يتعلّم منه أصول الدين و مكارم الأخلاق و تعاليم الإنجيل .
و بعد مدّة مات الأسقف
، فهاجر روزبه الى مدينة الموصل و عاش في إحدى كنائسها ، ثم انتقل الى مدينة اُخرى
هي " نصيبين " ثم الى مدينة " عمّورية " .
و في عمّورية عاش
روزبه فترة من الزمن ، و كان أسقفها رجلاً صالحاً ، فقال لروزبه قبل أن يموت :
ـ انّ الله سيبعث
نبياً في هذا الزمان يأتي بدين إبراهيم الخليل ، و انّه سيهاجر إلى أرض فيها نخيل
كثير .
سأل روزبه :
ـ و ما هي علاماته ؟
ـ من علاماته انّه
يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة و بين كتفيه خاتم النبوّة .
مات الأسقف الطيب و
بقي روزبه وحيداً .
فكّر أن يهاجر إلى
جزيرة العرب .
و ذات يوم مرّت قافلة
تريد العودة إلى الحجاز ، فعرض عليهم كلّ ما يملك لقاء السفر معهم إلى مكّة .

و لكن التّجار لم
يكتفوا بما أخذوه من أموال فصادروا حرّيته و باعوه إلى أحد اليهود كرقيق .
تألّم روزبه لهذا
الغدر و لكنه صبر ، و راح يعمل باخلاص في بستان الرجل اليهودي .
و تمرّ الأيام ، و ذات
صباح جاء من يهود بني قريظة لزيارة ابن عمه ، فرأى روزبه و انهماكه في العمل فقال
لابن عمه :
ـ ارجو أن تبيعني هذا
العبد .
فرح " روزبه " لأن بني
قريظة يسكنون في مدينة يثرب المليئة بأشجار النخيل ، و هي المدينة التي قال أسقف "
عمّورية " أن النبي الموعود سيهاجر اليها .
كان روزبه يعدّ الأيام
مترقّباً ظهور النبي .
و ذات يوم و بينما كان
يعمل في البستان سمع سيّده يتحدّث إلى أحد أصدقائه :
ـ لقد وصل محمّد منطقة
" قبا " و قد استقبله بعض أهل يثرب هناك .
و شعر " روزبه "
بالفرحة فقد حانت اللحظة التي كان ينتظرها منذ أعوام طويلة .
انتظر إلى المساء ، و
عندما حلّ الظلام تسلل " روزبه " بعد أن أخذ معه كمية من التمر .
كانت المسافة بين "
يثرب " و " قبا " تبلغ ميلين قطعهما " روزبه " بسرعة . و عندما وصل إلى " قبا " دخل
على سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
و قال :
ـ سمعت بأنّك رجل صالح
و معك أصحاب غرباء فأحضرت لكم هذا التمر صدقة .
وزّع سيّدنا محمّد
التمر على أصحابه و لم يأكل منه .
قال روزبه في نفسه :
ـ هذه العلامة الاُولى
.
و في اليوم التالي جاء
مرّة اُخرى و معه كمية اُخرى من التمر أيضاً و قال لسيّدنا محمّد :
ـ هذه هدية .
تناول النبيّ التمر
شاكراً و وزّعه على أصحابه و أكل منه .
فقال روزبه في نفسه :
ـ و هذه العلامة
الثانية .
هكذا تأكّد " روزبه "
ان هذا هو النبي الموعود فعانقه و أعلن إسلامه فسمّاه سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
" سلمان " .
الحرية
جاء الإسلام ليحرّر
البشر من عبادة غير الله عزّ و جلّ ، فلقد وهب الله الإنسان نعمة الحرّية ، لهذا
قال سيّدنا محمّد لأصحابه :
ـ أعينوا أخاكم سلمان
على فكاك رقبته .
كان الرجل اليهودي قد
اشترط على سلمان أن يغرس له ثلاثمائة نخلة .
جمع له إخوانه فسائل
النخل ، و قام سيدنا محمد بغرسها فعاشت جميعاً .
و هكذا أنعم الله على
سلمان بنعمة الحرية فعاش سعيداً مع سيدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
.
الدفاع عن المدينة
في شهر رمضان من العام
الخامس للهجرة سمع المسلمون عن نيّة المشركين بغزو المدينة .
كان اليهود يخططون
لذلك ، فقاموا بتحريض قريش و القبائل العربية على غزو المدينة و القضاء على الإسلام
.
تمكّن اليهود من تحشيد
عشرة آلاف مقاتل و أنفقوا من أجل ذلك مبالغ طائلة .
كان سيّدنا محمّد
يستشير أصحابه في مواجهة المشاكل التي تعترض المسلمين .
اجتمع المسلمون في
مسجد النبي
(
صلى الله عليه و آله )
للتشاور .
كان الغزو الجديد يحمل
أخطاراً كبيرة ، فالمسلمون لا يملكون العدد الكافي لمواجهة الأعداء ، و القوّات
الإسلامية لا تتجاوز الألف مقاتل فقط ، بينما الغزاة عشرة آلاف مسلّحين بأفضل أنواع
السلاح .
حار المسلمون في أمرهم
و شعر البعض بالخوف . و كان المنافقون يخوّفون الناس و يبثّون الشائعات .
و بينما كان المسلمون
يتبادلون الآراء لمواجهة الخطر القادم ، نهض سلمان فقال : ـ يا رسول الله كنّا في
أرض فارس إذا غزانا العدوّ حفرنا الخنادق .
و كانت فكرة سلمان
مفاجأة للجميع .
استبشر النبي
(
صلى الله عليه و آله )
المسلمون جميعاً .
الخندق
كانت نقطة الضعف في
شمال المدينة رأى سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
أن يكون طول الخندق خمسة آلاف متر تقريباً ، و بعرض تسعة أمتار ، أما عمقه فيكون
سبعة أمتار .
و في اليوم التالي خرج
المسلمون و هم يحملون أدوات الحفر . و لكي تكون عملية الحفر منظّمة و دقيقة أمر
سيّدنا محمّد أن يشترك كل عشرة مقاتلين بحفر أربعين متراً من الخندق .
كان الفصل شتاءً و
الرياح باردة جدّاً و المسلمون صائمون ، و مع كل ذلك كانوا يعملون بحماس و لا يصغون
الى الشائعات التي يبثّها اليهود و المنافقون .
و كان سيّدنا محمّد
يعمل بنشاط و يبثّ روح العزيمة في نفوس أصحابه و ينشد شعراً حماسياً لأحد أصحابه و
هو عبد الله بن رواحة .
اللّهم لولا أنت ما
اهتدينا .
و لا تصدقنا و لا
صلّينا .
فأنزِلن سكينةً علينا
.
و ثبِّت القلوب إن
لاقينا .
الصخرة
كان سلمان يعمل مع
اخوانه من المهاجرين و الأنصار . و ذات يوم اعترضت عملهم صخرة بيضاء قاسية .
حاول سلمان تحطيمها
بمعوله فلم يستطع .
حاول أصحابه و لكنّهم
عجزوا أيضاً ، و كانوا كلّما ضربوها تطاير منها الشرر .
فاستشار المسلمون
سلمان في ذلك .
ذهب سلمان ليخبر
سيّدنا بقصة الصخرة و ان يسمح لهم في تغيير اتجاه الحفر .
جاء النبيّ
(
صلى الله عليه و آله )
إلى منطقة الحفر و أخذ المعول من سلمان و نزل في الخندق ، و طلب منهم أن يحضروا بعض
الماء .
صبّ النبيّ
(
صلى الله عليه و آله )
الماء فوق الصخرة ، و أمسك بالمعول و هتف ، بسم الله ، و ضرب الصخرة فانشق ثلثها .
هتف النبيّ
(
صلى الله عليه و آله )
:
ـ الله اكبر أعطيت
مفاتيح الشام و الله إني لأبصر قصورها .
و ضرب النبيّ
(
صلى الله عليه و آله )
الصخرة مرّة ثانية فقطع ثلثاً آخر و هتف :
ـ الله أكبر أُعطيت
مفاتيح فارس و الله إني لأبصر قصر المدائن .
و ضرب مرّة ثالثة فقطع
ما تبقّى من الصخرة فقال :
ـ الله أكبر اُعطيت
مفاتيح اليمن و الله إني لأبصر أبواب صنعاء .
فرح المسلمون و
استبشروا بنصر الله .
أما المنافقون فقد
راحوا يسخرون و يقولون للمؤمنين :
ـ كيف تصدّقون بفتح
بلاد فارس و الروم و اليمن و أنتم تحفرون الخندق في يثرب ؟
و لكن المؤمنين لم
يكونوا يشكّون بنصر الله لأن الله ينصر عباده المخلصين .
استمر المسلمون في حفر
الخندق ليل نهار مدّة شهر كامل .
و خلال تلك الفترة كان
المسلمون يقومون بعمل آخر و هو نقل المحاصيل الزراعية إلى داخل المدينة ، لكي
تساعدهم على تحمّل مدّة الحصار ، و حتى لا يستفيد منها العدوّ .
الحصار
وصلت جيوش " الأحزاب "
بقيادة أبي سفيان . و عندما رأى المشركون الخندق تعجّبوا و قالوا :
ـ ان العرب لا يعرفون
هذه المكيدة .
و عرفوا انّها فكرة
سلمان الفارسي .
فرض المشركون الحصار
على المدينة . . و كان أبو سفيان يبحث عن ثغرة في الخندق يمكن اقتحام الخندق منها و
لكن لا فائدة .
و خلال مدّة الحصار
تبادل المسلمون و المشركون إطلاق السهام .
و ذات يوم تمكّن فرسان
المشركين من اقتحام الخندق و العبور إلى جبهة المسلمين .
أمر سيدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
بقطع الطريق على المقتحمين ، و نهض علي بن أبي طالب
(
عليه السَّلام )
لقتال قائدهم " عمرو بن عبد ودّ " و كان من أبطال المشركين .
و عندما توجّه الإمام
علي لقتال عدوّ الإسلام دعا سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
له بالنصر و قال :
ـ اليوم برز الإيمان
كلّه إلى الشرك كلّه .
و انتصر فتى الإسلام
على عدوّه ، و صاح المسلمون :
ـ الله أكبر . . الله
أكبر .
و فرّ المشركون باتجاه
الخندق فطاردهم فرسان الإسلام و قتلوا بعضهم .
الانتصار
فشل المشركون في عبور
الخندق و طالت مدّة الحصار و نصر الله رسوله و المؤمنين ، فكانت العواصف العاتية
تهبّ على جيوش الأحزاب فتقلع و تدخل في قلوبهم الخوف .
و ذات ليلة و بعد أن
ملّ المشركون الحصار قرّر أبو سفيان الإنسحاب .
و في الصباح أرسل
سيدنا محمد
(
صلى الله عليه و آله )
حذيفة ليستطلع له جبهة العدوّ .
أخبر حذيفة رسول الله
بهزيمة جيوش الأعداء .
عمّت الفرحة جيش
الإسلام و شكروا الله على أن نصرهم على أعداء الدين و الإنسانية .
و عاد المسلمون إلى
منازلهم فرحين بعد حصار بلغ شهراً كاملاً .
في مسجد النبي
اجتمع المؤمنون في
مسجد النبي
(
صلى الله عليه و آله )
يشكرون الله سبحانه و كانوا ينظرون بحبّ و احترام إلى الصحابي الجليل سلمان الذي
أنقذ بخطّته المدينة المنوّرة و الإسلام من الغزاة .
لهذا قال الأنصار من
أهل المدينة :
ـ سلمان منّا .
و صاح المهاجرون :
ـ سلمان منّا .
و نظر المسلمون إلى
سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
ما يقول في سلمان .
قال النبيّ بحبّ :
ـ سلمان منّا أهل
البيت . .
ثم قال
(
صلى الله عليه و آله )
:
ـ لا يقولوا سلمان
الفارسي و لكن قولوا سلمان المحمّدي .
و منذ ذلك اليوم و
المسلمون ينظرون إلى سلمان باحترام و إجلال .
الجهاد
لم يفارق سلمان سيدنا
محمّداً
(
صلى الله عليه و آله )
في الجهاد و الدفاع عن رسالة الإسلام ، فاشترك في جميع المعارك الإسلامية ، مع
اليهود في " بني قريظة " و " خيبر " و كان في طليعة الذين بايعوا رسول الله تحت "
الشجرة " و التي تدعى " بيعة الرضوان " و في فتح مكّة و معركة " حنين " و رافق
النبي
(
صلى الله عليه و آله )
في مسيرته إلى " تبوك " .
كان سلمان صادق
الإيمان مخلصاً في جهاده ، حتى سمع المسلمون سيّدنا محمّداً
(
صلى الله عليه و آله )
يقول :
ـ إنّ الجنّة تشتاق
إلى ثلاثة : عليّ و عمّار و سلمان .
ذات يوم كان سلمان
يتحدّث الى أخويه بلال الحبشي و صهيب الرومي . كان منظرهم جميلاً فهم من ثلاثة
بلدان مختلفة جمعهم الإسلام فأصبحوا إخواناً .
و في الأثناء مرّ أبو
سفيان فنظر إليهم باستعلاء ، فهو ما يزال يفكّر بطريقة أهل الجاهلية ، فالعرب في
رأيه أفضل من سائر الأقوام و الشعوب .
أما سيدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
فيقول :
ـ لا فرق بين عربي و
أعجمي إلاّ بالتقوى .
أراد سلمان و بلال و
صهيب أن يلقّنوه درساً و يذكروه بسماحة الإسلام فقالوا :
ـ ما أخذت السيوف من
عدوّ الله ؟
سمع أبو بكر ذلك فقال
لهم منزعجاً :
ـ أتقولون هذا لشيخ
قريش و زعيمها ؟
ذهب أبو بكر ليخبر
سيّدنا محمّداً
(
صلى الله عليه و آله )
بما قالوه .
و لكن سيّدنا محمّد
قال له :
ـ هل أغضبتهم يا أبا
بكر ؟ إن أغضبتهم أغضبت الله .
ندم أبو بكر على ما
قاله لهم و عاد إليهم مسرعاً و قال :
ـ يا اخوتي لعلّي
أغضبتكم .
أجابوا بتسامح الإسلام
:
ـ لا يا أبا بكر يغفر
الله لك .
وفاة النبي
في يوم الاثنين 28 صفر
، انتقل سيّدنا محمّد الى الرفيق الأعلى و حزن المسلمون و بكى سلمان .
كان سلمان يحبّ سيدنا
محمّداً
(
صلى الله عليه و آله )
كثيراً و كان يقتدي بسيرته و يسير في طريقه و يحفظ كلّ ما يسمعه منه .
لهذا كان سلمان يحبّ
عليّاً لأن الله و يحبّه و رسوله ، و قد سمع أكثر من مرّة النبيّ
(
صلى الله عليه و آله )
يقول :
ـ عليّ مع الحقّ و
الحقّ مع عليّ .
ـ أنت مني بمنزلة
هارون من موسى و لكن لا نبيّ بعدي .
ـ من كنتُ مولاه فهذا
عليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه و عادِ من عاداه و انصر من نصره و اخذل من
خذله .
كان سلمان قد سمع هذه
الأحاديث و غيرها ، و لهذا فهو يعتقد بإمامة علي و انّه خليفة سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
بعده .
البيعة
بويع أبو بكر بالخلافة
في سقيفة " بني ساعدة " و كان الإمام علي مشغولاً بتجهيز النبي
(
صلى الله عليه و آله )
.
فوجئ الكثير من
الصحابة بهذه البيعة و اعترضوا عليها ، لأن الخليفة الحقّ في رأيهم هو عليّ
(
عليه السَّلام )
.
لهذا امتنع سلمان و
أبو ذر و المقداد و عمّار بن ياسر و عبد الله بن عباس و الزبير بن العوام و قيس بن
سعد و اسامة بن زيد و أبو أيوب الأنصاري و عبد الله بن مسعود و غيرهم من الصحابة .
و ظلّ الإمام علي على
موقفه من البيعة إلى أن توفيت زوجته فاطمة الزهراء بنت سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
.
بايع الإمام
(
عليه السَّلام )
أبا بكر من أجل الإسلام ، و كان سلمان ينتظر ، فقال له الإمام :
ـ بايع يا أبا عبد
الله .
كان سلمان مطيعاً لله
مطيعاً لرسول الله مطيعاً للإمام ، فبايع .
كان علي
(
عليه السَّلام )
يحبّ سلماناً و يقول عنه :
ـ سلمان امرؤ منّا أهل
البيت .
ـ من لكم بمثل لقمان
الحكيم .
ـ قرأ الكتاب الأوّل و
الكتاب الآخر أي الإنجيل و القرآن الكريم .
المدائن
شارك سلمان في معارك
الفتح الإسلامي في بلاد فارس و كان يتقدّم المقاتلين بشجاعة نادرة .
و كان إلى جانب قائد
الحملة على المدائن سعد بن أبي وقاص فعبر النهر بجواده .
قام بدور الترجمة بين
المسلمين و أهل فارس ، فاستسلمت مدينة " إيوان " بدون إراقة الدماء .
عيّنه الخليفة عمر بن
الخطاب والياً على المدائن فكان مثالاً للحاكم المسلم العادل .

كان المرتّب الذي
يتقاضاه خمسة آلاف درهم و لكنه كان ينفقه جميعاً على الفقراء .
كانت حياته بسيطة فهو
يشتري خوصاً بدرهم واحد فيصنع منه سلالاً يبيعها بثلاثة دراهم ، ينفق درهماً واحداً
على عياله و يتصدّق بدرهم و يدّخر الدرهم الثالث ليشتري به " الخوص " .
كانت ثيابه بسيطة ، و
كان المسافرون و الغرباء عندما يرونه يحسبونه رجلاً من فقراء المدائن .
و ذات يوم كان سلمان
يمشي في السوق رآه أحد المسافرين و كان معه أمتعة فأمره أن يحملها .
تقدّم سلمان و حمل
الأثقال و راح يمشي وراء الرجل .
كان الناس في الطريق
ينحنون إجلالاً للأمير و يسلمون عليه باحترام .
تعجّب الرجل الغريب و
سأل :
ـ من يكون هذا الرجل
الفقير ؟
فأجابوه :
ـ هذا سلمان الفارسي
صاحب رسول الله و أمير المدائن .
اندهش الرجل و تقدّم
من سلمان معتذراً و طلب منه أن ينزل الأثقال .
رفض سلمان ذلك و قال :
ـ حتى أوصلك .
تأثّر الرجل و أدرك ان
سلمان من أولياء الله .
الكوفة
بعد فتح المدائن كان
المسلمون يبحثون عن مكان مناسب للسكنى ، فانطلق سلمان و حذيفة بن اليمان للبحث عن
أرض تلائم طبيعة المسلمين .
وقع اختيارهما على أرض
الكوفة فصلّيا فيها ركعات ، و منذ ذلك التاريخ نشأت مدينة الكوفة التي أصبحت عاصمة
للدولة الإسلامية فيما بعد و مركزاً من مراكز العلم و المعرفة .

الجهاد مرّة اُخرى
أصبح عثمان خليفة
المسلمين و يأتي قرار بعزله عن الولاية .
فرح سلمان و انطلق الى
المدينة ليزور ضريح سيّدنا محمّد
(
صلى الله عليه و آله )
و يصلّي في مسجده .
كان يحبّ حياة الجهاد
دفاعاً عن دولة الإسلام فالتحق بصفوف المقاتلين في فتح مدينة " بلنجرد " و هي من
مدن الخزر ( في تركيا ) و كانت له مواقف مشهودة .
العودة
أصبح سلمان شيخاً
طاعناً في السنّ .
و يشعر بدنو أجله و هو
راقد في فراش المرض ، و يأتي المسلمون لعيادته يدعون الله له بالشفاء .
كانوا ينظرون بحبّ إلى
رجل قضى حياته زاهداً يحبّ الله و الناس .
و ذات صباح طلب من
زوجته أن تحضر له صرّة . كان سلمان يحتفظ بها مند سنوات .
تساءلت زوجته عنها ،
فقال سلمان :
ـ قال لي حبيبي رسول
الله
(
صلى الله عليه و آله )
: اذا جاءك الموت حضر أقوام يجدون الطيب و لا يأكلون الطعام .
فتح الشيخ الصرّة و
رشّها بالماء ففاحت روائح طيبة ملأت فضاء الحجرة .
طلب سلمان من زوجته ان
تفتح الباب .
و مرّت لحظات نورانية
و أغمض الشيخ عينيه ليرقد بسلام .
مرقده
في منطقة يقصدها
السواح لمشاهدة آثار المدائن حيث يرتفع طاق كسرى ، يجد الزائر مقاماً كبيراً يدعى (
سلمان باك ) ، يضمّ مرقد الصحابي الجليل سلمان المحمدي . . سلمان ابن الإسلام
البارّ .
ذلك الفتى الذي غادر
أرض إيران و طاف المدن في تركيا و الشام و العراق و الحجاز ليموت في المدائن بعد
حياة طويلة قضاها في الجهاد و الزهد و العبادة .
و لا ننسى أن نذكر أن
أهل المدائن كانوا يدعونه سلمان باك . و باك كلمة فارسية تعني الطاهر .
نعم كان سلمان طاهر
القلب و الروح ، و كان امرءاً من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم
تطهيراً .
|