" قصة سيدنا
يونس (
عليه السلام )
"
بسم الله الرحمن
الرحيم
على
ضفاف نهر دجلة عاش الآشوريون في مدن كبرى ، وكانت نينوى أكبر مدنهم فهي عاصمة
البلاد .
وفي
نينوى كان يعيش مئة الف انسان أو اكثر بقليل .
كانوا يعيشون حياتهم ، يزرعون حقولهم الواسعة ويرعون ماشيتهم الكثيرة في تلك الأرض
الخصبة .
وفي
تلك المدينة الكبيرة وُلد سيدنا يونس وعاش ، حتى اذا ادرك ، رأى قومه يعبدون
الأوثان والاصنام ، ينحتون التماثيل المرمرية ويعبدونها .
الله
سبحانه اصطفى عبده يونس
(
عليه السلام )
نبياً ، كان يونس انساناً مؤمناً بالله الواحد القادر ، وكان يدرك أن هذه التماثيل
والاصنام مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع .
الله
سبحانه أرسل يونس إلى أهل نينوى يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه ونبذ الاصنام
والأوثان .
الناس في تلك البلاد كانوا طيبين ولكنهم كانوا يشركون بالله منذ زمن بعيد وهم
يعبدون التماثيل .
وجاء
سيدنا يونس و وعظهم و نصحهم و قال لهم : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به أحداً .
و
لكن أهل نينوى و قد اعتادوا على عبادة التماثيل رفضوا دعوة يونس ، و وقفوا في وجهه
.
كل
الانبياء كانوا يُعلِّمون الناس عبادة الله الواحد كل الرسل كانوا يبشّرون بالتوحيد
.
الناس كانوا ضالّين ، يعبدون الحجارة . . يظنّون ان لها تأثيراً في حياتهم .
جاء
سيدنا يونس وأرشدهم إلى عبادة الله الواحد الأحد .
ولكن
ذلك لم ينفع معهم .
وحذّرهم النبي من عاقبة عنادهم . . ان الله سبحانه سيعذّبهم إذا ظلّوا على عنادهم
وعبادة الاصنام .
و
غضب سيدنا يونس من أهل نينوى فحذّرهم من نزول الغضب الالهي .
غادر
سيدنا يونس نينوى ومضى .
ذهب
باتجاه البحر الابيض . كان يترقّب نزول العذاب بأهل نينوى .
و
مضت أيامٌ و أيام ، و لكن سيدنا يونس لم يسمع شيئاً .
سأل
كثيراً من المسافرين عن أخبارهم نينوى وأهلها ، وكانوا كلّهم يقولون : ان المدينة
بخير .
و
تعجّب سيدنا يونس ! لقد صرف الله عن أهل نينوى العذاب .
من
أجل هذا واصل طريقه باتجاه البحر الابيض .
التوبة :
لنترك سيدنا يونس وهو في طريقه إلى البحر لنعود إلى نينوى تلك المدينة الكبرى . .
ماذا
جرى هناك لماذا صرف الله عن أهل نينوى العذاب ؟
عندما غادر سيدنا يونس غاصباً و مضت عدّة أيام شاهد أهل نينوى علامات مخيفة . .
السماء تمتلئ بغيوم سوداء كالحة ، وهناك مايشبه الدخان في أعالي السماء .
و
رأى بعض الصلحاء تلك العلامات فأدرك ان العذاب الالهي على وشك أن ينزل فيدمرّ مدينة
نينوى بأسرها .
ستتحول المدينة الى أنقاضٍ وخرائب ، من أجل ذلك أسرع و حذّر أهالي نينوى من نزول
العذاب قال لهم :
ـ
ارحموا انفسكم ! ارحموا ابناءكم وبناتكم . لماذا تعاندون ؟! إنّ يونس لا يكذّب
أبداً ، و أنَّ العذاب سيحلّ بكم .
أهل
نينوى رأوا علامات العذاب . .
لهذا
راحوا يفكرون بمصيرهم بمصير ابنائهم ، بمصير مدينتهم .
أدركوا ان هذه التماثيل لا تنفعهم . . إنها مجرّد حجارة نحتها الآباء بأيديهم
فلماذا يعبدونها من دون الله .
شعر
أهل نينوى بالندم ، كانوا غافلين فانتبهوا ، وكانوا نائمين فاستيقظوا .
من
أجل ذلك راحوا يبحثون عن سيدنا يونس . . جاءوا يعلنون إيمانهم بالله سبحانه .
و
لكنّ سيدنا يونس كان قد غادر نينوى الى مكان بعيد . . الى مكان لا يعرفه أحد !
من
أجل هذا اجتمعوا في أحد الميادين ، و قال لهم الرجل الصالح اعلنوا ايمانكم يا أهل
نينوى ، و قال لهم : ان الله رحيم بالعباد فاظهروا الندم ، و خذوا الاطفال الرضع من
أمهاتهم حتى يعمّ البكاء ، و ابعدوا الحيوانات عن المراعي حتى تجوع و تعلوا أصواتها
.
هكذا
فعل أهل نينوى فصَلوا بين الاطفال والامهات ، وبكى الاطفال ، وبكت الامهات ،
الحيوانات كانت تضجّ من الجوع و تعطّلت الحياة في مدينة نينوى . .
الجميع يبكون ، الجميع آمنوا بالله الواحد القادر على كل شي .
وشيئاً فشيئاً كانت السماء الزرقاء الصافية تظهر ، و الغيوم السوداء تبتعد .
اشرقت الشمس من جديد ، و فرح الناس برحمة الله الواسعة و بنعمة الايمان و الحياة .
كان
أهل نينوى ينتظرون عودة نبيهم ، و لكن دون جدوى لقد ذهب سيدنا يونس غاضباً و لم يعد
، ترى اين ذهب يونس ؟
في البحر :
وصل
سيدنا يونس البحر الابيض ، و وقف في المرفأ ينتظر سفينة تبحر إلى إحدى الجزر .
و
جاءت سفينة شراعية . . السفينة كانت مشحونة بالمسافرين .
توقّفت في المرفأ لينزل بعض المسافرين ، و يركب البعض الآخر . كان سيدنا يونس من
الذين ركبوا السفينة .
انطلقت في عرض البحر بعد أن رفعت اشرعتها عالياً .
و
عندما صارت في وسط البحر ، هبت العواصف ، و ارتفعت الأمواج .
و
فيما كانت السفينة تمخر المياه المتلاطمة حدث شيء عجيب ، ظهر حوت كبير ! حوت العنبر
الهائل . . كان الحوت يرتفع وسط الامواج ثم يهوي بذيله ليضرب المياه ضربة هائلة ،
فيصدر صوتاً يشبه الانفجار ، اصاب الاسماك بالذعر فولّت هاربة .
توقف
قليلاً فانبثقت نافورة المياه كشلال يتدفق نحو السماء .
اندفع الحوت باتجاه السفينة ، ثم انعطف فجأة وحرّك ذيله ليدفع موجة هائلة نحو
السفينة ، و ارتجّت السفينة بعنف !
أدرك
ملاحو السفينة ان الحوت يريد تحطيم السفينة و اغرافها كان حوتاً هائلاً و كانت
السفينة صغيرة .
لم
يكن أمام قبطان السفينة غير طريق واحد هو التضحية بأحد ركاب السفينة ليكون طعاماً
للحوت .
لهذا
اجتمع ركاب السفينة وأجروا القرعة فمن خرجت عليه القرعه فهو الضحية . وخرجت القرعة
على أحد المسافرين وهو رسول الله يونس .
وتقدّم يونس ليواجه مصيره بشجاعة .
عرف
سيدنا يونس أن ما حدث كان بمشيئة الله ، لهذا لم يخف وهو يهوي باتجاه الأعماق .
رأى
المسافرون و ركاب السفينة حوت العنبر يتجه نحو الضحية و بعدها لم يروا شيئاً .
اختفى يونس واختفى حوت العنبر و نجت السفينة من الخطر و لكن ماذا حصل بعد ذلك في
تلك الأعماق السحيقة ؟
في الأعماق :
ابتعلت الأمواج سيدنا يونس
(
عليه السلام )
، و فيما هو يحاول السباحة و النجاة اذا به يرى الحوت قادماً نحوه و قد فتح فمه
الهائل المخيف .
و
مرّت لحظات فاذا يونس في فم الحوت ثم في بطنه الكبير المظلم !
و في
تلك اللحظة أدرك سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود الى نينوى ، لا أن يسافر إلى
الجزيرة .
و في
اعماق الحوت هتف يونس :
لا
إله إلاّ أنت سبحنك إنّي كنت من الظالمين .
كان
نداء يونس نداء الايمان بالله القادر على كل شيء . . .
شعر
سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود إلى نينوى مرّة أخرى لا أن يسافر إلى تلك الجزيرة
البعيدة .
ان
الله سبحانه هو مالك البر والبحر و خالق الحيتان في غمرات البحار .
من
أجل هذا راح سيدنا يونس يسبح لله الخالق البارئ المصوّر له الاسماء الحسنى .
و
تمرّ الساعات ، و يونس في بطن الحوت ، و تمرّ الساعات و الحوت يطوف في اعماق المياه
. . .
سيدنا يونس ما يزال يسبّح لله ، كان يهتف : لا إله إلاّ أنت : سبحانك إنّي كنت من
الظالمين و هكذا تمرّ الأيام والليالي .
ساحل النجاة :
و
يشاء الله سبحانه أن يتجه الحوت إلى شواطئ إحدى الجزر . . الحوت يقترب من الشاطئ
تتقلص معدته وتتدفق من داخلها المياه وكان يونس فوق الأمواج ثم يستقرّ على شطآن
الرمال الناعمة .
كان
من رحمة الله ان الشاطئ خال من الصخور و إلاّ لتمزق بدن يونس .
يونس
الآن في غاية الضعف ، جسمه مشبع بالمياه . كان سيدنا يونس منهك القوى ظامئاً . كان
يموت من العطش . .
إنّه
لا يستطيع الحركة يحتاج إلى استراحة مطلقة في الظل ولكن ماذا يفعل و هو وحيد على
الرمال ؟!
الله
سبحانه أنبت عليه شجرة يقطين ، استظلّ سيدنا يونس بأوراق اليقطين العريضة ، و راح
يأكل على مهل ثمارها . . .
ان
من خواص اليقطين احتواؤه على مواد تفيد في ترميم الجلد وتقوية البدن .
و من
خواصّه أنه يمنع عنه الذباب الذي لا يقرب هذه الشجرة .
و
هكذا شاء الله سبحانه أن ينجو يونس من بطن الحوت ، و أن يدرك سيدنا يونس أن الله هو
القادر على كل شيء هو الرحمن الرحيم .
استعاد سيدنا يونس صحته و عاد إلى مدينته نينوى .
و
فرح سيدنا يونس عندما رأى أهل نينوى يستقبلونه و هم فرحين برحمة الله . . لقد آمن
الجميع ، فكشف الله عنهم العذاب . . الاطفال يلعبون ، والرجال يعملون و المواشي
ترعى في المروج بسلام . . .
انها
نعمة الايمان بالله الذي وهب الانسان الحياة .
بسم
الله الرحمن الرحيم
{
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
* فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا
عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ
يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }
.
بسم
الله الرحن الرحيم
{
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ
مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ
وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }
.
|