الذبيح

 

قصّة سيدنا اسماعيل عليه السلام

كمال السيد

هاجَر سيدنا ابراهيم من أرض النهرين[1] ، أخذ معه زوجته سارة و ابن خالته سيدنا لوط ( عليه السلام )، ذهبوا إلى مملكة الاقباط ، و هناك أهدى الملك فتاةً اسمها هاجر إلى سارة إكراماً لزوجة خليل الرحمن .

مضى سيدنا إبراهيم إلى فلسطين ، في الطريق و عندما وصلوا إلىقرية " سدوم " على سواحل البحر الميّت أمر سيدنا إبراهيم لوطاً أن يسكن في تلك القرية و يدعو أهلها إلى عبادة الله سبحانه .

أما سيدنا إبراهيم فقد واصل طريقه مع زوجته سارة و الفتاة هاجر إلى أرض فلسطين .

رأى سيدنا إبراهيم وادياً جميلاً تحيطه الراوبي و التلال فالقى رحله هناك .

و منذ ذلك التاريخ و قبل آلاف السنين سكن سيدنا إبراهيم الأرض التي تدعى اليوم بمدينة الخليل .

ضرب سيدنا إبراهيم خيامه في ذلك الوادي الفسيح و ترك ماشيته ترعى بسلام .

كان ذلك الوادي في طريق القوافل المسافرة ، لهذا كان يقصده الكثير من المسافرين فيجدون عنده الماء العذب ، و الطعام الطيب و الكرم و الاستقبال الحسن ، و يجدون عنده الكلمات الطيبة . .

كان سيدنا إبراهيم يتحدث مع ضيوفه ، و كان همّه أن يعبد الناس الله الواحد الأحد لا شريك له و لا معبود سواه .

و تمرّ الايام و الأعوام و عرف الناس إبراهيم الرجل الصالح الكريم . . عرفوا أخلاقه و كرمه و حبّه للضيوف ، عرفوا صلاحه و عبادته و تقواه . و عرفوا حبّه للخير و الناس .

البشرى :

و لكن من يدقق النظر في وجه سيدنا إبراهيم ( عليه السلام )يرى حزناً في عينيه . . لماذا ؟ لان سيدنا إبراهيم يحبّ الاطفال .

كان يتمنّى ان يكون له طفل . .

و ها هو الآن قد أصبح شيخاً كبيراً و أصبحت زوجته عجوزاً و لم يرزقا طفلاً يأنسا به و يملأ بفرحته خيمتهما ، أو يلعب مع الحملان و الخراف .

سارة زوجة سيدنا إبراهيم كانت تحبّ زوجها و لا تريد له أن يحزن ، لهذا قالت له ذات مساء .

ـ أنت تحبّ أن يكون لك أطفال و ذريّة .

قال سيدنا إبراهيم :

ـ انها مشيئة الله و إرادته و أنا راض بذلك .

قالت سارة المرأة الصالحة :

ـ أنا أحب أن يكون لنا طفل نرعاه و . . نحبّه و يحبّنا . .

ـ و لكن !!

ـ يا خليل الرحمن أعرف أنني قد أصبحت عجوزاً و لكن سأهب لك جاريتي هاجر . . تزوّجها فلعلّ الله أن يرزقنا منها أولاداً .

قال إبراهيم :

ـ أنا لا أريد أن تحزني بسببي يا سارة .

ـ لن أحزن يا خليل الرحمن . . سأفرح بفرحك .

و هكذا وهبت سارة جاريتها هاجر إلى زوجها إبراهيم فتزوّج سيدنا إبراهيم . .

 

و لم تمض تسعة اشهر حتى سُمع بكاء الطفل . . وفرح الجميع بميلاد إسماعيل .

الرحيل :

وهب الله سبحانه إبراهيم ولداً هو إسماعيل . كان طفلاً محبوباً ملأ قلب أبيه فرحاً ومسرَّة . لهذا كان يحتضنه ويقبّله و كان يقضي بعض أوقاته في خيمة أمّه هاجر .

سارة المرأة الصالحة كانت تحبّ سيدنا إبراهيم ، تحبّ أن يفرح زوجها . . و لكنها بدأت تغار من هاجر .  هاجر التي رزقت طفلاً أمّا هي فظلّت محرومة .

سارة لا تريد للغيرة أن تأكل قلبها . . لا تريد أن تكره أو تحقد على هاجر بسبب ذلك . .

من أجل هذا قالت لزوجها إبراهيم : انها لا تريد أن ترى هاجر بعد الآن . . لأنها اذا رأت هاجر فستغار منها وتحقد عليها وهي لا تريد أن تدخل النار بسبب ذلك .

الله سبحانه رؤوف بعباده . . كانت سارة محرومة من الأطفال تحمّلت العذاب والهجرة بسبب إيمانها بزوجها إبراهيم و هي صابرة طوال هذه السنين . . ظلّت مؤمنة بربها و برسوله إبراهيم .

إلى البيت العتيق :

و قضت مشيئة ربّنا سبحانه ان يأخذ إبراهيم هاجر و ابنها إسماعيل إلى أرض بعيدة في الجنوب .

امتثل سيدنا إبراهيم لأمر الله فشدّ الرحال إلى مكان مجهول لم يذهب اليه من قبل ..

و سار إبراهيم مع زوجته هاجر ، ومعها إسماعيل الطفل الرضيع سارا أيّاماً طويلة . . و في كل مرّة و عندما يرى سيدنا إبراهيم مكاناً جميلاً أو وادياً معشباً كان ينظر إلى السماء ، كان يتمنّى أن يكون قد وصل المكان الموعود .

و لكن الملاك يهبط من السماء و يخبره باستئناف المسير .

و هكذا كان سيدنا إبراهيم يسير ويسير ومعه زوجته هاجر و هي تحمل طفلها الرضيع .

و بعد أيام طويلة وصلوا أرضاً جرداء عبارة عن وادٍ ليس فيه سوى الرمال ، وبعض شجيرات الصحاري الجافّة .

في ذلك المكان هبط الملاك و اخبر سيدنا إباهيم بانه قد وصل الأرض المقدسة .

نزل إبراهيم في ذلك الوادي . . كان وادياً خالياً من الحياة ليس فيه نهر و لا نبع و لا يعيش فيه إنسان .

إنها إرادة الله أن يعيش الصبي إسماعيل و امّه في هذا المكان .

الوداع :

قبّل سيدنا إبراهيم طفله الوديع إسماعيل . . بكى من أجله .

على إبراهيم أن يعود و يترك هاجر و ابنها في هذا المكان الموحش بكى إبراهيم من أجلها و هو يبتعد عائداً إلى فلسطين .

التفت هاجر حواليها لم تر شيئاً سوى الرمال وسوى صخور الجبال الصماء . . قالت لزوجها :

ـ أتتركنا هنا . . في هذا الوادي الموحش ؟!

ـ لقد أمرني الله بذلك يا هاجر .

كانت هاجر امرأة مؤمنة عرفت ان الله رؤوف بعباده ويريد لهم الخير و البركات .

قالت لابراهيم :

ـ ما دام ان الله قد أمرك فهو كفيلنا و هو يرعانا . . انه لا ينسى عباده .

ابتعد إبراهيم بعد ان ودّع ابنه و زوجته .

وقف فوق التلال و نظر إلى السماء و ابتهل إلى الله أن يحفظهما من الشرور .

الماء ! الماء !

اختفى إبراهيم في الافق البعيد . لم تعد هاجر تراه ، أمّا إسماعيل فلم يكن يعلم ماذا يجري حوله . .

فرشت هاجر لابنها جلد كبش ، وقامت لتصنع لها و لطفلها خيمة صغيرة .

كانت تعمل بكل طمأنينة ، و كأنها في بيتها . . كانت تؤمن أن هناك من يرعاها و يرعى و ليدها . في النهار تجمع بعض الحطب و في المساء توقد النار و تصنع لها رغيفاًً تتعشّى به ، و كانت تسهر معظم الليل و هي تنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم .

مضت عدّة أيام و هاجر على هذه الحال . . نفد ما معها من الماء . . لم يبق في القربة حتى قطرة واحدة .

نفد الماء كلّه . . لم تبق منه قطرة واحدة . . الوادي الموحش يملأه الصمت .

راحت هاجر تدير بصرها في جنبات الوادي . . و لكن لا شيء ، ايقنت ان هذه أرض جرداء خالية من الماء . . لم يمرّ بها انسان من قبل و لا يطير في سمائها طائر . .

بكى إسماعيل الطفل الرضيع كان عطشاناً يبحث عن قطرة ماء . . انه لا يدرك ما يجري حوله . .

لا يدري في أي مكان هو في هذه الأرض .

نظرت امّه اليه باشفاق . . ماذا تفعل . .من أين لها أن تأتي بالماء في هذه الصحراء ؟!

فجأة تفجَّرت في قلبها إرادة الأمومة . . لابدّ ان تفعل شيئاً . . لا بد أن يوجد في هذه الأرض ماء و لو قطرة . .

لعل في خلف هذا الجبل غدير أو نبع . . لعل خلف ذاك التلّ بئر حفره إنسان طيّب من أجل القوافل المسافرة .

نهضت هاجر . . نظرت حواليها لتتأكد من عدم وجود ذئب أو ضبع يفترس ابنها الرضيع . . لا شيء سوى شجيرات الشوك هنا و هناك . . ركضت هاجر باتجاه جبل الصفا .

كانت تركض بعزم و أمل و كان هناك خوف في قلبها . . فقد يختطف الذئب صغيرها الظامئ إسماعيل . .

كان صراخ إسماعيل يدوّي في أذنها . .

 

ارتقت هاجر قمّة الجبل . . فنظرت في الوادي . . رأت ما يشبه تموجات الماء . . انحدرت باتجاه الوادي . .

و لكن لا شيء لم تكن هناك غير الرمال . . لقد كان مجرد سراب ما رأته في قلب الوادي . .

عادت هاجر تركض نحو طفلها إسماعيل . . ما يزال يبكي يصرخ يريد ماءً . . نظرت إلى جبل المروة في أمل . . لعل هناك ماءً . .

راحت تركض باقصى سرعة . . و كانت الرمال تتطاير تحت قدميها . .

تراءى لها ما يشبه الماء . . ركضت . . ركضت . . ركضت . . بسرعة . . و لكن لا شيء سوى السراب . . انقطع بكاء إسماعيل غاب عن بصرها . .

عادت بسرعة . . رأته من بعيد يبكي . . ما يزال يطلب الماء . . و ربّما كان يبحث عن أمّه . . كان خائفاً . .

راحت هاجر تعدو بين جبل الصفا و جبل المروة تبحث عن ماء لوليدها إسماعيل . . سيموت من الظمأ ، سيموت من العطش . . نظرت إلى السماء صاحت من كل قلبها : يا رب :

ارتقت جبل المروة غاب إسماعيل عن بصرها . . انقطع بكاؤه . . خافت هاجر ربّما يكون قد مات . . ربّما افترسه ذئب جائع . .

أقبلت تعدو بكل ما أُتيت من قدرة رأت من بعيد إسماعيل هادئاً كان يحرّك يديه و قدميه و كان هناك نبع قد تفجّر عند قدميه الصغيرتين .

نظرت هاجر إلى السماء و هي تبكي ، لقد استجاب الله دعوتها فتدفق الماء من قلب الرمال . .

أسرعت هاجر لتصنع حوضاً حول الماء . . ليكون فيما بعد بئر زمزم التي يشرب منها الظامئون .

قبيلة جرهم :

شمّت الطيور رائحة الماء فراحت تدور حول النبع سعيدة . .

هاجر فرحت بمنظر الطيور البيضاء و هي تحلق في سماء الوادي .

إسماعيل أيضاً كان سعيداً و هو يراها تلعب في الفضاء .

كان السكان في تلك الصحاري يعيشون حياة الرحّل . . ذات يوم مرّت قبيلة جرهم قريباً من الوادي فرأى الناس طيوراً تحلق في السماء . .

عرفوا أنّ في ذلك الوادي ماءً . . لهذا توجهوا نحوه . .

عندما انحدرت قوافلهم في الوادي شاهدوا منظراً عجيباً لم يكن هناك سوى امرأة مع ابنها الرضيع . .

قالت لهم المرأة : أنا هاجر زوجة إبراهيم خليل الرحمن .

كان افراد قبيلة جرهم أُناساً طيبين . . قالوا لهاجر :

ـ هل تسمحين لنا في السكن في هذا الوادي ؟

السيدة هاجر قالت لهم : حتى استأذن لكم خليل الرحمن .

ضرب أفراد جرهم خيامهم قريباً من الوادي ريثما يأتي سيدنا إبراهيم فيستأذنوه . .

جاء سيدنا إبراهيم و رأى مضارب الخيام . . رأى قطعان الماشية و الجمال لهذا فرح بقدوم تلك القبيلة العربية .

و منذ ذلك الوقت استوطنت قبيلة جرهم الوادي وعاش إسماعيل و هاجر حياة طيبة . .

أفراد القبيلة قدّموا لاسماعيل كثيراً من الخراف ، و ضربوا له و لوالدته خيمة جميلة تقيهم حرّ الشمس في الصيف و تحميهم من المطر في الشتاء . .

كبر إسماعيل و تعلّم لغة العرب . . كان فتى طيباً ورث أخلاق أبيه إبراهيم وتأثَّر بأخلاق العرب الطيبين تعلّم منهم الكرم و الضيافة و الشجاعة و الفروسية .

الكعبة . . رمز التوحيد

الله ربّنا أمر سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) أن يبني بيتاً و مسجداً يكون رمزاً للتوحيد و مكاناً لعبادة الله .

قال سيدنا إبراهيم لولده :

إنّ الله يامرني أن ابني بيته فوق هذا التل الصغير !

لبّى إبراهيم أمر الله و لبى إسماعيل دعوة أبيه إبراهيم لبناء بيت الله .

كان على إبراهيم الشيخ الكبير و إسماعيل الفتى أن ينهضا بهذه المهمة الشاقة .

عليهما أولاً أن ينقلا الصخور المناسبة للبناء من الجبال المحيطة بالوادي .

و كان عليهما أن يجمعا التراب و يوفرا الماء الكافي لصنع " الملاط " اللازم في بناء البيت .

و هكذا بدأ البناء نقلوا أوّلاً الصخور من الجبال المحيطة بالوادي و صنعا حوضاً للماء و جمعا التراب .

كان الفتى إسماعيل يتولّى حمل الصخور . . كان ينتخب الصخور الصلبة لتكون أساساً قوياً في البناء . .

جمع كثيراً من الصخور الخضراء اللون . . ثم صبَّ الماء في حوض التراب ليصنع طيناً لزجاً يشدّ الصخور إلى بعضها .

كان سيدنا إبراهيم يرصف الصخور الخضراء الواحدة بعد الاخرى ليبني أساس البيت . .

أمّا إسماعيل فكان يناول أباه الصخور . .

في كل يوم كانا يبنيان سافاً واحداً ، ثم يعودا في اليوم التالي لبناء ساف آخر و هكذا .

في كل يوم كان البناء يرتفع قليلاً . . و في كل يوم كان إبراهيم و إسماعيل يطوفان حول البناء و يقولان : ربّنا تقبل منّا انك أنت السميع العليم .

ارتفع البناء في الفضاء تسعة أذرع أي ما يقرب من الثمانية أمتار رأى سيدنا إبراهيم فراغاً في زارية البيت العليا .

في تلك الليلة كانت الشهب تتوهّج في السماء و سقط نيزك فوق سفوح الجبال القريبة .

في الصباح انطلق سيدنا إبراهيم إلى الجبل المطلّ على الوادي وقعت عيناه على حجر ابيض مثل الثلج كان حجراً بحجم الفراغ . . لهذا حمله سيدنا إبراهيم و وضعه في مكانه .

انتهى بناء البيت . . بيت الله الحرام ليكون أول بيت يعبد فيه الله وحده لا شريك له .

 

كان للكعبة بابان باب باتجاه الشرق ، وباب باتجاه الغرب جمع سيدنا إبراهيم نباتاً طيب الرائحة يدعى " الأذخر " فوضعه على الباب ، وجاءت هاجر أم إسماعيل و أهدت إلى الكعبة كساءً .

الحج الابراهيمي :

انطلق سيدنا إبراهيم إلى الجبل و ارتقى القمّة ثم هتف بأعلى صوته يدعو الاجيال البشرية إلى حج البيت العتيق .

سمعت قبيلة جرهم و القبائل العربية المجاورة نداء إبراهيم خليل الرحمن .

لم يحج ذلك العام سوى سيدنا إبراهيم و إسماعيل و هاجر .

هبط الملاك جبريل يُعلّم سيدنا إبراهيم مناسك الحج .

اغتسلوا بمياه زمزم و ارتدوا ثياباً بيضاء ناصعة و بدأوا طوافهم حول الكعبة سبع مرات ، و أدّوا الصلاة و دعوا الله أن يتقبل منهم أعمالهم . .

و بعدها انطلقوا لقطع الوادي بين جبلي الصفا و المروة و تذكرت هاجر تفاصيل ذلك اليوم قبل أكثر من اثني عشر عاماً عندما كان إسماعيل صبياً في المهد .

تذكّرت بكاءه و بحثها عن الماء . . تذكّرت كيف قطعت هذا الوادي الموحش سبعة أشواط تبحث عن الماء و كيف توجهت بقلبها إلى السماء ؟

و كيف تدفق الماء عند قدمي إسماعيل ؟!

الله ربّنا أراد لهذه الحوادث ان تبقى في ذاكرة البشر ، يتذكّروا دائماً ان الله سبحانه هو وحده القادر على كل شيء .

صعد سيدنا إبراهيم و ابنه إسماعيل جبل الصفا و نظر إلى بيت الله بخشوع و هتفا :

ـ لا اله الاّ الله وحده لا شريك له . . له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير .

القربان :

هبط الملاك جبريل و أمر سيدنا إبراهيم ان يتزوّد بالماء ثم يذهب إلى جبل عرفات و منى ، و من ذلك الوقت سمّي يوم الثامن من ذي الحجة الحرام بيوم التروية .

أمضى سيدنا إبراهيم ليلته هناك . . نظر إلى السماء المرصّعة بالنجوم .

نظر إلى ما خلق الله من الكواكب التي تشبه المصابيح فسجد لله الخالق البارئ المصور له اللاسماء الحسنى يحيي ويميت و هو على كل شيء قدير .

أغمض سيدنا إبراهيم عينيه و نام . . في عالم المنام رأى سيدنا إبراهيم شيئاً عجيباً‍!!‍ ‍‍

رأى نفسه يذبح ولده إسماعيل . . إنتبه من نومه . .كانت السماء ما تزال زاخرة بالنجوم و رأى ابنه نائماً عاد سيدنا إبراهيم إلى نومه . .

مرّة أخرى تكررت ذات الرؤيا . . رأى نفسه يذبح ابنه و يقدمه قرباناً إلى رب العالمين !!‍‍‍‍

استيقظ سيدنا إبراهيم و قد انفلق عمود الفجر . . توضأ و صلى . . و استيقظ إسماعيل فتوضأ و صلى طلعت الشمس و غمرت التلال بالنور .

كان سيدنا إبراهيم حزيناً . . ان الله عزوجل يمتحنه مرّة أخرى . . يمتحنه هذه المرّة يذبح ابنه . . ماذا يفعل ؟

لو أمره الله سبحنه بان يقذف نفسه في النار لفعل ، و لكن ماذا يفعل في هذه المرّة عليه أن يذبح ابنه ؟! ترى ماذا يفعل ؟ هل يخبر ابنه بذلك هل يذبحه عنوة و اذا أخبر ابنه هل يقبل ابنه بالذبح ، هل يتحمل إسماعيل آلام الذبح ‍؟

إسماعيل رأى أباه حزيناً فقال له :

ـ لماذا أنت حزين يا أبي ؟

قال سيدنا إبراهيم :

ـ هناك أمر أقلقني . . يا بني إنّي ! أرى في المنام أنّي أذبحك فماذا ترى ؟

أدرك إسماعيل أن الله سبحانه يأمر رسوله إبراهيم أنّ يضحي بولده . . إسماعيل كان يحب أباه كثيراً يعرف أنّ أباه لا يفعل شيئاً الاّ بأمر ربّه . . انه خليل الرحمن الذي امتحنه الله عندما كان فتى في بابل و حتى بعد أن أصبح شيخاً كبيراً .

عرف إسماعيل أن الله يمتحن خليله إبراهيم . . لهذا قال له :

ـ يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين .

سيدنا إبراهيم فرح بذلك كان إسماعيل ولداً بارّاً مطيعاً و مؤمناً بالله و رسوله .

الذبيح :

أخذ سيدنا إبراهيم مدية و حبلاً و ذهب إلى أحد الوديان القريبة . .

كان إسماعيل يرافق أباه ساكتاً يهيّأ نفسه للحظة الذبح ويدعو الله أن يمنحه الصبر لتحمل الآلام في سبيله . .

هاجر عندما رأت سيدنا إبراهيم و إسماعيل قد انطلقا نحو الوادي فكّرت انهما ذهبا لجمع الحطب . .

وصل سيدنا إبراهيم و إسماعيل الوادي . .

نظر إسماعيل إلى أبيه كانت عيناه مليئتان بالدموع . . هو أيضاً بكى من أجل ابيه الشيخ ـ فأراد أن ينهي الأمر بسرعة قال لأبيه :

ـ يا أبي احكم و ثاقي ، و اكفف ثيابك حتى لا تتلطخ بالدم فتراه أمي . . يا أبي و اشحذ السكين جيداً و أسرع في ذبحي فان آلام الذبح شديدة .

بكى سيدنا إبراهيم و قال :

ـ نِعْمَ العون أنت يا بني على أمر الله .

أحكم سيدنا إبراهيم الوثاق على كتفي إسماعيل . . كان إسماعيل مستسلماً تماماً لأمر الله .

اغمض عينيه . . سيدنا إبراهيم أمسك بجبين ولده و أحناه إلى الارض .

جثا إسماعيل الفتى بهدوء كان يودع الحياة ، يودع أمه و أباه . . وضع سيدنا إبراهيم السكين على عنق إسماعيل . . لحظة واحدة و ينتهي كل شيء .

ماذا حصل في تلك اللحظات المثيرة ؟! هل ذُبح إسماعيل ؟ كلاّ .

سمع سيدنا إيراهيم نداءً سماوياً . . يأمره بذبح كبش فداءً لاسماعيل . .

نظر سيدنا إبراهيم إلى جهة الصوت . . فرأى كبشاً سميناً ينزل من فوق قمة الجبل . . كان كبشاً أملح له قرون !

حلَّ سيدنا إبراهيم الوثاق عن ابنه إسماعيل . . ثم قدَّم الكبش و ذبحه باسم الله و قدّمه قرباناً إلى ربّنا الرحيم .

و من ذلك اليوم أصبح تقديم الاضاحي من مناسك الحج .

 

المسلمون في كل مكان يذهبون لزيارة بيت الله . . البيت الذي بناه إبراهيم و إسماعيل لعبادة الله . . يطوفون حوله و يمجّدون اسمه . . و يسعون بين الصفا و المروة كما سعت هاجر من قبل ، و يُقدِّمون القرابين كما قدّم إبراهيم قرباناً من قبل . . يفعلون ذلك لأنهم على دين إبراهيم و دين سيدنا إبراهيم هو دين الاسلام الحنيف .

أنا ابن الذبيحين :

هل تعلمون من قال هذه العبارة ؟

إنّه سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) لماذا ؟ لان سيدنا محمد من ذريّة إسماعيل ( عليه السلام ) فقد عاش سيدنا إسماعيل ( عليه السلام ) و تزوّج و أصبحت له ذرّية . .

و من ذرّيته عبد المطلب جدّ سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) و هو الذي حفر زمزم و في عهده هاجم الجيش الحبشي مكّة لتدمير الكعبة فدعا عبد المطلب الله سبحانه أنا يحمي البيت الحرام من شرّ الأعداء و استجاب الله دعاء حفيد إبراهيم و إسماعيل و أرسل طيراً أبابيل قصفت جيش ابرهة الحبشي و مزقته . .

دعا عبد المطلب الله سبحانه ان يرزقه عشرة بنين و نذر إن رزقه الله ذلك أن يذبح أحدهم قرباناً لله . .

 

الله سبحانه رزق عبد المطلب عشرة أبناء . . فقال عبدالمطلب :

ـ لقد رزقني الله عشرة أبناء و عليّ أن أفي بالنذر .

اقترع عبد المطلب بين بنيه العشرة فخرجت القرعة على عبد الله والد سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) فأراد عبد المطلب أن يذبح ابنه وفاءً بنذره .

أهل مكّة كانوا يحبّون عبد الله كثيراً لهذا قالوا لعبد المطلب : لا تذبح إبنك و اقرع بينه و بين الابل . . و اعط ربّك حتى يرضى . .

و هكذا كان عبد المطلب بقرع بينه و بين عشرة من الابل فتخرج القرعة على عبد الله حتى أصبح عدد الابل مئة و عندها خرجت القرعة على الابل . . لقد رضي الله بالفداء .

 

فأمر عبدالمطلب بالابل ان تنحر و أن يوزع لحومها على الفقراء و الجياع .

لقد كان عبد الله على وشك أن يذبح و لكن الله رضي بفدائه فهو كإسماعيل الذي افتداه الله بذبح عظيم .

لهذا كان سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يقول : أنا ابن الذبيحين ، لأنه ابن عبد الله بن عبد المطلب الذي هو من ذريّة ذبيح الله إسماعيل .

و اليوم عندما يذهب المسلمون كل عام إلى مكّة لأداء مراسم الحج فانهم يتذكرون جميعاً قصة إسماعيل ذلك الفتى البار المطيع لله و لرسوله .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }[2] .


 

[1]  العراق .

[2]  سورة الصافات ( 37 ) ، الآيات : 83 ـ 110 .

 

 

 

 

القرآن الكريم - سيرة أهل البيت ع - المجالس - اللطميات - فيديو - فلاشات - ثيمات - ويفات

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها