سلمان المحمدي

 

كان الوقت ضحى ، و قد جلس بعض المسلمين في مسجد النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) ينتظرون أذان الصلاة ليؤدوا فريضة الظهر .

دخل " سلمان " المسجد و سلّم على إخوانه من المؤمنين .

أرادوا أن يعرفوا نسب هذا الرجل الفارسي ، فتحدّثوا مع بعضهم البعض بصوت يسمعه " سلمان " .

قال أحدهم أنا من قبيلة تميم .

و قال آخر أنا من قريش .

و قال ثالث : أما أنا فمن الأوس . . و هكذا .

ظلّ سلمان ساكتاً ، فأرادوا يعرفوا نسبه ، فقالوا :

ـ و أنت يا سلمان ، ما هو نسبك و حسبك ؟

أجاب ليعلمهم معنى الإيمان :

أنا ابن الإسلام . .

كنتُ ضالاً فهداني الله بمحمّد .

و كنت فقيراً فأغناني الله بمحمّد .

و كنت مملوكاً فاعتقني الله بمحمّد .

فهذا حسبي و نسبي .

سكت الرجال و قد تعلّموا درساً من دروس الإيمان و الإسلام .

من هو سلمان ؟

و لكن حقّاً ، من هو سلمان الفارسي ؟ و ما هي قصة إيمانه بالإسلام ؟

كان اسمه " روزبه " أي " سعيد " . ولد في قرية من قرى مدينة اصفهان .

كان أبوه رئيس القرية و كان رجلاً ثريّاً ، و في ذلك الوقت كان أهل فارس يعبدون النار لأنّها رمز النور .

فالنار مقدسة عندهم ، لهذا كانت عندهم معابد توقد فيها النار لتبقى مشتعلة دائماً ، و هناك رجال مقدّسون يتولّون المحافظة على اشتعالها ليل نهار .

عندما كبر " روزبه " و أصبح فتى أراد أبوه أن يكون له شأن ، فعهد إليه أن يتولّى المعبد و يحافظ على اشتعال النار .

فكّر روزبه في شأن النار ، فأبى ذهنه المتوقد أن تكون النار إلهاً : لأن الإنسان هو الذي يتولّى رعايتها حتى لا تنطفئ .

و ذات يوم خرج الفتى يتجوّل في المروج البعيدة .

شاهد من بعيد بناءً جميلاً فقصده ، و كان البناء كنيسة بناها الرهبان لعبادة الله .

و كانت النصرانية في ذلك الزمان هي دين الله الحقّ .

تحدّث الفتى مع الرهبان ، و دخل قلبه حبّ الدين الإلهي ، فسأل عنه ، فقالوا : أصله من بلاد الشام .

الهجرة

قرّر روزبه الهجرة الى الشام فانتظر عودة إحدى القوافل .

وافق تجّار القافلة اصطحابه الى بلادهم . و عندما وصلها راح يبحث عن دين الله فدلّوه على كنيسة كبيرة .

حلّ الفتى ضيفاً على الأسقف و عاش معه يتعلّم منه أصول الدين و مكارم الأخلاق و تعاليم الإنجيل .

و بعد مدّة مات الأسقف ، فهاجر روزبه الى مدينة الموصل و عاش في إحدى كنائسها ، ثم انتقل الى مدينة اُخرى هي " نصيبين " ثم الى مدينة " عمّورية " .

و في عمّورية عاش روزبه فترة من الزمن ، و كان أسقفها رجلاً صالحاً ، فقال لروزبه قبل أن يموت :

ـ انّ الله سيبعث نبياً في هذا الزمان يأتي بدين إبراهيم الخليل ، و انّه سيهاجر إلى أرض فيها نخيل كثير .

سأل روزبه :

ـ و ما هي علاماته ؟

ـ من علاماته انّه يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة و بين كتفيه خاتم النبوّة .

مات الأسقف الطيب و بقي روزبه وحيداً .

فكّر أن يهاجر إلى جزيرة العرب .

و ذات يوم مرّت قافلة تريد العودة إلى الحجاز ، فعرض عليهم كلّ ما يملك لقاء السفر معهم إلى مكّة .

و لكن التّجار لم يكتفوا بما أخذوه من أموال فصادروا حرّيته و باعوه إلى أحد اليهود كرقيق .

تألّم روزبه لهذا الغدر و لكنه صبر ، و راح يعمل باخلاص في بستان الرجل اليهودي .

و تمرّ الأيام ، و ذات صباح جاء من يهود بني قريظة لزيارة ابن عمه ، فرأى روزبه و انهماكه في العمل فقال لابن عمه :

ـ ارجو أن تبيعني هذا العبد .

فرح " روزبه " لأن بني قريظة يسكنون في مدينة يثرب المليئة بأشجار النخيل ، و هي المدينة التي قال أسقف " عمّورية " أن النبي الموعود سيهاجر اليها .

كان روزبه يعدّ الأيام مترقّباً ظهور النبي .

و ذات يوم و بينما كان يعمل في البستان سمع سيّده يتحدّث إلى أحد أصدقائه :

ـ لقد وصل محمّد منطقة " قبا " و قد استقبله بعض أهل يثرب هناك .

و شعر " روزبه " بالفرحة فقد حانت اللحظة التي كان ينتظرها منذ أعوام طويلة .

انتظر إلى المساء ، و عندما حلّ الظلام تسلل " روزبه " بعد أن أخذ معه كمية من التمر .

كانت المسافة بين " يثرب " و " قبا " تبلغ ميلين قطعهما " روزبه " بسرعة . و عندما وصل إلى " قبا " دخل على سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) و قال :

ـ سمعت بأنّك رجل صالح و معك أصحاب غرباء فأحضرت لكم هذا التمر صدقة .

وزّع سيّدنا محمّد التمر على أصحابه و لم يأكل منه .

قال روزبه في نفسه :

ـ هذه العلامة الاُولى .

و في اليوم التالي جاء مرّة اُخرى و معه كمية اُخرى من التمر أيضاً و قال لسيّدنا محمّد :

ـ هذه هدية .

تناول النبيّ التمر شاكراً و وزّعه على أصحابه و أكل منه .

فقال روزبه في نفسه :

ـ و هذه العلامة الثانية .

هكذا تأكّد " روزبه " ان هذا هو النبي الموعود فعانقه و أعلن إسلامه فسمّاه سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) " سلمان " .

الحرية

جاء الإسلام ليحرّر البشر من عبادة غير الله عزّ و جلّ ، فلقد وهب الله الإنسان نعمة الحرّية ، لهذا قال سيّدنا محمّد لأصحابه :

ـ أعينوا أخاكم سلمان على فكاك رقبته .

كان الرجل اليهودي قد اشترط على سلمان أن يغرس له ثلاثمائة نخلة .

جمع له إخوانه فسائل النخل ، و قام سيدنا محمد بغرسها فعاشت جميعاً .

و هكذا أنعم الله على سلمان بنعمة الحرية فعاش سعيداً مع سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

الدفاع عن المدينة

في شهر رمضان من العام الخامس للهجرة سمع المسلمون عن نيّة المشركين بغزو المدينة .

كان اليهود يخططون لذلك ، فقاموا بتحريض قريش و القبائل العربية على غزو المدينة و القضاء على الإسلام .

تمكّن اليهود من تحشيد عشرة آلاف مقاتل و أنفقوا من أجل ذلك مبالغ طائلة .

كان سيّدنا محمّد يستشير أصحابه في مواجهة المشاكل التي تعترض المسلمين .

اجتمع المسلمون في مسجد النبي ( صلى الله عليه و آله ) للتشاور .

كان الغزو الجديد يحمل أخطاراً كبيرة ، فالمسلمون لا يملكون العدد الكافي لمواجهة الأعداء ، و القوّات الإسلامية لا تتجاوز الألف مقاتل فقط ، بينما الغزاة عشرة آلاف مسلّحين بأفضل أنواع السلاح .

حار المسلمون في أمرهم و شعر البعض بالخوف . و كان المنافقون يخوّفون الناس و يبثّون الشائعات .

و بينما كان المسلمون يتبادلون الآراء لمواجهة الخطر القادم ، نهض سلمان فقال : ـ يا رسول الله كنّا في أرض فارس إذا غزانا العدوّ حفرنا الخنادق .

و كانت فكرة سلمان مفاجأة للجميع .

استبشر النبي ( صلى الله عليه و آله ) المسلمون جميعاً .

الخندق

كانت نقطة الضعف في شمال المدينة رأى سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) أن يكون طول الخندق خمسة آلاف متر تقريباً ، و بعرض تسعة أمتار ، أما عمقه فيكون سبعة أمتار .

و في اليوم التالي خرج المسلمون و هم يحملون أدوات الحفر . و لكي تكون عملية الحفر منظّمة و دقيقة أمر سيّدنا محمّد أن يشترك كل عشرة مقاتلين بحفر أربعين متراً من الخندق .

كان الفصل شتاءً و الرياح باردة جدّاً و المسلمون صائمون ، و مع كل ذلك كانوا يعملون بحماس و لا يصغون الى الشائعات التي يبثّها اليهود و المنافقون .

و كان سيّدنا محمّد يعمل بنشاط و يبثّ روح العزيمة في نفوس أصحابه و ينشد شعراً حماسياً لأحد أصحابه و هو عبد الله بن رواحة .

اللّهم لولا أنت ما اهتدينا .

و لا تصدقنا و لا صلّينا .

فأنزِلن سكينةً علينا .

و ثبِّت القلوب إن لاقينا .

الصخرة

كان سلمان يعمل مع اخوانه من المهاجرين و الأنصار . و ذات يوم اعترضت عملهم صخرة بيضاء قاسية .

حاول سلمان تحطيمها بمعوله فلم يستطع .

حاول أصحابه و لكنّهم عجزوا أيضاً ، و كانوا كلّما ضربوها تطاير منها الشرر .

فاستشار المسلمون سلمان في ذلك .

ذهب سلمان ليخبر سيّدنا بقصة الصخرة و ان يسمح لهم في تغيير اتجاه الحفر .

جاء النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) إلى منطقة الحفر و أخذ المعول من سلمان و نزل في الخندق ، و طلب منهم أن يحضروا بعض الماء .

صبّ النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) الماء فوق الصخرة ، و أمسك بالمعول و هتف ، بسم الله ، و ضرب الصخرة فانشق ثلثها .

هتف النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ الله اكبر أعطيت مفاتيح الشام و الله إني لأبصر قصورها .

و ضرب النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) الصخرة مرّة ثانية فقطع ثلثاً آخر و هتف :

ـ الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس و الله إني لأبصر قصر المدائن .

و ضرب مرّة ثالثة فقطع ما تبقّى من الصخرة فقال :

ـ الله أكبر اُعطيت مفاتيح اليمن و الله إني لأبصر أبواب صنعاء .

فرح المسلمون و استبشروا بنصر الله .

أما المنافقون فقد راحوا يسخرون و يقولون للمؤمنين :

ـ كيف تصدّقون بفتح بلاد فارس و الروم و اليمن و أنتم تحفرون الخندق في يثرب ؟‍

و لكن المؤمنين لم يكونوا يشكّون بنصر الله لأن الله ينصر عباده المخلصين .

استمر المسلمون في حفر الخندق ليل نهار مدّة شهر كامل .

و خلال تلك الفترة كان المسلمون يقومون بعمل آخر و هو نقل المحاصيل الزراعية إلى داخل المدينة ، لكي تساعدهم على تحمّل مدّة الحصار ، و حتى لا يستفيد منها العدوّ .

الحصار

وصلت جيوش " الأحزاب " بقيادة أبي سفيان . و عندما رأى المشركون الخندق تعجّبوا و قالوا :

ـ ان العرب لا يعرفون هذه المكيدة .

و عرفوا انّها فكرة سلمان الفارسي .

فرض المشركون الحصار على المدينة . . و كان أبو سفيان يبحث عن ثغرة في الخندق يمكن اقتحام الخندق منها و لكن لا فائدة .

و خلال مدّة الحصار تبادل المسلمون و المشركون إطلاق السهام .

و ذات يوم تمكّن فرسان المشركين من اقتحام الخندق و العبور إلى جبهة المسلمين .

أمر سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) بقطع الطريق على المقتحمين ، و نهض علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) لقتال قائدهم " عمرو بن عبد ودّ " و كان من أبطال المشركين .

و عندما توجّه الإمام علي لقتال عدوّ الإسلام دعا سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) له بالنصر و قال :

ـ اليوم برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه .

و انتصر فتى الإسلام على عدوّه ، و صاح المسلمون :

ـ الله أكبر . . الله أكبر .

و فرّ المشركون باتجاه الخندق فطاردهم فرسان الإسلام و قتلوا بعضهم .

الانتصار

فشل المشركون في عبور الخندق و طالت مدّة الحصار و نصر الله رسوله و المؤمنين ، فكانت العواصف العاتية تهبّ على جيوش الأحزاب فتقلع و تدخل في قلوبهم الخوف .

و ذات ليلة و بعد أن ملّ المشركون الحصار قرّر أبو سفيان الإنسحاب .

و في الصباح أرسل سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) حذيفة ليستطلع له جبهة العدوّ .

أخبر حذيفة رسول الله بهزيمة جيوش الأعداء .

عمّت الفرحة جيش الإسلام و شكروا الله على أن نصرهم على أعداء الدين و الإنسانية .

و عاد المسلمون إلى منازلهم فرحين بعد حصار بلغ شهراً كاملاً .

في مسجد النبي

اجتمع المؤمنون في مسجد النبي ( صلى الله عليه و آله ) يشكرون الله سبحانه و كانوا ينظرون بحبّ و احترام إلى الصحابي الجليل سلمان الذي أنقذ بخطّته المدينة المنوّرة و الإسلام من الغزاة .

لهذا قال الأنصار من أهل المدينة :

ـ سلمان منّا .

و صاح المهاجرون :

ـ سلمان منّا .

و نظر المسلمون إلى سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) ما يقول في سلمان .

قال النبيّ بحبّ :

ـ سلمان منّا أهل البيت . .

ثم قال ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ لا يقولوا سلمان الفارسي و لكن قولوا سلمان المحمّدي .

و منذ ذلك اليوم و المسلمون ينظرون إلى سلمان باحترام و إجلال .

الجهاد

لم يفارق سلمان سيدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) في الجهاد و الدفاع عن رسالة الإسلام ، فاشترك في جميع المعارك الإسلامية ، مع اليهود في " بني قريظة " و " خيبر " و كان في طليعة الذين بايعوا رسول الله تحت " الشجرة " و التي تدعى " بيعة الرضوان " و في فتح مكّة و معركة " حنين " و رافق النبي ( صلى الله عليه و آله ) في مسيرته إلى " تبوك " .

كان سلمان صادق الإيمان مخلصاً في جهاده ، حتى سمع المسلمون سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) يقول :

ـ إنّ الجنّة تشتاق إلى ثلاثة : عليّ و عمّار و سلمان .

ذات يوم كان سلمان يتحدّث الى أخويه بلال الحبشي و صهيب الرومي . كان منظرهم جميلاً فهم من ثلاثة بلدان مختلفة جمعهم الإسلام فأصبحوا إخواناً .

و في الأثناء مرّ أبو سفيان فنظر إليهم باستعلاء ، فهو ما يزال يفكّر بطريقة أهل الجاهلية ، فالعرب في رأيه أفضل من سائر الأقوام و الشعوب .

أما سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) فيقول :

ـ لا فرق بين عربي و أعجمي إلاّ بالتقوى .

أراد سلمان و بلال و صهيب أن يلقّنوه درساً و يذكروه بسماحة الإسلام فقالوا :

ـ ما أخذت السيوف من عدوّ الله ؟

سمع أبو بكر ذلك فقال لهم منزعجاً :

ـ أتقولون هذا لشيخ قريش و زعيمها ؟‍

ذهب أبو بكر ليخبر سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) بما قالوه .

و لكن سيّدنا محمّد قال له :

ـ هل أغضبتهم يا أبا بكر ؟ إن أغضبتهم أغضبت الله .

ندم أبو بكر على ما قاله لهم و عاد إليهم مسرعاً و قال :

ـ يا اخوتي لعلّي أغضبتكم .

أجابوا بتسامح الإسلام :

ـ لا يا أبا بكر يغفر الله لك .

وفاة النبي

في يوم الاثنين 28 صفر ، انتقل سيّدنا محمّد الى الرفيق الأعلى و حزن المسلمون و بكى سلمان .

كان سلمان يحبّ سيدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) كثيراً و كان يقتدي بسيرته و يسير في طريقه و يحفظ كلّ ما يسمعه منه .

لهذا كان سلمان يحبّ عليّاً لأن الله و يحبّه و رسوله ، و قد سمع أكثر من مرّة النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) يقول :

ـ عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ .

ـ أنت مني بمنزلة هارون من موسى و لكن لا نبيّ بعدي .

ـ من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه و عادِ من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله .

كان سلمان قد سمع هذه الأحاديث و غيرها ، و لهذا فهو يعتقد بإمامة علي و انّه خليفة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) بعده .

البيعة

بويع أبو بكر بالخلافة في سقيفة " بني ساعدة " و كان الإمام علي مشغولاً بتجهيز النبي ( صلى الله عليه و آله ) .

فوجئ الكثير من الصحابة بهذه البيعة و اعترضوا عليها ، لأن الخليفة الحقّ في رأيهم هو عليّ ( عليه السَّلام ) .

لهذا امتنع سلمان و أبو ذر و المقداد و عمّار بن ياسر و عبد الله بن عباس و الزبير بن العوام و قيس بن سعد و اسامة بن زيد و أبو أيوب الأنصاري و عبد الله بن مسعود و غيرهم من الصحابة .

و ظلّ الإمام علي على موقفه من البيعة إلى أن توفيت زوجته فاطمة الزهراء بنت سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

بايع الإمام ( عليه السَّلام ) أبا بكر من أجل الإسلام ، و كان سلمان ينتظر ، فقال له الإمام :

ـ بايع يا أبا عبد الله .

كان سلمان مطيعاً لله مطيعاً لرسول الله مطيعاً للإمام ، فبايع .

كان علي ( عليه السَّلام ) يحبّ سلماناً و يقول عنه :

ـ سلمان امرؤ منّا أهل البيت .

ـ من لكم بمثل لقمان الحكيم .

ـ قرأ الكتاب الأوّل و الكتاب الآخر أي الإنجيل و القرآن الكريم .

المدائن

شارك سلمان في معارك الفتح الإسلامي في بلاد فارس و كان يتقدّم المقاتلين بشجاعة نادرة .

و كان إلى جانب قائد الحملة على المدائن سعد بن أبي وقاص فعبر النهر بجواده .

قام بدور الترجمة بين المسلمين و أهل فارس ، فاستسلمت مدينة " إيوان " بدون إراقة الدماء .

عيّنه الخليفة عمر بن الخطاب والياً على المدائن فكان مثالاً للحاكم المسلم العادل .

كان المرتّب الذي يتقاضاه خمسة آلاف درهم و لكنه كان ينفقه جميعاً على الفقراء .

كانت حياته بسيطة فهو يشتري خوصاً بدرهم واحد فيصنع منه سلالاً يبيعها بثلاثة دراهم ، ينفق درهماً واحداً على عياله و يتصدّق بدرهم و يدّخر الدرهم الثالث ليشتري به " الخوص " .

كانت ثيابه بسيطة ، و كان المسافرون و الغرباء عندما يرونه يحسبونه رجلاً من فقراء المدائن .

و ذات يوم كان سلمان يمشي في السوق رآه أحد المسافرين و كان معه أمتعة فأمره أن يحملها .

تقدّم سلمان و حمل الأثقال و راح يمشي وراء الرجل .

كان الناس في الطريق ينحنون إجلالاً للأمير و يسلمون عليه باحترام .

تعجّب الرجل الغريب و سأل :

ـ من يكون هذا الرجل الفقير ؟

فأجابوه :

ـ هذا سلمان الفارسي صاحب رسول الله و أمير المدائن .

اندهش الرجل و تقدّم من سلمان معتذراً و طلب منه أن ينزل الأثقال .

رفض سلمان ذلك و قال :

ـ حتى أوصلك .

تأثّر الرجل و أدرك ان سلمان من أولياء الله .

الكوفة

بعد فتح المدائن كان المسلمون يبحثون عن مكان مناسب للسكنى ، فانطلق سلمان و حذيفة بن اليمان للبحث عن أرض تلائم طبيعة المسلمين .

وقع اختيارهما على أرض الكوفة فصلّيا فيها ركعات ، و منذ ذلك التاريخ نشأت مدينة الكوفة التي أصبحت عاصمة للدولة الإسلامية فيما بعد و مركزاً من مراكز العلم و المعرفة .

الجهاد مرّة اُخرى

أصبح عثمان خليفة المسلمين و يأتي قرار بعزله عن الولاية .

فرح سلمان و انطلق الى المدينة ليزور ضريح سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) و يصلّي في مسجده .

كان يحبّ حياة الجهاد دفاعاً عن دولة الإسلام فالتحق بصفوف المقاتلين في فتح مدينة " بلنجرد " و هي من مدن الخزر ( في تركيا ) و كانت له مواقف مشهودة .

العودة

أصبح سلمان شيخاً طاعناً في السنّ .

و يشعر بدنو أجله و هو راقد في فراش المرض ، و يأتي المسلمون لعيادته يدعون الله له بالشفاء .

كانوا ينظرون بحبّ إلى رجل قضى حياته زاهداً يحبّ الله و الناس .

و ذات صباح طلب من زوجته أن تحضر له صرّة . كان سلمان يحتفظ بها مند سنوات .

تساءلت زوجته عنها ، فقال سلمان :

ـ قال لي حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : اذا جاءك الموت حضر أقوام يجدون الطيب و لا يأكلون الطعام .

فتح الشيخ الصرّة و رشّها بالماء ففاحت روائح طيبة ملأت فضاء الحجرة .

طلب سلمان من زوجته ان تفتح الباب .

و مرّت لحظات نورانية و أغمض الشيخ عينيه ليرقد بسلام .

مرقده

في منطقة يقصدها السواح لمشاهدة آثار المدائن حيث يرتفع طاق كسرى ، يجد الزائر مقاماً كبيراً يدعى ( سلمان باك ) ، يضمّ مرقد الصحابي الجليل سلمان المحمدي . . سلمان ابن الإسلام البارّ .

ذلك الفتى الذي غادر أرض إيران و طاف المدن في تركيا و الشام و العراق و الحجاز ليموت في المدائن بعد حياة طويلة قضاها في الجهاد و الزهد و العبادة .

و لا ننسى أن نذكر أن أهل المدائن كانوا يدعونه سلمان باك . و باك كلمة فارسية تعني الطاهر .

نعم كان سلمان طاهر القلب و الروح ، و كان امرءاً من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً .

 

 

 

 

القرآن الكريم - سيرة أهل البيت ع - المجالس - اللطميات - فيديو - فلاشات - ثيمات - ويفات

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها