" قصة سيدنا هود
( عليه
السلام )
"
تأمل
في خارطة شبه الجزيرة العربية تجد منطقة صحراوية واسعة في الشرق انها منطقة الربع
الخالي . . . منطقة خالية من كل آثار الحياة فلا نبات و لا مياه . . .
و
لكن هل كانت هذه المنطقة صحراء قبل آلاف السنين ؟
كلاّ
كانت في هذه الأرض الموحشة مناطق خصبة و خضراء ، و قد وجد علماء الآثار أطلال مدينة
مطمورة تحت الرمال .
في
هذه المنطقة و في عصور ما قبل التاريخ عاشت قبائل " عاد " القوية و هي قبائل من
العرب البائدة . . لم يذكر عنها التاريخ شيئاً الاّ ما ورد في القرآن الكريم .
عاشت
قبائل عاد في تلك المنطقة المعشبة الخضراء . . و كانت السماء تمطر في المواسم .
فتخصب الأرض و تمتلأ السواقي و الغدران و تزداد الحقول بهجة .
و
هكذا امتلأت أرضهم بالنخيل و العنب و الحقول و توسعت بساتينهم .
اهتم
الناس آنذاك بالبناء فكانوا يتفنّنون في العمارة و بناء القصور و القلاع و الحصون .
كانوا أقوياء مغرورين . . أبطرتهم النعمة . . لم يعودوا يستمعون لصوت العقل . .
كانوا وثنيين يعبدون التماثيل . . ينحتونها بأنفسهم ثم يعبدونها .
و هم
يبنون معابدهم فوق التلال ثم يضعون فيها تمثالاً و يقولون هذا إله الخصب ، و هذا
إله البحر ، و ذاك إله البر ، و هناك إله الحرب .
لهذا
كانوا يتجهون إلى تلك الأصنام في كل حاجة تعرض لهم .
كانت
أرض الاحقاف خضراء مليئة بالمراعي فكثرت ماشيتهم و أصبحوا اكثر ترفاً و بذخاً و
غروراً .
تصوّروا ان كل هذا الخير هو من بركات الآلهة . . لهذا انغمسوا في وثنيتهم اكثر .
ازداد ظلمهم للأبرياء ، و ازداد بطشهم بمن لا يسايرهم في عقائدهم و حياتهم .
الناس الطيبون كانوا يعيشون خائفين . . كانوا أقليّة ضعيفة و كانت أسباب القوّة في
أيدي الأغنياء . . و الأغنياء كانوا جميعاً من الأقوياء . . فهم طوال القامة
عضلاتهم مفتولة ، و قلوبهم قاسية كأنها منحوتة من الصخر .
في
ذلك الزمن و في تلك البقعة من دنيا الله الواسعة عاش سيّدنا " هُود " .
كان
انساناً صالحاً طيب القلب محبّاً الخير . . الله سبحانه اختاره نبياً و بعثه رسولاً
إلى قومه .
أعلن
سيدّنا " هُود " دعوته إلى عبادة الله الواحد الأحد و نبذ الأصنام و الأوثان و
الآلهة لأنها مجرّد حجارة لا تضر و لا تنفع .
كان
سيّدنا هود شجاعاً لم يخف من الوثنيين . . كانوا أقوياء في الجسم و لكن هوداً كان
قويّاً في إرادته و روحه . . انه مع الله و الله معه . . و الله أقوى من كل شيء .
الناس الطيبون آمنوا برسالة هود كانوا قليلين جداً .
الأقوياء المترفون سخروا من هود و من رسالته و قالوا انّه رجل سفيه مجنون ، و راح
أهل عاد يؤذون النبي و يهدّدونه .
استمر سيّدنا هود في دعوته و كان يعظ قومه دائماً يذكّرهم بنعمة الله و بركاته و
لكن لا فائدة . .
كانوا يتصوّرون ان الآلهة هي التي ترزقهم . . هي ترسل المطر ، و تنبت العشب و تبارك
في ماشيتهم فتتكاثر و تزداد و تنمو . .
لهذا
قالوا ان هوداً مجنوناً و أن الآلهة فد لعنته – كانوا هم أيضاً يخوفون هود من سوء
العواقب اذا ما استمر في دعوته .
قالوا له :
ـ :
ان الآلهة ستعاقبك .
سيّدنا هود كان يتحدّى جبابرة عاد و يتحدّى آلهتهم أيضاً .
ظلّ
هود مستمراً في رسالته ، و عجز الجبابرة من فعل شيء تجاه سيّدنا هود .
أصبح
أهل " عاد " قسمين ، قسم آمن بالله و اليوم الآخر و هم افراد قلائل جداً . . و قسم
كفروا برسالة هود و ظلّوا على بغيهم و فسادهم و ضلالهم .
لم
يعد هناك أمل في اصلاحهم ظلّوا سادرين في ضلالهم .
القحط و الجفاف
:
جاء
موسم المطر . . و لكن السماء لم تمطر . . كانت الغيوم تمرّ في سماء الاحقاف و ترحل
بعيداً . . أو كانت تتجمع ثم تتبدد . . كان أهل عاد يعيشون على المراعي و الزراعة و
ما تهبهه البساتين من الفاكهة .
مرّ
ذلك العام دون مطر .
نقصت
محاصيلهم . . و بعض الماشية نفقت بسبب الجوع و ماتت بعض الأشجار . .
أهل
عاد اتجهوا إلى أوثانهم يعبدونها و يقدّمون لها القرابين . . و لكن دون جدوى .
حل
الموسم الآخر . . و تجمعت الغيوم . . أهل عاد فرحوا و استبشروا كانت الغيوم سوداء .
. قال بعضهم أنها مثقلة بالمطر الغزير و لكن تلك الغيوم سرعان ما تفرّقت .
ضاعفوا عدد القرابين . . و لكن الغيوم كانت تظهر و تختفي و كانت الرياح التي تهب
تحمل لهم الرمال فقط . .
الايمان يعني
الخصب :
جاء
سيّدنا هود و وعظ قومه . قال لهم انا احبكم . . أريد لكم الخير قال لهم : { .. يَا
قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء
عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ }.
لم
يستمع أهل عاد إلى موعظة رسول الله اليهم ، أعرضوا عنه و هدَّدوه و توعَّدوه ، و
انصرفوا إلى ذبح القرابين و تقديمها إلى الآلهة . .
و
مضى موسم المطر ، و لكن لم تنزل قطرة واحدة و اجتاح الجفاف مناطقهم .
تحوّلت أرضهم الخضراء إلى صحراء . . نفقت ماشيتهم و ذبلت اشجارهم . .
و
حلَّ العام الثالث . . كان عاماً عصيباً جداً أصبحت المياه نادرة جداً الا مايكفي
لسقي الماشية فقط اما الحقول فقد ظلّت دون ماء .
في
كل يوم كانوا يخرجون إلى معابدهم يعبدون الاصنام و يتضرعون اليها و كان سيّدنا هود
ينصح قومه يدعوهم إلى الايمان بالله عز و جل لأنه هو وحده القادر على كل شيء . .
أما الأصنام فلا قيمة لها لأنها مجرّد حجارة . .
إرم المدينة
العجيبة :
كان
أهل عاد قد بنوا في تلك الفترة أعظم مدينة في العالم هي مدينة إرم " التي لم يخلق
مثلها في البلاد " .
كانت
مليئة بالقصور و الحدائق و البساتين . . و كان " شدّاد " الرجل الجبّار الوثني هو
الذي أمر ببنائها لتكون جنّة يعيش فيها . .
كان
يتصوّر أنه سيبقى خالداً و أنه لن يموت . . لقد كان قويّاً جداً تصوّر أنه سيبقى
حيّاً إلى الأبد .
عاصفة الدمار :
حل
الموسم الثالث لهطول المطر . . و لكن لا شيء سوى الجفاف ، و ساد القحط . . و كانت
الرياح تهبّ فتدفع أمواج الرمال باتجاه الوديان التي كانت ذات يوم خضراء .
ضربت
المجاعة أرض الاحقاف . . و ما زال سيّدنا هود يدعوهم إلى الايمان و نبذ الأصنام . .
الله
سبحانه هو القادر هو الذي يرسل المطر فيحيي الأرض بعد موتها . . الله عز و جل هو
الذي يبعث الخصب في الوديان و السهول . .
الأصنام و الأوثان حجارة صمّاء لا تضرّ و لا تنفع . .
و
لكن قبائل عاد لم تؤمن برسالة هود . . الناس كانوا يطيعون الجبابرة .
امّا
هود فلم يؤمن به أحد الاّ بعض الناس الطيبين . . في الموسم الثالث خرج سكان الاحقاف
ينظرون إلى السماء . . كانوا ينتظرون الغيوم و المطر . .
السماء كانت صافية زرقاء و لا أثر للغيوم . . الوثنيون فكروا بتقديم المزيد من
القرابين . . فقد ينقذهم إله الخصب من القحط و الجفاف . . و لكن لا شيء .
جاء
سيّدنا هود و وعظهم للمرّة الأخيرة . . نصحهم بالتوبة و العودة إلى الله . . الله
وحده الذي يرسل المطر و يبعث الخصب .
و
لكن قوم عاد نهروا سيّدنا هوداً و قالوا له : اذهب ايها المجنون انت رجل كذّاب . .
ليرسل ربّك علينا العذاب اذا كنت صادقاً . . اننا لن نترك آلهتنا . . الهتنا هي
التي ترزقنا و ترسل لنا المطر و تبعث الخصب في أرضنا و تبارك في ماشيتنا ان الآلهة
لن تنسى ذلك .
كان
سيّدنا هود حزيناً من أجل قومه كان يريد لهم أن يؤمنوا حتّى يعيشوا حياة كريمة
هانئة . .
مرّت
ساعات . . ظهرت في الأُفق غيوم سوداء رهيبة . . كانت الغيوم تزحف شيئاً فشيئاً حتى
غطّت سماء الأحقاف كلّها . .
فرح
أهل عاد بالغيوم . . قالوا :
لقد
استجابت الآلهة دعاءنا . . فارسلت لنا غيوماً مثقلة بالمطر . . سوف تخصب الوديان و
تعود الخضرة إلى البساتين .
قال
سيّدنا هود و هو يرى نذر العذاب . .
كلاّ
بل هو ما استعجلتم ريح فيها عذاب أليم تدمّر كل شيء ، أوى سيّدنا هود إلى الجبل و
لجأ المؤمنون . . و أصبح العذاب قاب قوسين أو ادنى . . كان الوقت يمرّ و كان
الوثنيون يحدّقون في الغيوم السوداء المتراكمة كانوا ينتظرون المطر . . و لكن دون
جدوى .
بدأ
هبوب الرياح البادرة سوف تنقض العاصفة المدمّرة . . في السماء اشتعلت البروق و
انقضّت الصواعق الرهيبة و دوّت الرعود . . كان صوت الرعد هائلاً مخيفاً انخلعت له
قلوب الكافرين .
أصيب
الوثنيون بالهلع و فرّوا إلى منازلهم كانوا ينظرون بياس إلى الغيوم .
لم
يفكّروا بكلمات سيّدنا هود لم يفكّروا بمواعظه و نصائحه كانوا ينظرون إلى تلك
التماثيل الحجرية فقط . . كانوا يعتقدون ان تلك الحجارة الصمّاء هي التي ترزقهم و
تمنحهم الخير و البركة و النماء .
بدأت
عاصفة الغضب السماوي . . كانت الرياح عنيفة و جافة و كانت قارسة البرد . .
لم
تكن رياحاً تحمل السحب و لا المطر كانت طوفاناً من البرد الشديد و الرمال الكثيفة .
مرّت
الساعات مخيفة و العاصفة لم تهدأ أبداً و كانت أمواج الرمال تزحف باتجاه الوادي .
كان
قوم عاد مغرورين بقوّتهم . . كانوا يتصوّرون أنهم سيتغلبون على القحط و الجفاف و
العاصفة .
تصوّروا ان العاصفة ستهدأ في الليل أو في صباح اليوم التالي .
بدأت
الرياح المدمّرة هبوبها صباح الاربعاء و ظلّت تعصف بعنف مدّة سبع ليال و ثمانية
أيام .
لم
تهدأ و لم تتوقف إلاّ في صباح الأربعاء . . لم تهدأ الاّ بعد أن طمرت الوادي الخصيب
بالرمال و اندثرت مدينة إرم العجيبة . . تحطمت المنازل و تهاوت الأعمدة المرمرية
الهائلة امّا أُولئك الرجال الذين كفروا برسالة هود
(
عليه السلام )
فقد سقطوا فوق الرمال . . كانوا طوال القامة لهذا بَدَو مثل جذوع النخل اليابسة . .
أمّا
التماثيل فسقطت على وجوهها و تحطمت و تحولت تلك المعابد الوثنية إلى أنقاض . .
لقد
حلّت اللعنة عليهم . . كانوا طغاة جبارين ليست في قلوبهم ذرة من الرحمة . . كانت
حياتهم كلها عبث في عبث . . حتى عندما كانوا يبنون قصورهم كانوا يفعلون ذلك لمجرّد
العبث .
لم
يكونوا يستفيدون منها أبداً ، لهذا غضب الله عليهم بسبب كفرهم و اضطهادهم للمؤمنين
.
من
أجل هذا أهلكهم و أنقذ سيّدنا هوداً و الذين آمنوا معه حتى يعود الناس إلى فطرتهم و
يبدأون حياة إنسانية جديدة مليئة يالخير و الخصب و النماء .
بسم
الله الرحمن الرحيم
{
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم
مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ
إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ * قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا
بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ
بِمُؤْمِنِينَ * إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ
إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن
دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى
اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا
إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم
مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ
تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * وَلَمَّا جَاء
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا
وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ *
وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ
عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }
.
|